إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات…الأربعين النووية 1

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات والدروس المستفادة منه

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات…الأربعين النووية 1

حديث إنما الأعمال بالنيات من بين الأحاديث النبوية التي تمثل جوهر الدين الإسلامي وتعكس عظمته في توجيه النفس البشرية، والذي افتتح به الإمام النووي كتابه “الأربعين النووية”، ويُعد قاعدة أساسية في الفقه الإسلامي ومفتاحًا لفهم مقاصد الشريعة وأحكامها.

سنتناول في هذا المقال شرحًا مبسطًا لهذا الحديث مع استنباط الدروس والفوائد منه، وربطه بحياة المسلم اليومية.

حديث إنما الأعمال بالنيات (الحديث الأول في الأرعين النووية)

المحتوى :

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه” (رواه البخاري ومسلم).

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات...الأربعين النووية 1
شرح حديث إنما الأعمال بالنيات…الأربعين النووية 1

شرح بعض الكلمات في حديث إنما الأعمال بالنيات

إنما: أداة حصر تُفيد التأكيد، وتُستخدم لتثبيت المعنى وحصره في سياق محدد، وتعني هنا أن قبول الأعمال مرتبط بالنيات ولا يتم التفريق بين العمل الصالح وغيره إلا بالنية.

الأعمال: تشمل كل الأفعال التي تصدر عن الإنسان سواء كانت ظاهرة كالصلاة والصيام، أو باطنة كالإخلاص والصدق.

النيات: جمع نية، وهي قصد القلب وعزمه على فعل شيء معين، وهي مركز التمييز بين الأعمال المقبولة والمرفوضة.

هجرته: الانتقال من مكان إلى آخر بقصد معين، وهو يشمل الهجرة المادية والمعنوية.

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات

“إنما الأعمال بالنيات”.

يُبرز النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجزء أهمية النية كأساس لكل عمل، فالنية هي المعيار الذي يُميز بين العادة والعبادة، وبين العمل المقبول وغير المقبول.

فإذا كان هناك شخصان يصليان، الأول صلاته خالصة لوجه الله، والثاني صلاته رياءً، فإن الأول يُثاب على عمله، بينما الآخر يُحاسب عليه.

“وإنما لكل إمرئ ما نوى”.

يُشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الأجر والثواب مرتبطان بما قصده الإنسان، فإذا نوى الخير، أُثيب عليه، وإذا نوى غير ذلك، كان جزاؤه بما أراد.

فمن يتصدق بماله بنية مساعدة الفقراء يُثاب على ذلك، أما من يتصدق ليُمدح بين الناس، فإن نيته الفاسدة تُفسد عمله.

“فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”.

النبي صلى الله عليه وسلم وضح أهمية النية من خلال مثال الهجرة، وذكر أن من هاجر لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله، فهجرته مقبولة ومثاب عليها، أما من هاجر لأغراض دنيوية كتحقيق مكاسب مالية أو الزواج، فإن أجره يقتصر على نيته.

الدروس المستفادة من حديث إنما الأعمال بالنيات

النية معيار قبول الأعمال

لا تُقبل الأعمال عند الله إلا إذا كانت خالصة لوجهه الكريم، كما قال الله تعالى: «وما أُمِروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين» (سورة البينة، الآية 5)، فالنية تُحول العمل الدنيوي إلى عبادة كالأكل بقصد التقوِّي على الطاعة، وكطبخ المرأة لأولادها وزوجها في صيام رمضان بنية إطعام صائم.

النوايا تُميِّز بين العبادات والعادات

النية تميِّيز بين عمل الإنسان كعبادة لله وبين عمله كعادة يفعلها، كما أن النية تحول العادة إلى عبادة، على سبيل المثال إذا نوى المسلم الراحة ليستطيع أداء صلاة الفجر كان نومه عبادة، وكذلك إذا نوى المسلم تقوية جسده لعبادة الله كان الأكل عبادة.

خطورة الرياء في العمل

 يُفسد الرياء العمل ويحرم العبد من الأجر، كما في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه».

