حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض - إقرأ يا مسلم
إعرف دينكفتاوىفتاوى عامةفتاوي اسلامية

حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض

هل يجوز صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض من شهر ذي الحجة؟

حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض

حكم صيام أيام التشريق، تتكرر كل عام مسألة شرعية دقيقة تشغل كثيرًا من السائلين والباحثين، وهي: هل يجوز صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض من شهر ذي الحجة؟ وهي مسألة تنبع أهميتها من تعارض ظاهر بين فضيلتين: فضل صيام الأيام البيض الذي لا يخفى على أحد، وحرمة أو كراهة صيام أيام التشريق بحسب ما ورد في النصوص الشرعية.
ولأن هذا السؤال يجمع بين فقه النوافل وفقه الأزمنة المنهي عن الصيام فيها، فإننا بحاجة إلى بيان مفصل، مستند إلى أقوال أهل العلم والدليل من القرآن والسنة، فدعونا نتعرف على حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض.

ما هي أيام التشريق؟

أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر (عيد الأضحى)، أي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وقد سُمِّيت بأيام التشريق لأن الناس كانوا يُشرِّقون فيها اللحم، أي يُجففونه في الشمس لاستخدامه لاحقًا، وهي من الأيام الفاضلة، وتُعد من أيام الأعياد كما نص على ذلك النبي ﷺ.

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أن النبي ﷺ قال: “إنَّ يومَ عرفةَ ويومَ النَّحرِ وأيَّامَ التَّشريقِ عيدُنا أَهْلَ الإسلامِ ، وَهيَ أيَّامُ أَكْلٍ وشربٍ” (رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني).

ما هي الأيام البيض؟

الأيام البيض هي ثلاثة أيام من كل شهر هجري، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
وسُمِّيت بذلك لبياض قمرها، حيث يكون القمر في أكمل درجاته سطوعًا، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ صيامُ الدَّهرِ ، وأيَّامُ البيضِ صبيحةَ ثلاثَ عشرةَ وأربعَ عشرةَ وخمسَ عشرة” (رواه النسائي)، وصيامها سنة مؤكدة، وله فضل عظيم، فهو يعدل صيام الدهر.

هل يجوز صيام أيام التشريق؟

يرى جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، وكذلك الظاهرية أن صيام أيام التشريق لا يجوز، إلا لحالات مستثناة،وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله” (رواه مسلم).

كما روى عن عبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “لَمْ يُرَخَّصْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمْنَ، إلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ” (رواه البخاري)، وهذا الاستثناء هو للحاج الذي لم يجد الهدي، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ (سورة البقرة، الآية 196).

فدلَّت الأدلة على تحريم صيام أيام التشريق إلا في حالٍ واحدة، وهي أن يكون الحاج متمتعًا أو قارنًا ولم يجد الهدي.

حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض
حكم صيام أيام التشريق

حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض

وهنا يرد السؤال الجوهري لهذا المقال: إذا صادف أن كانت أيام التشريق هي نفس الأيام البيض في ذي الحجة، فهل يجوز صيامها بنية صيام الأيام البيض؟.

الحقيقة أن الجواب على هذا السؤال هو عدم جواز صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض وبالأخص يوم الثالث عشر من ذي الحجة، لأن النهي مقدَّم على الاستحباب، ولكن يجوز صوم يوم الرابع عشر والخامس عشر من ذي الحجة.

وقد بيَّن العلماء قاعدة عظيمة في هذا الباب وهي: “إذا تعارض نهي وتحفيز، قُدِّم النهي، لأنه يفيد التحريم أو الكراهة، أما التحفيز فيفيد الاستحباب”.

فلو وافق اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ــ وهو أول أيام التشريق ــ اليوم الثالث عشر من الشهر القمري، فهنا لا يُشرع صيامه، وإن كان من الأيام البيض.

