إعرف دينكأسئلة

هل يجوز الترحم على غير المسلم؟

تعرف على حكم الترحم على غير المسلم

هل يجوز الترحم على غير المسلم؟

من المسائل التي تثير تساؤلات عميقة في الفقه الإسلامي مسألة الترحم على غير المسلم خاصةً في ظل العيش في مجتمعات متنوعة دينيًا، ويتناول هذا الموضوع أبعادًا عقدية واجتماعية وإنسانية، وذلك ما يجعله محط اهتمام المسلمين الساعين لفهم الضوابط الشرعية.

سنتناول في هذا المقال الموضوع بشمولية مسلطين الضوء على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال العلماء، بالإضافة إلى تحليل التأثيرات الاجتماعية المرتبطة بالمسألة.

مفهوم الرحمة في الإسلام

المحتوى :

الرحمة في الإسلام مفهوم شامل تتسع مظلته لتشمل الدنيا والآخرة، وتظهر في جوانب متعددة من حياة الإنسان، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم: “ورحمتي وسعت كل شيء” (سورة الأعراف، الآية 156).

الرحمة العامة

هي الرحمة التي تشمل جميع الخلق، مسلمين وغير مسلمين. يظهر ذلك في توفير الله النعم للجميع، كما في قوله تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (سورة الأعراف، الآية 156)، فهذه الرحمة تشمل الرزق، والصحة، والأمن.

الرحمة الخاصة

هي التي يختص بها الله عباده المؤمنين، في الدنيا والآخرة. وتتجلى في قوله تعالى: “إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ” (سورة الأعراف، الآية 56)، وهذه الرحمة تتعلق بالهداية، والمغفرة، ودخول الجنة.

الفرق بين الرحمة الدنيوية والأخروية

تتجلى الرحمة في الدنيا في البر والإحسان إلى الجميع، أما الرحمة الأخروية تتعلق بالمغفرة والنجاة من النار، وهي مقتصرة على من آمن بالله.

هل يجوز الترحم على غير المسلم؟
حكم الترحم على غير المسلم

النصوص الشرعية التي تناولت الترحم على غير المسلم

القرآن الكريم

قال الله تعالى: “مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِى قُرْبَىٰ” (سورة التوبة، الآية 113)، فالآية صريحة في النهي عن طلب المغفرة (والرحمة الأخروية) للمشركين حتى لو كانوا أقرباء.

والله تعالى يقول أيضًا في كتابه: “إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ” (سورة النساء، الآية 48)، والشرك بالله يحول دون المغفرة والرحمة الأخروية.

السنة النبوية

طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الله أن يأذن له بالاستغفار لأمه التي ماتت على الشرك، فلم يؤذن له حيث قال: “استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي.” (رواه مسلم)، ويدل هذا على وضوح التفريق بين الدعاء للأحياء بالهداية والترحم على الأموات.

وقال صلى الله عليه وسلم عن أبي طالب عند وفاته: “لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ.” (البخاري ومسلم)، لكن الله نهاه عن ذلك لاحقًا.

آراء العلماء في جواز الترحم على غير المسلم

جمهور العلماء

أجمع العلماء من المذاهب الأربعة على أن الترحم على غير المسلم بعد وفاته بمعنى طلب الرحمة الأخروية لا يجوز، وعللوا ذلك بأن الرحمة في الآخرة تتعلق بمغفرة الذنوب ودخول الجنة، وهو أمر مقتصر على من مات على الإيمان.

العلماء المعاصرون

أشار بعض العلماء المعاصرين إلى ضرورة التفريق بين الدعاء بالرحمة الدنيوية والهداية الذي يجوز في حياة غير المسلم، وبين الدعاء بالرحمة الأخروية الذي لا يجوز بعد الوفاة، وقد استدلوا بقول الله تعالى: “لَّا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمْ” (سورة الممتحنة، الآية 8).

الإمام النووي

قال الإمام النووي: “الاستغفار للكفار محظور بنص القرآن.”

ابن كثير

ذكر ابن كثير في تفسيره أن طلب المغفرة للكافر يعد تعديًا على حدود الله، لأن المغفرة مشروطة بالإيمان.

الحزن على وفاة غير المسلم

الإسلام يعترف بالمشاعر الإنسانية، ولا مانع من الحزن على وفاة غير المسلم خاصة إذا كان قريبًا أو صديقًا، ويمكن للمسلم أن يعبر عن حزنه بأسلوب لا يتجاوز الضوابط الشرعية مثل الدعاء للصبر لعائلته، أو التعبير عن الامتنان لتعاملاته الطيبة.

التعايش السلمي واحترام المشاعر مع غير المسلم

الإسلام دين رحمة، وبرغم الحدود العقدية يوصي بالبر والإحسان لغير المسلمين، والله تعالى يقول في كتابه: “لَا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمْ” (الممتحنة: 8)، زالبر بهم لا يعني التجاوز في الدعاء بالمغفرة.

قصص وأمثلة من السيرة النبوية والصحابة على الترحم على غير المسلم

زار النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا يهوديًا كان يخدمه، ودعاه للإسلام وهو على فراش الموت، ووقتها قال الغلام: “أشهد أن لا إله إلا الله”‘ فالرحمة هنا تجلت في الحرص على هدايته قبل وفاته.

كما أن الصحابة التزموا بالنصوص الشرعية مع التعبير عن مشاعر الحزن بشكل إنساني مع عدم الترحم على غير المسلم بعد وفاته.

الحكمة من النهي عن الترحم الأخروي لغير المسلم

عدالة الله تقتضي أن تكون الجنة لمن آمن بالله وعمل صالحًا، كما أن الشرك بالله ظلم عظيم حيث قال الله تعالى في كتابه: “إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (سورة لقمان، الآية 13).

