من هي الصحابية التي تزوجت أربعة من الصحابة وماتوا شهداء؟
من هي الصحابية التي تزوجت أربعة من الصحابة وماتوا شهداء؟، إنَّ سيرة الصحابيات الجليلات تُمثِّل لنا منارة من نور تُضيء دروب التأمُّل والاقتداء، ومن بين تلك النساء العظيمة تقف عاتكة بنت زيد — رضي الله عنها — في مرتبة عالية، حيث اجتمعت فيها صفات قل أن تجدها في إنسانة جمال، وأدب، وفصاحة، وبلاغة، وأيضًا تحمل المصاب والصَّبر، وأكثر ما يُلفت الاهتمام إليها أنها تزوجت من أربعة من الصحابة جميعهم استشهدوا، فكان لها لقب شريف «زوجة الشهداء».
نعرض في هذا المقال سيرة الصحابية عاتكة بنت زيد رضي الله عنها تفصيليًا: نسبها، وإسلامها، وزيجاتها الأربعة، ومواقفها بعد استشهاد أزواجها، والدروس المستفادة من سيرتها.
الصحابية التي تزوجت أربعة من الصحابة وماتوا شهداء
نسب الصحابية عاتكة بنت زيد رضي الله عنها ونشأتها
هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدويَّة، وينتمي والدها إلى بيت شرف وكرم في قريش، فهو زيد بن عمرو بن نفيل الذي كان من الحنفاء في الجاهلية؛ حيث رفض عبادة الأصنام، وآمن بإله إبراهيم عليه السلام، وكان يطوف حول الكعبة ويقول: “اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه، غير أني أعلم أن عبادتك ليست في حجارة منصوبة ولا في هذه الأصنام”.
ومن هذا النسب الطيب نشأت عاتكة رضي الله عنها، وتربت في بيت عُرف بالبحث عن الحق ورفض الشرك، مما مهد قلبها للإيمان حين جاء الإسلام.
أما أخوها فهو سعيد بن زيد رضي الله عنه، أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وصهر عمر بن الخطاب، وأحد المدافعين عن دعوة النبي ﷺ.
مكانتها بين الصحابيات
عاتكة رضي الله عنها لم تكن مجرد امرأة عادية؛ بل كانت امرأة ذات عقل راجح ولسان فصيح وعبادة ظاهرة، وقد ذُكر أنها كانت شاعرة تُرثي أزواجها الشهداء بأبيات مؤثرة بليغة، حتى خلد التاريخ بعضاً من أشعارها.
كما كانت معروفة بجمالها وورعها، ولذلك كان خيار الصحابة من كبار السابقين يتقدمون لخطبتها، فكانت حياتها سلسلة من المواقف العظيمة التي جمعت بين الحب الطاهر، والوفاء، والصبر على فراق الأزواج الشهداء.
أزواجها الأربعة الشهداء
عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
كان أول أزواجها، وهو ابن خليفة رسول الله ﷺ أبي بكر الصديق، وكان عبد الله شاباً صالحاً شهد الهجرة مع النبي ﷺ، وله دور عظيم في تزويد النبي وأبي بكر بالأخبار أيام اختبائهما في غار ثور.
تزوج عبد الله من عاتكة، فعاشت معه حياةً طيبة، لكن لم يطل به الأجل؛ إذ أصيب بجراح في غزوة الطائف، وبقي يعاني منها حتى استُشهد في السنة الحادية عشرة للهجرة، فبكته عاتكة بكاءً عظيماً، ورثته بأبيات مشهورة قالت فيها:
فآليت لا تنفك عيني حزينةً *** عليكَ ولا ينفك جلدي أغبرا
فكانت وفيةً لذكراه، متأثرة باستشهاده.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بعد وفاة عبد الله خطبها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتزوجها، وقد كانت له زوجة صالحة تشاركه هموم الدعوة والجهاد، لكن سرعان ما أُصيبت بمصيبة أخرى؛ إذ اغتيل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر سنة 23 هـ على يد أبي لؤلؤة المجوسي، وعاشت عاتكة ألم الفقد مرة أخرى، وكتبت فيه رثاءً بليغاً، ومنه قولها:
عيني جودا ولا تجمدا *** ألا تبكي أمير العُدى؟
صابراً محتسباً مجتهداً *** يرحمه الله فقد أرشدا
الزبير بن العوام رضي الله عنه
بعد استشهاد عمر خطبها الزبير بن العوام رضي الله عنه، حواري رسول الله ﷺ وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن صفية عمة النبي ﷺ، وعاشت معه حياة مباركة، لكنه استُشهد أيضاً في معركة الجمل سنة 36 هـ، بعد أن اعتزل القتال، فغدر به أحد جنود علي رضي الله عنه وقتله غيلة، فأصاب الحزن قلب عاتكة مرة ثالثة، لكنها ثبتت وصبرت محتسبة.
