قصة سيدنا أيوب عليه السلام وأهم الدروس المستفادة
تعرف على قصة سيدنا أيوب عليه السلام والدروس المستفادة منها
قصة سيدنا أيوب عليه السلام، يحتاج القلب في وقت تتزاحم فيه الهموم على القلوب، وتتصدَّر الشكوى مشهد الحياة إلى قصة نورها الصبر، وبطلها نبي من أنبياء الله، ومدادها اليقين قصة سيدنا أيوب عليه السلام، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ليُعلِّمنا بها الله كيف يكون الصبر عبادة، وكيف يكون الدعاء تسليمًا، وكيف يكون البلاء بابًا إلى الاصطفاء.
سنتعرف في هذا المقال على قصة سيدنا أيوب عليه السلام الذي كان مثالًا في الصبر، وكيف كان حامدًا وشاكرًا لله رغم طول الإبتلاء الذي مر به، فتابع معنا القراءة لتتعرف على قصة صبر أيوب عليه السلام، وتتعلم من الدروس المستفادة منها.
من هو نبي الله أيوب عليه السلام؟
سيدنا أيوب بن موص بن رازح من نسل إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، نبيٌّ أرسله الله إلى قومه في الشام.
كان أيوب عليه السلام رجلًا غنيًا صالحًا، ذا أهل ومال يعبد الله ويشكره على نعمه التي وهبه إياه، فابتلاه الله في أعز ما يملك ليرفعه ويجعله آية في الصبر.
وقد وردت قصته في مواضع عدَّة من القرآن منها (سورة الأنبياء، الآيات من 83 – 84)، وسورة ص (الآيات من 41 – 44).
قصة سيدنا أيوب عليه السلام
عاش سيدنا أيوب عليه السلام في نعيم ظاهر، فقد رزقه الله أموالًا وفيرة، وأولادًا كُثرًا، وزوجة صالحة، وصحة لا نظير لها، ولم يكن أيوب مغرورًا بنعمه، بل كان شكورًا، رحيمًا، يطعم المساكين، ويكفل الأرامل، ويكرم الضيف، ويعبد ربه آناء الليل وأطراف النهار.
لكن أراد الله أن يُظهِر للخلق معدن أيوب عليه السلام، وأن يعلِّم الناس أن العبد الصالح لا يعبد الله من أجل العطاء فقط، بل لأن الله يستحق العبادة في النعمة والبلاء.
نزل البلاء على سيدنا أيوب عليه السلام متتابعًا كأنما يُنقِّيه الله طبقة بعد طبقة، فجاءه يومٌ ضاع فيه كل ماله، وسُرقت مواشيه، واحترقت أرضه، وفنيت تجارته، حتى أصبح لا يملك شيئًا.
وفي يوم واحد مات أبناؤه جميعًا، وقد قيل إنهم بلغوا 10 أبناء (7ذكور، و3 بنات)، كما أُصيب بمرضٍ جلدي قيل إنه أقعده، وأصبح لا يقوى على الحركة، ولم يبق فيه شيء سليم إلا قلبه ولسانه، فكان يذكر الله بهما دائمًا.
قال بعض أهل العلم: “ابتلي في جسده ثمانية عشر عامًا، فلم يشتكِ ولم يتأفف ولم يسأل الله رفع البلاء، وإنما كان يحمد الله ويستغفره”.
كما هو حال الدنيا، لما ذهب المال والصحة، ذهب الناس من حوله، وتركه أقرباؤه، وهجره جيرانه، ونفر منه الناس، حتى قيل أنهم أخرجوه خارج البلدة عندما خافوا من العدوى منه، ولم يبق معه إلا زوجته الصالحة الوفية، التي كانت تخدمه، وتقوم على شأنه، وتخرج لتعمل بالأجرة لتطعمه، حتى وصل بها الأمر بأن باعت شعرها لتطعمه.
وما زال أيوب عليه السلام يقول في سره: “ربِّ، كنتَ قد رزقتني، وها أنت ابتليتني… لكنك ما حرمتني ذكرك”، ولم يتلفَّظ بكلمة اعتراض، ولم يُلقِ باللوم على أحد، بل قال كما نقل عنه أهل العلم: “اللهم أعطيتني المال فأخذته، وأعطيتني الأولاد فأخذتهم، وبقي لي قلبي ولساني، فكيف لا أحمدك؟”.
رغم طول الابتلاء (الذي قيل إنه دام 18 سنة)، لم يشكُ أيوب لأحد، ولم يسأل الله رفع البلاء إلا حين علم أن زوجته باعت شعرها لتُطعمه، فخاف أن تتأثر عبادته، فشكى لله حاله على استحياء منه، وقال في أدب النبوة وذلّة العبودية: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 83)، فتلك الكلمات لا تُشبه دعاءنا اليوم، بل هي استحياءٌ من الله أن يُنسب إليه الجفاء، مع رجاء صامت في رحمته.
وما أن صدح قلبه بهذا الدعاء، حتى جاء الجواب من الكريم: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 84]، وأمره الله عز وجل وقال: ﴿ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌۭ بَارِدٌۭ وَشَرَابٌۭ﴾ (سورة ص، الآية 42)، فضرب الأرض برجله، فانبجست عين ماء اغتسل منها وشرب، فعادت له صحته وجماله، حتى قيل إن الله ردَّ عليه شبابه، وازداد جمالًا، وأعاد الله له ماله، ورزقه بأولاد غير الذين ماتوا.
الدروس المستفادة من قصة سيدنا أيوب عليه السلام
- البلاء لا يعني أن الله غاضب، فأيوب كان نبيًّا مصطفى، ومع ذلك ابتُلي بأشد الابتلاءات، فلا يجب أن تقيس محبة الله لك برغد حياتك، فقد يكون البلاء بابًا للرفع والاصطفاء.