كما أنه احترام لحدود الله، فالمسلم مطالب بالالتزام بالضوابط الشرعية كجزء من عبادته لله.

الفرق بين التعايش مع غير المسلم واحترام العقيدة

الإسلام يدعو إلى حسن المعاملة مع الجميع في إطار العدل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة.” (رواه البخاري)، لكن لا يجوز للمسلم أن يتجاوز حدود الله بحجة المجاملة.

كيف يمكن للمسلم أن يكون قدوة في التعايش مع الحفاظ على التزامه الديني

كون المسلم قدوة في التعايش مع الحفاظ على التزامه الديني هو تحدٍ عظيم يتطلب فهمًا عميقًا لدينه، وإدراكًا لمقاصد الشريعة التي تقوم على العدل والرحمة بجانب الحكمة في التعامل مع الاختلافات، وإليك كيفية تحقيق ذلك من منظور فقهي:

التمسك بمبادئ الإسلام الأساسية

المسلم الذي يتبع الإسلام بحق هو شخص يسير على الأخلاق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصدق، والأمانة، والعدل، والرحمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.” (رواه أحمد)، والتعايش يبدأ من التزام المسلم بأخلاقه مع الجميع دون تنازل عن مبادئ دينه.

فيجب مثلًا احترام المواعيد والعهود حتى مع غير المسلمين تنفيذًا لقول الله تعالى: “وَأَوْفُوا۟ بِٱلْعَهْدِ ۖ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْـُٔولًا” (سورة الإسراء، الآية 34)، والحرص على الأمانة والصدق في التعاملات التجارية سواء مع المسلم أو غير المسلم.

التعايش بالحسنى دون مجاملة على حساب العقيدة

يُظهر المسلم سماحة الإسلام من خلال بره وإحسانه مع الحفاظ على وضوح هويته الدينية، فالله تعالى يقول: “لَا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ” (سورة الممتحنة، الآية 8).

فزيارة الجيران غير المسلمين والسؤال عن أحوالهم، مع الالتزام بما لا يخالف الدين (مثل عدم المشاركة في شعائرهم الدينية)، وتقديم يد العون للمحتاجين مسلمين كانوا أو غير مسلمين.

الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة

المسلم القدوة يدعو إلى الإسلام بأفعاله قبل أقواله، فالله تعالى يقول: “ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ” (سورة النحل، الآية 125)، والحكمة تعني فهم المواقف والتصرف بما يناسبها دون غلو أو تقصير.

فيجب تجنب فرض الرأي أو العقيدة بالقوة، بل باللطف والإقناع، والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين باحترام دون التقليل منهم مع توضيح الحقائق بأسلوب رصين.

تجنب الجدال العقيم والتركيز على المشتركات

النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجادل إلا في الأمور الضرورية، وكان يركز على دعوة الناس إلى التوحيد بأسلوب بسيط، فالله تعالى يقول في كتابه: “وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ” (سورة العنكبوت، الآية 46).

فعند الحديث مع غير المسلمين يُفضل التركيز على القيم المشتركة مثل العدل والإحسان بدلًا من التطرق إلى القضايا الخلافية.

الإحسان في التعامل مع المخالفين

الإسلام يدعو إلى الإحسان حتى مع المخالفين، كما في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد حيث عالج الموقف بالرحمة والتعليم، والله تعالى يقول: “وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًۭا” (سورة البقرة، الآية 83).

فإذا أساء شخص غير مسلم إلى المسلم، الرد يكون باللطف والخلق الحسن، ويجب أن يتجنب المسلم رد الإساءة بمثلها، ويظهر الجانب المشرق من دينه.

الالتزام بالشريعة دون إفراط أو تفريط

المسلم قدوة عندما يوازن بين الالتزام بدينه ومراعاة الظروف الاجتماعية المحيطة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا.” (البخاري ومسلم)

فيجب الامتناع عن المشاركة في أعياد غير المسلمين التي تحمل طابعًا دينيًا مع تقديم التهنئة بمناسبات إنسانية بطريقة لائقة (مثل “أيامكم سعيدة”)، ورفض أي طلب يخالف العقيدة بلطف ووضوح.

التواضع والاعتراف بالاختلاف

المسلم القدوة لا يتعامل بغرور أو شعور بالتفوق، بل بالتواضع والحكمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد.” (رواه مسلم).

فيجب احترام الآخرين دون التنازل عن الحق، والاستفادة من الثقافات الأخرى بما لا يتعارض مع الإسلام.

الابتعاد عن التصرفات التي تنفر من الإسلام

القدوة لا يتبنى مواقف أو تصرفات تنفر الناس من الدين، فالنبي صلى الله عليه وسلم:  “إن منكم منفرين.” (رواه البخاري).

فيجب التزام الابتسامة واللين في التعامل، واجتناب النقاش الحاد الذي يؤدي إلى التوتر.

مسألة الترحم على غير المسلم تتطلب فهمًا عميقًا للضوابط الشرعية ومقاصد الشريعة، فالإسلام دين يجمع بين العدل والرحمة، ويحرص على ضبط العلاقات الإنسانية بما يحقق التوازن بين الالتزام الديني والمعاملة الطيبة، وعلى المسلم أن يتحلى بالفطنة والحكمة متذكرًا أن الدعوة إلى الله تكون بالأفعال قبل الأقوال، وفي الختام، التمسك بأوامر الله هو جوهر العبودية مع السعي للتمثيل الحسن للإسلام في كل تعامل، نسأل الله أن يوفقنا للالتزام بما يحب ويرضى، وأن يجعلنا دعاة خير وعدل ورحمة.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
المحتوى :
Index