إعرف دينكمعلومات عامة

متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا؟

تعرف متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا

متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا؟

متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا، في زمن كثر فيه الالتباس، وتبدلت فيه المفاهيم، وأصبحت الكلمات تُلوى أعناقها لتخدم الأهواء، يحق للمسلم أن يتساءل من عمق قلبه: هل يتغير الحلال والحرام؟ وهل هناك حالات يكون فيها الحلال حرامًا والحرام حلالًا؟
سؤال يحمله الوجدان المؤمن، ويحترق به القلب التقي، الذي يسعى للحق، ويرتجف خوفًا من أن يقع في فتنة التأويل الباطل أو التهاون بالحكم الشرعي.

دعونا في هذا المقال نتعرف على متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا؟، بالأدلة الشرعية، فتابعوا معنا قراءة المقال.

متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا؟

المحتوى :

الحلالَ بيِّن والحرامَ بيِّن

عن  النعمان بن بشير قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ”.

يُعد هذا الحديث أصل عظيم في فقه الحلال والحرام، فالأصل أن الأحكام الشرعية ثابتة لا تتبدل بتبدل الأهواء أو الظروف، ولكنها محاطة بضوابط شرعية صارمة تجيب عن سؤال التبدل والتحول في الظاهر.

متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا؟
متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا

هل الحلال يصبح حرامًا؟

قد يصبح الحلال حرامًا في حالات خاصة، لا لتغير ذات الفعل، ولكن لتغير الظروف المحيطة به أو لقيام مانع شرعي، ومن هذه الحالات:

إذا أفضى الحلال إلى الحرام

قال الفقهاء: “ما أدى إلى الحرام فهو حرام”، ومثال ذلك النظر المباح، فالنظر إلى الناس عموماً مباح، ولكن إذا تطور هذا النظر إلى شهوة محرمة أو ريبة، صار حرامًا، فالله تعالى يقول في كتابه: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ (سورة النور، الآية 30)، وكذلك البيع، فهو حلال، لكن إن أفضى إلى الربا أو الغرر أو الظلم، صار محرمًا.

اقترن الحلال بنيَّة فاسدة

قال الإمام الشافعي: “النية في العبادات أصل”، فحتى الحلال إذا نُوي به إفساد، حُرم، كالنكاح بنية الطلاق دون علم الزوجة، وقد رجَّح بعض العلماء تحريمه لما فيه من خديعة.

وقوع الحلال في وقت يُنهى فيه

عندما يقع الحلال في وقت يُنهى فيه تحول إلى حرام كالصيام في يوم العيد، أو الصلاة في أوقات النهي، أو الذبح لغير الله وإن تم بنفس طريقة الذبح الحلال.

الحلال الذي يُستخدم لإفساد العلاقات

مثل الهبة أو المال إن استُخدمت في الرشوة أو شراء الذمم، كانت حرامًا وإن كان المال حلالًا في أصله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الراشي والمرتشي» (رواه الترمذي).

متى يصبح الحرام حلالًا؟

هنا يقف القلب خاشعًا، خائفًا، حيث لا يجوز أن يُتلاعب بالحرام، لكن الشريعة برحمتها، جعلت للضرورة حكمًا استثنائيًا، فقالت القاعدة الفقهية: “الضرورات تبيح المحظورات”

لكن ليس كل من قال “أنا مضطر” رُفعت عنه الحرمة، بل هناك شروط صارمة، نذكر منها:

تحقق الضرورة

أي أن يصل الإنسان إلى حال الهلاك أو الضرر البالغ إن لم يفعل الحرام، كمن أشرف على الموت جوعًا، ولم يجد إلا لحم ميتة، فالله تعالى قال: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ (سورة البقرة، الآية 173).

أن يكون الحرام أقل ضررًا من فوات النفس

فإذا تعارض ضرران، يُرتكب أخفَّهما.

بقدر الضرورة فقط

قال العلماء: “الضرورات تبيح المحظورات بقدرها”، فمن احتاج للدواء من خمر مثلًا، لا يشرب حتى يسكر، بل يأخذ قدر الحاجة فقط.

أن لا توجد وسيلة مباحة بديلة

فالحرام لا يُباح إلا إذا سُدَّت كل الطرق الشرعية الأخرى.

