أحكام النون الساكنة والتنوين، قراءة القرآن الكريم عبادة عظيمة، وأحد أركان تحسينها هو الالتزام بأحكام التجويد التي وضعها العلماء لضمان صحة التلاوة وجمالها، ومن أبرز هذه الأحكام ما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين، فهي وسيلة لتعظيم كلام الله تعالى وإظهاره على الوجه الذي يليق به.
سنتناول في هذا المقال أحكام النون الساكنة والتنوين بالتفصيل مع بيان كيفية تعلمها، وأهميتها، وأمثلة عملية، وأسرار تطبيقها لتكون دليلًا وافيًا لكل طالب علم أو قارئ للقرآن.
تعريف النون الساكنة والتنوين وأهميتهما
تعريف النون الساكنة
- لغةً: النون في اللغة العربية هي أحد الحروف الهجائية، والسكون يعني الثبات وعدم الحركة.
- اصطلاحًا: النون الساكنة هي حرف أصلي ثابت في بناء الكلمة، سواء كانت في وسط الكلمة أو آخرها، وتظهر عند الوصل والوقف، مكتوبة دائمًا في المصحف.
أمثلة:
- في وسط الكلمة: {يَنْهَوْنَ} (سورة الأعراف، الآية 164).
- في آخر الكلمة: {مِنْهُمْ} (سورة النساء، الآية 66).
تعريف التنوين
- لغةً: التنوين مشتق من “نون”، ويعني صوت النون الزائد في نهاية الكلمة.
- اصطلاحًا: التنوين هو نون ساكنة تلحق أواخر الأسماء لفظًا لا خطًا، تظهر في الوصل وتسقط في الوقف.
أشكاله:
- تنوين الضم: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} (سورة الأنبياء، الآية 32).
- تنوين الفتح: {كِتَابًا مَرْقُومًا} (سورة المطففين، الآية 9).
- تنوين الكسر: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ} (سورة يس، الآية 40).
الفرق بين النون الساكنة والتنوين
- النون الساكنة: حرف ثابت وقفًا ووصلًا مكتوب في المصحف.
- التنوين: صوت إضافي يظهر في آخر الأسماء فقط ويختفي في حالة الوقف.
أهمية دراسة أحكام النون الساكنة والتنوين
- ضمان صحة التلاوة، فلا يمكن تحقيق القراءة الصحيحة للقرآن دون الالتزام بهذه الأحكام.
- إبراز جمال التلاوة، فالتفرقة بين الأحكام يجعل الصوت متناغمًا.
- التعبد حيث أن اتباع أحكام النون الساكنة والتنوين جزء من الالتزام بآداب تلاوة القرآن الكريم.
- تجويد التلاوة، فهي تساعد في إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة.
- حفظ المعاني، فالالتزام بالقواعد يمنع تغير المعنى الناتج عن الخطأ في النطق.
- الامتثال للأوامر الشرعية، فالالتزام بأحكام التجويد نوع من تعظيم كلام الله.
أحكام النون الساكنة والتنوين
للنون الساكنة والتنوين أربعة أحكام وهي:
1- الإظهار
تعريف الإظهار لغةً: البيان والوضوح.
اصطلاحًا: إخراج النون الساكنة أو التنوين من مخرجهما دون غنة عند ملاقاتها لأحد أحرف الحلق.
حروف الإظهار: ستة أحرف، وهي: (أ، هـ، ع، ح، غ، خ)، وتُسمى “حروف الحلق” لأنها تخرج من الحلق.
سبب تسميته بالإظهار: لأن النون أو التنوين تظهر بوضوح عند النطق بها.
كيفية النطق: يخرج الصوت بوضوح من مخرج النون أو التنوين، ويُراعى عدم إدخال صوت غنة أثناء النطق.
أمثلة على الإظهار:
- النون الساكنة: {وَمَنْ أَعْرَضَ} (سورة الكهف، الآية 57).
- التنوين: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} (سورة البقرة، الآية 235).
2- الإدغام
- تعريف الإدغام لغةً: الإدخال.
- اصطلاحًا: دمج النون الساكنة أو التنوين في الحرف التالي بحيث يصبحان حرفًا واحدًا مشددًا.
أنواعه:
- إدغام بغنة: مع الحروف (ي، ن، م، و).
- إدغام بغير غنة: مع الحرفين (ل، ر).
حروف الإدغام: ستة مجتمعة في كلمة “يرملون”.
أمثلة:
- إدغام بغنة: {مَنْ يَقُولُ} (سورة البقرة، الآية 8).
- إدغام بغير غنة: {مِنْ رَبِّهِمْ} (سورة البقرة، الآية 5).
كيفية تطبيق الإدغام
- عند الإدغام بغنة: المحافظة على الغنة عند النطق.
- عند الإدغام بغير غنة: يجب دمج الحرفين مباشرة دون غنة.
3- الإقلاب
- تعريف الإقلاب لغةً: التحويل أو التبديل.
- اصطلاحًا: قلب النون الساكنة أو التنوين ميمًا عند ملاقاتها لحرف الباء، مع الغنة.
كيفية النطق:
قلب النون أو التنوين إلى ميم، وإدخال الغنة أثناء النطق.
مثال:
- {مَنْ بَخِلَ} (سورة الحديد، الآية 24).
4- الإخفاء
- تعريف الإخفاء لغةً: الستر.
- اصطلاحًا: نطق النون الساكنة أو التنوين بين الإظهار والإدغام، مع بقاء الغنة.
حروف الإخفاء: خمسة عشر حرفًا، وهي: (ت، ث، ج، د، ذ، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ف، ق، ك).
سبب التسمية: لأن الحرف لا يظهر بشكل كامل ولا يُدغم، بل يُخفى مع بقاء الغنة.
أمثلة:
- {مَنْ تَابَ} (سورة الفرقان، الآية 70).
- {وَمِنْ قَبْلِهِ} (سورة آل عمران، الآية 137).
كيفية تطبيق الإخفاء
تقليل وضوح النون مع إظهار الغنة مع تجنب الإدغام الكامل أو الإظهار الصريح.
أحكام النون الساكنة والتنوين في تحفة الأطفال
يُعد متن “تحفة الأطفال” للعلامة الجمزوري من أشهر المتون في علم التجويد، ويتميز بأسلوبه السهل والمبسط لتعليم القواعد الأساسية للقرآن الكريم، ومنها أحكام النون الساكنة والتنوين.
1- الإظهار
“فالأولُ الإظهارُ قبلَ أَحْرُفِ
للحَلْقِ سِتٍّ رُتِّبَتْ فَلْتَعْرِفِ
همزٌ فهاءٌ ثم عينٌ حاءُ
مهملتان ثم غينٌ خاءُ”
2- الإدغام
“والثاني إدغامٌ بِسِتَّةٍ أتتْ
في يرملون عندهم قد ثَبَتَتْ
لكنها قِسْمَان قِسْمٌ يُدْغَمَا
فيه بغُنَّةٍ بَيِّنًا عَلِمَا
إلا إذا كانا بكلمةٍ فلا
تُدْغِمْ كَـ{دُنيا} ثم {صِنوانٍ} تَلا”
3- الإقلاب
“والثالث الإقلابُ عندَ الباءِ
ميمًا بغُنَّةٍ مع الإخفاءِ”
4- الإخفاء
“والرابعُ الإخفاءُ عندَ الفاضِلِ
من الحُروفِ واجبٌ للفاضِلِ
في خمسةٍ من بعدِ عشرٍ رمزُها
في صِفْ ذَا ثَنا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَمَا
دُمْ طَيِّبًا زِدْ في تُقىً ضَعْ ظَالِمًا”
أثر التلاوة الصحيحة في حياة المسلم
- تحقيق البركة في الحياة، فقراءة القرآن الكريم بإتقان تزيد البركة في العلم والعمل.
- التقرب إلى الله، فالتلاوة الصحيحة سبب لنيل رضا الله ومغفرته.
- الدعوة إلى الإسلام، فالصوت الجميل والنطق السليم للقرآن يعكسان جمال الإسلام.
كيفية تعلم أحكام النون الساكنة والتنوين
- التلقي المباشر: التعلم عن شيخ متقن لحفظ مخارج الحروف وصفاتها.
- الاستماع للقراء المتقنين: مثل الشيخ الحصري والمنشاوي، والحرص على تقليد أدائهم.
- القراءة اليومية: التطبيق العملي للقراءة يحسن الأداء.
- استخدام وسائل التعليم الحديثة: مثل التطبيقات والبرامج التعليمية المتخصصة.
في الختام، قال تعالى: {وَرَتِّلِ ٱلْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا} (سورة المزمل، الآية 4)، والالتزام بأحكام التجويد دليل على تعظيم كلام الله تعالى، وهو جزء لا يتجزأ من العبادة، كما أن دراسة أحكام النون الساكنة والتنوين وسيلة للارتقاء بقراءتنا وخشوعنا في الصلاة والتلاوة، فلنتعلم هذه الأحكام ونعلمها للأجيال القادمة، لنبقى دائمًا في رحاب القرآن الكريم.
المصدر
