حق الزوج على زوجته، الحمد لله الذي نظم العلاقات وأسس الحقوق وجعل الزواج ميثاقًا غليظًا يقوم على المودة والرحمة.
فالإسلام بتعاليمه الشاملة أسس حقوقًا وواجبات لكل من الزوجين، فكانت العلاقة بينهما مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون في سبيل بناء أسرة متماسكة.
ومن هذه الحقوق حق الزوج الذي يحظى بمكانة خاصة نظراً لدوره المسؤول في القوامة والرعاية.
سنستعرض في هذا المقال مفهوم حق الزوج في الإسلام وما هي تلك الحقوق، فتابعوا معنا القراءة.
مفهوم حق الزوج في الإسلام
المحتوى :
Toggleحق الزوج في الإسلام يُعتبر من الحقوق التي تضمن استقرار العلاقة الزوجية وقد جعله الله حقًا شرعيًا ليس لحماية الزوج فقط بل لحماية الأسرة ككل.
ويأتي حق الزوج ضمن إطار المسؤولية التي تولاها، فكما قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (سورة النساء، الآية 34).
والآية الكريمة تُشير إلى أن الزوج هو القيم على الأسرة والذي يتحمل مسؤولية الرعاية والنفقة والحماية، وبالتالي له حق الطاعة والتقدير من زوجته.
ويجب التوضيح أن القوامة ليست تسلطًا بل هي رعاية ومهام يكلف بها الزوج لضمان حياة مستقرة وسعيدة.
حق الزوج على زوجته في الإسلام
تُعتبر حقوق الزوج في الإسلام من الجوانب المهمة التي يحرص الدين الإسلامي على توضيحها؛ لضمان حياة زوجية سعيدة ومستقرة.
فالالتزام بهذه الحقوق يصب في مصلحة الزوج والأسرة والمجتمع.
ويجب على الزوجة المسلمة أن تُدرك أن احترامها لحقوق زوجها هو عبادة وتقرب لله وأنه يعود عليها بالسعادة والاستقرار في الدنيا وبالثواب الجزيل في الآخرة.
حقوق الزوج كثيرة وسنذكر منها على سبيل ضرب الأمثلة وليس الحصر، فدعونا نتعرف على بعض حقوق الزوج على زوجته:
السمع والطاعة
الزوج له حق السمع والطاعة المطلقة إلا إذا أمر الزوجة بمعصية فلا سمع له ولا طاعة وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم “على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”.(رواه مسلم)
ولابد للزوجة أن تعلم أن طاعة الزوج فيما يُرضي الله من طاعة الله ورسوله وطاعة الزوج من أسباب دخولها الجنة، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها اخلي أبواب الجنة من أي أبواب الجنة شئت”. (أخرجه ابن حيان وأبو نعيم)
التزين والتجمل له
حق الزوج على زوجته أن تتزين وتتجمل له، فالمرأة التي تتزين لزوجها وتتجمل في عينه؛ لتدخل السرور على زوجها كلما نظر إليها رفع الإسلام مكانتها، فعد الزوجة الصالحة الحريصة على التزين لزوجها خير متاع الدنيا.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: “ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته”. (رواه أبو داود)
كما أن الجمال من الفطرة يحبه الله، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال” (رواه مسلم)، ولقد أشاد الإسلام بالزينة والطيب وجعل ذلك من صفات المرأة الصالحة؛ لأن ذلك فيه سعادة الحياة الزوجية.
فتزين المرأة لزوجها وتعطرها يُرغبه في الأنس بها ومداعبتها وحب النظر إليها، وكثرة التغزل فيها، فتقوى بذلك أواصر المحبة بينهما.
حسن التبعل
حث الإسلام الزوجة على حسن معاشرة زوجها والتودد إليه؛ لأن ذلك أحد أسرار السعادة الزوجية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:
“الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحةُ” (رواه مسلم)، فالمرأة الصالحة هي التي تعرف كيف تقدم لزوجها المعاملة الطيبة وتكون له سندًا في السراء والضراء، والله تعالى وصف العلاقة الزوجية في قوله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (سورة النساء، الآية 19).