أقوال العلماء في حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض

  • ابن قدامة الحنبلي قال في “المغني”: “ولا يجوز صيام أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي، ولا يصح صومها عن غير ذلك، حتى لو صادفت الأيام البيض.
  • النووي الشافعي في “المجموع”: “اتفق أصحابنا على أن أيام التشريق لا يصام منها شيء، إلا لمن لم يجد الهدي، حتى لو وافقت صيام نذر، أو صيام الأيام البيض، فإنها لا تصام”.
  • الشيخ ابن باز رحمه الله سئل عن صيام أيام التشريق، فأجاب: “لا تصام إلا للحاج المتمتع الذي لم يجد الهدي، أما غيره فلا، حتى لو صادفت الأيام البيض”.
  • الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال: “إذا صادف يوم من أيام التشريق يومًا مما يشرع صيامه كالأيام البيض، فلا يصام، لأن النهي مقدَّم، ولأن النهي للتحريم“.

هل يمكن تعويض الأيام البيض إذا تعذَّر صيامها؟

نعم، يُستحب للمسلم أن يصوم ثلاثة أيام من الشهر إن لم يتمكن من صيام الأيام البيض في موعدها، ويقع ذلك تحت قوله ﷺ: “صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر”، فالمقصود هو حصول صيام ثلاثة أيام من الشهر، وليس الارتباط الحصري بمنتصفه، وذلك رأي جمهور أهل العلم.

قال الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار”: “وردت الأحاديث بصيام الأيام البيض، لكنها لم تحصر الفضل فيها فقط، بل جاءت نصوص بصيام أي ثلاثة أيام من الشهر”، فمن لم يتمكن من صيام أيام البيض في ذي الحجة لأن بعضها وافق أيام التشريق، فله أن يصوم بديلًا عنها في أول الشهر أو آخره.

ماذا عن صيام النذر أو القضاء في أيام التشريق؟

إذا نذر المسلم أن يصوم يومًا معينًا، وصادف أن يكون هذا اليوم أحد أيام التشريق، فقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز له الوفاء بنذره في تلك الأيام، لأن النذر لا يُجوز المحرم، فعن ثابت بن الضحاك أن النبي ﷺ قال:
“لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ اللهِ تعالى ولا فيما لا يملكُ ابنُ آدمَ” (رواه البخاري ومسلم).

أما صيام القضاء، فقد اختلف فيه العلماء، لكن الراجح عند جمهورهم أنه لا يجوز كذلك، لأن النهي عن صيام أيام التشريق عام يشمل كل أنواع الصيام، إلا ما استُثني.

لماذا حُرِّم الصيام في أيام التشريق؟

شرعت أيام التشريق لتكون أيام بهجة وشكر وذكر لله، لا أيام تعب وكلفة، وقد قال النبي ﷺ فيها: “إنها أيام أكل وشرب وذكر لله” (رواه مسلم)، فالحكمة من النهي هي إدخال السرور على المسلمين بعد نسك الحج وعيد الأضحى، وتمكينهم من الاستمتاع بالنعمة دون تكلُّف.

في الختام، أيام التشريق هي 11 و12 و13 من ذي الحجة، وصيامها محرم إلا لحاجٍ متمتع أو قارن لم يجد الهدي، فإذا وافقت هذه الأيام الأيام البيض، لا يجوز صيامها، ويُمكن تعويض صيام الأيام البيض بصيام ثلاثة أيام أخرى من الشهر، كما لا يجوز صيام النذر أو القضاء في أيام التشريق، وبعد أن عرفنا حكم صيام أيام التشريق إذا وافقت الأيام البيض نجد أن في ديننا فسحة، فليكن العبد متبعًا لا مبتدعًا، وليحرص على طلب العلم من أهله، فالنية الصالحة لا تبرر العمل المخالف للشرع، وإن من علامة الفقه في الدين أن يُقدِّم المسلم ما أحبه الله وارتضاه، على ما أحبَّه هو واعتاده.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock