اسم الله الشافي، ليس هناك في الدنيا ما يخلع الإنسان من وهم قوَّته، ويكسر وهم امتلاكه، مثل المرض، فإذا ضاق النفس، وخارت الأعضاء، وارتبك الأطباء، وشُرِعت الأبواب كلها إلا بابًا واحدًا عَرف العبد أن الشفاء لا يُطلب إلا من الله، ولا يُمنح إلا بإذنه، ولا يُرد إلا لحكمة.
حين يسرح فكر المريض في دواء لم ينفع، أو طبيب احتار، أو جسد أنهكه الألم يقف السؤال بينه وبين روحه: هل استعنتَ بالشافي حقًا؟ أم وثقتَ في الأسباب ونسيت المسبب؟
اسم الله الشافي معنى يغرس اليقين في القلب، ويحيي الرجاء في اليأس، ويُعيد ترتيب علاقتك بالمرض والدواء والحياة كلها.
في هذا المقال لن نمر على اسم الله الشافي مرورًا عابرًا، بل سنقف عند أبواب معناه وقفة الخاشعين، ونغوص في أثره على حياة العبد إذا فهمه، وآمن به، وتعبَّد الله به، وسكن إلى رحمته، فلعلَّ هذا الاسم إذا استقر في قلبك يكون سبب شفائك من وجع لا يعلم به إلا الله، أو يبرئك من هم أرهق روحك لسنين، فهلُّم إلى باب الشافي الباب الذي لا يُغلق.
“الشافي” في اللغة مأخوذ من الشفاء، وهو البراءة من المرض والبلاء والآفات الظاهرة والباطنة. وفي الاصطلاح الشرعي: الشافي هو الذي يُبرئ العليل، ويُعافي السقيم، ويمنح الصحة لمن أراد، بلا معقب لحكمه، ولا راد لمشيئته.
و”الشافي” اسم من أسماء الله الحسنى الثابتة، ورد ذكره في السنة النبوية، ولم يرد في القرآن الكريم بصيغة الاسم، لكن ذُكر الفعل في مواضع متعددة مثل قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [سورة الشعراء، الآية 80]
قال الإمام الطبري: “أي وإذا سقم جسدي فلم أجد الشفاء من أحدٍ سواه، فهو وحده الذي يبرئني”.
وقال ابن القيم: “الله هو الشافي، أي الذي يشفي من المرض، والجهل، والضلال، والخوف، والهم، والكفر، والمعاصي، وكل أذى باطن أو ظاهر”.
فشفاء الله أوسع من مجرد العافية الجسدية، بل يشمل الطمأنينة النفسية، والسعة الصدرية، ونور القلب، وسكينة الروح.
اسم الله الشافي في السنة النبوية
ورد اسم الله الشافي في السنة النبوية الصحيحة صريحًا بلفظه، وبيانًا لمعناه، وتأكيدًا على أنه سبحانه هو وحده الذي يملك الشفاء دون غيره، و من أشهر الأحاديث التي ورد فيها اسم الله الشافي صريحًا، وثبت في الصحيحين (البخاري ومسلم) عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ كانَ إذَا أتَى مَرِيضًا -أوْ أُتِيَ به- قَالَ: “أذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا”.
اسم الله الشافي
كم مرة ذكر اسم الله الشافي في القرآن؟
لم يُذكر اسم الله الشافي في القرآن الكريم بصيغته الاسمية، أي لم يرد اللفظ “الشافي” كاسم من أسماء الله صراحةً في أي آية من آيات القرآن الكريم، ولكن ورد فعله، أي صفة الشفاء المنسوبة إلى الله، في مواضع تفيد المعنى بوضوح، وأشهرها ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [سورة الشعراء، الآية 80]، وهذه الآية من أقوى الأدلة على أن الشفاء الحقيقي من الله وحده، وإن لم يأتِ الاسم الصريح “الشافي”، فجاء الفعل الدال على نفس المعنى.
وأيضًا ورد الفعل “يشفي” أو “شفاء” منسوبًا إلى الله في آيات مثل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [سورة يونس، الآية 57]، وقوله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ ﴾ [سورة الإسراء، الآية 82]،
وبذلك فإن اسم الله الشافي من الأسماء الثابتة في السنة النبوية، لا في القرآن الكريم لفظًا، وإن ثبت المعنى فيه قطعًا.
