فضل قول ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي - إقرأ يا مسلم
إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

فضل قول ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

تعرف على فضل دعاء ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

فضل قول ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي، ينقل إلينا القرآن في ثنايا سورة إبراهيم دعاءً خاشعًا من أعظم أولي العزم، نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي جمع في هذه الكلمات القليلة أعظم مقاصد العبودية: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ (سورة إبراهيم، الآية 40).

ذلك الدعاء الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان، ويخترق وجدان كل عبد يرجو الله، فلم يكن إبراهيم يطلب الرزق أو الأمن أو النصر، بل طلب ما هو أعظم الثبات على الصلاة، والبركة في الذرية، ثم القبول من الله.
فما سر هذا الدعاء؟ ولماذا هو عظيم الشأن؟ وكيف نجعله جزءًا حيًّا من واقعنا اليوم؟.. هذا ما سنفصله في هذا المقال، فتابعوا معنا القراءة.

 فضل قول ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي
ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

تأمل لغوي في ألفاظ دعاء ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

(رَبِّ)

النداء بلفظ “رب” يوحي بالحاجة والتذلل، ويستحضر صفات الله في الخلق والرعاية والتدبير، فالداعي حين يقول “رب” فإنه لا يخاطب إلهًا بعيدًا، بل ربًّا قريبًا يربِّي، ويهدي، ويصلح عبده.

(اجْعَلْنِي)

يتضمن الفعل “اجعلني” طلب التكوين والتحويل، أي غيرني واخلق فيَّ هذه الصفة الثابتة، وهي إقامة الصلاة، وذلك يدل على أن الثبات على الطاعة ليس فقط اختيارًا بشريًا، بل توفيق من الله.

(مُقِيمَ الصَّلَاةِ)

“الإقامة” أبلغ من “الأداء”، فالمقيم للصلاة هو من يقيمها ظاهرًا وباطنًا، في وقتها بخشوعها، وبشروطها، وبآدابها.

والإمام القرطبي قال: (“مقيم الصلاة” أي: ملازمٌ لها، لا يفرِّط فيها، وهي شعاره وهيئته).

(وَمِن ذُرِّيَّتِي)

لم يقل “وذريتي”، بل قال “من ذريتي”، وهو فيه اختزال جزء من الكل، لعلمه أن بعض الذرية قد ينحرف، والدعاء هنا فيه تسليم ورضا بحكمة الله، وفيه تحقيق واقعي لا يتغافل عن سنن الله في خلقه.

(رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)

طلب القبول أعظم من مجرد الاستجابة، فكم من دعاء يُستجاب لكن لا يُقبل، وكم من عمل يُؤدى لكن لا يُرفَع.

تفسير ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

تفسير ابن كثير

قال رحمه الله: “أي اجعلني ممن يقيم حدود الصلاة، ويحافظ عليها، مع من رزقتني من الذرية من بعدي”.

تفسير القرطبي

قال القرطبي رحمة الله عليه: “(رب اجعلني مقيم الصلاة) أي من الثابتين على الإسلام والتزام أحكامه، (ومن ذريتي) أي واجعل من ذريتي من يقيمها، (ربنا وتقبل دعاء) أي عبادتي، كما قال : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم . وقال – عليه السلام – : الدعاء مخ العبادة وقد تقدم في “البقرة” “.

تفسير الطبري

يقول الطبري رحمة الله عليه في تفسيره: “رب اجعلني مؤديا ما ألزمتني من فريضتك التي فرضتها عليَّ من الصلاة. ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) أي واجعل أيضا من ذريتي مقيمي الصلاة لك.( رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) أي ربنا وتقبل عملي الذي أعمله لك وعبادتي إياك. وهذا نظير الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إنَّ الدُّعاءَ هُوَ العبادَةُ” ثم قرأ وَقَالَ: ﴿رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾”.

تفسير البغوي

قال البغوي في تفسيره: “( رب اجعلني مقيم الصلاة ) يعني : ممن يقيم الصلاة بأركانها ويحافظ عليها ( ومن ذريتي ) يعني : اجعل من ذريتي من يقيمون الصلاة. ( ربنا وتقبل دعاء ) أي : عملي وعبادتي، سمى العبادة دعاء، وجاء في الحديث: ” الدعاء مخ العبادة “. وقيل : معناه : استجب دعائي”.