الرخص والعزائم مظهر من مظاهر رحمة الله

فرق كبير بين من يتتبع الرخص بلا ضابط، ومن يأخذ بها عند الحاجة كما شرعها الله، فالرخصة هي تيسير مؤقت لعذر قائم، كمن يفطر في رمضان لسفر أو مرض، أما أن يجعل الناس الرخصة أصلًا لا استثناء، فهذا انحراف، وسفيان الثوري قال: “إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد”.

هل يغير الزمان والمكان الحلال والحرام؟

ليس للحلال والحرام أن يتبدل بتبدل الزمان، لكن تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، كما قال الإمام ابن القيم، فلا يُفتي الفقيه في زمان الفتنة كزمان السلم، ولا في دار الحرب كدار الإسلام، وذلك من فقه تنزيل الحكم لا من تبديله.

الضوابط الشرعية لمن يتكلم في الحلال والحرام

قال الإمام مالك: “من أجاب في مسألة قبل أن يتفكر فيها، فليعدّ لنفسه من النار مقعدًا”.

شروط من يُفتي في الحلال والحرام:

  • العلم بالقرآن والسنة وأصول الفقه.

  • فهم الواقع وتنزيل الحكم عليه.

  • الورع والخوف من الله.

  • التحرر من الهوى والمصالح الشخصية.

  • الرجوع عند الخطأ وعدم التمادي.

تحذير من التساهل في تغيير الحلال والحرام

قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ (سورة النحل، الآية 116).

وعن أبو ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللهَ تَعَالَّى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعوها، وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدوها، وَحَرَّم أَشيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَن أَشيَاءَ رَحْمَةً لَكُم غَيرَ نِسيَانٍ، فَلا تَبْحَثوا عَنهَا” (رواه الدارقطني).

نرى في زمننا هذا من يتلاعب بمفهوم الضرورة، ويفسِّرها حسب الهوى، ويبرر بها شرب الخمر، أو أكل الربا، أو كشف العورات، وذلك من الكذب على الله.

كما نرى من يشدد على الناس في ما رخَّص فيه الله، حتى يجعل الحلال صعبًا والحرام سهلاً، وهذا من تنفير الناس عن الدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ هَذَا الدِينَ يُسرٌ، وَلَن يُشَادَّ الدِينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبشِرُوا وَيَسِّرُوا وَاستَعِينُوا بِالغَدوةِ والروحةِ وَشَيءٍ مِن الدُّلجةِ” (رواه البخاري).

التطبيقات الواقعية لتغير الحلال والحرام في حياتنا اليومية

كثير من المسلمين اليوم يسألون أنفسهم: لماذا ما كان بالأمس جائزًا صار اليوم ممنوعًا؟ أو العكس؟، والحقيقة أن الشرع لا يتبدل، لكن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وهي قاعدة أصولية قال بها الفقهاء، ومنهم الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال: “الفتوى تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد”.

ومن أمثلة ذلك ما يلي:

العمل في البنوك

الأصل في العمل والوظيفة أنها حلال، بل هي من كسب الطيب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ ، خَيرًا مِن أَنْ يَأكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاودَ كَان يَأكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ” (رواه البخاري).

لكن إن كانت الوظيفة في بنك ربوي، أو مؤسسة تدير الربا، فإن هذا الحلال يصبح حرامًا، لأنه يعين على معصية الله، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (سورة المائدة، الآية 2).

قرض السكن بالربا

القرض في أصله إحسان ومعونة، وهو من أعظم أبواب البر، لكن إذا دخل فيه الربا ولو قليلًا، حُرم وفسد، وصار من الكبائر، قال الله: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (سورة البقرة، الآية275)، بل إن بعض الناس يبرر ذلك بأنه مضطر، وهنا نحتاج أن نُميِّز بين الضرورة الحقيقية وادعاء الضرورة، لأن الضرورة تُقدَّر بقدرها، والسكن ممكن تحقيقه بالإيجار أو بأساليب أخرى، فلا يكون الحرام حلالًا إلا عند خشية الهلاك أو تلف النفس أو الدين، لا لأجل الرفاهية.

أقوال العلماء في تغيّر الأحكام بتغيُّر الأسباب

لنستعرض كيف تعامل كبار الفقهاء مع هذه المسألة بدقة، وميزوا بين الحكم الثابت والحكم المتغيِّر:

الإمام الشاطبي

قال رحمه الله في “الموافقات”: “الأحكام تتغير بتغير الأعراف والعوائد والضرورات، ولكن ذلك لا يغير النصوص الثابتة، بل يُفهم النص في ضوء الواقع”.

الإمام العز بن عبد السلام

لقبوه بـ”سلطان العلماء”، وكان يقول: “الوسائل لها أحكام المقاصد، فما أفضى إلى محرم فهو محرم، ولو كان في الأصل مباحًا”.

الإمام النووي

كان الإمام النووي يُفرِّق بين الحكم الشرعي والحكم الفقهي المُنزل على الواقع، وقال: “لا يُفتي المفتي في بلد إلا وقد عرف حال الناس فيه، وعُرف العرف والعادة”.

متى نأخذ بالرخص؟ ومتى نلتزم بالعزائم؟

بعض الناس اليوم يتهاونون بالرخص، ويتتبعون الأسهل دائمًا دون عذر شرعي، فيصبح ما شرعه الله رحمة يُستعمل حيلة ومعصية، والإمام أحمد بن حنبل قال: “من تتبع الرخص تزندق”.

ما الفرق بين الرخصة والتميع في الدين؟

الرخصة هي ما شرعه الله في حال الضرورة أو العذر كالفطر في السفر، والتميع هو تتبع كل قول أسهل، وإن خالف الدليل، وبدون عذر، وهذا تضليل للنفس وخداع للشرع.

فتنة الشهوات والشبهات تغيِّر وجه الحكم لا جوهره

ما أكثر الفتن التي تعصف بالمجتمعات اليوم، فتنة المال، وفتنة النساء، وفتنة الشهرة، وكلها تجعل الإنسان يبحث عن ثغرات في الحلال والحرام، والنبي ﷺ قال: “الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ…”

معنى ذلك أن قلب المؤمن لا يطمئن إلا إلى الواضح، أما المشتبه، فالمتقي يفر منه، فإذا أصبح الحلال سُلَّمًا للوصول إلى الحرام، فإن الورع الحقيقي هو تركه.

حدود لا يجوز تعدِّيها

قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ (سورة البقرة، الآية 229)، والحدود هي ما فصَّله الله من الحلال والحرام، والعبث بها خيانة للأمانة الشرعية، والحسن البصري: “من جعل دينه تبعًا لهواه، فقد هلك”.

✦ قال الفقهاء: “العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني”، وذلك يعني أن ما يُسمى زورًا بـ”تسهيلات مالية” أو “ربح تمويلي” أو “صفقة استثمارية”، إذا كان في حقيقته ربا أو احتيال على الشرع، فهو حرام، حتى لو غيَّرنا اسمه، عن أبو مالك الأشعري أن النبي ﷺ قال: «لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ…» (رواه البخاري تعليقًا)، أي يسمُّون الأمور بغير أسمائها لتبرير المعصية.

✦ قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (سورة النحل، الآية 43)، فإذا اختلطت الأمور عليك، ووجدت نفسك بين فتوى ميسَّرة وأخرى مشددة، فلا تجعل الهوى دليلك، بل اجعل أهل العلم ميزانك، وقل: “اللهم إني أريد وجهك، فاهدني لما يرضيك”.

الحلال والحرام ثابتان بنصوص الوحي، لا يتبدلان بالأهواء ولا يُكيفان حسب الرغبات، لكن الشريعة برحمتها فتحت باب الضرورة والفتوى والرخص، بضوابط عظيمة، تحفظ الدين وتراعي الحال، ومن هنا يجب على المسلم أن يتقي الله، ويطلب العلم، ويسأل أهل الذكر، ويحذر من تتبع الهوى أو الكلام بلا علم.

في الختام، الآن قد عرفت متى يصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا، فتذكَّر أن كل شهوة عابرة تُشترى بحرام، تُطفئ نور قلبك، وتبعدك عن حضرة الرحمن، كما أن التيسير المباح ليس رخصة للتمرد على شرع الله، بل هو رحمة من رب رحيم، فلا تستغل رحمته، ولا تستهزئ بحكمه، فتعلَّم دينك، وافهم ما يحل وما يحرم، وقل بقلب خاشع: “اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه”.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
المحتوى :
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock