من سيرة السيدة أم سلمة رضي الله عنها (السيدة هند بنت حذيفة)
تعرف على سيرة السيدة أم سلمة رضي الله عنها أم المؤمنين
السيدة أم سلمة رضي الله عنها، الحمد لله الذي اصطفى من عباده رجالًا ونساءً لحمل راية الإسلام، وجعل لهم في قلوب المؤمنين محبةً ومكانة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
برزت عبر تاريخ الإسلام شخصيات عظيمة من الرجال والنساء كان لهم أثر بارز في نشر الدين وترسيخ مبادئه، ومن هؤلاء الصحابيات الجليلات، اللواتي ضربن أروع الأمثلة في الإيمان والصبر والثبات، ومن بينهن السيدة هند بنت أبي أمية إحدى أمهات المؤمنين المعروفة بأم سلمة رضي الله عنها، التي لم تكن مجرد زوجة للنبي ﷺ، بل كانت نموذجًا للمرأة المسلمة الحكيمة، صاحبة الرأي السديد، والموقف الثابت في أشد الظروف.
نستعرض في هذا المقال سيرة هذه الصحابية العظيمة، لنتأمل حياتها منذ نشأتها في بيوت قريش مرورًا بإسلامها وهجرتها، ثم انتقالها إلى بيت النبوة، ودورها في نشر العلم، حتى وفاتها رضي الله عنها، فهي قصة امرأة لم تكن فقط زوجة نبي، بل كانت قدوة ومُعلمة وأمًّا للمؤمنين، فكيف كانت حياتها؟ وماذا يمكننا أن نتعلم منها؟.
نشأة ونسب السيدة أم سلمة رضي الله عنها
هي هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة القرشية المخزومية. ولدت عام 28 قبل الهجرة في بيت كريم من بيوت قريش، فأبوها عُرف بالسخاء وسماحة النفس والعطاء، حتى لقبه أهله بزاد الركب؛ لأنه كان يكفي رفقته الزاد في السفر مهما كان عددهم، وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة الكنانية، وتربت ونشأت في هذا البيت الكريم حتى الثانية عشرة، ثم تزوجت بابن عمها عبد الله بن عبد الأسد بن المغيرة، فكان زواجًا موفقًا وسعيدًا، وعُرفت منذ صغرها بالذكاء والفطنة.
دخول السيدة أم سلمة رضي الله عنها إلى الإسلام
كانت أم سلمى وزوجها رضي الله عنهما من السابقين للإسلام، والعاملين له، والداعين إليه، وهاجرت هي وزوجها إلى الحبشة، فتحقق لها ولزوجها الأمن والأمان، وعبدا الله في حرية دون استبداد دون استبداد أو طغيان، ورزقهما الله بابنهما سلمة، فأصبح كنيتهما، وسميت بأم سلمة، وبعد فترة من العيشة الراضية في الحبشة عادوا إلى مكة آملين أن تكون قد عادت لرشدها، فإذا بها أشد مما كانت عنادًا ودفاعًا عن الباطل والشرك.
هجرة السيدة أم سلمة رضي الله عنها إلى المدينة
بعد عودة السيدة أم سلمة وزوجها من الحبشة قررا الهجرة إلى المدينة المنورة، وفي طريق الهجرة تعرضت أم سلمة لمحنة عظيمة، فحنما عزم أبو سلمة وأم سلمة على الهجرة إلى المدينة، حال أهلها دون ذلك، فمنعوا أبا سلمة من اصطحابها معه، فاضطر إلى الهجرة بمفرده، ولم يكتفِ بنو عبد الأسد، قوم أبي سلمة، بذلك، بل انتزعوا ابنها سلمة منها، فبقيت وحيدة تعاني ألم الفراق، تبكي زوجها وولدها، وظلت على هذا الحال وصبرت واحتسبت، حتى رق لها أهلها وأشفقوا عليها، فأذنوا لها باللحاق بزوجها، مصطحبةً ابنها.
انطلقت أم سلمة في رحلتها إلى يثرب، دون أن يرافقها أحد، حتى صادفها عثمان بن طلحة، فسألها عن وجهتها، فأخبرته بعزمها على الهجرة، فما كان منه إلا أن أمسك بخطام دابتها وسار معها حتى أوصلها إلى مشارف المدينة، ثم عاد أدراجه، وهناك أنجبت أم سلمة ثلاثة أبناء: درة، وعمر، وزينب.
السيدة أم سلمة رضي الله عنها في مواطن الجهاد
كان للمرأة المسلمة دور ملحوظ ومواقف مشرفة خالدة في التاريخ الإسلامي، فكانت أم سلمة من النساء المجاهدات، فقد شاركت في غزوة بدر وأحد، وكانت تقف وراء صفوف المجاهدين تُسعف الجرحى والمصابين، وتُعد الزاد والطعام للمقاتلين، وشهدت صلح الحديبية وفتح خيبر مع النبي ﷺ، وكانت تقول: ليت الله كتب علينا الجهاد كما كتب على الرجال، فيكون لنا من الأجر مثل ما لهم، فنزلت الآية الكريمة: “وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” (سورة النساء، الآية 32).
