من هم أولو العزم من الرسل ولماذا سمي أولو العزم من الرسل بهذا الاسم؟ - إقرأ يا مسلم
إعرف دينكأسئلة

من هم أولو العزم من الرسل ولماذا سمي أولو العزم من الرسل بهذا الاسم؟

تعرف على أولو العزم من الرسل والدروس المستفادة

من هم أولو العزم من الرسل ولماذا سمي أولو العزم من الرسل بهذا الاسم؟

الحمد لله الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وجعل في قصصهم عبرة لأولي الألباب، وخصَّ منهم صفوة سمّاهم في كتابه بـ”أولو العزم من الرسل“، فكانوا مثالًا في الصبر والثبات والإخلاص، فحُقَّ لنا أن نتدبر في سيرهم، ونغوص في معاني اصطفائهم، لعل الله يوقظ فينا هِمم العزم، ويزرع في قلوبنا نور الثبات.

سنتناول في هذا المقال ما يلى:

  1. المعنى اللغوي والشرعي لأولو العزم.

  2. أسماؤهم وتعدادهم مع الأدلة.

  3. سبب تميزهم واختصاصهم بهذا اللقب.

  4. لمحات من سيرهم ومواقفهم العظيمة.

  5. الفروق الجوهرية بينهم وبين غيرهم من الرسل.

  6. الدروس المستفادة من حياتهم.

  7. كيف نتأسى بهم في واقعنا اليوم.

المعنى اللغوي والشرعي لـ”أُولُو العَزْم”

العَزْم في اللغة مأخوذ من الجذر (ع-ز-م)، ويعني التصميم المؤكد، والإرادة الثابتة، والنية القوية غير المترددة، وقال ابن فارس: “العين والزاي والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على قصدٍ وإرادةٍ مؤكدة”.

أما أولو العزم في الشرع هم الرسل الذين بُعثوا بشرائع عامة، وتحمَّلوا من الأذى والمشاق ما لم يتحمَّله غيرهم، ومع ذلك لم يفت في عضدهم شيء، فثبتوا على دعوة الله، وصبروا على أقداره، فصاروا قدوة في العزم والإصرار والقيادة النبوية في أحلك الظروف.

من هم أولو العزم من الرسل؟ وماذا قال أهل العلم؟

اتفقت كلمة جمهور العلماء على أن أولو العزم من الرسل هم خمسة:

  1. محمد صلى الله عليه وسلم
  2. نوح عليه السلام
  3. إبراهيم عليه السلام
  4. موسى عليه السلام
  5. عيسى عليه السلام
من هم أولو العزم من الرسل ولماذا سمي أولو العزم من الرسل بهذا الاسم؟
أولو العزم من الرسل

الأدلة من القرآن الكريم

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (سورة الأحقاف، الآية 35)، فالآية أمرٌ من الله للنبي محمد ﷺ بأن يصبر كما صبر الرسل العظام، وهذا تشريف له من جهة، وتوجيه للمؤمنين من جهة أخرى إلى أن الصبر سنة نبوية.

والدليل الثاني {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (سورة الأحزاب، الآية 7).

فخص الله هؤلاء الخمسة من بين سائر الأنبياء، وذَكرُهم معًا في مواضع عدة، وذلك يدل على مكانتهم وفضلهم.

قال الإمام ابن كثير: “فهم أكمل الرسل، وأفضلهم وأصبرهم، وأشدهم ثباتًا وتحملًا لأذى أقوامهم في سبيل الله تعالى”.

وقال الشنقيطي في أضواء البيان: “ولا خلاف أن أُولِي العزم هم هؤلاء الخمسة الذين اجتمعوا في مواضع مختلفة من كتاب الله”.

وقد قال الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن): “وهؤلاء الخمسة هم الذين عُنوا في قوله تعالى: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل)”.

لماذا خصهم الله بلقب أولو العزم من الرسل

إن العزم هنا مقام رباني ناله هؤلاء الرسل لخمس خصال عظيمة:

  1. تحملهم أعظم الابتلاءات كالقتل، والطرد، والاستهزاء، والتهديد، والكفر الصريح.

  2. ثباتهم الكامل على الدعوة رغم قلة الأنصار وكثرة المعارضين.

  3. دعوتهم كانت عامة تتجاوز أقوامهم أحيانًا، بخلاف رسل آخرين.

  4. نزول الشرائع الكبرى معهم كالزبور، التوراة، الإنجيل، القرآن.

  5. أنهم صاروا معيارًا للثبات والصبر، كما في قوله تعالى للنبي ﷺ: {فاصبر كما صبر أولو العزم…}.

لمحة عن سيرة أولو العزم من الرسل وصبرهم

محمد ﷺ خاتم المرسلين 

النبي محمد ﷺ خُتِم به النبوة، وواجه قريشًا وحده ثم العرب والعجم، أُوذي في بدنه ونُفي من بلده، حوصر في الشُعب، فقد أهله وأصحابه، ولكنه ثبت كالجبل، وقال: “والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته” [السيرة النبوية لابن هشام]، ودعاه ربه للصبر كما صبر من قبله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}.

نوح عليه السلام رمز الصبر الطويل

نوح عليه السلام يُعد أول رسول بُعث إلى قوم مشركين بعد آدم، ودعا قومه إلى التوحيد 950 سنة، كما قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (العنكبوت، الآية 14)، ورغم طول المدة لم يؤمن معه إلا قليل، واتُّهِم بالجنون، وسُخر منه، ومع ذلك لم يتوقف عن الدعوة، حتى جاء أمر الله بالطوفان، ومن تأمل حاله، أدرك أن الصبر على الدعوة لا يُقاس بالسنين، بل بالثبات على الحق وإن كثر الباطل.

