إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا| شرح الحديث وأحكامه (الأربعين النووية 14)

تعرف على الأحكام الشرعية الموجودة بحديث لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا

Spread the love
لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا| شرح الحديث وأحكامه (الأربعين النووية 14)

حين نتأمل في حياة الناس قبل الإسلام نجدها ساحة مفتوحة لسفك الدماء بلا رادع؛ تُراق الأرواح لأتفه الأسباب، وتشتعل الحروب لسنوات بسبب كلمة أو نظرة أو شبهة ظلم، فجاء الإسلام ليضع حدًّا لهذا العبث، وليقرر قاعدة خالدة تحفظ حياة الإنسان وكرامته في حديث: “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا…” الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية.

هذه الكلمات النبوية ميثاق حياة، ودرع أمان، وصوت رحمة ينادي من بين السطور: دمك أيها المسلم أمانة، لا يُسفك إلا بحق، والحق لا يكون إلا نادرًا وبشروط دقيقة، فدعونا نتعرف على معنى الحديث وما يحتويه من أحكام.

نص حديث “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا”

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ” (رواه البخاري ومسلم).

هذا الحديث من المتفق عليه، أي بلغ أعلى درجات الصحة، وهو من جوامع الكلم التي تختصر أحكامًا عظيمة في كلمات قليلة.

لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا شرح الحديث وأحكامه (الأربعين النووية 14)
الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا)

معنى حديث “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا”

يبين الرسول ﷺ أن حياة المسلم معصومة ومحفوظة، وأن القتل جريمة كبرى لا يُباح إلا في ثلاث حالات استثنائية:

  1. الثيب الزاني وهو من تزوج ودخل بزوجته ثم زنى.

  2. النفس بالنفس وهو القصاص من القاتل عمدًا بغير حق.

  3. التارك لدينه المفارق للجماعة وهو المرتد الذي خرج عن الإسلام ومزق وحدة الأمة.

وهذه الحالات ليست مفتوحة لكل أحد، بل لا تُنفذ إلا بسلطة القضاء الشرعي، وبعد التثبت القطعي من الجريمة.

شرح حديث “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا”

  • لا يحل: تحريم قاطع.

  • دم امرئ مسلم: حياته وروحه.

  • الثيب الزاني: المتزوج الزاني.

  • النفس بالنفس: القاتل يُقتل قصاصًا.

  • التارك لدينه المفارق للجماعة: المرتد الخارج عن الإسلام.

التفصيل الفقهي للحالات الثلاث في حديث “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا”

الثيب الزاني

هو رجل أو امرأة تزوج زواجًا صحيحًا، ثم خان ووقع في الزنا، ويكون حكمه الرجم حتى الموت، بعد إثبات الجريمة إما باعتراف صريح متكرر أو شهادة أربعة شهود عدول، والدليل قصة ماعز الأسلمي والغامدية، حيث لم يقم النبي ﷺ الحد إلا بعد التأكد المتكرر من اعترافهما، بل حاول أن يثنيهما عن الاعتراف، حرصًا على سترهما.

النفس بالنفس

إذا قتل إنسان آخر عمدًا بغير حق، فإن القصاص حق مشروع لأولياء المقتول، ولهم الخيار بين القصاص أو العفو أو الدية، فالله تعالى قال في كتابه: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [سورة البقرة، الآية 179]، والحكمة من القصاص ليس انتقامًا، بل حماية للمجتمع وردع للمجرمين.

التارك لدينه المفارق للجماعة

المرتد هو من كان مسلمًا ثم كفر بالله ورسوله وترك دين الإسلام، وحكمه القتل بعد الاستتابة ثلاثة أيام، فإن تاب قبلت توبته، والدليل ما جاء بحديث النبي ﷺ “من بدل دينه فاقتلوه” (رواه البخاري)، والحكمة هي حماية الدين من العبث، وصيانة وحدة المجتمع المسلم.

القواعد الفقهية المستنبطة من حديث “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا”

  1. الأصل عصمة دم المسلم وماله وعرضه.