استشهاد زوجها أبي سلمة رضي الله عنها
أثناء غزوة أحد أصيب أبي سلمة بجروح شديدة، فقامت أم سلمى على خدمته تضمد له جراحه، حتى عوفي بفضل الله، ولكن لم يطل به المقام في المدينة حتى دُعي إلى قتال بني أسد، وقد عقد له الرسول ﷺ لواء هذه الحملة، فأبلى بلاءً حسنًا، وشتت جميع بني أسد، وجمع غنائم كثيرة، ورجع إلى المدينة ظافرًا منصورًا، ثم عاودته جراحه، وأخذت تشتد عليه، وعاده رسول الله ﷺ، فوجده في سكرة الموت، فأقام معه حتى مات، وأغمض عينيه بيده الشريفة، وواسى زوجه وأولادها منه.
زواج السيدة أم سلمة رضي الله عنها من النبي ﷺ والتحاقها ببيت النبوة
بعد مضي أربعة أشهر من وفاة أبي سلمة رضي الله عنه تقدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه للسيدة أم سلمى فردته، ثم تقدم لها النبي ﷺ، فقالت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أرسله النبي ﷺ بذلك: أخبر رسول الله ﷺ أني امرأة غيرى، وأني امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهد. فأتى رسول الله ﷺ فذكر ذلك له، فقال: “أما قولك إني امرأة غيرى فسأدعو الله لك فيذهب غيرتك، وأما قولك: إني امرأة مصبية فستكفين صبيانك، وأما قولك: أن ليس أحد من أوليائي شاهد فليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك”، فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوج رسول الله ﷺ، فزوجه (رواه النسائي)، وكان ذلك في العام الرابع من الهجرة، وكان صداقها فراشًا حشوه ليف، وقدحًا وصحفة ومحشة (القضيب الذي يحرك النار)، وكانت الزوجة السادسة للنبي ﷺ، كما كانت أكبر نسائه ﷺ.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “ما من عبد تُصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها”، قالت: فلما تُوفي أبو سلمة قُلت كما أمرني رسول الله ﷺ، فأخلف الله لي خيرًا منه رسول الله ﷺ” (رواه مسلم).
بركة السيدة أم سلمة رضي الله عنها على المسلمين
لقد من الله على أم سلمة رضي الله عنها بالحكمة، فقد روي أن رسول الله ﷺ لما انتهى من صلح الحديبية، وعزم على الرجوع إلى المدينة وعدم دخول مكة؛ تنفيذًا لصلح الحديبية، شق على المسلمين أمر التحلل من عمرتهم دون إتمامها، لشدة شوقهم إلى البيت الحرام وبركاته، وكان الإسلام قد جعل لهم عزة تأبى عليهم الذلة، فتململوا من هذا الأمر، وفكر الرسول ﷺ في مراجعتهم له، فأشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: يا رسول، إبدأ فتحلل من إحرامك.
وفعل رسول الله ﷺ، فتبعه أصحابه على الأثر ينحرون ويحلقون، فعن المسور بن مخرمة ومروان أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه يوم الحديبية: “قوموا فانحروا ثم احلقوا”، قال: فالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقُم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقى من الناس.
فقالت أم سلمى: يا نبي الله، أتُحب ذلك، اخرج ثم لا تُكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعوا حالقك فيحلقك، فخرج فلم يُكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا (رواه البخاري).
وهكذا أجرى الله الخير على لسان أم سلمة رضي الله عنها توفيقًا من الله لها، ونجاة لصحابة رسول الله ﷺ من مخالفته وعصيانه.
علمها وروايتها للحديث
روت السيدة هند بنت حذيفة رضي الله عنها عن النبي ﷺ 378 حديثًا، ومن روايتها عن النبي ﷺ، قالت: ما خرج النبي ﷺ من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء، فقال: “اللّّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَن أَضِلَّ أَو أُضَلَّ، أَو أَزِلَّ أَو أُزَلَّ، أَو أَظلِمَ أَو أُظلَمَ، أَو أَجهَلَ أَو يُجهَلَ عَلَيَّ” (رواه أبو داود).
وفاة السيدة أم سلمة رضي الله عنها
انتقلت أم سلمة رضي الله عنها إلى جوار ربها في سنة 62 هـ لتلحق بالمصطفى ﷺ، وتكون من أزواجه في الجنة، وقد كانت آخر أمهات المؤمنين وفاةً، وأدركت خلافة يزيد بن معاوية، كما عاشت حياة حافلة بالصبر والجهاد والعلم، وكانت مثالًا يُحتذى به في الإيمان والتقوى. رضي الله عنها وأرضاها، وجمعنا بها في جنات النعيم.