شروط الأضحية، في أيام العشر من ذي الحجة تهب نفحات ربانية ويتجدد الشوق إلى التقرب إلى الله بشتى الطاعات، ومن أعظم ما يُتقرب به إلى الله في هذه الأيام هو ذبح الأضاحي، تلك الشعيرة التي سنها لنا نبي الله إبراهيم عليه السلام، وأحياها رسول الله محمد ﷺ، لتكون علامة على الخضوع والامتثال لأمر الله، وتجسيدًا لروح البذل والعطاء.
قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ (سورة الكوثر، الآية 2)، وقال تعالى أيضًا:
﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ﴾ (سورة الحج، الآية 37)، ولعظمة هذه الشعيرة لم يترك الشرع أمرها عبثًا، بل جعل لها شروطًا دقيقة تضبطها وتحدد ما يُجزئ وما لا يُجزئ، ليقبلها الله من العبد ويثيبه عليها.
سنتناول في هذا المقال جميع شروط الأضحية من حيث المضحي، والأضحية، والوقت، والنية، والسنة والواجب مع الأدلة الواضحة من القرآن والسنة.
شروط الأضحية المتعلقة بالمُضحي
الإسلام
يجب أن يكون المضحي مسلمًا؛ لأن الذبح عبادة، والعبادة لا تصح إلا من مسلم، فالله تعالى قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (سورة البينة، الآية 5).
البلوغ
ذهب جمهور العلماء إلى أن الأضحية ليست واجبة إلا على البالغ، وأن الصغير لا يُطالَب بها، ولكن يجوز لوليُّه أن يُضحِّي عنه.
قال الإمام النووي في “المجموع”: “ولا تجب الأضحية على الصبي، وتجوز من ماله بإذن وليُّه”.
وقد ورد أن النبي ﷺ كان يُضحِّي عن نفسه وعن أهل بيته، وفيهم صغار، مما يدل على الجواز.
العقل
لا تجب الأضحية على المجنون، لأنه ليس من أهل التكليف، كالصبي، لقول النبي ﷺ: “رُفِع القلم عن ثلاثة…” وذكر منهم “المجنون حتى يُفيق” –(رواه أبو داود).
القدرة المالية (اليسار)
الأضحية ليست واجبة على الفقير الذي لا يملك ثمنها، ولكنها سنة مؤكدة على من يملك ما يزيد عن قوته وقوت من يعول في يوم العيد وأيام التشريق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ: «من وجد سعة فلم يُضحِّ فلا يقربن مصلانا» (رواه ابن ماجه والدارقطني بسند حسن).
النية عند الذبح
لا تصح الأضحية إلا بنية، لأن النية شرط في كل عبادة، لقول رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (رواه البخاري ومسلم).
عدم أخذ شيء من الشعر أو الأظافر منذ دخول ذي الحجة
من السنن المؤكدة أن يمتنع المُضحِّي من قص شعره وأظافره منذ دخول عشر ذي الحجة حتى يذبح أضحيته، فعن أم المؤمنين أم سلمة: «مَن كانَ له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فإذا أُهِلَّ هِلالُ ذِي الحِجَّةِ، فلا يَأْخُذَنَّ مِن شَعْرِهِ، ولا مِن أظْفارِهِ شيئًا حتَّى يُضَحِّيَ» (رواه مسلم)، والحكمة من ذلك أن يشابه المحرِم في بعض نسكه، وهذا من تعظيم الشعيرة.
ملكية الأضحية وقت الذبح
أن تكون الأضحية مملوكة للمُضحِّي وقت الذبح، ملكًا صحيحًا مستقراً، أو مأذونًا له فيها شرعًا، كمن وكَّله صاحبها بذبحها.
شروط الأضحية المتعلقة بالحيوان المضحى به
أن يكون من بهيمة الأنعام
لا تصح الأضحية إلا من الإبل، أو البقر، أو الغنم (ضأن أو معز)، ولا تصح من غيرها كالدجاج أو الأرانب، والله تعالى قال: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ (سورة الحج، الآية 34).
بلوغ السن الشرعي
يجب أن تكون الأضحية قد بلغت السن المحدد شرعًا، فالإبل خمس سنوات، والبقر سنتان، والمعز سنة، أما الضأن (الخبش): نصف سنة إن كان سمينًا ويُجزئ، لقول النبي ﷺ: «لا تذبحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن» (رواه مسلم).
السلامة من العيوب المانعة
وهي أربعة حددها النبي ﷺ، وهي العور البين، وزالمرض البيِّن، والعرج البيِّن، والهزال المفرط.
عن البراء بن عازب أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ: ماذا يُتَّقى مِن الضَّحايا؟ فقال: “أربعٌ”، وقال البَراءُ: ويَدي أقصرُ مِن يدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- العَرجاءُ البَيِّنُ ظَلَعُها، والعَوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والمَريضةُ البَيِّنُ مَرضُها، والعَجفاءُ التي لا تُنقي (رواه أبو داود وصححه الألباني).