  2. تقييد إزهاق الروح بحالات محددة، مما يمنع الفوضى.

  3. وجوب إقامة الحدود والقصاص عن طريق ولي الأمر.

  4. اشتراط البينات الواضحة قبل الحكم بالقتل.

  5. تغليب جانب الرحمة والاحتياط في الدماء.

أمثلة حية من السيرة النبوية

قصة ماعز الأسلمي

جاء ماعز الأسلمي إلى النبي ﷺ قائلًا: يا رسول الله، إني زنيت. فأعرض عنه النبي ﷺ، فأعادها، فأعرض عنه، حتى قالها أربع مرات، وعندها أقيم عليه الحد.

والعبرة هنا أن الإسلام لا يسعى وراء فضح الناس، بل يحثهم على التوبة، ولا يقيم الحدود إلا عند الإصرار والاعتراف أو الشهادة اليقينية.

المرأة الغامدية

جاءت المرأة الغامدية للنبي ﷺ وهي حامل من الزنا، فقال لها: “اذهبي حتى تضعي”، وبعد أن وضعت، قال: “اذهبي حتى تفطميه”، فلما فطمته جاءت فأقيم عليها الحد.
حتى في إقامة العقوبة الإسلام يراعي حقوق الطفل ويقدم الرحمة على التعجل.

تطبيق القصاص في عهد النبي ﷺ

في إحدى القضايا، قتل رجل آخر عمدًا، فجاء أهل المقتول، فخيرهم النبي ﷺ بين القصاص أو العفو أو أخذ الدية، فاختاروا القصاص، فنُفذ الحكم.
فالقصاص يردع الجريمة ويحقق العدل.

حروب الردة في عهد أبي بكر

بعد وفاة النبي ﷺ ارتدت بعض القبائل، ومنهم من منع الزكاة، فتصدى لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه قائلًا: “والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه لرسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه”.
والقصد من قتل المرتدين هو أن حماية الدين من التفكك واجب على الأمة.

الحكمة التشريعية من “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا”

  • حفظ النفس من مقاصد الشريعة الخمسة.

  • حفظ العرض بمنع الزنا والفواحش.

  • حفظ الدين بحماية المجتمع من الردة.

  • حماية المجتمع من الفوضى بجعل العقوبات في يد السلطة.

  • ردع المجرمين بعقوبات حاسمة تمنع تكرار الجريمة.

الرد على الشبهات الحديث

شبهة القسوة

البعض يرى أن هذه العقوبات قاسية، لكن الحقيقة أن تطبيقها نادر جدًا، لصرامة شروطها، وهدفها حماية المجتمع.

شبهة حرية المعتقد

قتل المرتد ليس لمجرد اختلاف الرأي، بل لأنه يمثل تمردًا علنيًا يهدد وحدة الأمة، وغالبًا يقترن بالخيانة السياسية أو العسكرية.

الدروس المستفادة من حديث “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا”

  • دم المسلم مصون، وتعظيم حرمة الدماء في الإسلام.

  • إقامة الحدود بيد القضاء لا الأفراد.

  • الإسلام دين رحمة وعدل.

  • القصاص حياة وأمان للمجتمع.

  • الردة خطر على استقرار الأمة.

  • شدة الاحتياط في إثبات الجرائم.

  • تغليب الرحمة حتى مع المجرمين.

  • أهمية السلطة القضائية في منع الفوضى.

  • العدل أساس الحكم في الإسلام.

أثر تطبيق هذا الحديث في المجتمع

عندما تطبق أحكام هذا الحديث، تسود الطمأنينة، وتقل الجرائم، وتُصان الأعراض، ويحيا الناس في أمان، لأن كل فرد يعرف أن دمه وعرضه محفوظ ما دام ملتزمًا بشرع الله.

في الختام، حديث لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا ليس قانونًا صارمًا فحسب، بل هو رسالة رحمة تحفظ النفس والعرض والدين، وتضع ضوابط صارمة لمنع الظلم والفوضى، كما أنه شاهد على أن الشريعة جاءت لحماية الإنسان، لا لإهلاكه؛ ولإقامة العدل، لا للانتقام.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index