سورة الطارق مكتوبة مع تفسير مبسط والدروس المستفادة منها
سورة الطارق مكتوبة
سورة الطارق من السور المكية التي تتسم بالقوة البلاغية والتأثير الوجداني حيث تخاطب العقل والقلب معًا، وتثير تساؤلات كبرى حول أصل الإنسان ومصيره، كما تحمل السورة في طياتها قضايا عقائدية عظيمة كالإيمان بالله، والتذكير بالقيامة، ودعوة الإنسان للتفكر في نفسه والكون من حوله.
سنتناول في هذا المقال شرح مبسط لمعاني كلمات السورة، مع تفسير الآيات، وسبب نزول السورة، وكذلك الدروس المستفادة منها.
سورة الطارق مكتوبة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
“وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)”.
معاني بعض مفردات سورة الطارق
الطارق: الطارق لغةً هو كل ما يأتي ليلاً ويطرق الأبواب، وفي السياق القرآني، الطارق هو النجم الذي يظهر بوضوح في الليل.
الثاقب: تعني اللامع المُضيء، أو الذي يخترق الظلام بشعاعه.
لمَّا عليها حافظ: أي أن كل نفس عليها رقيب من الملائكة يحفظ أعمالها ويكتبها.
الصُّلب: ظهر الرجل وعظامه القوية.
التَّرائب: عظام الصدر الأمامية أو موضع القلادة لدى المرأة.
تُبلَى: تُختَبَر.
ذات الرجع: تعني أنها تُرجع المطر مرة بعد مرة، أو تُرجع الأوامر الإلهية بتنظيم الكون.
ذات الصدع: الأرض تتصدع لتخرج النباتات والثمار، وهذا من رحمة الله، كما أنه الشق الذي يجري فيه الماء وينفلق عن النبت.
قَوْلٌ فَصْلٌ: كلامٌ قاطع، لا مرية فيه.
رُوَيْدًا: مهلة قصيرة أو قليلًا.
سبب نزول سورة الطارق
السبب الأول
نزلت الآيات الأولى من السورة (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) في عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب، حيث جاء أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه خبز ولبن، وأثناء جلوسه، انحط نجم في السماء مما أثار خوفه، فسأل النبي عن هذا النجم، فأجابه بأنه آية من آيات الله، فأنزل الله الآيات.
السبب الثاني
الآية (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ) نزلت في أبي الأشد بن كلدة الجحمي، الذي كان يجلس على الجلد ويقول للناس إنه قادر على مواجهة خزنة جهنم، فأنزل الله هذه الآية لتذكيره بخلق الإنسان وموضعه من الخلق.
تفسير مبسط لسورة الطارق
سورة الطارق تمثل طرقات متوالية على الحس، طرقات عنيفة قوية عالية، وصيحات بنوم الغارقين في النوم حيث تتوالى على حسهم تلك الطرقات والصيحات بإيقاع واحد، ونذير واحد: اصحوا… تيقظوا… انظروا… تلفتوا… تفكروا… تدبروا؛ إن هناك رب، وهنلك تدبير، وهنالك ابتلاء، وإن هنالك تبعة، كما أن هنالك حسابًا وجزاءً، وإن هنالك عذابًا شديدًا، ونعيمًا كبيرًا.
“وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)“
يقسم الله عز وجل بالسماء ونجمها الثاقب أن كل نفس عليها من أمر الله رقيب: “إن كل نفس لما عليها حافظ”، ويتضمن هذا القسم مشهدًا كونيًا، وحقيقة إيمانية، وفيه الاستفهام المعهود في التعبير القرآنيك “وما أدرائك ما الطارق”، وكأنه أمر وراء الإدراك والعلم، ثم يحدده وبينه بشكله وصورته (النجم الثاقب) الذي يثقب الظلام بشعاعه النافذ، أي كل نجم، والمعنى: والسماء ونجومها الثاقبة للظلام، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء.
وفي التعبير بصيغة (إن كل نفس لما عليها حافظ) معنى التوكيد، فما من نفس إلا عليها حافظ يراقبها، ويُحصي عليها، ويحفظ عنها، وهو موكل بذلك بأمر من الله عز وجل، ويُعين النفس؛ لأنها مستودع الأسرار والأفكار، وهي التي يناط بها العمل والجزاء، لذلك يشعر المؤمن من خلال إيحاء رهيب أنه ليس في خلوة أبدًا حتى وإن خلت عن العيون.
“فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)“
ويقول الله تعالى فلينظر الإنسان من أي شيء خُلق، وإلى أي شيء صار، فهو خلق من الماء الذي يجتمع من عظام ظهر الرجل الفقارية، ومن عظام صدر المرأة العلوية، وقد كان هذا سرًا مكنونًا في علم الله لا يعلمه البشر حتى نصف القرن.
ووراء هذه اللمحة الخاطفة عن صور الرحلة الطويلة العجيبة بين الماء الدافق والإنسان الناطق حشود لا تحصى من العجائب والغرائب تشهد كلها بالتقدير والتدبير، وتشي باليد الحافظة الهادية المعينة، وتؤكد الحقيقة الأولى التي أقسم عليها بالسماء والطارق، كما تمهد للحقيقة التالية، وهي حقيقة النشأة الآخرة التي لا يُصدقها المشركون المخاطبون أول مرة بهذه السورة.
“إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠)”
إن الله الذي أنشأ الإنسان ورعاه لقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت، وإلى التجدد بعد البلى، وتشهد النشأة الأولى بقدرته، كما تشهد بتقديره وتدبيره، فهذه النشأة البالغة الدقة والحكمة تذهب كلها عبثًا إذا لم تكن هناك رجعة لتختبر السرائر، وتجزى جزاءها العادل، وتُختبر وتتكشف وتظهر، كما ينفذ الطارق من خلال الظلام الساتر، وكما ينفذ الحافظ إلى النفس المُلفعة بالسواتر، فيوم القيامة تُكشف خفايا القلوب، وتظهر نيات الإنسان وأعماله، يوم يتجرد الإنسان من كل قوة، ومن كل ناصر له.
“وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)”
يقسم الله بالسماء والأرض، وهذين الحدثين، حيث يُوقع مشهدهما وإيحاؤهما على أن هذا القول الذي يقرر الرجعة والابتلاء أو بأن هذا القرآن عامة هو القول الفصل الذي لا يلتبس به الهزل، القول الفصل الذي ينهي كل جدل وشك.
وهما يمثلان مشهدًا للحياة في صورة من صورها، حياة النبات ونشأته الأولى؛ ماء يتدفق من السماء، ونبت ينبثق من الأرض وهو أشبه بالماء الدافق من الصاب والترائب، والجنين المنبثق من ظلمات الرحم، وقريب الشبه بالنجم الثاقب الذي يشق الظلام، صنع الله الذي أتقن كل شيء.
“إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)”
في ظل القول الفصل بالرجعة والابتلاء يتجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وهم يعانون من كيد المشركين ومؤمراتهم على الدعوة والمؤمنين بها (وقد كانوا في هم مقعد مقيم) يتجه الخطاب بالتثبيت والتهوين من أمر الكائدين، وأنه إلى حين، وأن المعركة بيده سبحانه وتعالى، ومهما بلغ مكر الكافرين وكيدهم، فإن الله أقوى وأعلم بمخططاتهم، وهو الذي يدبر الأمور لصالح عباده المؤمنين، وأنه يمهل الكافرين ولا يهملهم، وأن مصيرهم الهلاك إذا استمروا في الكفر.
الدروس المستفادة من سورة الطارق
سورة الطارق تحمل في آياتها معاني ودروسًا عميقة تهدف إلى تقويم سلوك الإنسان، وتعميق إيمانه بالله، وتعزيز يقينه بالبعث والجزاء، فهي بمثابة رسالة إلهية تُذكِّر الإنسان بحقيقة وجوده وقدرته على التفكر في مآلات الأمور، وفيما يلي تفصيل لأهم الدروس المستفادة من هذه السورة الكريمة:
عظمة الخالق وقدرته المطلقة
قال الله تعالى: “وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)”
القسم بالسماء والطارق يشير إلى عظمة الخالق في خلقه وإبداعه، ويجب على المسلم التأمل في خلق السماوات والنجوم التي تسير وفق نظام محكم، وذلك يُزيد إيمانه بقدرة الله وعلمه الواسع.
التذكير بأصل الإنسان ووجوب التواضع
“فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)”
يلفت الله انتباه الإنسان إلى أصله المتواضع، ليُزيل عنه الغرور والتكبر، ويحثه على التواضع لله، فتذكُّر الإنسان لضعفه يعينه على الإخلاص في العبادة والعمل الصالح.
اليقين بالبعث والحساب
“إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)”
الإيمان بأن الله قادر على إعادة الخلق بعد الموت هو من أصول العقيدة الإسلامية، وهذا اليقين يُحفز المسلم على الاستعداد ليوم القيامة من خلال العمل الصالح وترك المعاصي.
أهمية مراقبة الله في السر والعلن
“إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)”
الله سبحانه يراقب كل نفس، وكل إنسان عليه حافظ يكتب أعماله، ويدعوا هذا المسلم إلى تقوى الله في السر والعلن، والعمل بما يُرضيه.
الاستعداد ليوم تُبلى السرائر
“يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)”
يوم القيامة تُكشف خفايا القلوب، وتظهر نيات الإنسان وأعماله، لذلك على المسلم أن يحرص على نقاء قلبه وصفاء نيته، لأن الله يعلم السر وأخفى.
الثقة بعدل الله وقدرته على نصرة الحق
“إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)”
مهما بلغ مكر الكافرين وكيدهم، فإن الله أقوى وأعلم بمخططاتهم، وهو الذي يدبر الأمور لصالح عباده المؤمنين، وذلك يُعزز في المسلم الصبر والثقة بأن النصر للحق.
التفكر في خلق الكون وتدبيره
“وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)”
تشير الآيات إلى ظواهر كونية عظيمة مثل دورة المياه في السماء وانشقاق الأرض للزراعة، وذلك يدعو المسلم إلى التفكر في هذه الآيات الكونية التي تؤكد قدرة الله ورحمته.
الحث على الصبر والمصابرة
“فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)”
توجيه للنبي ﷺ وللمسلمين بالصبر على أذى الكافرين، والثقة بأن الله يمهلهم لكنه لا يهملهم، فمصيرهم الهلاك إذا استمروا في الكفر.
العلم بحقيقة الابتلاء
تُشير الآيات إلى أن الدنيا دار ابتلاء، يُختبر فيها الإنسان بأعماله وأقواله، لكن الجزاء العادل سيكون يوم القيامة، وأن الاستسلام لأمر الله، والصبر على الابتلاء، والإكثار من العمل الصالح هو سبيل النجاة.
القرآن حجة على الخلق
“إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)”
القرآن هو القول الفصل الذي لا باطل فيه، وهو مرجع المسلم في عقيدته وسلوكه، لذلك يجب أن يجعل القرآن مرشده الأول في كل أمور حياته.