فتاوي اسلامية

النجاسات وأنواعها وكيفية التطهر منها

تعرف على النجاسات وأنواعها

النجاسات وأنواعها وكيفية التطهر منها

النجاسات هي الأمور التي يحكم الشرع بأنها مستقذرة وموجبة للطهارة إذا أصابت البدن أو الثياب أو الأماكن المستخدمة في العبادة، كالصلاة، وموضوع النجاسات من المواضيع الأساسية في علم الطهارة، وهو شرط لصحة العبادات والطاعات.

سنتناول في هذا المقال تعريف النجاسة، أنواعها، كيفية تطهيرها، وأهم الأحكام المتعلقة بها، مستندين إلى أدلة من الكتاب والسنة وآراء العلماء.

النجاسات وأنواعها وكيفية التطهر منها
النجاسات وأنواعها وكيفية التطهر منها

تعريف النجاسة

النجاسة لغةً تعني القذارة، وهي كل ما تنفر منه النفس السوية وتشمئز، واصطلاحًا تعني كل عين حكم الشرع بأنها قذرة تمنع صحة الصلاة والطهارة إذا لم يتم تطهيرها، وقد دلَّت الأدلة الشرعية على تحريم حمل النجاسة أثناء الصلاة أو ملامستها للبدن أو الملابس.

أنواع النجاسات

النجاسات تنقسم إلى عدة أنواع رئيسية، وسنذكرها بالتفصيل مع الأدلة الشرعية:

1- الميتة:

هي ما مات من غير تذكية (أي من غير ذبح شرعي)، ويُلحق بها ما قُطع من الحي، ويستثنى من ذلك:

ميتة السمك والجراد

فهي طاهرة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: “هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيتَتُهُ”، وروي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أُحِلَّت لَنَا مَيتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا المَيتَتَانِ فَالحُوتُ (ويُقصد به جميع أنواع الأسماك) وَالجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالكَبِدُ وَالطٍّحَالُ” (رواه أحمد).

ميتة ما لا دم له سائل

الميتة التي لا دم لها سائل كالنمل والنحل والذباب والصراصير ونحوها، فإنها طاهرة، وإذا وقعت في شيء وماتت فيه، فلا تنجسه، ويختص الذباب فوق ذلك بخاصية أخرى أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُم فَليَغمِسهُ، ثُمَّ لِيَنزعهُ، فَإِنَّ إِحدَى جَنَاحَيهِ دَاءً، وَالأُخرَى شِفَاءً” (رواه البخاري).

وقد كشف العلم الحديث سر هذا الحديث الشريف، حيث تم اكتشاف أن الذبابة مصابة بطفيلي من جنس الفطريات يُسمى أمبوزاموسكي، كما أنها تحمل الجراثيم المسببة للأمراض، فإذا تعرضت حافظات الفطر على جسم الذبابة لضغط خارجي، فإن الفطر ينطلق منها ويُفرز مادة تقتل الجراثيم المرضية، وقد ثبُت أن لهذه المضادات مفعولًا قويًا جدًا، حيث يكفي جرام واحد منها لتعقيم أكثر من 1000 لتر لبن من التلوث بالجراثيم المرضية، وغمس الذبابة إذا وقعت في أي مشروب ما هو إلا عملية للتأكد أن حافظات الفطر قد تم تعرضها للضغط اللازم لانطلاق المادة المطهرة، فكأن الذبابة فعلًا في أحد جناحيها داء، وفي الآخر دواء كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُجبر أحدًا على غمس الذبابة في الطعام أو الشراب ثم يأكله أو يشربه، وإنما نصح بذلك من عز عليه الطعام، فعندئذٍ يغمس الذبابة كلها، لكي يُطهر طعامه من الجراثيم التي وقعت في الطعام عند سقوطها فيه، أما من عافت نفسه ذلك، فلا حرج عليه.

عظم الميتة وقرنها وظفرها وشعرها وريشها وجلدها

كل ما هو من جنس ذلك طاهر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وجد النبي صلى الله عليه وسلم شاه ميتة أُعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “هَلاَّ انتَفَعتُم بِجِلدِهَا”، قالواإنها ميتة، قال: “إِنَّمَا حَرُمَ أَكلُهَا” (رواه البخاري).

