تفسير سورة النبأ الآيات من 1- 16 تفسير مبسط
تعرف على تفسير الآيات من 1 - 16 من سورة النبأ
سورة النبأ هي السورة الثامنة والسبعون في ترتيب المصحف، ومن سور الجزء الثلاثين، وقد نزلت في مكة المكرمة، وتتميز بأسلوبها القوي في إثبات العقيدة، خاصةً قضية البعث والجزاء، وتبدأ السورة بأسلوب استفهامي ملفت للانتباه، يتساءل فيه المشركون عن النبأ العظيم، وهو يوم القيامة، كما تُظهر السورة دلائل قدرة الله في الكون، ثم تصف يوم القيامة وأهواله، وتبين جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين.
سنتناول في هذا المقال تفسير الآيات (1-16) من هذه السورة العظيمة مع تحليل معاني الكلمات، وربطها بالسياق العام للسورة، والاستشهاد بأقوال المفسرين من أمثال ابن كثير والطبري والقرطبي، مع بيان الدروس المستفادة.
نص الآيات من (1 – 16) من سورة النبأ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ١ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ٢ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ٣ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ٥ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ٧ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ٨ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ٩ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ١٠ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ١١ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ١٢ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ١٣ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ١٤ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ١٥ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ١٦﴾
تفسير الآيات من (1 -16) من سورة النبأ
تفسير الآيات (1-5) من سورة النبأ: التساؤل عن النبأ العظيم
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴾
التحليل اللغوي والمعنى العام:
“عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ”: كلمة “عَمَّ” اختصار لـ”عن ماذا”، والاستفهام هنا للتعجب والإنكار على المشركين الذين كانوا يتساءلون باستهزاء عن حقيقة البعث.
“عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ”: أي عن الخبر العظيم، وهو البعث بعد الموت والحساب في الآخرة، وهو أمر ينبغي أن يُسلَّم به، لا أن يكون محل جدل.
“الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ”: أي أن الناس قد اختلفوا حوله، فمنهم من أنكره، ومنهم من صدق به، لكن إنكاره لا ينفي وقوعه.
“كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ”: آية تحذيرية تؤكد أن هؤلاء المشككين سيعلمون يقينًا حقيقة البعث عندما يعاينونه، وتكرارها دليل على التأكيد والتشديد في الوعيد.
تُفتتح السورة بسؤال فيه استنكار وتعجب، سؤال يُشير إلى عِظَم وهول الأمر الذي أهم الناس وشغلهم، إنه أمر البعث بعد الموت، وهو أمر اختلفوا فيه، فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر، ولسوف يعلم المُنكرون حقيقة هذا الأمر، سيعلمونها أولًا حين يموتون، ثم سيعلمونها أخيرًا حين يرون يوم القيامة من العذاب ما لم يكونوا يحتسبون، وفي هذا ما فيه من الوعيد والتهديد والزجر.
يرى ابن كثير أن هذا الاستفهام جاء توبيخًا للكفار على استهزائهم بالبعث، ويؤكد أن الله تعالى سيريهم صدق وعده يوم القيامة، و أشار الطبري إلى أن التكرار في “سيعلمون” يفيد التأكيد، وأنه إشارة إلى العلم عند الموت، ثم العلم عند البعث والحساب.
تفسير الآيات (6-7) من سورة النبأ: الأرض والجبال من آيات الله
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾
التحليل اللغوي والمعنى العام:
“أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا”: أي ممهدة مريحة للعيش، فهي ليست وعرة ولا مستحيلة الحياة عليها.
“وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا”: أي جعلها الله كالأوتاد التي تثبت الأرض وتحفظ توازنها، كما أن الأوتاد تمنع اضطراب الخيمة.
خلق الله الأرض ممهدة بفضله، صالحة لإيوائنا واستقرارنا، وتلك الجبال راسية ثابتة بأمر الله، تحمي الأرض من أن ترتج أو تميد، ويشير القرطبي في تفسيره إلى أن الله ضرب الجبال مثلًا بالأوتاد؛ لأنها تغوص في باطن الأرض مثلما تُدق الأوتاد في الأرض لتثبيت الخيام، وبَيَّن ابن كثير في تفسيره أن الأرض مهيأة لمعيشة الإنسان، وأن الجبال تعمل على تثبيت القشرة الأرضية.
والجدير بالذكر أن هذه الآية تتطابق مع ما توصل إليه العلم الحديث حول دور الجبال في توازن الأرض، حيث اكتشف العلماء أن الجبال لها امتدادات في أعماق الأرض تشبه الأوتاد، مما يثبت سطحها وهذا من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
تفسير الآيات (8-11) من سورة النبأ: الزوجية، النوم، والليل والنهار
قال الله تعالى: ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾
التحليل اللغوي والمعنى العام:
“وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا”: أي أن الله خلق البشر في صورة أزواج (ذكر وأنثى) للتكاثر والتعاون والتكامل.
“وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا”: أي راحة للبدن وانقطاعًا عن الحركة والعمل لاستعادة النشاط.
“وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا”: أي جعله يغطي الأرض كاللباس، فيعم الظلام ويهدأ الناس.
“وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا”: أي وقتًا للعيش والعمل والكسب.
حكمة الله عز وجل أن خلقنا على صنفين، ذكر وأنثى؛ ليكون هذا سببًا من أسباب عمران الكون ونمائه، والنوم الذي هو نعمة نغفل عنها؛ حيث بها انقطاع أعمالنا، وراحة لنا، وكذلك الليل، فهو كاللباس يغشانا، ويُغطينا بظلامه إن أردنا تهجدًا، أو أردنا سِترًا، أما النهار فيه يتيسر معاشنا وسعينا الذي من خلاله نتمتع بعديد من النعم والمكاسب.
يرى الطبري في تفسيره أن النوم بمثابة الموت الصغير الذي يعيد للإنسان قوته، وأن الليل لباس للراحة، والنهار وقت السعي والعمل، ويُؤكد ابن عاشور أن هذا الترتيب بين الليل والنهار ضروري لحياة الإنسان، وأن فيه نعمة عظيمة يجب شكرها.
تفسير الآيات (12-16) من سورة النبأ: السماء والمطر والنبات
قال الله تعالى: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾
التحليل اللغوي والمعنى العام:
“سَبْعًا شِدَادًا”: أي السماوات السبع المحكمة البناء.
“سِرَاجًا وَهَّاجًا”: أي الشمس المضيئة القوية.
“الْمُعْصِرَاتِ”: السحب التي تحمل المطر.
“مَاءً ثَجَّاجًا”: أي ماءً غزيرًا متدفقًا.
“لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا”: أي منافع الزراعة من الحبوب والخضروات.
“وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا”: أي بساتين كثيرة الأشجار متشابكة الأغصان.
لقد رفع الله عز وجل فوقنا سقفًا محكمًا، إنها السماوات السبع، الشديدة في اتساعها وارتفاعها، المزينة بالنجوم والكواكب، وقد حوت تلك السماوات مزيدًا من النعم،من شمس جمعت بين النور والحرارة، فهي مضيئة متوقدة، وسُحب تحمل ماء الغيث الذي ينزل بكثرة، فيخرج به كل نبات تقتات به الكائنات، ولنا منه زيادة على القوت بساتين متشابكة أغصانها، نجني منها ثمارًا نتفكه بها.
يوضح ابن كثير في تفسيره أن هذه الآيات تدل على قدرة الله في الخلق والتدبير، حيث جعل السماء محفوظة، وأنزل المطر ليكون سببًا للحياة، ويربط القرطبي هذه الآيات بالنعم التي يجب على الإنسان أن يشكرها، لأن المطر والنبات أساس الحياة، كما أن هذه الآيات تدل على الدقة العلمية في وصف المطر، حيث يتكون نتيجة تكاثف بخار الماء في السحب “المُعْصِرَات”، وهو من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
الدروس المستفادة من الآيات (1-16) من سورة النبأ
- البعث يوم القيامة أمرٌ يقيني، وليس محل شك أو جدال.
- الحق واضح، لكن المكابرين لا يريدون الاعتراف به.
- يجب الاستعداد ليوم البعث بالعمل الصالح قبل فوات الأوان.
- التأمل في دلائل قدرة الله في الكون، فهذه الآيات تجعل الإنسان يدرك أن الخلق لم يوجد عبثًا، بل لحكمة عظيمة، وتحثنا على التفكر في عظمة الله.
- التوازن في الكون من نِعَم الله علينا، فهذه النعم كلها تذكير بوجوب الشكر لله، وعدم الغفلة عن تدبيره الحكيم.
- الإيمان بوحدانية الله من خلال بديع خلقه الذي يعزز مفهوم التوحيد، ويجعلنا نزداد يقينًا بقدرة الله المطلقة.
- الدليل العقلي على البعث من خلال آيات الكون، فإذا كان الله قد خلق هذا الكون البديع من العدم، فإعادة الخلق يوم القيامة أسهل عليه، وهذه الحجة العقلية ترد على كل من ينكر البعث بحجة استحالته.
- يجب على المؤمن أن يعمل لحياته الأبدية، لا أن ينشغل فقط بالدنيا الزائلة.
- العلاقة الزوجية جزء من النظام الإلهي لتكامل البشرية واستمرارها.
في الختام، قدمنا لكم تفسير الآيات من (1 – 16) من سورة النبأ، ونجد أن هذه الآيات تُبرز عظمة الله في خلق الكون، وتأكيد قضية البعث من خلال ذكر الأدلة الكونية، فهي دعوة للتفكر، وشكر نعم الله، والاستعداد ليوم الحساب، فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفهم والتدبر في كتابه، وأن يجعلنا من عباده المتقين.
المصدر
تعليق واحد