شرح حديث احفظ الله يحفظك… أحد أعظم وصايا النبي ﷺ
شرح حديث احفظ الله يحفظك وفوائده
شرح حديث احفظ الله يحفظك، في عالم تزداد فيه الفتن، وتتزاحم فيه الضغوط النفسية والمادية، يبقى كلام النبي ﷺ نورًا يضيء العقول ويهدي القلوب، ومن أروع ما قاله، وصيته العظيمة لابن عباس رضي الله عنهما، حين قال له: “احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك…”.
هذا الحديث منهج حياة متكامل يخاطب فيه النبي ﷺ غلامًا صغيرًا، ليعلِّمه كيف يبني علاقة عميقة مع الله تعالى، تقوم على الحفظ، والاعتماد، واليقين، والتوكل.
سنقدم في هذا المقال شرح حديث احفظ الله يحفظك وفوائده؛ لنعيش معانيه، فتابعوا معنا قراءة المقال.
متن حديث احفظ الله يحفظك
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهُما قالَ: كنتُ خلفَ النبيِّ ﷺ يومًا، فقالَ: “يا غُلامُ، إنِّي أُعلِّمُكَ كلِماتٍ: احفَظِ اللَّهَ يحفَظْكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سألتَ فاسأَلِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِنْ باللَّهِ، واعْلَمْ أنَّ الأمَّةَ لوِ اجتَمَعَتْ على أنْ يَنفَعُوكَ بشيءٍ، لم يَنفَعُوكَ إلَّا بشيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإنِ اجتَمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بشيءٍ، لم يَضُرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ” (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
السياق النبوي والتربوي للحديث
هذا الحديث قيل لغلام صغير، وهو عبد الله بن عباس الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره في ذلك الوقت، ومع ذلك أولاه النبي ﷺ هذه الوصايا العظيمة، وذلك يعكس أهمية غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الصغار من نعومة أظفارهم، وتوجيههم إلى التعلق بالله، لا بالمخلوقين، ويُعد هذا الحديث قاعدة كبرى من قواعد الإيمان، وقانونًا عامًا في العقيدة والتوكل، وميزانًا دقيقًا في العلاقة بين العبد وربه.
شرح حديث احفظ الله يحفظك
“احفظ الله يحفظك”
ما معنى “احفظ الله”؟
ليس المقصود منها أن الله تعالى يحتاج إلى من يحفظه – تعالى عن ذلك – بل المقصود احفظ حدود الله وأوامره ونواهيه، أي:
- احفظ أوامر الله بقضاء فرائضه كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وبر الوالدين، وغض البصر.
- حفظ حدود الله، فالله تعالى قال: “وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ” (سورة الطلاق، الآية 1).
-
احفظ جوارحك عن المعاصي، فلا تسمع حرامًا، ولا تنظر إلى ما يغضب الله، ولا تمشي في طريق باطل.
-
احفظ قلبك من التعلق بغيره، ومن الرياء، والحسد، والعجب، والكبر، ومن الشبهات والشهوات.
-
احفظ لسانك من الكذب والغيبة والنميمة.
ما معنى “يحفظك”؟
جزاءً على حفظك لأوامر الله وشرعه يتكفل الله بحفظك، في أمورك الدينية والدنيوية، فيحفظ دينك من الانحراف، ويحفظك من الفتن، ويحفظ بدنك وصحتك، كما يحفظك في مالك وأهلك، بل ويحفظك بعد موتك في ذريتك وذكرك، فالله تعالى يقول في كتابه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (سورة الحج، الآية 38).
“احفظ الله تجده تجاهك”
هذه مرتبة أسمى، فمن بلغ مقام الإحسان في حفظ الله، وجد الله معه، فتجده ناصرًا، وتجده معينًا، وتجده هاديًا، كما تجده سامعًا دعاءك.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ (سورة النحل، الآية 128).
فحين تواجه همًّا أو خطرًا، أو تقف في موقف حرج، لا تلتفت شرقًا وغربًا، بل ابحث عن معية الله.
“إذا سألت فاسأل الله”
هذا توجيه عظيم لتوحيد الله في الطلب أي لا تسأل إلا الله، فهو وحده القادر على قضاء الحاجات وكشف الكربات.
نعم، قد تسأل المخلوق فيما يقدر عليه، لكن لا تتعلق به، ولا تعتقد أنه يملك لك شيئًا دون إذن الله، والناس يعجزون، وقد يُخيبون ظنك، وقد يمنُّون عليك، أما الله لا يعجز عليه شيء، ولا يمل.
قال تعالى: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (سورة الزمر، الآية 23).
“وإذا استعنت فاستعن بالله”
طلب العون شأن كل إنسان، لكن المؤمن الحقيقي لا يستعين إلا بالله، لأنه يعلم أن الناس قد يتخلون، أما الله فلا يتخلى.
فالنبي ﷺ قال في دعاء الاستخارة: “اللهم إنِّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك”، فكل قوة بدون توفيق الله ضعيفة.
والاستعانة المطلوبة هنا استعانة قلبية، بأن يكون قلبك معتمدًا على الله أولًا وآخرًا، والله تعالى يقول: “عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” (سورة هود، الآية 88).
“واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك”
هذه من أعظم العبارات التي ترسخ العقيدة الصحيحة في القلب، فإن اجتمع البشر كلهم ملوكًا ورؤساء، أطباءً وتجارًا، لن ينفعوك إلا بما قدَّره الله، ولن يضروك إلا بشيء كُتب عليك، وذلك يورث في القلب:
-
راحة نفسية، فما أصابك لم يكن ليخطئك.
-
رضًا بالقضاء، فتؤمن أن الأمور كلها بيد الله.
-
ثباتًا وقت الأزمات، فلا تتزلزل من كلام الناس أو تهديداتهم.
“رُفعت الأقلام وجفت الصحف”
تشبيه بليغ يراد به أن كل شيء قد قُدر وانتهى، فلا مفرَّ منه، ولا مهرب، وذلك لا يعني التواكل، بل هو إيمان يدفع للعمل، فاعمل وابدأ واصبر، لكن لا تتعلق بالنتائج، وافعل ما تستطيع، ثم فوِّض الأمر لله، فالمقادير قد كُتبت، وكل شيء محسوب عند الله، فلا مجال للشك أو الجزع أو التردد، وقال تعالى: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ” (سورة الحديد، الآية 229.
فوائد حديث احفظ الله يحفظك
- تقوية التوحيد، فمن عرف أن الله هو النافع الضار، استقرت العقيدة في قلبه ولم يخشَ أحدًا سواه.
-
الطمأنينة في التعامل مع الناس، فلن تخاف أحدًا ولن ترجو أحدًا، إلا الله.
-
التحفيز للعمل، فالحديث لا يدعوك للكسل، بل إلى العمل بتوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.
-
التربية على الاستقلال النفسي، فالحديث يعلم المسلم أن يكون معتزًا بنفسه ومرتبطًا بربه لا بالناس.
تطبيقات عملية للحديث في حياتنا
- عندما تخاف من المستقبل “احفظ الله تجده تجاهك”، فسأل الله، ولا تخف.
- فحين تنتظر رزق أو ترقية في العمل “لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك”، فلا تتملَّق أحدًا.
- إذا أصابك مرض مفاجئ “استعن بالله”، والجأ إليه بالدعاء والدواء.
- وإذا تعرضت للظلم “ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك”، و ثق أن الله معك.
- في حالة اتخاذك قرارات مصيرية “إذا سألت فاسأل الله”، فاستخِر واستشِر.
أقوال العلماء في حديث احفظ الله يحفظك
قال ابن رجب: “هذا الحديث يتضمن وصية عظيمة من النبي ﷺ، جامعة لخصال الخير كلها، فلو تأملها المسلم، لما احتاج لغيرها في إصلاح دنياه وآخرته”.
وقال النووي: “فيه الحث على التوكل على الله، وقطع الطمع عن الخلق، والثقة بما عند الله، وإثبات القدر”.
وابن القيم قال: “الحفظ له درجات، وأعظمها حفظ القلب من الوساوس، ثم حفظ الجوارح من المعاصي”.
في الختام، نجد أن حديث احفظ الله يحفظك منهاج حياة، فمن اتخذ هذا الحديث دليله سلك طريق النور، واطمأن قلبه، وارتفعت همته، ونجا من الاضطراب والتشتت، فتعلَّمه، وعلِّمه أولادك، وردده في صلاتك، وعشه في يومك، واعلم يقينًا أن الحفظ الحقيقي لا يكون إلا مع الله، وأن من حفظ الله، حفظه الله في دينه، وبدنه، وعرضه، وأهله، ودنياه، وآخرته.
المصدر