أن تكون ملكًا للمضحي أو مأذونًا له بها
لا تصح الأضحية المغصوبة أو المسروقة أو المأخوذة بغير إذن صاحبها، فإن ضحى بها لا تقبل، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
ألا تكون مشتركة فيما لا يُجزئ فيه الاشتراك
يجوز الاشتراك في الإبل والبقر إلى سبعة أشخاص، أما الغنم فلا يجوز أن يشترك فيها أكثر من شخص واحد، لأن النبي ﷺ وأصحابه ضحوا بالبقر عن سبعة (رواه مسلم).
شروط الأضحية المتعلقة بالذبح
الذبح في الوقت الشرعي المحدد
يبدأ وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد مباشرة، لا قبلها، ويستمر إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق (ثالت يوم العيد).
عن البراء بن عازب أن النبي ﷺ قال: “إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ به في يَومِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَن فَعَلَهُ فقَدْ أصابَ سُنَّتَنا، ومَن ذَبَحَ قَبْلُ، فإنَّما هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهْلِهِ، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ” (رواه البخاري ومسلم).
التسمية عند الذبح
لا بد من قول: “بسم الله، والله أكبر” عند الذبح، لقول الله عز وجل: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (سورة الأنعام، الآية 121).
أن يكون الذابح ممن يجوز له الذبح
أي مسلم أو كتابي (يهودي أو نصراني) يذكر اسم الله، لكن الأفضل أن يذبحها المسلم بنفسه، أو يوكل غيره مع حضور النية.
شروط متعلقة بتقسيم لحم الأضحية
الثلث له، والثلث للفقراء، والثلث للأقارب
وهذا هو الأفضل، والله تعالى قال: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ (سورة الحج، الآية 28)، ويُستحب أن يأكل المضحي منها، ويهدي الأقارب، ويتصدق بالباقي.
لا يجوز بيع شيء من الأضحية
لا تباع لحومها، ولا جلودها، ولا شيء منها. ولا تعطى أجرة للجزار من لحمها، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أَمَرَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ أَقُومَ علَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لا أُعْطِيَ الجَزَّارَ منها، قالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِن عِندِنَا» (رواه البخاري).
هل الأضحية واجبة أم سنة؟
اختلف العلماء على قولين:
-
القول الأول أنها سنة مؤكدة، وهو قول جمهور العلماء (المالكية، الشافعية، والحنابلة).
-
القول الثاني أنها واجبة على القادر، وهو قول أبي حنيفة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدل أصحاب القول الثاني بحديث: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا»، لكن الراجح أنها سنة مؤكدة، ومن تركها وهو قادر فقد فاته خير عظيم.
الأضحية عن الميت
اختلف العلماء في حكم الأضحية عن الميت على ثلاثة أقوال، نوجزها ونفصلها كما يلي:
القول الأول: جواز الأضحية عن الميت وتصل إليه
وهو قول الحنفية، والحنابلة، وقال به من المالكية من أجاز الوصية بها. وهو الراجح عند كثير من المحققين، وذلك إستنادًا لما رواه أبو داود عن علي رضي الله عنه أنه كان يُضحِّي بكبشين، أحدهما عن النبي ﷺ، والآخر عن نفسه، وقال: “إن رسول الله ﷺ أوصاني أن أُضحِّي عنه، فأنا أُضحِّي عنه أبداً”.
قال الإمام ابن قدامة في المغني (ج13 ص366): “ويجوز أن يُضحى عن الميت، كما يُتصدق عنه، ويُحج عنه، وهذا مذهب أكثر أهل العلم”.
كما أنهم قاسوا على الصدقة الجارية والحج والعمرة عن الميت، فقد ثبت أن النبي ﷺ قال في الصحيحين: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث…”، ومنها الصدقة جارية، والأضحية من جنس الصدقة؛ فهي قُربةٌ ماليةٌ يصل أجرها للميت بإذن الله.
القول الثاني: لا تُشرع الأضحية عن الميت إلا إذا أوصى بها
وهو قول المالكية في المعتمد، قالوا: الأضحية عبادة بدنية مالية، فتُشترط فيها النية والملك، والميت لا نية له، لكنهم استثنوا إن أوصى بها الميت، جازت بالإجماع، وتُخرج من ثلث التركة.
قال الإمام الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (ج4 ص313): “لا يُضحِّى عن الميت إلا إن أوصى، أو تبرع بها وارثه من مال نفسه”.
القول الثالث: جائزة مع الكراهة
قال به بعض الشافعية، وهو قول وسط بين الإباحة والمنع.
قال النووي في المجموع شرح المهذب (ج8 ص406): “لو ضحى عن الميت تبرعًا، ووصل ثوابه إليه، صح ذلك، كمن تصدق عنه”.