الفرق بين الأسباب والشفاء
يظن كثير من الناس أن الطبيب هو الشافي، أو أن الدواء هو الذي يُنقذ، أو أن الجراحة تُنهي المرض، لكن الإيمان باسم الله الشافي يُعيد الأمور إلى موضعها الصحيح، فالطبيب سبب، والدواء وسيلة، لكن الشفاء وحده من الله
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “إنَّ لكلِّ داءٍ دواءً فإذا أُصِيب دواءٌ الدَّاءَ برَأ بإذنِ اللهِ” [رواه مسلم]، لكن لا يبرأ المريض بالدواء إلا إن شاء الله، ولهذا فكم من مريض تعاطى أنجع الأدوية ولم يُشفَ، وكم من سقيم لم يجد علاجًا فشُفِي بفضل دعوة.
أثر الإيمان باسم الله الشافي في حياة المسلم
طمأنينة في قلب المريض، فحين يتعمق العبد في معنى هذا الاسم لا يُصاب بالجزع عند المرض، بل يطمئن لأن الله هو الذي ابتلاه لحكمة، وهو وحده القادر على كشف البلاء.
يقين في الدعاء، فمن أيقن أن الله هو الشافي، دعا بيقين لا يعتريه شك، كما قال النبي ﷺ: “ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ”، ومن وُقِرَ في قلبه أن الشفاء بيد الله وحده، رفع كفيه بإلحاح، وانتظر الفرج من باب لا يُغلق.
عبودية التوكل لا التعلق، فالعبد المؤمن بالله الشافي لا يُعلِّق قلبه على طبيب ولا تحليل ولا تقرير طبي، بل يجعلها أسبابًا ويتوكل على الله، والتوكل من أعلى درجات الإيمان.
الرضا بقضاء الله، حتى إن لم يُكتب الشفاء يبقى الرضا حليف المؤمن، لأن الشافي قدَّر له الخير في كل حال، والمرض ما هو إلا باب للثواب، أو رفعة، أو كفارة ذنوب.
الدعاء باسم الله الشافي، ومن أجمل وأقوى الأدعية: “اللهم اشفني، أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقما”، وأيضًا يمكنك الدعاء بهذا الدعاء “يا شافي القلوب والأبدان، اشفني بقدرتك، وداوني بلطفك، وامنحني من شفائك ما يُطمئن قلبي”.
استخدام اسم الله الشافي في الرقية الشرعية، فعندما تقرأ على نفسك أو غيرك استفتح باسم الشافي، وتُردد الفاتحة، والمعوذات، وآية الكرسي، وتُديم اليقين أن الله وحده هو الذي يشفي.
اليقين عند تناول الدواء، وعند أخذ دواءك اذكر: “بسم الله، توكلتُ على الله، اللهم اجعل فيه شفاءً من عندك”، ولا تنس أن الشفاء ليس في الدواء بل في إذن الشافي له أن يعمل.
التوكل الصادق عند المرض، فحين يشتد الألم وتطول العلة، وتفشل الأسباب، هنا تُختبر حقيقة التوكل، وليس التوكل أن تترك الأسباب، بل أن تأخذ بها وأنت معلق القلب بالله الشافي وحده، وقال بعض السلف: “كنا نأخذ بالدواء، لكن لا نثق إلا برحمة الله”.
بالصبر على البلاء والرضا بقضائه، وكلما طال البلاء، اشتد الأجر، وكلما طال الصبر، اقترب الشفاء، فمن عرف أن ربه هو الشافي، رضي وإن تأخرت الإجابة، لأنَّ الله يختار الوقت الأنسب، والشكل الأكمل، والقدر الأجمل للشفاء.
من لطائف اسم الله الشافي
اسم الله الشافي مرتبط بالرحمة، فالشفاء من أعظم مظاهر رحمة الله بعباده، فهو عز وجل لا يشفي فقط، بل يشفي بلطف، ويمنح العافية برحمة، ويبتلي بحكمة، ويجبر بلُطف.
الشفاء قد يكون بمنع الشفاء، نعم… قد يمنع الله الشفاء الجسدي ليمنحك شفاءً روحيًا أعظم، كأن يغسل ذنوبك، أو يطهِّر قلبك من التعلقات، أو يرفع درجتك، وقال ابن الجوزي: “ربما اشتد المرض ليصفو القلب، وتتفجر ينابيع التوبة”.