- الصبر لا يكون بالكلام بل بالفعل، فلم يكن أيوب عليه السلام يقول “أنا صابر”، بل صبره كان فعليًا لم يتذمر، ولم يقطع صلته بالله، ولم يتبرَّم من قضاء الله.
-
الدعاء لا يتنافى مع الصبر، فمع صبر أيوب عليه السلام الطويل، دعا ربه، فإن كنت صابرًا، لا تترك الدعاء، فهو عبادة وتفويض وتوسل برحمة الله.
-
الابتلاء نعمة خفيَّة، فرُب بلاء رفع عبدًا إلى درجات لا يصلها عمله، وما أكثر من وصلوا إلى القرب من الله بأوجاعهم.
-
الدعاء يجب أن يكون بأدب، ودعاء أيوب مليء بالأدب لم يتهم، ولم يعترض، بل خاطب الله بصفته أرحم الراحمين، فوُفق للفرج.
- الشريك الصالح سند في البلاء ورفيق في درب النجاة، فزوجة نبي الله أيوب عليه السلام صبرت معه، وخدمته، وضحَّت، وكانت نعم العون.
- لا تستبعد الفرج، ف الفرج يأتي بلحظة من الله، والله إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.
- إن ابتلاك الله، فارضَ واحتسب، فالله أرحم بك من نفسك، والرضا بالقضاء عبادة عالية، فأيوب عليه السلام لم يتذمر من البلاء، بل كان شاكرًا في العافية، صابرًا في المرض.
-
كلَّما عظمت مكانتك عند الله، عظُم بلاؤك، فاصبر كما صبر أولو العزم، والابتلاء سنة ماضية لأهل الإيمان، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: “سُئِلَ رسولُ اللهِ أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً قال الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ يُبتَلى الناسُ على قدرِ دِينِهم فمن ثَخنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه ومن ضعُف دِينُه ضعُفَ بلاؤه وإنَّ الرجلَ لَيصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئةٌ”.
- المال والولد نعمة لا تدوم، فلا تركن لما تملك، فقد يؤخذ منك في لحظة، واجعل قلبك معلقًا بالله لا بالنعم، وقصة أيوب عليه السلام تذكِّرنا بزوال الدنيا وتقلب أحوالها.
- كل بلاء له نهاية، وكل ليل يعقبه فجر، فالابتلاء لا يدوم إن صبرت، جاءك العوض من حيث لا تحتسب ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرٍّۢ﴾.
أثر قصة سيدنا أيوب عليه السلام في النفوس
- تبعث السكينة في القلوب المتعبة، فحين يقرأها صاحب المرض الطويل، أو المهموم الذي أثقله الزمان، أو الفقير الذي ضاقت به الدنيا يجد في قصة أيوب صوتًا حنونًا يقول له: “أعرف ما تمر به، فقد مررت به قبلك، فاصبر، فإن مع العسر يُسرا”.
-
توقظ الإيمان في القلوب الجافة، وتعلِّم النفس كيف تهمس بأدب في أوقات الضيق بدل أن تصرخ، وكيف ترضى بقضاء الله دون أن تتذمر، وتحوِّل الابتلاء من لعنة إلى فرصة للترقي، ومن ألم إلى عبادة.
-
تربي في القلب خُلق الرضا، فأيوب عليه السلام لم يسأل لماذا؟ ولم يقل: إلى متى؟ بل رضي وسكن، وذلك ينعكس على نفس المؤمن، فيهدأ، ويطمئن، ويقول: “ما دام الله قدَّر، فلابد أن فيه خيرًا”.
-
تحرق جذور التذمر والتسخط، فحين ترى أن نبيًا كريمًا فقد ماله، وأولاده، وصحته، ثم صبر ولم يشكُ، تسأل نفسك: “فهل يليق بي أن أتذمر من أقل من ذلك؟”، فذلك يقتل الجزع، ويحيي الثبات.
-
تُعيد تعريف معنى العافية، فالعافية ليست فقط في البدن، بل في القلب المطمئن، واللسان الحامد، والنفس الراضية، وذلك ما علمتنا إياه قصة أيوب، أن العافية الحقيقية هي أن تبقى مع الله، مهما ابتعد كل شيء.
-
تغرس يقينًا بأن الدعاء لا يُرد، فأيوب دعا، ولو بعد سنين من الصبر، فجاءه الفرج سريعًا، دون تأخير ﴿فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ﴾، ففي لحظة واحدة، تبدلت الأحوال، وامتلأت النفوس رجاءً وأملًا.
-
تُذكر الناس أن الله لا ينسى عباده، فمن كان يظن أن الله قد نسيه جاءت قصة أيوب لتهمس له: “الله معك يراك، ويسمعك، ويمهِّد لك الفرج، فاصبر”.
-
تبني في النفس شموخًا صامتًا، فقوة الصبر، وجمال الأدب مع الله، والقدرة على التحمل دون شكوى كل ذلك يجعل من المؤمن إنسانًا ثابتًا راسخًا، لا يهزه فقد، ولا تكسره محنة.
في الختام، نجد أن قصة سيدنا أيوب عليه السلام مدرسة مفتوحة لكل قلبٍ مبتلى، وفيها يتعلَّم المؤمن أن الشكوى لا تُسرِّع الفرج، وأن الله لا ينسى عباده، كما أن البلاء منحة، لا محنة، حين يُصبر عليه، فإن كنتَ مهمومًا، أو سقيمًا، أو مفجوعًا، فاقرأ هذه القصة مرات، وردِّد: “ربِّ إني مسّني الضر، وأنت أرحم الراحمين”
المصدر