لماذا خصَّ إبراهيم عليه السلام الصلاة دون غيرها في دعائه؟

خصَّ إبراهيم عليه السلام الصلاة دون غيرها في دعائه ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي؛ لأن الصلاة عمود الدين، فهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، كما في الحديث: “أولُ ما يحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصَّلاةُ ، فإنْ صَلَحَتْ ، صَلَحَ سائِرُ عَمَلِه ، و إنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِه” (رواه الترمذي)، كما أنها سبب صلاح الحياة ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ (سورة العنكبوت، الآية 45)، فهي التي تزكِّي النفس وتربِّي الروح وتنهى عن المعصية.

الصلاة ميراث الأنبياء، كما في قول الله عز وجل: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة يونس، الآية 87)، كما أنها أول وصية نبوية وصَّى بها النبي ﷺ أمَّته وهو على فراش الموت قائلاً: “الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكم، الصَّلاةَ وما مَلَكت أيمانُكم” (رواه أبو داود).

سر تقديم النفس على الذرية في دعاء ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

يتجلى أدب عظيم في دعاء إبراهيم عليه السلام ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي، وهو أن يبدأ العبد بإصلاح نفسه قبل طلب صلاح غيره، حتى ولو كانوا من أولاده، وقال الحسن البصري: “ابدأ بنفسك، فإن صلحت، صلح أهلك”، وذلك الترتيب من علامات صدق الدعاء وعمق الإيمان، أن تتمنى للآخرين ما بدأت به لنفسك.

أثر دعاء ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي في الذرية 

استجاب الله دعاء إبراهيم، فخرج من ذريته أنبياء كإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وعيسى، والنبي محمد ﷺ، كما في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾ (سورة الحديد، الآية 26)، ويقول ابن القيم: “صلاح الأولاد من أعظم نعم الله، وهو ثمرة تربية القلب، والدعاء الخاشع”.

فضل قول ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي

  • من أعظم دعاء الأنبياء وأكمله، وحين يدعو إبراهيم، وهو الخليل المقرَّب بهذا الدعاء، فإن في ذلك تأكيدًا على عِظَمِ شأن الصلاة، وأنها أول ما يُسأل عنه العبد.
  • دعاء يجمع بين صلاح النفس والذرية، فلم يكتف إبراهيم بأن يكون هو وحده مقيمًا للصلاة، بل طلب من ربه أن يجعل من ذريته كذلك، في إشارة إلى أهمية تربية الأبناء على الصلاة، وطلب الهداية لهم، وهو أعظم ما يدعو به الوالد لولده.

  • دعاء يربِّي على التواضع وخوف التقصير، فمع مقام إبراهيم العظيم، إلا أنه لم يأنف من طلب التوفيق للصلاة؛ لأن الهداية والثبات لا تكون إلا بتوفيق الله، وفي هذا تعليم للمؤمن أن لا يغتر بطاعته، بل يسأل الله دوامها.

  • دعاء يورث رضا الله ورضا الوالدين يوم القيامة، وصلاح الأبناء بالصلاة من أعظم ما يُسر به الآباء في الدنيا والآخرة، فجعل إقامة الصلاة سببًا في صلاح الأسرة والذرية، واستجابة الدعاء.

  • دعاء يجمع بين التوحيد والطاعة، فبعد أن دعا إبراهيم بقوله: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ ﴾ قال بعدها: ﴿ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾، وذلك دليل على الإخلاص والتوحيد والتعلق بالله وحده في نيل التوفيق والقبول.

كيف نطبق دعاء ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي في حياتك

ابدأ بنفسك وكن أنت “مقيم الصلاة”

قبل أن تسأل الله لأبنائك أو لغيرك أن يكونوا من المصلين، يجب أن تسأل نفسك: هل أنا كذلك فعلًا؟، وإليك خطوات عملية لتكون مقيمًا للصلاة:

  • صلِّ الصلاة في وقتها دائمًا بلا تأخير.

  • حافظ على الخشوع، وابتعد عن العجلة واللهو.

  • اجعل الصلاة أحب لحظات يومك، لا عبئًا ثقيلًا.

  • اعتنِ بسُنن الصلاة وآدابها كدعاء الاستفتاح، والتسبيح، والدعاء في السجود.

  • اجعل الصلاة حلًا لمشاكلك كما قال الله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ (سورة البقرة، الآية 45).

دع أبناءك يرونك تُقيم الصلاة لا تُؤديها فقط

الصغار لا يتأثرون بما تقول، بل بما يرون، ومن الطرق التربوية لتعليم الأبناء إقامة الصلاة:

  • صلِّ بهم جماعة في البيت، واجعل الصلاة مناسبة عائلية.

  • امدحهم بعد كل صلاة بحب: “ربنا يثبتك يا حبيبي على الصلاة”.

  • لا تصرخ إن نسوا، بل ذكِّرهم بحنان، فالنبي ﷺ قال: “مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ” (أبو داود)، ولم يقل “اضربوهم أو عاقبوهم”.

  • اجعل هداياك مرتبطة بالصلاة كإعطائه هدية إذا صلى الفجر أسبوعًا، أو دخل المسجد قبلك.

  • احكِ لهم قصص الصالحين مع الصلاة؛ كيف كان النبي ﷺ يقول: “يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها” (رواه أبو داود).

اجعل الدعاء نفسه جزءًا من وِردك اليومي

قال بعض الصالحين: “الدعاء يقرع باب السماء، ومن ألحَّ في الدعاء، فُتحت له الأبواب”.

ادع في كل سجدة، فالسجود أقرب موضع بينك وبين الله، وبعد كل صلاة مباشرة، وعند وقت سحر الليل في وقت الإجابة.

لا تقله بلسانك فقط، بل من قلبك، واجعل عيونك تدمع عند قولك “ومن ذريتي”، وذكِّر نفسك أن ولدك بعد 10 سنوات قد يكون مقيمًا للصلاة بسبب دعوة منك في جوف الليل.

احرص على البيئة التي تُقيم الصلاة

لا يكفي أن تدعو وتصلي، ثم تحيط نفسك ببيئة تستخف بالصلاة أو تؤخرها، فمن أراد أن يُقيم الصلاة، فليُقِم معها البيئة التي تدفعه إليها، واختر صديقًا صالحًا يصلي معك، واجعل هاتفك يُذكِّرك بالصلاة، لا يُلهيك عنها، وشارك في أعمال جماعية تربوية تهتم بالصلاة.

من أقوال العلماء في دعاء ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي 

  • العلامة السعدي  في تفسيره الميسَّر رحمه الله قال: “في هذا الدعاء دعوة خالصة للتوفيق لإقامة أعظم الفرائض، وهي الصلاة، وتمني أن يرزق العبد ذريةً صالحة تحمل نفس الرسالة”، وأشار إلى أن هذا الدعاء دعوة للإصلاح الذاتي، ثم إصلاح البيت والمجتمع عبر ذرية صالحة.
  • قال العلامة الشعراوي رحمه الله في خواطره القرآنية:  “حين يدعو إبراهيم عليه السلام بهذا الدعاء، فهو لا يسأل فقط أداء الصلاة، بل يسأل الله أن تكون الصلاة صفة ملازمة، وسلوك حياة”، وأضاف: “أن يكون الإنسان مقيمًا للصلاة يعني أنه إذا ذُكرت الصلاة، ذُكر هو معها، فيُعرف بها كما يُعرف الرجل بعلمه أو مهنته”.
  • قال الإمام الرازي صاحب “التفسير الكبير” في سياق تفسير الآية: “هذا يدل على أن الصلاة أعظم العبادات، وأنها أولى ما يُطلب الثبات عليه، ولذلك بدأ إبراهيم بدعائه أن يُثبت على الصلاة، ثم عمَّ ذرِّيته”، وأضاف: “واختيار لفظ (مُقيم الصلاة) دون (مصلي) يشير إلى العزم والدوام، فالمُقيم يفيد الثبات والانغماس فيها كحال دائم”.
  • العلامة الآلوسي قال في تفسيره “روح المعاني”: “لم يقل إبراهيم (رب اجعلني مصليًا)، لأن الصلاة قد تُفعل دون إقامة، والإقامة تعني العناية بها، والخشوع، وتأديتها على أكمل وجه، ثم أضاف: “وقوله (ومن ذريتي) فيه إشارة إلى أن صلاح الذرية يُطلب من الله، وأنه لا يكفي في تديّن الولد مجرد التربية دون دعاء”.

في الختام، بعد أن عرفنا فضل قول ربي اجعلني مُقِيمَ الصلاة ومن ذريتي نجد أن دعوة إبراهيم عليه السلام استجاب الله لها، وها نحن نقرأها بعد آلاف السنين ونُرددها، فاجعلها دعاءك في كل حين: “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ”، ومع الدعاء اعمل بجد، وكن قدوة، واصبر، وثق أن الله لن يضيع سعيك، وأن نداءك سيصل، وولدك سيصلي، وبيتك سيصبح بيتًا من بيوت الصلاة.

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock