يُعد صيام الست من شوال من النوافل العظيمة التي رغب فيها النبي ﷺ، وهو امتداد لموسم الخير بعد رمضان، حيث يمنح المسلم فرصة لمواصلة الطاعة وتحقيق المزيد من القرب من الله سبحانه وتعالى، فما فضل صيام هذه الأيام؟ وما الأحكام المتعلقة بها؟ وهل يجب صيامها متتابعة أم يجوز تفريقها؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال مستندين إلى الأدلة الشرعية الصحيحة.
يُفسر العلماء هذا الحديث بأن الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان يعادل صيام عشرة أشهر، وستة أيام من شوال تعادل صيام شهرين، فيكون المجموع صيام سنة كاملة، فإذا داوم المسلم على هذه السنة كل عام، فكأنما صام الدهر كله.
صيام الست من شوال
زيادة في القرب من الله ومضاعفة للحسنات
قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (سورة آل عمران، الآية 133)، فمن علامات قبول الطاعة أن يتبعها العبد بطاعة أخرى، فمن فرغ من رمضان وعزم على صيام الست من شوال، كان ذلك دليلًا على صدق نيته ورغبته في الاستمرار على طريق الخير.
جبر النقص في صيام رمضان
كما هو معلوم قد يقع العبد في تقصير أو نقص في أداء الصيام خلال رمضان، فقد لا يكون صيامه على الوجه الأكمل، لذلك جاءت النوافل مثل صيام الست لتعويض هذا النقص، كما ثبت في الحديث الصحيح:
“إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا -عز وجل- لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئًا قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه” (رواه الترمذي، حديث رقم 413)، وهذا ينطبق على الصيام أيضًا، حيث تكمل النوافل نقص الفرائض.
أحكام صيام الست من شوال
هل يجب صيامها متتابعة أم يجوز تفريقها؟
اتفق الفقهاء على أن صيام الست من شوال سنة مستحبة، ولكنهم اختلفوا في حكم صيامها متتابعة أو مفرقة على قولين:
رأي الجمهور (الشافعية والحنابلة وبعض المالكية): الأفضل صيامها متتابعة مباشرة بعد العيد، لأن ذلك أكثر امتثالًا للأمر النبوي وأسرع في تحقيق الأجر.
رأي المالكية والأحناف: يجوز صيامها متفرقة في أي أيام من شوال، لأن الحديث لم يذكر وجوب التتابع، فالأمر فيه سعة.
هل يجوز الجمع بين نية قضاء رمضان وصيام الست من شوال؟
هذه المسألة موضع خلاف بين الفقهاء، فالشافعية والحنابلة يرون أنه لا يجوز الجمع بين نية القضاء وصيام الست، لأن الفرض لا يُدمج مع النافلة في نية واحدة، أما المالكية والأحناف يرون أنه يجوز الجمع بينهما، فمن صام يومًا واحدًا ينوي به قضاء رمضان ونية الست نال الأجرين معًا، لكن الأفضل أن يفصل بينهما.
يُعد تقديم صيام الست من شوال على قضاء رمضان أمرًا صحيحًا عند جمهور العلماء، وهو جائز بلا كراهة وفقًا للمذهب الحنفي، بينما يرى المالكية والشافعية جوازه مع الكراهة، إلا أن الرأي الراجح هو جوازه دون كراهة، وذلك لأن وقت القضاء ممتد ولا يشترط تعجيله، في حين أن صيام الست مرتبط بشهر شوال، وإذا انقضى الشهر فات فضلها.
أسئلة شائعة حول صيام الست من شوال
ماذا لو نسي الشخص صيام الست ولم يتذكرها إلا بعد شوال؟
إذا انتهى شهر شوال ولم يصم المسلم هذه الأيام، فقد فاته فضلها، لكنه يستطيع تعويض ذلك بالصيام التطوعي في أي وقت آخر من السنة.
هل يُشترط نية الصيام من الليل؟
صيام الست من شوال يُعد نافلة، لذلك يجوز للإنسان أن ينوي الصيام خلال النهار، بشرط ألا يكون قد تناول طعامًا أو شرابًا بعد الفجر، كما قال النبي ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات” (رواه البخاري، حديث رقم 1).
هل يصح صيامها لمن أفطر في يوم العيد ناسيًا؟
اليوم الأول من شوال هو يوم العيد، ويحرم صيامه، فمن صامه ناسيًا، فعليه الإفطار فورًا، ويمكنه استئناف صيام الست بعد ذلك.
متى يبدأ صيام الست من شوال؟
يبدأ صيام الست من شوال من اليوم الثاني من شوال مباشرة، أي بعد يوم عيد الفطر، لأن صيام يوم العيد محرم شرعًا، ويستمر وقت صيامها حتى نهاية شهر شوال، حيث يمكن للمسلم أن يصومها في أي أيام يشاء من الشهر، سواء متتابعة أو متفرقة، وفقًا لما يناسبه.
الأفضلية في صيامها محل خلاف بين العلماء، فبعضهم يرى أن تعجيلها بعد العيد مباشرة أفضل، بينما يرى آخرون أن الأمر فيه سعة، والمهم أن تُصام خلال شهر شوال.
لا، صيام الست من شوال ليس بدعة، بل هو سنة ثابتة عن النبي ﷺ، وقد وردت في حديث صحيح رواه مسلم، حيث قال رسول الله ﷺ: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر” (رواه مسلم، حديث رقم 1164).
بعض الأشخاص يظنون أن صيام الست من شوال بدعة لأنه لم يكن منتشرًا في بعض العصور أو لأنه لم يُذكر في بعض الروايات، ولكن هذا غير صحيح، لأن الحديث عن فضلها ثابت وصريح، والبدعة في الدين تعني إضافة شيء جديد لم يشرعه النبي ﷺ أو لم يكن له أصل في الشريعة، أما صيام الست فهو سنة نبوية مشروعة ومذكورة في الأحاديث الصحيحة.
بعض الفقهاء مثل الإمام مالك كرهوا صيام الست ليس لذاتها، ولكن خشية أن يظن الناس أنها فرض مثل رمضان، لكن مع انتشار العلم ووضوح أنها سنة مستحبة وليست فرضًا، لا يوجد أي حرج في صيامها، بل هو مستحب وفضله عظيم.
صيام الست من شوال ليس هو صيام الأيام البيض، فهناك فرق بينهما من حيث التوقيت والحكم، فالست من شوال هي ستة أيام يُستحب صيامها بعد انتهاء رمضان خلال أي وقت من شهر شوال، سواء متتابعة أو متفرقة، أما الأيام البيض، فهي أيام 13 و14 و15 من كل شهر قمري، وسميت بذلك لأن القمر يكون فيها بدرًا مضيئًا، وصيامها سنة مستحبة على مدار العام، إلا أنها في رمضان تكون جزءًا من الصيام المفروض على المسلمين، وبذلك صيام الست من شوال عبادة مستقلة عن صيام الأيام البيض، وإن صادفت الأيام البيض في شوال، فيجوز الجمع بين النيتين لمن أراد، فيحصل على ثواب صيام الست من شوال وثواب صيام الأيام البيض معًا.
دعاء صيام الست من شوال
اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فاغفر لي ذنوبي، وتقبل مني صيامي، واكتب لي أجر صيام الدهر كله.
اللهم اجعل صيامي في ميزان حسناتي، وتقبله مني بقبول حسن، واغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين.
يا رب كما وفقتني لصيام هذه الأيام، وفقني لما تحب وترضى، وأكرمني ببلوغ رمضان القادم وأنا في صحة وعافية.
اللهم اجعل هذا الصيام سببًا في تطهيري من الذنوب، وارزقني به القرب منك، وحسن القبول.
اللهم إني أسألك بركة في عمري، ونورًا في قلبي، وقبولًا في عملي، ورفعة في درجتي عندك.
يا رب كما رزقتني صيام رمضان، فأكرمني بفضل صيام الست من شوال، واكتب لي أجر صيام الدهر كله.
اللهم كما وفقتني لصيام رمضان وستة من شوال، فتقبل مني واجعلها سببًا في دخول الجنة، وأكرمني ببلوغ رمضان القادم في صحة وعافية.
يا أرحم الراحمين، اجعل صيامي شافعًا لي يوم ألقاك، وبارك لي في أيامي القادمة، واغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين.
يا رب كما أعنتني على الصيام، فأعنِّي على دوام الطاعة، واجعلني من المقبولين الفائزين بجنات النعيم.
اللهم اجعل هذا الصيام سببًا في دخول الفردوس الأعلى، واغفر لي ولوالدي ولأحبتي ولجميع المسلمين.
في الختام، صيام الست من شوال فرصة عظيمة لمضاعفة الأجر وإكمال صيام السنة، وهو علامة على حب العبد للطاعة واستمراره في الخير بعد رمضان، فإن كنت قد أكرمك الله بصيام رمضان، فلا تفوت هذا الفضل العظيم، واغتنم هذه الأيام المباركة بما يقربك إلى الله، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لصيامها واغتنام الأجر العظيم، وأن يجعلنا من المقبولين في شهر رمضان وفي كل أيام السنة.