من هو خطيب الأنبياء ولماذا سمي بذلك؟
تعرف على من هو خطيب الأنبياء ولماذا سمي بذلك
من هو خطيب الأنبياء؟، عندما نتأمل في سير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام نجد أن الله سبحانه وتعالى قد ميَّز كل نبي بصفة أو سمة بارزة جعلت له أثرًا خاصًا في دعوته لأمته، وفي إبلاغ رسالته، وفي ثباته على الحق أمام التحديات، فمنهم من اشتهر بالحِلم كإبراهيم عليه السلام، ومنهم من اتصف بالصبر الطويل كأيوب عليه السلام، ومنهم من امتاز بالقوة في الحجة كإبراهيم وموسى، ومنهم من تميز ببلاغة اللسان وحسن الخطاب حتى لُقِّب بـخطيب الأنبياء، وهو نبي الله شعيب عليه السلام.
وقد اختلفت قصص الأنبياء وتعددت محنهم غير أن قصة شعيب تحمل معاني عظيمة تتعلق بالعدل، والأمانة، وإقامة الموازين بالقسط، والحرص على حقوق الناس، وذلك يجعلنا في حاجة ملحَّة اليوم إلى استلهام دروسها في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، وسنتعرف في هذا المقال على نبي الله شعيب عليه السلام، ولماذا سُمِّي بخطيب الأنبياء، مع بيان قصته مع قومه، والدروس المستفادة، وآراء العلماء في سبب هذا اللقب الجليل.
من هو خطيب الأنبياء نبي الله شعيب عليه السلام؟
شعيب عليه السلام من الأنبياء الذين لم يُذكر نسبهم مفصلاً كما ذُكر نسب بعض الأنبياء الآخرين، لكن المفسرين قالوا إنه كان من ذرية إبراهيم الخليل عليه السلام، أو من ذريَّة من آمن معه، وقد بعثه الله تعالى إلى قومين عظيمين:
-
مدين: وهم قوم عرب يسكنون في أطراف الشام وما يلي أطراف الحجاز.
-
أصحاب الأيكة: وكانوا قوماً آخرين يعبدون الشجر والأيكة (وهي الغيضة الملتفة بالأشجار).
وقد جمع الله ذكرهما في القرآن في مواضع متعددة، قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سورة الأعراف، الآية 85]، وقال سبحانه: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [سورة الشعراء، الآيتين 176-177].
فشعيب عليه السلام نبي مرسل إلى أقوام اشتهروا بفساد المعاملات الاقتصادية، وبخس المكيال والميزان، والاحتيال على الناس في البيع والشراء، إضافة إلى الشرك بالله وعبادة غيره، فجاء شعيب ليكون داعية الإصلاح والعدل، وناصحاً أميناً لا يطلب منهم مالاً ولا جاهاً، وإنما يبتغي وجه الله تعالى.
لماذا لُقِّب شعيب بخطيب الأنبياء؟
لُقِّب نبي الله شعيب عليه السلام بـخطيب الأنبياء، وذلك لما أوتي من بلاغة اللسان، وفصاحة البيان، وقوة الحجة، وحسن الإقناع، فقد جمع الله له بين الإيمان العميق والعقل الراجح، وبين اللسان البليغ القادر على مخاطبة القلوب قبل العقول.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “إنما قيل له خطيب الأنبياء، لفصاحته وبلاغته وحسن مراجعته لقومه”.
وقد ظهر ذلك في حواراته مع قومه في القرآن الكريم، حيث نجد أسلوبه يتميز بعدة سمات:
-
الدعوة إلى التوحيد بأوضح العبارات، فهو يفتتح خطابه بقوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ}.
-
النهي عن الظلم الاقتصادي: {وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ}.
-
الدعوة للعدل الاجتماعي: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}.
-
التحذير من الفساد في الأرض: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.
-
الجدل بالحسنى وإظهار الشفقة: {قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}.
لقد خاطب قومه خطاب العارف بأمراضهم والطبيب بدائهم والبليغ في عرض الدواء لهم، فكان كلامه يجمع بين قوة المنطق وجمال العبارة ورقة القلب، ولذلك استحق أن يُلقَّب بخطيب الأنبياء، حيث لم يُعرف نبي آخر اشتهر بالبلاغة الخطابية كما اشتهر شعيب عليه السلام.
قصة شعيب خطيب الأنبياء مع قومه
بدأ شعيب دعوته لقومه بعبادة الله وحده ونبذ الأصنام والأوثان، ثم انتقل إلى إصلاح معاملاتهم التي كانت قائمة على الغش والبخس والتطفيف في الكيل والميزان، وورد ذلك في القرآن الكريم {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [سورة الأعراف، الآية 85]، فلقد كانت مشكلتهم الكبرى أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل ويطففون المكيال ويغشون في التجارة، فجاء شعيب ليضع إصبعه على الجرح، وليكون رسول الإصلاح الاقتصادي والعدل الاجتماعي.
لكن القوم لم يتقبلوا هذه النصائح، بل قابلوها بالسخرية والاستهزاء، فقالوا له كما جاء في القرآن: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [سورة هود، الآية 87]، ولقد استهزؤوا بصلاته، ورأوا أن الدين لا علاقة له بالمعاملات، وذلك منطق يشبه منطق بعض الناس في زماننا الذين يحصرون الدين في الشعائر دون الأخلاق والمعاملات.