إبراهيم عليه السلام خليل الله وأُسوة التوحيد

إبراهيم عليه السلام واجه قومه، وكسر أصنامهم، ورُمِي في النار، وتحمَّل الابتلاءات في نفسه وأهله، وأُمره الله بذبح ابنه، فاستجاب دون تردد، وقال قولته الخالدة: {قَالَ أَفَتَرَىٰ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ ٱلْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ} (سورة الشعراء، الآيات 75-77)، وهاجر عن قومه، وبنى الكعبة مع ابنه، وجاء بملة الحنيفية التي صارت أصل التوحيد للأمة المحمدية، وإيمانه، وحُسن توكله، واستعداده للتضحية، كل ذلك جعله من أعظم رموز العزم.

موسى عليه السلام قلب شجاع أمام فرعون

بُعث موسى عليه السلام إلى الطاغية الأكبر في عصره فرعون، وقال له كلمة الحق: {فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ} (سورة النازعات، الآيات 18-19)، فقصة موسى عليه السلام مليئة بالمواقف العظيمة كخروجه من مصر، ولقاؤه مع الله في الطور، ونزول التوراة، ومواجهة بني إسرائيل وعنادهم، وكلها محطات عزم لا يلين، وصبر لا يفتر.

عيسى عليه السلام نبي الرحمة والابتلاء

وُلد عيسى عليه السلام من غير أب، ومعجزته في ولادته كانت امتحانًا عظيمًا لأمِّه مريم، ثم دعا قومه للتوحيد، فاتهموه، وكادوا أن يقتلوه، ولكن رفعه الله إليه، كما قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ} (سورة النساء، الآية 157)، فصبر عيسى عليه السلام لم يكن فقط في مواجهة الأذى، بل في ثباته على دعوته رغم قلة الناصر وكثرة المؤامرات.

الدروس المستفادة من (سير أولو العزم من الرسل)

  • طريق الحق مليء بالابتلاء، لكنه طريق الأنبياء.
  • القيادة في الدين لا تكون إلا بثمن صبر، وتعب، ومجاهدة، وصدق.
  • النصر لا يُقاس بالزمن، بل بالثبات.
  • الدعوة تحتاج نفسًا طويلًا وقلوبًا عظيمة.
  • كل مؤمن يجب أن يتأسَّى بأولي العزم في موقعه كأب، أم، داعية، مربي، قائد.

كيف نقتدي بأولي العزم من الرسل اليوم؟

  • بالتثبت على الحق ولو قلَّ أصحابه.

  • بعدم اليأس من هداية الناس، مهما طال الطريق.

  • بتقوية العلاقة بالله كما كانوا، فالعزم يبدأ من القلب.

  • باحتمال الأذى في سبيل الدعوة، كما قال ﷺ: “أُوذيتُ في الله وما يؤذى أحد، وأُخفتُ في الله وما يخاف أحد…” (رواه أحمد).

أثر أولو العزم من الرسل في بناء العقيدة السليمة

المتأمل في دعوات أولي العزم من الرسل يرى أنهم لم يكونوا دعاة إلى مكارم الأخلاق أو مصلحين اجتماعيين فقط، بل كانوا مهندسي العقيدة الصحيحة، وواضعي لبناتها الكبرى، ورُسلًا بوحي الله يرسِّخون الإيمان به وتوحيده في القلوب، ولقد شكَّل هؤلاء الرسل محطات فاصلة في تاريخ الإيمان البشري، ومن خلال دعوتهم المباركة، تشكَّلت المفاهيم العقدية التالية:

  • أولوية التوحيد في كل دعوة، فلم يبدأ أيٌّ منهم بالإصلاح السياسي أو الاقتصادي، بل بدأوا جميعًا بإعلان ربوبية الله وحده، ومحاربة الشرك، كما قال نوح: {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (سورة الأعراف، الآية 59).

  • ثبات العقيدة رغم الابتلاءات، فالعقيدة ليست فكرة ذهنية، بل واقع عملي يُبتلى عليه المؤمنون، وقد قال الله لنبيه ﷺ: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (سورة العنكبوت، الآية 3).

  • تقديم العقيدة على المصلحة، فكل رسول من أولي العزم ترك وطنه، أو قومه، أو عائلته، فداءً للإيمان، فإبراهيم خرج من العراق، وعيسى من بني إسرائيل، ومحمد ﷺ من مكة.

ويورث ذلك المؤمن قناعة عميقة بأن الدين ولاء وانتماء قلبي وفكري وسلوكي لا يتزعزع.

في الختام، بعد أن عرفنا من هم أولو العزم من الرسل نجد أن التأمل في سيرتهم لا يزيد المؤمن إلا يقينًا، ويغرس في قلبه روح الثبات، ويُشعره أن طريق الحق محفوف بالصعاب، لكنه مليء بالبركة والنور، فهؤلاء هم قمم البشر، وخيرة الخلق، اصطفاهم الله لحمل أعظم رسالة، فكانوا كما أراد لهم أن يكونوا، فنسأل الله أن يجعلنا ممن يقتدي بهم، ويثبتنا كما ثبتهم، وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم.

المصدر 

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock