حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين… الأربعين النووية 6
شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين والدروس المستفادة منه
حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين هو الحديث السادس من الأربعين النووية، ويُعد من الأحاديث الجامعة التي تُرسِّخ أصول الفقه الإسلامي، وتوضح مفهوم الحلال والحرام والمشتبهات، كما يُبرز أهمية الورع في دين المسلم، مما يجعله من الأحاديث التي يعتمد عليها العلماء في بيان أحكام الشريعة.
سنتناول في هذا المقال شرح الحديث شرحًا تفصيليًا، ونوضح معاني كلماته، ونستخرج الدروس المستفادة منه، وأمثلة على المشتبهات.
نص حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين
عن النعمان بن البشيرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: “إِنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ” (رواه البخاري ومسلم).
صحة حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين
حديث “إِنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ…” هو حديث صحيح متفق عليه بلا خلاف بين أهل الحديث، ورواه الإمام البخاري والإمام مسلم، كما أنه من الأحاديث التي تعد من قواعد الدين الإسلامي.
رواه النعمان بن البشير رضي الله عنه، وهو صحابي جليل من الأنصار، وكان أول مولود للأنصار بعد الهجرة، ويُعد هذا الحديث من جوامع كلم النبي ﷺ، وهو من الأحاديث التي وضعها العلماء ضمن الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله، وذلك لأهميته البالغة في الفقه والسلوك الإسلامي.
قال الإمام النووي رحمه الله: “هذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول الإسلام، وهو من الأحاديث التي يدور عليها الفقه، حتى قيل إنه ثلث الإسلام”.
معاني كلمات حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين
“إن الحلال بيِّن”
أي أن الأشياء المباحة معروفة وظاهرة مثل أكل الطيبات، والزواج، وكسب المال الحلال.
“وإن الحرام بيِّن”
تعني أن الأمور المحرمة واضحة في الشريعة مثل الزنا، وشرب الخمر، والربا، وأكل مال اليتيم.
“وبينهما أمور مشتبهات”
يُقصد بها أن هناك أمورًا لم يتضح فيها الحكم بوضوح لبعض الناس، فقد تكون محتملة بين الحلال والحرام مثل بعض المعاملات المالية الحديثة، أو الأطعمة التي لم يُذكر حكمها صراحة.
“فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه”
أي أن من ترك الأمور المشتبهة احتياطًا حفظ دينه من الوقوع في الحرام، وحفظ عرضه من كلام الناس.
“ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام”
أي أن من اعتاد التساهل في الشبهات، اقترب من الحرام وسقط فيه.
“كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه”
مثل بديع يضربه النبي ﷺ، فالراعي إذا كان يرعى بالقرب من أرض محرمة، فالأغنام قد تدخلها بلا قصد، فكذلك من اقترب من الشبهات، قد يقع في الحرام دون أن يشعر.
“ألا وإن لكل ملك حمى”
تعني أن أن الملوك يجعلون مناطقهم محمية لا يُسمح بدخولها، فلا يجوز الاقتراب منها.
“ألا وإن حمى الله محارمه”
أي أن ما حرَّمه الله هو الحمى الذي يجب عدم الاقتراب منه، بل يجب تجنبه والابتعاد عنه.
“ألا وإن في الجسد مضغة”
تعني أن في جسد الإنسان قطعة صغيرة بحجم اللحم ألا وهي القلب، لكنها تتحكم في صلاح الإنسان وفساده.
“إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”
يُقصد أن القلب هو مركز صلاح الإنسان أو فساده، فإذا كان القلب ممتلئًا بالإيمان والتقوى، صلح سلوك الإنسان، وإذا كان القلب فاسدًا، ظهر ذلك على الجوارح.
الدروس المستفادة من حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين
وضوح الحلال والحرام في الإسلام
الإسلام دين واضح، فالحلال معروف، والحرام معروف، فلا ينبغي للمسلم أن يخلط بينهما، فالله تعالى يقول في كتابه: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ” (سورة الأنعام، الآية 151)، فالشريعة بينت المحرمات بوضوح.
التحذير من الشبهات وأهمية الورع
المسلم مطالب بالحذر من الوقوع في المشتبهات، لأنها قد تؤدي إلى الوقوع في الحرام دون قصد، وقال بعض السلف: “من ترك الشبهات كان لدينه أوفر”.
الابتعاد عن مواضع الشُبهة لحفظ العرض
من فوائد ترك الشبهات حفظ السمعة والعرض من كلام الناس، لأن الناس قد يسيئون الظن بالمسلم إذا وقع في أمر غير واضح.
خطورة التساهل في المحرمات
الذي يقترب من الحرام قد يقع فيه دون أن يدري، كما أن الراعي الذي يقترب من حدود الأرض المحرَّمة قد تدخل أغنامه إليها.
القلب هو مركز الصلاح أو الفساد
صلاح القلب هو أصل كل خير، فإذا كان القلب ممتلئًا بالإيمان، انعكس ذلك على سلوك الإنسان، وقال ابن القيم: “القلب ملك الأعضاء، فإذا صلح صلحت الرعية، وإذا فسد فسدت الرعية”.
أهمية مجاهدة النفس وإصلاح القلب
يجب على المسلم أن يحرص على إصلاح قلبه من الأهواء والشكوك، لأنه إذا فسد القلب، فقد يقع في الفساد والضلال، والإمام الغزالي قال: “دواء القلب يكون بالإكثار من ذكر الله، والبعد عن المعاصي، والتأمل في آيات الله”.
كيفية تطبيق حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين في حياتنا
اجتناب الشبهات قدر الإمكان:
عند وجود شك في أمر معين، يُفضل الابتعاد عنه، كما قال النبي ﷺ: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك” (رواه الترمذي).
تحري الحلال في المأكل والمشرب والكسب:
يجب على المسلم أن يسعى في كسبه وأكله بالحلال، وأن يتأكد من مصدر المال الذي يملكه.
مراقبة القلب وإصلاحه:
الحرص على تنقية القلب من الحسد، والغل، وسوء الظن، لأن القلب إذا صلح انعكس ذلك على سلوك الإنسان كله.
سؤال أهل العلم عن الأمور المشتبهة:
إذا التبس حكم مسألة معينة، فالواجب الرجوع إلى العلماء الموثوقين لمعرفة حكمها.