
فضل قراءة القرآن يوميًا، لا يوجد في حياة المسلم عادة تتفوَّق أثرًا وبركةً على عادة قراءة القرآن يوميًا، فالقرآن ليس كتابًا نلمسه تباركًا، ولا نصًا نقرؤه لننال أجرًا فحسب، بل هو منهج حياة، ودستور إصلاح، ورسالة تربية يعيد بها الله تشكيل القلب على بصيرة.
وحين نتأمل في سير السلف وأهل العلم نجد أن أعمارهم كانت ممتزجة بالقرآن امتزاجًا لا ينفصل: يقرؤونه غدوًا وعشيًّا، ويجعلون له حظًّا لا يُهمَل، ويحذرون أن يمر عليهم يوم لا ينظرون فيه إلى كتاب الله.
ما سنقدمه في هذا المقال ليس مجرد فضل قراءة القرآن يوميًا، بل رحلة عميقة تشرح لماذا يجب أن يكون القرآن جزءًا من يومك، وكيف تغيِّر التلاوة اليومية شكل حياتك، وما الذي ذكره القرآن نفسه والسنة والسلف في شأن هذه العبادة العظيمة.
الدليل على فضل قراءة القرآن يوميًا
- أمر الله نبيه ﷺ بالمواظبة على قراءة القرآن الكريم وكان ذلك واضحا في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ (سورة المزمل، الآية 4)، فهذا أمر مباشر للنبي ﷺ، والأصل أن الأمة تابعة له في هذا التكليف، والترتيل هنا ليس مجرد تحسين صوت، بل تأني يجلب الفهم والتدبر، ويقول العلماء: “استدامة الترتيل هي أصل التخلق بالقرآن”.
-
القرآن مصدر الهداية المستمرة، والله تعالى قال: ﴿إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (سورة الإسراء، الآية 9)، وجاء لفظ يهدي بصيغة المضارع المستمر، فيدل على أن الهداية فعل متجدِّد لا ينقطع، ولا يتحقق إلا بالملازمة اليومية.
- جاءت العديد من الأحاديث النبوية التي ذكر فيها فضل قراءة القرآن الكريم ومنها ما ورد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ (الـم) حرفٌ ولكنْ (ألفٌ) حرفٌ و(لامٌ) حرفٌ و(ميمٌ) حرفٌ” (أخرجه الترمذي)، وما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: “الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ” (أخرجه البخاري)، وما ورد عن النبي ﷺ أنه قال: “اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ” (رواه مسلم)، ويقول العلماء: “كلمة أصحابه لا تُطلق إلا على من يلازمه، أما من يقرأه موسمًا ويدعه شهورًا فليس من أصحابه في المعنى الحقيقي”
- جاء عن السلف أقوال كثيرة توضح فضل قراءة القرآن يوميًا، زمنها قول ابن مسعود رضي الله عنه: “من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله، فلينظر إلى حب القرآن في قلبه”، وقول عثمان رضي الله عنه: “لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم”، وهذه النصوص ليست أقوالًا عابرة، بل معيارًا يوضح أن القرآن ليس مهمة ولا عادة، بل علاقة روحية لا تستقيم حياة المسلم بدونها.
لماذا يُفضل قراءة القرآن يوميًا؟
هناك فرق بين من يقرأ القرآن كل عدة أيام ومن يقرأه يوميًا. والفرق ليس في الأجر فقط، بل في التحوُّل الروحي والتربوي، ومن أسباب التي تدعوا المسلم أن يواظب على قراءة القرآن يوميًا الآتي:
-
لأن النفس تحتاج شحنة يومية، فالنبي ﷺ قال: «إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثوبُ ، فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم»، وجَدْدوا إيمانكم هنا قال عنها العلماء: “أي بذكر الله وتلاوة كتابه”.
-
القرآن مثل النهر الذي يغتسل فيه القلب، فالإمام النووي شبه التلاوة اليومية بالغُسل المتكرر الذي يزيل الغبار، والقلب الذي لا يتعرض يوميًا للقرآن يعلوه الصدأ ويُغلب عليه الهوى.
-
لأن القرآن ليس نصًا معرفيًا بل غذاء وشفاء للنفس، فالله تعالى قال: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ﴾، والشفاء لا يتحقق بشربة واحدة، بل بجرعات منتظمة.
فضل قراءة القرآن يوميًا
قراءة القرآن يوميًا سبب للهداية
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (سورة الإسراء، الآية 9).
القرآن لا يهدي لمرة واحدة فقط، بل هو هداية مستمرة لكل من يقرؤه يوميًا ويفكر في معانيه ويطبق أحكامه في حياته، كما أن القراءة اليومية تجعل القلب متصلاً بالهداية، وتعمل على تثبيت الإيمان وزيادة الصلة بالله تعالى، ومن فضل التلاوة اليومية أنها تمنع الضلال وتقرب العبد من الطريق المستقيم، وتحميه من الانحراف عن أوامر الله.
قراءة القرآن يوميًا سبب للثواب العظيم والأجر الكبير
ورد عن النبي ﷺ: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها…» (رواه الترمذي).
كل حرف يقرأه المسلم يوميًا يجلب له أجرًا مضاعفًا، ويضاف إلى رصيده من الحسنات يوم القيامة، والاستمرار اليومي في التلاوة يزيد هذا الثواب، لأنه يجعل المسلم رفيقًا للقرآن بشكل دائم، فيكون له فضل كل حرف قرأه مرارًا وتكرارًا، دون انقطاع.
كما جاء في حديث آخر: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» (صحيح مسلم)، والتأكيد على كلمة أصحابه يشير إلى أن الشفاعة لا تكون إلا لمن داوم على القرآن ورافقه يوميًا.
قراءة القرآن يوميًا سبب للسكينة والطمأنينة
قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (سورة الرعد، الآية 28)
ومن أهم فضائل القراءة اليومية أن لها أثرًا نفسيًا وروحيًا ملموسًا، فهي تملأ القلب بالسكينة وتبعد الهموم والقلق، فالمواظب على قراءة القرآن يوميًا يشعر بالطمأنينة والهدوء الداخلي، ويكون قادرًا على مواجهة مشكلات الحياة بثبات واتزان، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن التلاوة اليومية تعمل على تهدئة الجهاز العصبي وتخفيف التوتر النفسي.
قراءة القرآن يوميًا سبب لطهارة القلب والروح
المداومة اليومية على التلاوة تجعل القرآن غسلاً للقلب، كما وصفه ابن القيم رحمه الله، فهي تطهِّر النفس من الذنوب وتصلح الباطن، فالقراءة اليومية تعيد ترتيب القلب، وتجعل العبد أكثر قربًا من الله، وتجعله يتجنب المحرمات ويزداد حرصًا على الطاعات، كما أن القرآن يُذكِّر العبد دائمًا بأوامر الله ونواهيه، فيصبح المؤمن محميًا من الانحرافات والهوى.
قراءة القرآن يوميًا سبب لرفع الدرجات والرفعة في الآخرة
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارقَ ورتِّل كما كنت ترتِّل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرأها» (رواه الترمذي)، فالمواظبة اليومية على التلاوة ترفع درجات المسلم، وتجعل القرآن شفيعًا له يوم القيامة، وكل حرف يُقرأ يوميًا، وكل دقيقة يُخصص فيها الإنسان لكتاب الله تصبح له منزلة عالية في الجنة، وترتقي به روحه ويزداد قربًا من ربه.
قراءة القرآن يوميًا سبب لزيادة الفهم والتدبر
القراءة اليومية لا تقتصر على مجرد النطق بالحروف، بل تشمل التدبر في المعاني وفهم الأحكام، فالذي يقرأ القرآن يوميًا يزداد فقهًا في دينه، ويصبح قادرًا على:
-
تمييز الحق من الباطل.
-
تطبيق أحكام القرآن في حياته اليومية.
-
تربية نفسه وأهله على القيم الإسلامية.
-
توجيه الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة.
قراءة القرآن يوميًا سبب للتوفيق في الدنيا
المواظبة على قراءة القرآن تمنح العبد بركة في وقته ورزقه وعمله، فالذي يداوم على التلاوة يكون:
-
أكثر إنتاجية وتركيزًا.
-
أقل عرضة للضياع والانحراف.
-
أكثر قدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات الصائبة.
فالقرآن ينير العقل قبل القلب، ويهذب السلوك قبل الظاهر، ويجعل حياة المسلم أكثر ترتيبًا وانسجامًا.
قراءة القرآن يوميًا سبب للرفقة مع الملائكة
ورد عن النبي ﷺ: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» (صحيح البخاري ومسلم)، فمن يقرأ القرآن يوميًا ويحسن تلاوته ويخشع به يكون رفيقه الملائكة الكرام، ويكون له شرف المصاحبة مع الصالحين، وهذه رفقة دائمة لمن داوم على القرآن، لا تنقطع إلا بانقطاع العبد عن القراءة.
قراءة القرآن يوميًا سبب لاستمرارية الإيمان
الإيمان يحتاج إلى تغذية يومية، فهو كالجسد يحتاج للطعام والشراب، والقرآن هو الغذاء الروحي الذي يُجدد الإيمان يوميًا، ويُحافظ عليه من الضعف والانحلال، فالمواظب على القراءة اليومية لا يضعف إيمانه، بل يزداد تعلقًا بالله، ويشعر بحياة روحية متجددة كل يوم.
خلاصة فضل قراءة القرآن يوميًا
-
الهداية المستمرة، فالقرآن يرشدك كل يوم إلى الطريق الصحيح.
-
الثواب العظيم، فكل حرف يُقرأ له أجر مضاعف، ويكون لك شفيعًا يوم القيامة.
-
الطمأنينة والسكينة، فقراءة القرآن يوميًا تزيل القلق والهم.
-
طهارة القلب والروح، فالقرآن يغسل القلب ويزكي النفس.
-
رفع الدرجات، فكل آية تقرأها ترفع منزلك يوم القيامة.
-
زيادة الفهم والتدبر تجعلك قادرًا على تطبيق الأحكام والحكمة.
-
التوفيق في الدنيا، فالقرآن ينير عقلك وسلوكك ويزيد البركة في حياتك.
-
رفقة الملائكة، فالمواظب على التلاوة يكون مع الكرام البررة.
-
استمرارية الإيمان، فالقرآن غذاء يومي لإيمان ثابت ومتجدد.
الفوائد العلمية والتربوية لقراءة القرآن يوميًا
-
القرآن يرفع مستوى الفهم اللغوي والبياني، حتى لدى غير المتخصصين، ومن يقرأ القرآن يوميًا يكتسب ثراءً لفظيًا وقوة الأسلوب وسهولة في التعبير وصدقًا في الخطاب، ولهذا كان العلماء يوصون طلبة العلم أن يجعلوا القرآن أساس لغتهم وفكرهم.
- القرآن يربي إنسانًا كاملًا، لا مجرد عابد يصلي ويصوم، فهو يعطيك جرعات من الصبر ومفاهيم عن العدل وتصحيحًا للنيات، كما يُعطيك رؤية للموت والآخرة، وتوازنًا بين الدنيا والآخرة.
-
التلاوة اليومية تجعل الإنسان يعرف الأحكام من مصادرها (كيفية التعامل – الأخلاق – العلاقات – العبادة – حدود الله – سننه في خلقه)، ومَن يستقي دينه من القرآن لا يخدعه تضليل إعلامي ولا ثقافة سائدة.
كيف تجعل القرآن الكريم جزءًا من يومك
- اختيار وقت ثابت، وأفضل ثلاثة أوقات هي (قبل الفجر أو بعده — وقت بركة وانشراح، بعد العصر — وقت سكون، قبل النوم — ختم يومك بكلام الله).
-
تحديد مقدار يومي واقعي، فليس شرطًا أن تبدأ بجزء كامل، ابدأ بصفحة واحدة، أو نصف صفحة، ثم زد تدريجيًا حتى يصل الإنسان إلى جزء أو نصف جزء يوميًا.
- قراءة القرآن بتدبر، فالتدبر يفتح أبوابًا كثيرة (فهم، توبة، راحة، تصحيح سلوك، رؤية جديدة ليومك ومواقفك).
- ربط القراءة بالعمل، فمثلا (قرأت آية عن الصبر تطبقها عند أول مشكلة، قرأت آية عن الصدقة تتصدق ولو بقليل، قرأت آية عن الظلم تحاسب نفسك).
- خصص يوم الجمعة مثلًا لمراجعة ما قرأته خلال الأسبوع، فالقرآن يحتاج تثبيتًا، لا مجرد مرور.
ماذا يحدث لك إذا داومت على قراءة القرآن لمدة 30 يومًا؟
-
يزداد صفاء قلبك.
-
يتحسن تركيزك وقدرتك على اتخاذ القرار.
-
تنخفض حدَّة الغضب والانفعال لديك.
-
يختفي شعور الفراغ.
-
تبدأ في مقاومة الشهوات بسهولة.
-
تقوى العلاقة بالله بصورة لم تتخيلها.
-
يتغير كلامك وأخلاقك دون مجهود.
-
تعيش شعور السكن النفسي الذي لا يدركه إلا من ذاقه.
هل يكفي سماع القرآن؟ أم يجب القراءة؟
اتفق العلماء على أن التلاوة أعظم أجرًا، لكن السماع عبادة عظيمة أيضًا، فالتلاوة تهذب اللسان، والسماع يخشع به القلب، والجمع بينهما أكمل، والأفضل أن تجعل لك ورد تلاوة وورد سماع؛ فالقرآن يُحيي القلب من جهتين.
أخطاء تمنع بركة القراءة اليومية
-
قراءة بلا تدبر.
-
قراءة مبهورة بالصوت دون فهم.
-
قراءة متقطعة.
-
البدء بكميات كبيرة لا تستطيع الاستمرار عليها.
-
قراءة لأجل الناس أو التصوير.
-
عدم تنظيم وقت ثابت.
في الختام، نجد أن فضل قراءة القرآن يوميًا لا يقتصر على ثواب الآخرة أو رفع الدرجات، بل يمتد ليغمر حياتك بالسكينة ويطهِّر قلبك، ويُضيء عقلك ويهذب أخلاقك ويُثبت إيمانك، فالقرآن صديقك الدائم ومرشدك في كل لحظة، ومن يداوم على تلاوته يصبح قلبه حيًّا، وروحه متجددة، وعمله مباركًا.
ابدأ اليوم بجزء صغير، واجعل التلاوة عادة يومية، فكل حرف تقرأه يوميًا يُكتب لك حسنة، وكل لحظة تقرأ فيها القرآن يوميًا تزيدك قربًا من الله، وتمنحك طمأنينة لا تضاهيها أي متعة دنيوية، واجعل قراءة القرآن يوميًا أسلوب حياتك، وسترى الفرق الكبير في قلبك وروحك وعالمك كله.
المصدر