تؤكد الآية الكريمة على المعاملة الحسنة بين الزوجين، فالزوجة الحكيمة تعين زوجها وتقدم له الحب والاحترام، وذلك يخلق جوًّا من الاستقرار والانسجام في الأسرة.
حسن استقبال الزوج
يحث الإسلام على جعل البيت واحة للهدوء والسكينة ومن أسمى صور حسن الاستقبال أن توفر الزوجة لزوجها بيئة إيجابية يشعر فيها بالراحة والطمأنينة، وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية السكينة بين الزوجين حيث قال الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (سورة الروم، الآية 21).
فالسكينة تعني هنا التآلف النفسي والتمازج الروحي الذي يتحقق بين الزوجين حينما يستقبل كل منهما الآخر بوجه طلق وكلماتٍ طيبة.
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة بالاهتمام بمظهرها عند استقبال زوجها؛ ليزداد التآلف ويشعر الزوج بالاحترام والتقدير، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتجمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتختار له أجمل الثياب.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)” (سورة البقرة، الآية 228)، وذلك الأثر يحث على الموازنة بين الزوجين في التجمل وتقديم صورة طيبة كل منهما للآخر، ويؤدي ذلك إلى تجدد المشاعر بينهما ويخلق جوًّا من التقدير المتبادل.
الابتسامة تعتبر من أسهل الطرق لإشاعة الجو الإيجابي ومن حسن استقبال الزوج، كما أنها سنة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس جميعًا، فما بالك مع الزوج؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك صدقة” .(رواه الترمذي)
فالابتسامة في وجه الزوج عند دخوله إلى البيت تُعد صدقة وعبادة يثاب عليها الزوجان وتعكس روح المودة والاحترام بينهما وتزيد من تماسك العلاقة بين الزوجين.
ومما يحقق حسن الاستقبال أن تحرص الزوجة على استقبال زوجها في جو خالٍ من العتاب والمشاكل بمجرد دخوله ويمكن للزوجة اختيار الوقت المناسب للنقاش إذا كان هناك موضوع يستدعي الحديث وبهذا تُساهم في تعزيز الحب والطمأنينة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه”. (رواه مسلم)
فالرفق في التعامل وترك ما يكدر صفو البيت من سمات الزوجة الصالحة ويعد من حسن استقبال الزوج؛ لأن الابتعاد عن العتاب في لحظات دخوله يزيد من استقراره النفسي وراحته.
ومما سبق نجد أن على الزوجة أن تُجهز البيت وتُجهز نفسها لاستقبال زوجها، فتعد له الطعام وتلبس أحسن الثياب وتستقبله عند الباب كالعروس التي تستقبل عشيقها مسلمة له نفسها إن أراد الراحة أعانته عليها وإن أرادها كانت بين ذراعيه كالطفلة الصغيرة يتلهى بها أبوها.
تلبية رغبات الزوج
حق الزوج على زوجته أن تلبي رغباته، فيجب على الزوجة إذا طلبها زوجها لقضاء حاجته أن تبادر بإجابته لقول النبي صلى الله عليه وسلم “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح”. (رواه الترمزي)
وإذا طلب الزوج من زوجته أي شيء فيه راحته فعليها تلبية رغبته ما لم تكن معصية.
حفظ أسرار الزوج وحمايته
أثني الله في كتابه الكريم على المؤمنات الصالحات بقوله تعالى “فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ” (سورة النساء، الآية 34).
فالزوجة المسلمة الصالحة تحفظ أسرار بيتها، ويقول د. يوسف القرضاوي (ومن جملة الغيب الذي ينبغي أن يحفظ ما كان بين الزوجة وزوجهامن علاقة خاصة، فلا يصح أن تكون حديثًا في المجالس أو سمرًا في الندوات مع الأصدقاء أو الصديقات).
وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: “مجالسكم مجالسكم، هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث، فيقول: فعلت بأهلي كذا وكذا؟ فسكتوا. فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامها. فقالت: يا رسول الله؛ إي والله إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن. فقال: هل تدرون مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون.
استئذان الزوج في أي شيء تفعله الزوجة
النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزوجة المسلمة أن تأخذ إذن زوجها إذا أرادت أن تصوم تطوعًا ولا تأذن لأحد بدخول البيت إلا بإذن زوجها، فهو حق أصيل للزوج على زوجته.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه“. (رواه البخاري ومسلم متفق عليه).
كما أنها إذا أرادت الخروج من بيتها أو قيام الليل وغير ذلك، فيجب عليها أخذ إذن زوجها ورضاه.
الدعم النفسي والعاطفي للزوج
للزوج حق أيضًا في الدعم النفسي والعاطفي من زوجته وأن تكون له مصدر راحة وسكينة، فلقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها نموذجًا يُحتذى به في دعم زوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فحينما جاء إليها خائفًا بعد نزول الوحي هدأته ووقفت إلى جانبه.
أشار القرآن إلى أهمية هذه العلاقة، فقال تعالى: “لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا” (سورة الروم، الآية 21).
ويتضح من ذلك أن الزوجة يجب أن تكون سببًا في السكينة والراحة النفسية لزوجها وأن تكون ملاذه في مواجهة التحديات والصعوبات.
المساهمة في استقرار البيت وتربية الأبناء
من واجب الزوجة تجاه زوجها أن تكون شريكًا في بناء الأسرة واستقرارها وأن تعمل على تربية الأبناء تربية صالحة، فالزوج يعتمد عليها في تنشئة أبنائه على قيم الإسلام والأخلاق وهي تشاركه في هذه المسؤولية لضمان نشأة الأبناء تنشئة سليمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ راعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ” (رواه البخاري).
الزوجة مسؤولة عن بيتها وأبنائها، وذلك يُعزز التزامها بدورها في استقرار البيت وحفظ حق الزوج.
وأخيرًا، فهذه بعض الحقوق والواجبات التي على الزوجة تجاه زوجها وهي بعض الأمثلة وهناك الكثير من الحقوق، وإليكم هذه الوصية:
فقد روي أن امرأة عوف الشيباني قالت لابنتها عند زفافها إلى ملك كنده:
أي بنية، إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت، وعُشك الذي فيه درجت، إلى وكرٍلم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمه يكن لك عبدًا، واحفظي له عشر خصال يكن لكِ ذخرًا.
أما الأولى والثانية: فالصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع مُلهبة، وتنغيص النوم مُغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالعناية ببيته وماله والرعاية لنفسه وحشمه وعياله وملاك الأمر في المال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تُفشي له سرًا، ولا تعصي له أمرًا، فإنك إن أفشيت سره لم تأمن بغدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
ثم اتقي مع ذلك الفرح، إذا كان ترحًا (حزنًا)، والإكتئاب عنده إن كان فرحًا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له إعظامًا يكن أشد ما يكون لكِ إكرامًا.
وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطول ما يكون لكِ مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاكِ وهواه على هواكِ فيما أحببتِ وكرهتِ، والله يخير لكِ.
في الختام، وبعد أن عرضنا حق الزوج على زوجته في الإسلام ومفهومه نجد أن الإسلام جاء بمنهجٍ قويم يحفظ الحقوق ويعزز الوئام بين الزوجين، فجعل لكل منهما مكانته وحقوقه التي تكفل استمرار الحياة الزوجية بروح من السكينة والاحترام.
حق الزوج في الإسلام هو ميثاق للمودة والرحمة يجمع بين القلوب ويصنع جسرًا من الثقة والاحترام المتبادل، والتزام الزوجة برعاية حقوق زوجها، وحرص الزوج على مراعاة حقوقها يُشكل كيانًا أسريًّا مستقرًّا متينًا يسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك.
المصادر