فوائد اسم الله الحليم/مغبات التفريط في اسم الله الحليم
أسرار اسم الله الحليم... أسماء الله الحسنى
من الأسماء الحسنى التي تتجلى فيها رحمة الله ولطفه بعباده، اسم الله الحليم، ذلك الاسم الجليل الذي يحمل بين حروفه سعة الصدر الإلهية، وكمال الصفح، ودوام التأني، وتجاوز الخطيئة مع القدرة على المؤاخذة، فالحلم من صفات الكمال التي لا تليق إلا بالله عز وجل على وجهها الأكمل، وهو اسم يتكرر في القرآن الكريم في سياقات العفو والتجاوز، وفي مقام الوعيد الممزوج بالأمل.
فلو تأملت في حال البشر، لوجدت ظلمًا يتكرر، ومعاصي تُجاهر بها، وذنوبًا تتكاثر، ومع ذلك لا تُمسك السماء رزقها، ولا الأرض خيراتها، فمن الذي يمهل ولا يُهمل؟ من الذي لا يعاجلنا بالعقوبة رغم قدرتِه؟ إنه الله الحليم، اسمٌ تهتز له القلوب، وتطمئن به الأرواح، وتتبدد معه ظُلمات الخطايا.
سنتعرف في هذا المقال على معنى اسم الله الحليم، وآثاره على النفس والسلوك، كما نُبرز أثر هذا الاسم في ترسيخ العقيدة السليمة والتزكية الإيمانية، فتابعوا معنا القراءة.
ما معنى اسم الله الحليم؟
الحليم في اللغة مأخوذ من الحِلم، وهو ضبط النفس عند الغضب، والتأنِّي قبل إنزال العقوبة، وأما في حق الله تعالى، فمعناه أنه لا يعاجل عباده بالعقوبة رغم قدرته، ويمهلهم لعلهم يرجعون، ويسترهم رغم عِلمه، ويُمهلهم رغم قُدرته.
قال الإمام ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: “وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ” (سورة فاطر، الآية 45)، فيقول: “هذا من حلمه وعفوه ورحمته بعباده، فإنه لا يعاجلهم بالعقوبة”.
وقال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره (جامع البيان، 2/468): “الحليم: هو الذي لا يعجل بالعقوبة على عباده مع قدرته عليهم، بل يُمهلهم ويُرشدهم ويدعوهم للتوبة”.
كما قال الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن، 2/240): “الحليم هو الصفوح مع القدرة، يؤخِّر العقوبة عن مستحقها ليتوب، ولا يعاجلهم بالعذاب”.
فاسم الله الحليم يعني أنه سبحانه لا يعاجل عباده بالعقوبة رغم وقوعهم في الذنب، بل يُمهلهم لعلهم يرجعون ويتوبون، وهو لا يغضب بسرعة، ولا يُبادر إلى الأخذ بالعقوبة، رغم قدرته التامة على ذلك.
واسم الله الحليم يرد في القرآن مقترنًا بأسماء أخرى تدل على الرحمة والعلم والفضل مثل:
-
“وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (سورة البقرة، الآية 235).
-
“وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ” (سورة النساء، الآية 12).
-
“وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (سورة النساء، الآية 96).
كم مرة ذكر اسم الله الحليم في القرآن
ورد اسم الله الحليم في القرآن الكريم 15 مرة، وجاء غالبًا مقترنًا بأسماء أخرى من أسماء الله الحسنى، مما يُظهر تكامل صفاته وجلاله، وهي:
- ﴿لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة البقرة، الآية 225).
- ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة البقرة، الآية 235).
- ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ (سورة البقرة، الآية 263).
- ﴿وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة النساء، الآية 12).
- ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (سورة الإسراء، الآية 44).
- ﴿لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة الحج، الآية 59).
- ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة آل عمران، الآية 155)
- ﴿تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ وَتُـٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ ٱبۡتَغَيۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكَۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعۡيُنُهُنَّ وَلَا يَحۡزَنَّ وَيَرۡضَيۡنَ بِمَآ ءَاتَيۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾ (سورة الأحزاب، الآية 51).
- ﴿إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة التغابن، الآية 17).
- ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (سورة فاطر، الآية 41).
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة المائدة، الآية 101).
- ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة التوبة، الآية 114).
- ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ (سورة الصافات، الآية 101).
- ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾ (سورة هود، الآية 75).
- ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (سورة هود، الآية 87).
اسم الله الحليم في السنة النبوية
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» (رواه البخاري ومسلم)، فالنبي ﷺ هنا يعلِّمُنا أن نلجأ إلى الله باسمه الحليم عند الكرب، لأن الحِلم يقتضي التأني، والرفق، والصفح، وهي معاني تطمئن القلب في لحظات الشدة، والجمع بين العظمة والحِلم في الدعاء يُظهر توازن الجلال والجمال في أسماء الله.