من سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين
تعرف على سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين
من بين صفحات التاريخ الإسلامي المشرق تبرز شخصية أُم عظيمة حاملة لعلم غزير وحكمة بالغة، إنها السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وزوجة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أن حياة السيدة عائشة مدرسة للأجيال في الفقه، والخلق، والصبر، وكيف لا وهي التي عاشت في بيت النبوة، فحملت مشعل العلم، وكانت مرجعًا للصحابة والتابعين؟
سنبحر في هذا المقال في محطات من حياة السيدة عائشة رضي الله عنها، لنتأمل دورها العظيم في بناء الأمة، ونستلهم من سيرتها دروسًا تبقى خالدة على مر الزمان.
نشأة السيدة عائشة رضي الله عنها (نشأة طيبة ونسب كريم)
هي السيدة عائشة بنت عبد الله بن قحافة عثمان بن عامر (أبي بكر الصديق)، ويلتقي نسبها مع النبي صلى الله عليه وسلم،وهي قرشية ولدت في مكة في الإسلام قبل الهجرة بحوالي سبع سنوات لأبوين مؤمنين كريمين؛ فأبوها أبو بكر الصديق رضي الله عنه من خير الناس وأول من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وءامن به وبدعوته وأول من دخل الإسلام من الرجال وكان صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى يثرب، وأمها أم رومان بنت عامر التميمية التي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها ودفنها بنفسه.
تكنت السيدة عائشة رضي الله عنها بأم عبد الله (ابن أختها السيدة أسماء بنت أبي بكر ضي الله عنها)، ولُقبت بالصِّدِّيقة نسبة إلى أبيها أول المؤمنين والمصدقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعُرفت بأم المؤمنين، وبالحميراء؛ لشدة بياض لونها.
زواج أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها
عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: لما توفت خديجة (رضي الله عنها)، قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، وكان ذلك بمكة: يا رسول الله، ألا تتزوج؟ قال: “من”؟ قالت: إن شئت بكرًا، وإن شئت ثيبًا؟ قال: “فَمَنِ البِكرُ” قالت: ابنة أحب خلق الله إليك: عائشة بنت أبي بكر، قال: “وَمَنِ الثَّيِّبُ؟” قالت: سودة بنت زمعة، آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه، قال: “فَاذهَبِي فَاذكُرِيهِمَا عَلَىَّ”.
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر، فوجدت أم رومان، وهي أم عائشة، فقالت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة! قالت: وددت، انتظري أبا بكر، فإنه آتٍ، فجاء أبو بكر فقالت: يا أبا بكر، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة! أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، فقال: هل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: “ارجِعِي إِلَيه فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ وَأَنتَ أَخِي فِي الإِسلَامِ، وَابنَتُكَ تَصلُحُ لِي”، فأتت أبا بكر فقال: ادعي لي رسول الله عليه وسلم، فجاء فأنكحه وأنا يومئذ ابنة سبع سنين.(رواه أحمد)
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها تسع سنوات في شهر شوال من الثانية الثانية من الهجرة، وأصدقها 400 درهم، وقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه قبل أن يتزوجها، حيث قال لها فيما بعد: “أَرَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ (قطعة من الحرير) مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ (يُتمهُ أو يُنفِذُه).” (رواه البخاري).
حب النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها
كانت رضي الله عنها أحظى نساء النبي لديه، وأحبهن إليه، وأكثرهن رواية للحديث عنه صلى الله عليه وسلم، فعن عمرو ابن العاص رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: “عائشة” فقلت: ومن الرجال؟ قال: “أبوها”، قلت: ثم مَن؟ قال: “عمر”، “فعد رجالًا” (رواه مسلم).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَا أُمَّ سَلَمَةَ، لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ؛ فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا أَتَانِيَ الْوَحْيُ فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إِلَّا هِيَ.” (رواه النسائي)، حتى أن السيدة سودة بنت زمعة وهبت يومها مع النبي لعائشة رضى الله عنها.
عائشة رضي الله عنها كانت شديدة الحب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت شديدة الغيرة عليه، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلًا، قالت: فغِرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ” مَالَكِ يَا عَائِشَةُ أَغِرتِ؟” فقالت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَقَد جَاءَكِ شَيطَانُكِ”.
قالت: يا رسول الله، أوَ معي شيطان؟ قال: “نَعَم”، قالت: ومع كل إنسان؟ قال: “نَعَم”، قالت: ومعك يا رسول الله؟ قال: “نَعَم، وَلَكِن رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيهِ حَتَّى أَسلَمَ” (رواه مسلم).
تخير رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بين الدين والدنيا
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه حين أمره الله أن يخير أزواجه عندما هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه شهرًا؛ لمراجعتهن إياه في أمر النفقة، فعن السيدة عائشة قالت: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا عائشةُ إنِّي ذاكرٌ لَكِ أمرًا فلاَ عليْكِ أن لاَ تستعجلي حتَّى تستأمري أبويْكِ” ، قالت: قد أعلم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقك، ثم قال: “إنَّ اللَّهَ يقولُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ حتَّى بلغَ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا”.
