الفرق بين صلاة التراويح وصلاة التهجد وقيام الليل، عندما تهدأ الأصوات، وتغفو العيون، وتبقى الأرواح معلَّقة بين الأرض والسماء ينادي الله عباده المؤمنين إلى وقفاتٍ نورانية في ظلمات الليل، حيث تُصف الأقدام بين يديه بخشوع، وتُسكب الدموع في رحابه، فتنهمر الرحمات، وتتنزل البركات، ومن بين الصلوات التي أكرمنا الله بها في هذا الوقت صلاة التراويح، وصلاة التهجد، وقيام الليل ، وعلى الرغم من تقارب هذه المصطلحات، فهل هناك فروقًا جوهرية بينهم في المفهوم والتوقيت والفضل؟، والحقيقة أن هناك تساؤلات عديدة لدى كثير من الناس: هل التراويح هي نفسها التهجد؟ وهل يمكن الجمع بينهما؟ وأيهما أكثر فضلًا؟
سنوضح في هذا المقال الفرق بين هذه الصلوات الثلاث مستندين إلى الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، مع عرض فضل كل منها وأفضل الأوقات لأدائها، حتى تكون العبادة على بصيرة وعلم.
الفرق بين صلاة التراويح وصلاة التهجد وقيام الليل
قيام الليل
قيام الليل هو أعم الصلوات الثلاث، فهو يشمل كل صلاة أو ذكر أو تلاوة للقرآن أو دعاء يؤدَّى بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر، أي أن صلاة التراويح والتهجد كلاهما جزء من قيام الليل، لكنه لا يقتصر عليهما، بل يشمل أيضًا التسبيح والاستغفار وقراءة القرآن، فالله تعالى يقول في كتابه: “كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (سورة الذاريات، الآية 17-18)، و يمكن أداؤه في البيت أو المسجد، ولا يُستحب الجماعة فيه عادة
حكم قيام الليل
قيام الليل سنة مؤكدة، وكان النبي ﷺ لا يتركه أبدًا، وهو ليس واجبًا على المسلمين، لكنه من العبادات التي ترفع الدرجات وتكفر السيئات، ويرى الحنابلة أنه أفضل النوافل بعد الفريضة.
فضل قيام الليل
قيام الليل باب من أبواب الجنة، فقد قال النبي ﷺ: “أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام” (رواه الترمذي)، ويجلب النور في الوجه، فقد قال الحسن البصري رحمه الله: “إنهم قوم خلوا بالله في ظلمة الليل فألبسهم من نوره”، كما أنها من أعظم الأعمال التي يُحبها الله، فقد كان النبي ﷺ يكثر من قيام الليل، وقال: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” (رواه مسلم).
صلاة التراويح
صلاة التراويح هي صلاة قيام خاصة بشهر رمضان المبارك، تؤدى بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر، ويُسنُّ أداؤها جماعةً في المسجد، وإن كانت تصح أيضًا فرادى، وقد سُميت بالتراويح لأن السلف الصالح كانوا يستريحون بين كل ركعتين أو أربع ركعات، نظراً لطول القيام والخشوع فيها، وتتراوح بين ثماني وعشرين ركعة.
كما أن صلاة التراويح ليس لها عدد محدد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد عن 11 ركعة أو 13، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة” (متفق عليه)، غير أن الصحابة ومن بعدهم كانوا يصلون عشرين ركعة وأحيانًا أكثر، والأمر في ذلك واسع، كما قال الإمام أحمد: “لا بأس بالصلاة عشرين أو أكثر”.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “أن رسول الله ﷺ خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله ﷺ في الليلة الثانية، فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: “أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها”، قالت عائشة: فكان الناس يصلون لأنفسهم” (رواه البخاري ومسلم).
فالنبي ﷺ كان يخشى أن يستمر في صلاة التراويح جماعة، فتنزل آية تُوجبها عليهم كفرض، وهذا قد يكون شاقًّا على الأمة، خاصة أن صلاة الليل تحتاج إلى مجاهدة النفس، فكان من رحمته ﷺ بأمته أن تركها جماعة حتى لا تلزمهم.
