الدعاء الذي لا يرد، يبحث المؤمن دومًا عن الدعاء الذي لا يرد، ذاك الرجاء الصادق الذي يرفع إلى السماء فيجد أبوابها مفتوحة، فتتنزل الرحمات وتتحقق الأمنيات، فكم من دعوة خرجت من قلب مخلص فغيرت مجرى حياة صاحبها، وكم من سائل طرق باب الله فاستجاب له سبحانه بأفضل مما يتمنى، ولكن هل هناك دعاء بعينه لا يُرد؟، وهل توجد أسرار تجعل الدعاء أقرب إلى الإجابة؟
سنقدم لك في هذا المقال المفاتيح الذهبية للدعاء المستجاب مستندين إلى أدلة راسخة من القرآن والسنة، حتى تتعلم كيف تجعل دعاءك قويًا ومقبولًا عند الله، فتابع معنا القراءة، فقد يكون هذا المقال هو ما كنت تبحث عنه ليفتح لك أبواب الإجابة التي طال انتظارها.
حقيقة الدعاء الذي لا يرد
الدعاء عبادة عظيمة، بل هو مخ العبادة كما جاء في الحديث الصحيح: “الدعاء هو العبادة” (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فالله تعالى يحب أن يسمع عبده متضرعًا، وهذا يثبت في قوله سبحانه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (سورة غافر، الآية 60)، لكن هل يعني ذلك أن الله يستجيب لكل دعوة بالكيفية التي نريدها؟ ليس بالضرورة، فقد تكون الإجابة على صور مختلفة منها:
- تحقيق المطلوب كما هو.
- دفع ضرر كان سيقع على العبد.
- ادخار الخير له في الآخرة.
وهذا ما ورد في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:: “ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ : إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه ، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها”، قالوا : إذًا نُكثِرُ ، قال : “اللهُ أكثرُ” (رواه أحمد وصححه الألباني).
أسباب استجابة الدعاء (شروط الدعاء الذي لا يرد)
لكي يكون الدعاء مستجابًا ولا يرد، لا بد من توفر بعض الشروط واتباع بعض الآداب التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي:
- الإخلاص لله تعالى، فالدعاء المقبول هو ما صدر من قلب صادق متوجه إلى الله وحده بلا رياء ولا طلب للثناء، كما قال تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (سورة غافر، الآية 14).
-
اليقين بالإجابة، فمن أعظم أسباب استجابة الدعاء أن يكون العبد موقنًا بأن الله سيستجيب له، فقد قال النبي ﷺ: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ” (رواه الترمذي وحسنه الألباني).
-
عدم الاستعجال في الإجابة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن النبي ﷺ قال: “يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي” (رواه البخاري ومسلم)، فلا يجوز للعبد أن يتعجل ويترك الدعاء ظنًا أنه لم يستجب له.
-
أكل الحلال وتجنب المحرمات، فمن موانع استجابة الدعاء أكل الحرام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال ﷺ: “يَا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا ، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقالَ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قالَ وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك” (رواه مسلم).
-
الدعاء بأسماء الله الحسنى، حيث قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (سورة الأعراف، الآية 180)، فمن استعان باسم الله الرزاق، أعطاه الله الرزق، ومن توسل باسمه الرحيم، نال الرحمة.
-
الدعاء للغير بالخير، فمن أسباب استجابة الدعاء أن يدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب، كما قال النبي ﷺ: “دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل: آمين، ولك بمثل” (رواه مسلم).
أوقات وأحوال لا يرد فيها الدعاء
هناك أوقات وأحوال جعلها الله مواطن استجابة للدعاء، ومن أهمها:
الثلث الأخير من الليل
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟” (متفق عليه).
بين الأذان والإقامة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “الدُّعاءُ بين الأذانِ و الإقامةِ مُستجابٌ ، فادْعوا”، قالوا : فماذا نقولُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال ﷺ: “سَلُوا اللهَ العافيةَ في الدنيا والآخرةِ” (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
يوم الجمعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ يَومَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: “فيه سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وهو قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شيئًا، إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ” وأَشَارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. (رواه مسلم).
وقت السجود
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه قال: “أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ” (رواه مسلم).
ليلة القدر
ليلة القدر خير من ألف شهر، ومن دعا فيها نال خيرًا عظيمًا، وأفضل دعاء فيها، كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةِ القدرِ ما أقولُ فيها ؟ قال : “قولي : اللهمَّ إنك عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي” (رواه الترمذي وصححه الألباني).
الأدعية التي لا ترد
وردت في السنة أدعية كثيرة عظيمة لا ترد بإذن الله، ومنها:
- دعوة المظلوم، فعن عبد الله بن مسعود أن رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بعَثَ معاذَ بنَ جَبلٍ إلى اليمَنِ، فقالَ: “اتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّهُ ليسَ بينَها وبينَ اللَّهِ حجابٌ” (متفق عليه).
- دعاء الوالد لولده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ ؛ دَعوةُ المظلومِ ، ودعوةُ المسافرِ ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ” (رواه الترمذي).
- دعاء الصائم عند فطره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد” (رواه ابن ماجه).
ما هو الدعاء لا يرد؟
هناك العديد من الأدعية التي ثبت في السنة النبوية أنها مستجابة بإذن الله، ومن أهمها:
دعاء النبي يونس عليه السلام (دعاء الكرب والهموم)
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 87)، فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي ﷺقال: “دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له” (رواه الترمذي وصححه الألباني).
دعاء اسم الله الأعظم (الذي إذا دُعي به أجاب)
عن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً يعني ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “تدرون بما دعا؟”، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: “والذي نفسي بيده؛ لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئُل به أعطى” (رواه أبو داود والترمذي).
دعاء تفريج الكرب والهم
ورد عن عبدالله بن مسعود أن النبي ﷺ قال: “مَا أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حَزَنٌ فقال اللهمَّ إني عبدُك ابنُ عبدِك ابنُ أمَتِك ناصيَتي بيدِك ماضٍ فيَّ حُكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أوْ علَّمْتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو أنزلته في كتابِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزني وذهابَ هَمِّي إلا أذهب اللهُ همَّه وحُزْنَه وأبدله مكانه فَرَجًا”، قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ ألا نتعلمُها فقال: “بَلَى يَنبَغِي لِمَنْ سمِعها أنْ يتعلمَها” (رواه أحمد وصححه الألباني).
في الختام، بعد أن تعرفنا على الدعاء الذي لا يرد، وأوقات الاستجابة، ومتى يكون الدعاء مستجاب، نجد أن الدعاء كنز عظيم، وباب مفتوح بين العبد وربه، فاحرص أن تدعو الله بقلب خاشع، وبلسان صادق، في الأوقات الفاضلة، وبالأدعية المباركة، فثق بأن الله يسمعك، ولا تمل من طرق بابه، فمن وقف على عتبة الكريم لا يُرد خائبًا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم دعوة لا ترد، ورحمة تشملنا في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من المستجيبين لدعائه، المتوكلين عليه، المحسنين الظن به، إنه سميع مجيب.
المصدر
تعليق واحد