قلت: أفي هذا أستأمر أبويَّ؛ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. (رواه البخاري)
حادثة الإفك
بعث حب النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة الغيرة في بعض النفوس؛ فقذفوها بالفاحشة وهي المؤمنة الطاهرة، وذلك عندما خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت السيدة عائشة لحاجتها، ففقدت عقًدا لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه، فجاء النفر الذين يحملون هودجها، فظنوها فيه، فحملوا الهودج وهم لا ينكرون خفته؛ لأن السيدة عائشة كانت صغيرة السن لم يغشها اللحم.
فلما رجعت إلى الجيش لم تجد أحدًا، فقدت مكانها، فغلبتها عيناها، فلم تستيقظ إلا على استرجاع صفوان بن المعطل (الاسترجاع هو قول إنا لله وإنا إليه راجعون)، والذي كان قد تأخر عن الجيش، وكان يراه قبل نزول الحجاب، فأناخ راحلته، فركبتها السيدة عائشة، فانطلق يقود الراحلة بها حتى أدرك الجيش.
وحينما رآها عبد الله ابن أبيّ ابن سلول جعله متنفسًا يتنفس فيه عن الضغينة والحقد الذي بين جنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما سَلِمت منه، ولا سَلِم منها، فأخذ يحكي الإفك ويُشيعه، كما اجتهد أتباعه من المنافقين في نقل شرر هذا الإفك في كل مكان.
أما السيدة عائشة، لما رجعت مرضت شهرًا وهي لا تعلم عن الإفك شيئًا، فلما شُفيت خرجت مع أم مسطح، فأخبرتها الخبر، فلما تأكدت من الخبر ظلت تبكي، فبكت ليلتين ويومًا، ولم تكن تستطيع النوم أبدًا، ولا ينقطع لها دمع حتى ظنت أن البكاء فالق كبدها.
ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيدة عائشة فقال: “يا عَائِشَةُ، فإنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ؛ فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عليه” (رواه البخاري).
حينها قلص دمعها، وطلبت من أبويها أن يُجيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يدريا ما يقولان، فقالت: والله لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة؛ لتصدقوني، فالله لا أجد لي ولكم مثلًا إلا أبا يوسف حين قال: “فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ” (سورة يوسف، الآية 18). حتى أنزل تعالى فيها: ” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإَفكِ عُصبَةٌ مِّنكُم لَا تَحسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَّكُم لِكُلِّ امرِئٍ مَّنهُم مَّا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ والَّذِي تَوَلَّى كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (سورة النور، الآية 11)، عشرآيات من القرآن الكريم لتبرئة ساحة السيدة عائشة، وفضح المنافقين، وأقيم الحد على من ثبت عليه تهمة القذف، وتُوعِّد عبد الله بن أبي ابن سلول بالعذاب العظيم في الآخرة.
صفات أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وفضائلها
من فضائل السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب أن يُمرض في حجرتها؛ وتقوم هي بتمريضه حتى يتوفاه الله، وقد كان، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو بين سَحرها ونحرها.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يومًا: “يا عائِشَ هذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ” فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى. تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه البخاري)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “فَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعامِ” (رواه البخاري)، ودعا لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “اللَّهمَّ اغفِرْ لِعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر ما أسرَّتْ وما أعلَنَتْ” (رواه البزار).
ومن الخلال التي لم تكن لأحد غيرها ما قالته عن نفسها، قالت: كنت أحب الناس إليه، وبنت أحب الناس إليه، وقد نزلت فيَّ آيات من القرآن وقد كادت الأمة تهلك، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقُبض في بيتي.
ومن بركاتها رضي الله عنها أن الله أنزل بسببها آية التيمم تيسيرًا على المسلمين، ففرح المسلمون لذلك فرحًا شديدًا، فورد عنها رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة رضوان الله عليها: فعاتبني أبو بكر رضي الله عنه وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته. (رواه البخاري)
علمها وفقها
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها أفقه نساء المسلمين، وأعلمهم بالأدب والدين، فعن أبي سلمة رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدًا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة، من عائشة.
وعن مسروق قال: نحلف بالله لقد رأينا الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة عن الفرائض، وعن أبي موسى الأشعري قال: ما أشكل علينا حديث قط، فسألنا عائشة عنه، إلا وجدنا عندها منه علمًا.
عاشت السيدة عائشة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من خمسين سنة يأخذ عنها المسلمون نصف دينهم، ونُقل عنها ربع الأحكام الشرعية، وقال عنها الإمام الذهبي رحمة الله عليه: لها حظ وافر من الفصحاحة والبلاغة، مع مالها من المناقب.
فمن مثلها رضوان الله عليها في العلم؟ كانت تعلم الجاهل، وتهدي الحائر، وتُرشد الناس إلى الفضائل والمكارم، وتدعو إلى الحق، فملأت الدنيا علمًا ودينًا وأدبًا ومعرفةً وزهدًا وورعًا رضى الله عنها وعن أبيها.