بعد وفاة النبي ﷺ ظل الصحابة والتابعون يصلون قيام الليل فرادى أو في جماعات متفرقة خلال شهر رمضان، دون أن يكون هناك تنظيم موحد لصلاة التراويح، لكن عندما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة، لاحظ أن الناس يصلون في المسجد على هيئة جماعات متفرقة، فأراد أن يجمعهم على إمام واحد، فاجتهد في ذلك وأعاد صلاة التراويح إلى شكلها الجماعي المنتظم.
فعن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: “خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: والله، إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أُبَيِّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون” (رواه البخاري).
حكم صلاة التراويح:
صلاة التراويح سنة مؤكدة في شهر رمضان، ثبتت بفعل النبي ﷺ، حيث صلَّاها بالصحابة ثلاث ليالٍ ثم ترك الاجتماع عليها خشية أن تُفرض عليهم، فلما تولَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جمع الناس على إمام واحد، وأصبحت سنة متبعة، فورد عن النبي ﷺ أنه قال: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).
فضل صلاة التراويح
صلاة التراويح سبب لمغفرة الذنوب، كما في حديث النبي ﷺ: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”، كما أنها سنة مؤكدة عن النبي ﷺ، وأجمع عليها الصحابة والتابعون، وإحياؤها يزيد من روحانية شهر رمضان، وهي فرصة للتزود بالطاعات.
صلاة التهجد
أما صلاة التهجد، فهي نوع خاص من قيام الليل، لكنها تُؤدَّى بعد النوم ولو لفترة قصيرة، ثم الاستيقاظ لأدائها، ولهذا كل تهجد هو قيام ليل، ولكن ليس كل قيام ليل تهجدًا، إذ أن الفرق الجوهري بينهما هو أن التهجد يشترط فيه النوم قبله، بعكس قيام الليل الذي قد يكون قبل النوم أو بعده، وليس لها عدد محدد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد عن إحدى عشرة ركعة، وتصلى فرادى غالبًا، مع إمكانية صلاتها جماعة.
حكم صلاة التهجد:
صلاة التهجد سنة مستحبة، ليست واجبة لكنها من أعظم القربات إلى الله، وتؤدَّى بعد النوم، وكان النبي ﷺ يحافظ عليها.
فضل صلاة التهجد:
من صفات عباد الله الصالحين، قال تعالى: “كَانُوا۟ قَلِيلًۭا مِّنَ ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (سورة الذاريات، الآية 17-18)، وسبب لنيل محبة الله ورفع الدرجات، فقد قال النبي ﷺ: “أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن” (رواه الترمذي)، كما أن وقت صلاتها فيه ساعة يُستجاب فيها الدعاء، كما قال ﷺ: “إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه” (رواه مسلم).
أفضلية صلاة التهجد وصلاة التراويح وقيام الليل
كل هذه الصلوات لها فضل عظيم غير أن التهجد يحظى بمزيد من الأجر لأنه يتطلب جهادًا أكبر للنفس، حيث يقوم المصلي من فراشه مستجيبًا لنداء الله، وقد مدح الله أهل التهجد في القرآن بقوله: “تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ” (السجدة: 16)، أما قيام الليل فهو من أعظم الطاعات، وكان من صفات عباد الله الصالحين، إذ قال تعالى: “كَانُوا۟ قَلِيلًۭا مِّنَ ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (الذاريات: 17-18)، وبالنسبة للتراويح فهي ميزة خاصة بشهر رمضان، وقد سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جمع عمر بن الخطاب الناس عليها، فصارت شعيرة من شعائر هذا الشهر الفضيل.
لكن إن استطاع المسلم الجمع بينها فذلك خير له، فإن كان في رمضان، فليحرص على التراويح والتهجد، وإن كان في غير رمضان، فليجتهد في قيام الليل ولو بركعتين، فالله سبحانه وتعالى يعطي على القليل الكثير، ويرفع أهل الليل في الدرجات، فليكن لنا فيهم نصيب.
في الختام، وضحنا لكم الفرق بين صلاة التراويح وصلاة التهجد وقيام الليل، ونجد أنها صلوات كلها عبادات عظيمة، ومن وُفق إليها فقد فاز بأجر عظيم، فليجتهد المسلم في هذه الصلوات، وليكن له نصيب منها ولو بركعات قليلة، فإن الله يجزي المحسنين أجرًا بغير حساب.
المصدر