الحسين بن علي رضي الله عنهما (بحسب بعض الروايات)
تختلف المصادر في زواجها الرابع، فبعضهم يذكر أنها تزوجت محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما (أخو عبد الله)، وقيل: تزوجت الحسين بن علي سبط رسول الله ﷺ، لكن أغلب الروايات تؤكد أنها تزوجت محمد بن أبي بكر الذي استُشهد في مصر سنة 38 هـ، وبهذا عاشت عاتكة تجربة فريدة، إذ ارتبطت بأربعة من الصحابة الكرام، وكلهم ماتوا شهداء في سبيل الله.
كانت رضي الله عنها تُضرَب بها الأمثال في الوفاء والصبر، حتى قيل: “من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة بنت زيد”، فقد جمعت بين البلاء العظيم، والصبر الجميل، والرضا بقضاء الله، مما رفع منزلتها عند الله وعند الناس.
أقوال المؤرخين عن عاتكة بنت زيد رضي الله عنها
-
قال ابن سعد في الطبقات: “كانت من النساء اللواتي لهن عقل ورأي وبلاغة، وكانت شاعرة، ولها مراثٍ مشهورة”.
-
وذكر ابن الأثير في أسد الغابة: “عاتكة بنت زيد زوجة عبد الله بن أبي بكر، ثم عمر، ثم الزبير، ثم محمد بن أبي بكر، وكلهم استُشهدوا”.
-
وقال عنها الذهبي في سير أعلام النبلاء: “ذات دين وعبادة ووفاء”.
الدروس المستفادة من سيرة الصحابية عاتكة بنت زيد رضي الله عنها
- الصبر على البلاء، فقد عاشت عاتكة رضي الله عنها تجربة قاسية بفقد أربعة من الأزواج، وكل واحد منهم بطل من أبطال الإسلام، ومع ذلك لم تجزع ولم تتسخط، بل كانت راضية محتسبة، تعلم الأمة أن الصبر هو زاد المؤمن في مواجهة الابتلاءات.
- الرضا بقضاء الله وقدره، فلم يكن فقد الأزواج الأربعة أمراً يسيراً، لكنه دليل على أن القلوب المؤمنة ترضى بما قسمه الله، فكانت عاتكة مثالاً للرضا الذي يورث السكينة في الدنيا والرفعة في الآخرة.
- الوفاء والصدق في المحبة، فيظهر وفاؤها في مراثيها البليغة لأزواجها، حيث حفظت ذكراهم بأبيات مؤثرة، فخلدت مواقفهم البطولية، لتبقى شاهدة على أن الحب الصادق لا تمحوه الأيام.
- شرف الصحبة والصلاح، فلم تكن عاتكة تُختار إلا من قبل خيار الصحابة، مما يدل على أن المرأة الصالحة شرف لزوجها، وأن الدين والصلاح هما أساس الاختيار في الزواج.
- المرأة شريك في صناعة المجد، فلم تكن عاتكة منزوعة الأثر في مجتمعها، بل كانت شريكة في مسيرة الدعوة؛ بدعائها، وصبرها، وتثبيتها للرجال من حولها، فهي نموذج للمرأة المسلمة التي تساهم في بناء الحضارة من موقعها.
- الجمع بين الإيمان والأدب، فقد جمعت عاتكة رضي الله عنها بين قوة الإيمان ورهافة الحس الأدبي، فكانت شاعرة رقيقة، تُعبِّر عن مشاعرها بلغة صادقة، مما يدل على أن الإسلام لا يعارض رهافة المشاعر، بل يهذبها ويجعلها وسيلة لنشر القيم.
- كرامة الشهادة وفضلها، فمن دروس حياتها أن الشهادة شرف عظيم، وقد أكرمها الله بأن ارتبطت بأربعة من الشهداء، حتى صار يُقال: “من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة”، وهو دليل على أن الله يُكرم أولياءه بما لا يخطر على البال.
في الختام، قد تعرفنا على سيرة الصحابية عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنها، والتي تظل شاهداً على مكانة المرأة المؤمنة في الإسلام، وعلى صبرها وثباتها أمام البلاء، وعلى أن الله يرفع عباده بقدر صبرهم ورضاهم، ولقد خلد التاريخ اسمها باعتبارها الصحابية التي تزوجت أربعة من الصحابة وماتوا شهداء، لتكون مثالاً للوفاء، والصبر، والإيمان العميق.
فرحم الله عاتكة ضي الله عنها، وجمعنا بها وبأزواجها الشهداء في جنات النعيم.
المصدر