شرح وتفسير حديث من أحدث في أمرنا هذا… الأربعين النووية 5
حديث من أحدث في أمرنا هذا والدروس المستفادة منه
حديث من أحدث في أمرنا هذا، منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهو يتنزل عليه الوحي ليبلغ الأمة أحكام الشريعة التي بها صلاح الدنيا والآخرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على إرشاد الأمة إلى طريق الهداية، ويحذرهم من الابتداع في الدين الذي يؤدي إلى ضلالهم عن الصراط المستقيم، ويأتي في هذا السياق الحديث الخامس من الأربعين النووية (حديث من أحدث في أمرنا هذا) ليؤكد هذا المعنى الهام.
الحديث الذي رواته عائشة رضي الله عنها يبين بوضوح أن كل أمر ديني لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، فهو مردود وغير مقبول، ويُعتبر هذا الحديث من أروع الأحاديث التي تسلط الضوء على خطر البدعة في الإسلام، وتحث المسلمين على الالتزام بما ورد في الكتاب والسنة دون زيادة أو نقصان.
سنتناول من خلال هذا المقال شرح وتفسير هذا الحديث مع توضيح الدروس المستفادة منه، وتقديم رؤى أعمق حول مفهوم البدعة وآثارها في الحياة الدينية للمسلمين.
نص حديث من أحدث في أمرنا هذا
عن أم المؤنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.” (رواه البخاري ومسلم).
إسناد حديث من أحدث في أمرنا هذا
رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها، وهي من أقوى الأسانيد حيث ينقل الحديث من الصحابية الجليلة التي كانت واحدة من أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكثرهم علماً بأحاديثه، وقد ورد هذا الحديث في كتاب الأحكام من صحيح مسلم، وفي كتاب الصلاة من صحيح البخاري.
شرح حديث من أحدث في أمرنا هذا
هذا الحديث الشريف من الأحاديث التي تتعلق بأهمية اتباع السنة النبوية وعدم الابتداع في الدين، ويُبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن كل ما يُحدث في الدين بعده ولم يكن موجوداً في شريعته هو مردود، ويُعد الحديث من أصول الفقه الإسلامي، حيث يُنبه على أن كل ما يُضاف إلى الدين من عبادات أو شعائر أو أعمال لا أصل لها في القرآن والسنة لا يُقبل.
معنى “من أحدث”:
“أحدث” في اللغة تعني اختراع أو ابتكار شيء جديد، وفي سياق الحديث المقصود هو إحداث شيء في الدين لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، لذلك يدعونا الحديث إلى تجنب البدع في العبادة أو العقيدة أو أي جانب من جوانب الدين.
“في أمرنا هذا”:
“أمرنا هذا” يعني الدين الإسلامي أو الشريعة الإسلامية، ويُشير هذا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن كل ما يخص الإسلام من عبادات، ومعاملات، وآداب، وأخلاق، وأن أي شيء يُضاف أو يُغير في هذا الإطار ولا يستند إلى السنة النبوية أو القرآن الكريم هو ابتداع.
“فهو رد”:
“رد” هنا تعني أن هذا الأمر مردود على صاحبه، أي لا يُقبل ولا يُعتبر جزءًا من الإسلام، فإذا أضاف شخصٌ شيئًا في الدين لم يأتِ به النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يعني أن هذا العمل لن يُقبل من الله عز وجل، ويُشير الحديث إلى رفض الأعمال البدعية مهما كانت نوايا صاحبها.
تفسير حديث من أحدث في أمرنا هذا
البدعة في الإسلام هي أي شيء يُضاف إلى الدين ليس له أصل من القرآن الكريم أو السنة النبوية، وعلى الرغم من أن البدعة قد تكون محمودة في بعض الأحيان من وجهة نظر البشر (مثل إضافة تحسينات على وسائل الراحة أو الطقوس غير الدينية)، فإنها تعتبر في الشريعة مرفوضة إذا كانت تمس العقيدة أو العبادة، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن أي إضافة أو تغيير في الدين، سواء كانت عبادة جديدة أو عادة دينية غير واردة، لا يُعتبر من الدين، ويُرد إلى صاحبه.
قال بعض العلماء إن هناك نوعًا من البدعة يُطلق عليه البدعة الحسنة مثل جمع القرآن أو بعض أساليب التنظيم في المسجد، ولكن هذا لا يعني أن الدين قد تغير أو أضيف إليه شيء لم يكن فيه، وبمعنى آخر البدعة الحسنة هي التي لا تمس جوهر الدين أو تؤثر في طبيعته، أما البدعة السيئة فهي التي تؤثر على الدين في جوهره أو تبتدع شيئًا لم يكن موجودًا في الشريعة، ومن الأمثلة على ذلك إحداث عبادات أو طقوس لم ترد في السنة.