وصل بهم الأمر إلى تهديده قائلين: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [سورة الأعراف، الآية 88]، وهنا ظهر صبر شعيب وثباته، إذ لم يساوم على دينه، بل رد عليهم رد الواثق بالله قائلاً: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [سورة الأعراف، الآية 89].
ولما أصروا على كفرهم وفسادهم، جاءهم العذاب من عند الله، فأخذتهم الرجفة والصيحة، فأصبحوا جاثمين في ديارهم، فالله تعالى قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [سورة الأعراف، الآية 91]، وهكذا كانت عاقبة المكذبين، بينما نجا شعيب والذين آمنوا معه برحمة من الله.
الدروس المستفادة من قصة خطيب الأنبياء
- لقد تميز شعيب عليه السلام ببلاغة الكلمة وقوة البيان حتى لُقِّب بخطيب الأنبياء، وذلك يعلِّمنا أن الداعية يحتاج إلى حسن عرض الفكرة، وجمال الأسلوب، ولطف العبارة، لأن القلوب تُفتح بالكلمة الصادقة قبل أن تُفتح بالحجة الجافة.
- دعوة شعيب لم تقتصر على عبادة الله وحده، بل شملت الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، فقال: {وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ}، وذلك دليل على أن الدين ليس مجرد عبادات فردية، وإنما منهج حياة ينظم البيع والشراء، والمعاملة والمعاش، كما ينظم الصلاة والصيام.
- كان قوم شعيب يطففون في المكيال والميزان، فجاء التحذير الإلهي على لسان نبيهم بأن هذه جريمة عظيمة تفسد المجتمعات، وذلك يذكِّرنا بخطورة الغش التجاري، والتلاعب بالأسعار، واستغلال حاجات الناس، فهي من كبائر الذنوب الموجبة لعذاب الله.
- حينما دعا شعيب قومه للوفاء بالكيل والميزان كان يرسخ قاعدة أن الأمم لا تستقيم إلا بالعدل، فإذا ضاع العدل انتشر الفساد، وإذا قام العدل زال الظلم وحلَّت البركة.
- شعيب عليه السلام واجه سخرية قومه واستهزاءهم حين قالوا: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}، ومع ذلك لم يتراجع ولم يضعف، بل ازداد ثباتاً، وهكذا يجب أن يكون المؤمن والداعية صابرًا على الأذى، ثابتًا على الحق.
- على الرغم من قوة حجة شعيب عليه السلام وبلاغة خطابه لم يؤمن به أكثر قومه، فدلّ ذلك على أن الهداية ليست بيد الداعية، وإنما بيد الله تعالى، وما على الداعية إلا البلاغ المبين.
- كما أخذت الرجفة قوم شعيب بعد عنادهم، فإن كل أمة تنغمس في الظلم والفساد وتعرض عن الحق معرضة لعقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة، فالله تعالى قال: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
- رغم هلاك القوم الكافرين، فقد أنجى الله شعيبًا ومن معه، ليثبت أن المؤمنين في كنف الله ورعايته، وأن رحمته تسبق عذابه، وأن النجاة الحقيقية في اتباع الحق والثبات على دين الله.
أقوال العلماء في خطيب الأنبياء
-
قال ابن كثير: “إنما لقب شعيب بخطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه”.
-
وقال القرطبي: “كان شعيب بليغ القول، حسن اللسان، قوي الحجة”.
-
وقال ابن عاشور: “تميز خطاب شعيب بجمعه بين النصح والشفقة، وبين البيان والإقناع”.
✅ إذا تأملنا حال مجتمعاتنا المعاصرة وجدنا أن ما وقع فيه قوم شعيب من فساد اقتصادي، وغش، وأكل أموال الناس بالباطل، ما زال يتكرر في صور متعددة:
-
الغش في البيع والشراء.
-
التلاعب بالأسعار.
-
الظلم في المعاملات المالية.
-
إقصاء الدين عن الحياة الاقتصادية.
ومن هنا تأتي أهمية استلهام خطاب شعيب عليه السلام، والعودة إلى وصاياه في الوفاء بالكيل والميزان، والحرص على حقوق العباد، لأن صلاح الأمم لا يكون إلا بالعدل، والعدل أساسه الدين.
في الختام، إن نبي الله شعيب عليه السلام هو مدرسة قائمة بذاتها في البلاغة الدعوية، والإصلاح الاجتماعي، والعدل الاقتصادي، ولقد استحق لقب خطيب الأنبياء لأنه جمع بين قوة الكلمة وصدق الموقف، وبين حسن البيان وعمق الإيمان.
وقصته مع قومه تمثل درسًا خالدًا للأمة أن الدين لا ينفصل عن الحياة، وأن الفساد الاقتصادي والاجتماعي لا يقل خطورة عن الفساد العقدي، وأن البلاغة في الخطاب وسيلة من وسائل إيصال الحق إلى الناس.
فليكن لنا في شعيب عليه السلام قدوة في إصلاح أنفسنا وأمتنا، ولنتذكر دائمًا أن كلمة الحق الصادقة قد تغيُّر وجه التاريخ، كما غيَّرت خطب الأنبياء قلوب أقوامهم {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [سورة هود، الآية 103].
المصدر