خوفها من الله وقنوتها له
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها من أشد الناس خشية من الله، فإذا مرت مرت بآية فيها تخويف من النار ارتعدت وبكت، وتضرعت، وطلبت النجاة، وإذا مرت بآية فيها تشويق للجنة ركنت إليها، فعنها رضوان الله عليها أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا يُبكِيكِ؟” قالت: ذكرتُ النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمَّا في ثلاثةِ مَواطِنَ فلا يَذْكُرُ أحد أحدًا: عِنْدَ الميزانِ حتَّى يَعْلَمَ أيَخِفُّ ميزانُه أم يثقُلُ، وعندَ الكتابِ حينَ يُقالُ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) حتَّى يَعْلَمَ أينَ يقعُ كتابُه أفي يمينهِ أمْ في شِمالِهِ أو منْ وراءِ ظهرِه، وعند الصِّراطِ إذا وُضعَ بينَ ظَهْراني جَهَنَّمَ” (رواه أبو داود).
وقال عروة: فما كانت عائشة تستجدِّ ثوبًا حتى تُرقع ثوبها وتنكسه، وكانت تقول رضي الله عنها: والله لوددت أني كنت شجرة، والله لوددت أني كنت مدرة (حجر)، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئًا قط. وهكذا هو شأن القوب العامرة بالإيمان تبكي خوفًا من الله عز وجل وتدعوه.
جودها وكرمها
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها مثالًا في الكرم والجود، وأعطت المثل الأعلى في الجود بما تملك عن طيب نفس ابتغاء مرضاة الله، فكانت تطيب الدرهم بالمسك قبل أن تتصدق به، لأنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد السائل، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء.
وكانت إذا أرسل إليها معاوية رضي الله عنه مالًا وعطايا نظرت إليهما، فإن وجدتهما كثيرة تبكي وتقول: لكن رسول الله لم يجد هذا، ثم تفرقه كله، ولا تدخر منه شيئًا لنفسها.
ورغم أن سن السيدة عائشة رضي الله عنها عندما توفى النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر عامًا إلا أنها لم تُفتن، وظلت كريمة عالية الهمة معطاءة لم تدخر شيئًا زاهدة خاشعة متبتلة لربها حتى توفاها الله.
موقف السيدة عائشة رضي الله عنها في موقعة الجمل
عندما حدثت الفتنة بين على رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه خرجت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى البصرة ومعها طلحة والزبير وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم يريدون الإصلاح بين الناس، والمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه، وقد تجلت خشيتها رضي الله عنها بعد هذا الموقف حيث كانت عندما تقرأ قول الله تعالى: “وَقَرنَ فِي بُيُوتيكُنَّ” (سورة الأحزاب، الآية 33) تبكي حتى يبتل بدموعها خمارها، ويقول الإمام الذهبي: ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة، وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ.
رواية السيدة عائشة رضي الله عنها للحديث
روت السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم 2210 من الأحاديث، منها 297 حديثًا في الصحيحين، وروى عنها عمر بن الخطاب ، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، وذكوان، وسعيد بن المسيب، وعقلمة، وغيرهم، وكان مسروق إذا روى عنها يقول: حدثتني الصَّدِّيقَة بنت الصِّدِّيق، ومن روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم: “كُلُ شَرَابٍ أَسكَرَ فَهُوَ حَرامٌ”. (رواه البخاري)
وفاة السيدة عائشة رضي الله عنها
صعدت روح السيدة عائشة رضي الله عنها إلى بارئها في ليلة الثلاثاء الموافق سبعة عشر من رمضان المبارك سنة ثمان وخمسين من الهجرة، وكان عمرها ستة وستون عامًا، وأوصت قبل وفاتها أن تدفن في البقيع مع صاحباتها أمهات المؤمنين وآل البيت، بعد أن أذنت للفاروق عمر بن الخطاب بأن يدفن بجوار زوجها وحبيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت تدخر ذلك لنفسها.
الدروس المستفادة من سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها
- الحرص على طلب العلم والتفقه في الدين اقتداءً بأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.
- ضرورة تقديم الله ورسوله والدار الآخرة على الدنيا في كل ما نواجهه من مواقف في حياتنا.
- عدم نشر الشائعات دون بينة، ومحاسبة النفس أول بأول.
في ختام رحلتنا مع سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها نجد أننا أمام نموذج فريد للمرأة المسلمة التي جمعت بين العلم والحكمة، والإيمان والصبر، وحسن المعاشرة مع رسول الله ﷺ، وكانت حياتها نبراسًا أضاء دروب الأجيال اللاحقة، وأثرها في الفقه والسنة باقً خالد، فلنقتدي بنهجها في السعي للعلم والعمل بإخلاص لله. رحم الله أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وجزاها عنا خير الجزاء على ما قدمته من علمٍ ونور أضاء به أفق الأمة الإسلامية.
المصدر