وهذا الحديث يُعد تحذيرًا من اتباع الهوى أو التأثر بالأفكار أو العادات التي لا صلة لها بالشرع. ويجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما ليس له سند شرعي، فالابتداع في الدين هو ضلالة، وفي الحديث الشريف: “كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على تعليم المسلمين أن الإسلام كامل وأنه لا يحتاج إلى إضافة أو تعديل.
والابتداع في العبادة يؤدي إلى فساد النية وتحريف الغاية التي من أجلها شرع الإسلام، فإذا أضاف المسلم صلاة جديدة، أو صيام يوم محدد لم يكن قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كصيام ليلة الإسراء والمعراج، فإن هذه العبادة تُعتبر باطلة ولا تُقبل.
قد يُبتلى بعض المسلمين بتقليد بعض العادات أو الطقوس التي قد تكون غير مشروعة، دون أن يكون لديهم علم ديني كافٍ، ويحث هذا الحديث المسلمين على التحقق من صحة الأعمال التي يقومون بها وفقًا للنصوص الشرعية.
ويمكن للإنسان أن يكون لديه نية حسنة في أداء عبادة أو ممارسة دينية جديدة، ولكن إذا كانت هذه العبادة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مردودة مهما كانت النية، والرد في الحديث يمكن أن يفهم على أنه رفض من الله عز وجل لهذه الأعمال، حيث لا يقبل الله سبحانه وتعالى أي عمل لا يطابق السنة، ففي الحديث الصحيح، “إنما الأعمال بالنيات”، وإذا كانت النية حسنة ولكن العمل مبتدعًا، فإن النية وحدها لا تكفي، فالأمر يتطلب تطابق العمل مع الشرع.
الدروس المستفادة من حديث من أحدث في أمرنا هذا
ضرورة التمسك بالسنة:
يُعتبر هذا الحديث دعوة صريحة إلى التمسك بالسنة النبوية في جميع جوانب الحياة، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو قدوة المسلمين، وكل ما جاء عن النبي يجب اتباعه دون زيادة أو نقصان، وهذا التحذير من البدعة يُظهر أهمية الإتباع لا الإبداع في الدين.
وجوب فحص الأعمال الشرعية:
يجب على المسلم أن يتأكد من مشروعية الأعمال التي يقوم بها، وقبل أن يقوم بأمر ديني جديد يجب عليه التأكد أولًا من أنه يستند إلى القرآن الكريم أو السنة النبوية، وإذا لم يكن لهذا العمل أصل من هذه المصادر، فيجب عليه الابتعاد عنه.
الابتعاد عن كل ما هو مبتدع:
كل ما ليس له أصل في دين الله يجب تجنبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُمر بنقل ما جاء به من الله تعالى دون إضافة أو نقص.
فهم الدين بعناية:
يجب على المسلم أن يتعامل مع دينه بعناية ويحرص على فهمه بشكل صحيح؛ لأن كثيرًا من الأمور قد تلتبس على بعض الناس بسبب اختلاف الآراء أو التقليد الأعمى، لذلك يجب العودة إلى مصادر الشريعة القطعية: القرآن والسنة.
الابتعاد عن التحريف في الدين:
الابتداع في الدين يؤدي إلى التحريف، حيث إنه إذا فتح الباب لإضافة أشياء جديدة في الدين يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغييرات كبيرة في الشريعة، ولذلك يكون الرد على هذه الإضافات إشارة إلى رفض أي تحريف في دين الله.
أهمية إفراد العبادة لله وحده:
من خلال الابتعاد عن البدعة يُحافظ المسلم على إفراد العبادة لله دون تدخل في ما شرعه الله، فتكون العبادة خالصة لله تعالى كما أراد.
في الختام، وبعد أن قدمنا شرح وتفسير حديث من أحدث في أمرنا هذا والدروس المستفادة منه نجد أن الحديث الخامس من الأربعين النووية هو تحذير من الابتداع في الدين، ويؤكد على ضرورة الالتزام بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في شريعته، ويجب على المسلم أن يحرص على عدم إضافة أي شيء إلى الدين لا أصل له في الكتاب والسنة، كما يُظهر هذا الحديث أهمية الالتزام بالأحكام الشرعية الثابتة وتجنب أي نوع من التحريف أو التغيير في الدين، مما يؤدي إلى الضلال والابتعاد عن الطريق المستقيم.
المصدر
تعليق واحد