من أعظم ما يُرجى به الشفاء أن ترقي نفسك أو غيرك، مستفتحًا باسم الشافي، واقرأ الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذتين
وادعي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم “اللَّهُمَّ ربَّ النَّاس، أذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا”، وكرِّر: “يا شافي، اشفني”، “يا من بيده الشفاء، لا تجعل للداء بقاء”.
فوائد الإيمان باسم الله الشافي
راحة نفسية عظيمة يعيشها العبد، وتجعل المريض يرضى ويسكن.
استجلاب العبد الشفاء بالدعاء واليقين.
حماية العبد من التعلق بالأسباب ووقوع القلب في التعلق بغير الله.
زيادة في إيمان العبد وخشوعه، وخاصة في لحظات الألم.
انتقال العبد من الشكوى إلى الدعاء، ومن اليأس إلى الرجاء.
تعلق العبد بالله لا بالأطباء.
الدعاء باسم الله الشافي
اسم الله الشافي لا يُذكر فقط عند المرض، بل حتى في العافية، فادعُ به لتحفظ عافيتك، وادعُ به لأهلك وأولادك، واذكره عندما ترى مريضًا، فتقول: “اللهم اشفه، أنت الشافي”.
ومن أجمل الأدعية باسم الله الشافي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق وذكرناه في أعلى المقال “اللَّهُمَّ ربَّ النَّاس، أذْهِبِ البأس، اشْفِ أنتَ الشَّافي…”، وهو من أعظم الأدعية الواردة في السنة باسم الله الشافي، وكان النبي ﷺ يرقي به المرضى من أهله وأصحابه.
ويمكنك الدعاء بهذا الدعاء الجميل “يا الله، يا شافي، يا من بيده الداء والدواء، أسألك باسمك الشافي، أن تشفيني شفاءً لا يُغادر سقمًا، ولا يُبقي ألمًا، ولا يترك في جسدي داءً، اللهم اجعل شفائي منك وحدك، لا من دواءٍ ولا طبيب، إنما بكلماتك التي لا يُعجزها شيء”.
كما يمكنك الدعاء لغيرك باسم الله الشافي وتقول: “اللهم اشفِ عبدك فلانًا، أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، اللهم آنسه في وحدته، والطُّف به في مرضه، واجعل هذا البلاء رفعة له في الدنيا والآخرة، وعافية تامة لا سقم بعدها”، و للمريض على فراشه أن يدعو ويقول: “يا شافي العليل، ومُعافي البأساء، اشفِني بقدرتك، وداوني بلطفك، وأزل عني ما بي من ضر، اللهم اجعل مرضي هذا كفَّارة، وسبيلًا إلى القرب منك، لا حرمانًا ولا قطيعة، يا أرحم الراحمين”.
💡الدعاء باسم الله الشافي يُستحب أن يكون مقترنًا بالرجاء واليقين، مع استعمال أدعية مأثورة وغير مأثورة، بشرط أن تكون بألفاظ شرعية، لا مخالفة فيها، وأن يُحسن العبد الظن بربه أثناء الدعاء.
💡إذا طال المرض ولم يُكتب الشفاء، فلا تظن أن الدعاء ضاع، بل ادَّخره الله، أو صرف به بلاءً، أو رفع به درجة، أو كفَّر به خطيئة، فالعبد المؤمن إذا لم يُشفَ يُقال له يوم القيامة: “هل تذكر دعواتك في المرض؟ لقد كانت أعظم من كل شفاء، انظر ثوابها اليوم”.
في الختام، قدمنا معنى اسم الله الشافي وفوائده، وكيف نطبقه في حياتنا، وكيف ندعو به، وقد كنت تظن أن الشفاء هو زوال المرض فقط، لكن الله الشافي أكرم من أن يُقصر عطاؤه على الجسد، فقد يشفيك من همٍّ جثم على قلبك، أو من ذنبٍ أقعدك عن التوبة، أو من حسدٍ أثقل روحك، أو من فزعٍ يسكن ليلك، فلا تُحاصر معنى الشفاء، ووسِّع أملك في الشافي.
فيا من تقرأ هذا المقال، اجعل اسم الله الشافي على لسانك، واثبُت به، وادعُ به، وتوسل به، وستجد أثره في صحتك، وفي قلبك، وفي حياتك كلها.