وتطهُر بالدباغ (معالجة الجلد بمادة ليزول ما به من رطوبة ونتن) جميع جلود الميتة، ولا فرق بين ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه إلا جلود الكلاب والخنازير، فإنها نجسة على كل حال، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَد طَهُرَ” (رواه مسلم).

أما الميت من البشر فليس بنجس سواء كان مسلمًا أو كافرًا، قال الإمام البخاري في أول باب غسل الميت: حنط (طيبه بالحنوط، وهو نوع من الطيب يطيب به الميت) ابن عمر رضي الله عنهما ابنًا لسعيد بن زيد وحمله، وصلى ولم يتوضأ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا، وقال سعيد: لو كان نجسًا ما مسسته، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “المُؤمِنُ لَا يَنجُسُ”، أما الكافر فنجاسته نجاسة معنوية وليست بدنية.

2- الدم:

يُعتبر الدم من النجاسات إذا كان مسفوحًا (أي مصبوبًا) كالدم الذي يجري من المذبوح، أما الدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح، فهو طاهر، وأما دم الحيض والنفاس فنجس، فعن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب. كيف تصنع؟ قال: “تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقرُصُهُ (تدلكه بالماء بأطراف أصابعها) بِالمَاءِ، وَتَنضَحُهُ (أي ترشه بالماء)، وَتُصَلِّي فِيهِ” (رواه البخاري).

أما دم الجراح فلا بأس به ولو كان كثيرًا، فالإمام البخاري قال: يُذكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع، فرمى رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته، وقال الحسن: ما زال المسلمون يُصلون في جراحاتهم… وعصر ابن عمر بثرة (الخراج الصغير)  فخرج منها الدم ولم يتوضأ… وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم ( ويقصد بها الحجامة وهي أخذ الدم من الرأس بغرض التداوي): ليس عليه إلا غسل محاجمه (مواضع الحجامة من الرأس).

ورةي أن المسور بن مخرمة دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طُعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعبُ (ينزف ويسيل منه الدم) دمًا (رواه مالك).

3- الخنزير:

الخنزير بكل أحواله نجس، لا يحل للمسلم بيعه، ولا أكل لحمه، لقول الله تعالى: “قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (سورة الأنعام، الآية 145).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إنَّ اللَّهَ حرَّمَ الخمرَ وثمنَها ، وحرَّمَ الميتةَ وثمنَها ، وحرَّمَ الخنزيرَ وثمنَهُ” (رواه أبو داود)، وأجمع العلماء بعدم تطهر جلد الخنزير بالدباغة.

4- الكلب:

لعاب الكلب نجس، ويجب غسل ما ولغ فيه سبع مرات أولاهن بالتراب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ” (رواه مسلم)، أما شعر الكلب فلم يثبت نجاسته.

5- قيء الآدمي:

قيء الآدمي من النجاسات لأنه تحول من طعام إلى شيء آخر، فأشبه الفضلات، وقد رُوي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ (رواه الترمذي)، وقال الترمذي: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف (خروج الدم من الأنف)، إلا أنه يُعفى عن يسير القيء.

6- بول الآدمي وغائطه:

من النجاسات أيضًا البول والبراز ويجب التطهر منهما بغسلهما، إلا أنه يُخفف في بول الصبي الرضيع الذي لم يأكل، فيكتفي في تطهيره بالرش، أما البنت فيُغسل بولها، سواء طعِمت أم لم تطعم، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بول الغلام الرضيع: “يُنضَحُ (أي يُرش) بَولُ الغُلامِ، ويُغسَل بَولُ الجَاريةِ”. قال قتادة: وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غُسلا جميعًا (رواه الترمذي).

7- المذي والودي:

المذي هو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع، أو عند المداعبة، وقد لا يشعر الإنسان بخروجه، ويكون من الرجل والمرأة إلا أنه من المرأة أكثر، وهو نجس، وإذا أصاب البدن وجب غسله، أما إذا أصاب الثوب فيُكتفى بالرش بالماء، وعن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: “فِيهِ الوُضُوءُ” (رواه البخاري)، وفي رواية الترمذي عن سهل بن حنيف رضي الله عنه، فقلت: يا رسول الله، كيف بما يُصيب ثوبي منه؟ قال: “يَكفِيكَ أَن تَأخُذَ كَفًّا مِن مَاءٍ، فَتَنضَحَ بِهِ ثَوبَكَ حَيثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ مِنهُ” (رواه الترمذي).

أما الودي فهو ماء أبيض ثخين يخرج من دون شهوة، ويكون بعد البول، وهو نجس يجب غسله كالبول.

8- المني:

الظاهر أنه طاهر؛ لأنه أصل خلقة الإنسان، ولكن يُستحب غسله إذا كان رطبًا، وفركه إن كان يابسًا، فقد روي عن سليمان بن يسار قال: سألت عائشة عن المني يُصيب الثوب، فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع من الماء (رواه البخاري).

وعن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: كنت نازلًا على عائشة (أي ضيفًا عليها)، فاحتلمت في ثوبي فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها، فبعثت إليَّ عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك؟ قال: قلت: رأيت ما يرى النائم (كناية عن الاحتلام، تأدبًا مع السيدة عائشة) في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئًا؟ قلت: لا، قالت: فلو رأيت شيئًا غسلته، لقد رأيتُني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري (رواه مسلم).

9- بول وروث ما لا يؤكل لحمه:

بول وروث ما لا يؤكل لحمه من النجاسات؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط (مكان قضاء الحاجة)، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست (بحثت وطلبت) الثالث فلم أجده، فأخذت روثة (فضلات الحيوانات) فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة وقال: “هَذَا رِكسٌ (النجاسة)” (رواه البخاري).

إلا أنه يعفى عن اليسير منه لمشقة الاحتراز عنه، فقد كان الصحابة يبتلون به في مغازيهم، فلا يغسلونه من جسد أو ثوب.

أما لحم ما لا يؤكل لحمه، فهو نجس يجب غسل ما أصاب البدن والثوب والآنية منه، حتى لو ذُكِّي ذكاة شرعية، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نيرانًا تُوقد يوم خيبر قال: “عَلَى مَا تُوقَدُ هَذِهِ النِيرَانُ؟” قالوا: على الحُمُرِ (الحمار المستأنس) الإنسية، قال: “اكسِرُهَا وَأَهرِقُوهَا (أي اسكبوا فيها وأفرغوها)، قالوا: ألا نُهريقُها ونغسلُها؟ قال: “اغسِلُوا” (رواه البخاي).

أما ما يؤكل لحمه، فبوله وروثه طاهر، فقد قال ابن تيمية: لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته، وعن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عُكل (قبيلة من العرب) فأسلموا، فاجتووا المدينة (أي أصابهم الجوى، وهو داء البطن، أثناء إقامتهم بالمدينة)، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا… (رواه البخاري).

10- الجلالة:

الجلالة هي التي تأكل العذرة (النجاسة)، من الإبل والبقر والغنم والدجاج والأوز وغيرها؛ حتى يتغير ريحها، فعن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها (رواه الترمذي).

وإن حُبِست الجلالة بعيدة عن العذرة زمنًا، وعُلفت علفًا طاهرًا طاب لحمها،وذهب اسم الجلالة عنها، وصار أكل لحمها وشُرب لبنها حلالًا؛ لأن علة النهي زالت عنها.

11- الخمر:

إن تحريم شرب الخمر لا يعني بالضرورة نجاستها، أما قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (سورة المائدة، الآية 90)، فيُحمل على أنها نجسة نجاسة معنوية، مثلها مثل الميسر والأنصاب والأزلام، وليس هناك دليل على نجاستها الحسية، ووجوب تطهير البدن والثوب منها.

كيفية تطهير الأشياء من النجاسات

تطهير البدن والثوب

إذا أصاب البدن والثوب نجاسة مرئية لها جسم كالدم والغائط، فإنها تُحك وتُدلك جيدًا، ثم تُغسل بالماء حتى تزول؛ لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وفيه: جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب. كيف تصنع؟ قال: “تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقرُصُهُ بِالمَاءِ، وَتَنضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ” (رواه البخاري).

وإن كانت النجاسة ليس لها جسم، ولا تُرى بعد الجفاف كالبول، فيكتفي بغسلها بالماء جيدًا حتى يغلب على الظن أنها قد زالت، إلا أنه يكتفى في بول الغلام الغلام الرضيع بالرش، دفعًا للحرج والمشقة.

ومن خفي عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله، وإذا أصابت النجاسة ذيل ثوب المرأة، فإن الأرض الطاهرة تُطهره عندما يحتك ذيل الثوب بها بعد ذلك، فعن أم ولدً (اسمها حميدة) لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالت: ” كنت أجر ذيلي (كناية عن طول ثوبها) فأمُرُ بالمكان القذر والمكان الطيب، فدخلت أم سلمة (أم المؤمنين هند بنت أمية بن المغيرة) فسألتها عن ذلك، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يُطَهِّرُهُ مَا بَعدَهُ” (رواه أحمد).

أما لو أصاب المرء شيء لا يدري أطاهر هو أم نجس، لا يجب أن يسأل، ولو سأل لا يجب على المسئول أن يُجيبه ولو علم أنه نجس، ولا يجب عليه غسل ذلك، وذلك من يسر الإسلام، ولكن إن سأل وأُخبر بنجاسته، وجب عليه غسله.

تطهير الأرض

تُطهر الأرض من النجاسة بصب الماء عليها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به (ليضربوه)، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دَعُوهُ وهَرِيقُوا (اسكبوا) علَى بَوْلِهِ سَجْلًا (الدلو) مِن مَاءٍ، أوْ ذَنُوبًا (الدلو الكبير) مِن مَاءٍ، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ” (رواه البخاري).

وتُطهر الأرض أيضًا بالجفاف هي وما يتصل بها كالشجر والمباني، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانت الكلاب تبول وتُقبِل وتُدبر (تروح وتجئ) في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك (رواه البخاري)، هذا إذا كانت النجاسة سائلة، أما إذا كان للنجاسة جسم، فلابد من إزالة جسمها، ولا يُكتفى بالجفاف.

تطهير الأطعمة

إذا وقعت في الأطعمة الجامدة نجاسة طُرحت وما حولها من الطعام، فعن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال: ” أَلقُوهَا وَمَا حَولَهَا فَاطرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمنَكُم” (رواه البخاري) هذا في الجوامد، أما الموائع (السوائل)، فذهب الجمهور إلى أنها تنجس كلها بملاقاة النجاسة، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن الفأرة تقع في السمن، فقال: ” إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلقُوهَا وَمَا حَولَهَا وإنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقرَبُوهُ” (رواه النسائي)، ويرى فريق من العلماء أن المائع حكمه مثل الماء لا ينجس إلا إذا تغير بالنجاسة، فإن لم يتغير فهو طاهر.

تطهير جلد الميتة

يُطهر جلد الميتة ظاهرًا وباطنًا بالدباغ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَد طَهُرَ” (رواه مسلم).

تطهير الأدوات والآنية

تُطهر المرآة والسكين والسيف والظفر والعظم والزجاج والآنية المدهونة، وكل صقيل لا مسام له، بالمسح أو الغسل الذي يزول به أثر النجاسة.

تطهير النعل

يُطهر النعل الذي أصابه شيء من النجاسات بالدلك بالأرض إذا ذهب أثر النجاسة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِذَا وطِئَ أحَدُكُم بِنَعلِه الأَذَى، فإنَّ التُّرابَ لَهُ طَهُورٌ” (رواه أبو داود).

ولا يجب غسل ما أصابه طين الشوارع من بدن أو ثوب أو نعل، ما لم يغلب على الظن نجاسته، فقد روي أن عليًا رضي الله عنه كان يخوض طين المطر، ثم يدخل المسجد فيُصلي دون أن يغسل رجليه.

في الختام، حكم النجاسات من الأحكام الفقهية التي تعكس جوهر الإسلام في السمو بالنفس البشرية، وتنقيتها من كل ما يُعيق علاقتها بالله، والتزام المسلم بالطهارة من النجاسات ليس هدفه فقط صحة العبادة، وإنما هو تعبير عن تعظيمه لله وحرصه على النقاء الظاهري والباطني، فالطهارة تجعل المسلم دائم الاستعداد لملاقاة ربه، وتذكره دومًا أن الإسلام دين النقاء والصفاء، لذلك فإن تعلم أحكام النجاسة وكيفية التطهر منها يُعد خطوة ضرورية في حياة كل مسلم ومسلمة؛ فهي تُعزز من طهر القلوب وسلامة النفوس، لتبقى الأرواح طاهرة كما أراد الله، مستجيبة لنداء الإيمان: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (سورة البقرة، الآية 222).

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index