أجر النية الصالحة حتى مع عدم القدرة على التنفيذ

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحدثكم حديثا فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصِلُ فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبِط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء» (رواه الترمزي)، ويتضح من الحديث أن النية تُثاب عليها حتى إن لم يتحقق العمل.

الحذر من فساد النية

قد يبدأ الإنسان العمل بنية صالحة، لكن بمرور الوقت تتحول نيته لأغراض دنيوية، لذلك يجب تجديد النية باستمرار.

رفع قيمة العمل الدنيوي ليصبح عبادة

إذا اقترنت النية الصالحة بالعمل الدنيوي كالتجارة أو التعليم أو العمل، فإن ذلك العمل يتحول إلى عبادة يؤجر عليها المسلم كالأكل بنية التقوي على الطاعة، أو العمل بنية الإنفاق على الأهل، كلاهما يُعتبر عبادة.

ضبط نية المسلم في كل أفعاله

يجعل الحديث المسلم دائم الحرص على استحضار النية قبل الشروع في أي عمل فمثلًا قبل الصلاة يُذكِّر نفسه بأنها لله خالصة، وقبل العمل يُنوي خدمة الأمة أو إعالة أهله.

تصحيح الأولويات في الحياة

 الحديث الشريف يجعل المسلم يُدرك أن النجاح الحقيقي لا يكون في تحقيق الأهداف الدنيوية فقط بل في تحقيق الأجر الأخروي المرتبط بالنية الصالحة.

النية تُضاعف الأجر

بالنية الصادقة يمكن للمسلم أن يُثاب على أعمال كثيرة في وقت واحد، فإذا صام يومًا بنية التقرب إلى الله ونية شكر النعمة ونية طلب المغفرة، فإنه يُؤجر على جميع تلك النيات.

استدامة العمل الصالح

النية تدفع المسلم إلى الاستمرار في الأعمال الصالحة لأنها تُذكِّره بالهدف الأسمى، وهو رضا الله.

بناء علاقة قلبية صادقة مع الله

النية تربط أعمال المسلم بعلاقته مع ربه، فتتحول حياته كلها إلى طاعة مستمرة سواء في الأمور الدينية أو الدنيوية.

أمثلة على النية في الإسلام

النية في العبادات

يجب أن ينوي المسلم أداء الصلاة تقربًا إلى الله، وليس لأجل عادة أو ضغط مجتمعي، وكذلك الصيام فإذا صام المسلم لوجه الله فقط، فإنه يُثاب. أما إذا كان يصوم لأغراض صحية بحتة، فلا أجر له.

النية في المعاملات اليومية

 كالعمل، فإذا نوى الإنسان في عمله الإخلاص، وإعالة أسرته، وخدمة الناس كان عمله عبادة، وطلب العلم  كطالب العلم إذا نوى رفع الجهل عن نفسه ونفع الأمة، فإنه يُثاب على كل لحظة يقضيها في التعلم.

ارتباط حديث إنما الأعمال بالنيات بمقاصد الشريعة

تحقيق الإخلاص

الإخلاص هو جوهر العبادة، والنية الصادقة أساس قبول الأعمال، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا» (سورة الكهف، الآية 110).

التيسير في التشريع

يُيسِّر الله عز وجل على عباده باشتراط النية فقط في كثير من الأعمال دون الحاجة إلى مظاهر أو أفعال إضافية.

تعزيز مفهوم المسؤولية الشخصية

كل مسلم مسؤول عن نيته، وهي سر بينه وبين الله، ولا يمكن لأي أحد أن يُقيِّمها.

كيفية تصحيح النية باستمرار

1- استحضار النية قبل العمل:

علىى المسلم قبل الشروع في أي عمل أن يتذكر لماذا يقوم بهذا العمل، وما الهدف منه، وأن تكون نيته خالصة لله وحده.

2- تجديد النية أثناء العمل:

قد تتغير النية مع مرور الوقت، لذلك يُستحب للمسلم أن يُذكر نفسه بالإخلاص.

3- محاسبة النفس بعد العمل:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية»، وذلك يُحفِّز على مراجعة النوايا وتصحيحها.

4- الدعاء بالإخلاص:

من أعظم ما يُعين على تصحيح النية هو الدعاء، فنجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: « اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا»، وهذا ما أوضحته الآية الكريمة “ليبلوكم أيكم أحسن عملا” وأحسن العمل هو ما يكون خالصًا لله وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

من أقوال علماء المسلمين عن حديث إنما الأعمال بالنيات

الإمام الشافعي

قال الإمام الشافعي: “يدخل هذا الحديث في سبعين بابًا من أبواب الفقه” مشيرًا إلى أهميته في تشريعات الإسلام، وقال أيضًا: “هو ثلث الإسلام”.

الإمام أحمد بن حنبل

قال: “أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: إنما الأعمال بالنيات، من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، والحلال بين والحرام بين”.

الإمام النووي:

قال الإمام النووي رحمه الله: “أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وصحة روايته”.

الإمام ابن مهدي:

 وقال ابن مهدي: “ينبغي لمن صنف كتاباً أن يبدأ فيه بهذا الحديث، تنبيهاً على تصحيح النية”.

أمثلة من حياة الصحابة على النية في ضوء حديث إنما الأعمال بالنيات

النية الصالحة كانت حاضرة بقوة في حياة الصحابة رضي الله عنهم، وكانوا يُدركون تمامًا أن صلاح العمل وقبوله عند الله مرهون بصحة النية، وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح كيف جسد الصحابة هذا المفهوم في حياتهم اليومية:

نية أبي بكر الصديق في الهجرة مع النبي ﷺ

عندما أذن الله للنبي ﷺ بالهجرة إلى المدينة كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد أعد نفسه لذلك العمل الجليل بنية نصرة الإسلام ومرافقة النبي ﷺ، فجاء في صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال لأبي بكر: “الصحبة يا أبا بكر.” فبكى أبو بكر من شدة الفرح، وكانت نيته خالصة لله في هذه الهجرة، لأنه أراد حماية النبي ﷺ ونصرة الإسلام، ويُبرز الموقف يبرز كيف جعل أبو بكر نيته موافقة لما يحب الله ورسوله، فاستحق الصحبة في أشرف رحلة في تاريخ الإسلام.

نية عثمان بن عفان في تجهيز جيش العسرة

عندما دعا النبي ﷺ الصحابة لتجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك بادر عثمان بن عفان رضي الله عنه بالتبرع بسخاء، وقال عنه قال النبي ﷺ: “ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم.” (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فما كان تبرعه مجرد المساهمة بل كانت بنيَّة نصرة الإسلام وتجهيز الجيش للدفاع عن الدين، فاستحق هذا الثناء العظيم من النبي ﷺ.

نية علي بن أبي طالب ليلة الهجرة

عندما طلب النبي ﷺ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يبيت في فراشه ليلة الهجرة تعريضًا لحياته للخطر، قبل علي ذلك طاعةً لله ورسوله حيث روى ابن إسحاق أن عليًا رضي الله عنه قال: “بتُّ في فراش رسول الله ﷺ، وكنت أعلم أن المشركين سيهجمون عليّ ظنًا منهم أنه النبي، ولكنني فعلت ذلك بنيّة حمايته.”، فنيته الخالصة جعلت هذا العمل مثالًا للفداء والتضحية في سبيل الله رغم صغر سنه.

نية عبد الرحمن بن عوف في ترك الدنيا

عندما هاجر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى المدينة عرض عليه سعد بن الربيع الأنصاري أن يقاسمه ماله وزوجاته، لكنه رفض ذلك، وقال عبد الرحمن: “دلوني على السوق.” (رواه البخاري)، فكانت نيته أن يكتسب رزقه بنفسه ليظل مخلصًا في عمله لله دون الاتكال على أحد ما جعله مثالًا للمسلم العامل بنية طيبة.

في الختام، نجد أن حديث إنما الأعمال بالنيات قاعدة عظيمة تسير عليها حياة المسلم، وأن إدراك أهمية النية وتصحيحها باستمرار هو مفتاح القبول عند الله، والارتقاء بالعمل من مجرد عادة إلى عبادة مقبولة، ونسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وإياكم.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
المحتوى :
Index