حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل… شرح مبسط
تعرف على معنى حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل
حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل، القرآن الكريم هو الكتاب الذي أُنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون نورًا وهداية للناس، وقد اختص الله عز وجل أهل القرآن بمكانة عظيمة في الدنيا والآخرة، من بين الأحاديث النبوية التي تبين فضل أهل القرآن هذا الحديث الشريف: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل…»، وهذا الحديث يحمل بشرى عظيمة لكل مسلم حافظ للقرآن أو من يحرص على تلاوته، ويُعد من الأحاديث التي تشجع على الحفاظ على القرآن والعمل به، لما فيه من وعد بالرفعة في الآخرة، لكن ما الذي يمكن أن يستفيده المسلم من هذا الحديث؟ وما هي معانيه العميقة؟ وما المضمون الفقهي له من منظور علماء الحديث والفقه؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال، فتابعوا القراءة.
نص حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرآنِ اقرَأ وَارقَ وَرتِّل كَمَا كُنتَ تُرتِّلُ فِي الدُّنيَا فَإِنَّ مَنزِلَتَكَ عِندَ آخِرِ آيةٍ تَقرَؤُهَا” (رواه أبو داود والترمذي).
تخريج حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل وإسناده
تخريج الحديث:
الحديث ورد في العديد من كتب الحديث المشهورة، وقد روى هذا الحديث مجموعة من الأئمة الكبار، ومنهم:
-
الإمام أبو داود في “سننه” (1464).
-
الإمام الترمذي في “جامعه” (2914)، وقال: “حديث حسن صحيح”.
-
الإمام ابن ماجه في “سننه” (3781).
-
الإمام أحمد في “مسنده” (6797).
-
الإمام الحاكم في “المستدرك على الصحيحين” (1/568)، وقال: “صحيح على شرط مسلم”.
حكم العلماء على الحديث:
الحديث من الأحاديث الصحيحة، وقد اعتبره العلماء من الأحاديث المتفق عليها من حيث الصحة، فقد صححه العديد من الأئمة والعلماء، ومنهم:
-
الإمام الترمذي قال: “حديث حسن صحيح”.
-
الحافظ الذهبي صححه في “تلخيص المستدرك”.
-
الإمام النووي حسّنه في “التبيان في آداب حملة القرآن”.
-
الإمام ابن حجر العسقلاني قال في “فتح الباري”: “حديث حسن صحيح”.
-
الشيخ الألباني صححه في “السلسلة الصحيحة” (2240) و”صحيح الجامع” (8122).
وبناءً على هذه الأقوال يتضح أن الحديث من الأحاديث المتواترة صحيحة الإسناد، ويجب على المسلم أن يأخذ به ويعمل بمعانيه العميقة.
شرح حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل
«يقال لصاحب القرآن»
من هو صاحب القرآن؟
المقصود بـ «صاحب القرآن» في هذا الحديث ليس مجرد حافظ القرآن الذي حفظه في صدره، بل هو الذي يعتني بالقرآن في حياته؛ تلاوةً، وفهمًا، وتدبرًا، وعملًا.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «صاحب القرآن هو الذي يلتزم تعاليمه، ويعمل بما جاء فيه، لا من قرأه بألسنته فقط دون أن يكون له أثر في سلوكه»، ومن هنا يمكن القول بأن الحديث لا يقتصر على حفظ القرآن فقط، بل على من يعمل به في حياته اليومية، ويعيش وفق هديه وتوجيهاته.
«اقرأ وارتق»
نلاحظ أن حديث الشريف يبين لنا أن صاحب القرآن سيُقال له يوم القيامة: «اقرأ وارتق»، فكيف تكون الترقية؟ وهل هي مرتبطة فقط بحجم الحفظ أم بمقدار التلاوة؟
المراد بـ «الارتقاء» هنا هو الارتفاع في درجات الجنة بحسب ما كان العبد يقرأ من القرآن في الدنيا، فقد قال الإمام النووي: «إن منزلتك في الجنة تكون بمقدار ما كنت تقرأ من القرآن في الدنيا، فكلما كانت قراءتك أكثر، كانت درجتك أعلى وأرفع».
وأيضًا قال الإمام القرطبي في تفسيره: «الترقية في الحديث تدل على رقي درجات الجنة، والتي تكون بحسب ما قرأ الإنسان من القرآن في الدنيا، فإذا قرأ الإنسان سورة الفاتحة يومًا، فستكون منزلته عند آخر آية من تلك السورة».
والله تعالى يقول في كتابه: «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ» (سورة الفتح، الآية 29).
«ورتل كما كنت ترتل في الدنيا»
قال الله تعالى أيضًا في كتابه: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» (سورة المزمل، الآية 4)، والترتيل ليس مجرد تحسين الصوت، بل هو التجويد والتأني في القراءة مع تدبر معاني الآيات، وهذا الحديث يُحث المسلم على الترتيل كما كان يرتل في الدنيا، وذلك يعني أن على المسلم أن يُحسن قراءته ويُطيل فيها، ويُعطي كل حرف حقه.
قال الإمام ابن حجر: «الترتيل المقصود هو التجويد والتأني، فإذا قرأ العبد القرآن في الدنيا بتدبر وتمعن، فإنه سيرتله في الآخرة بنفس الطريقة».
«فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»
النبي ﷺ يبين في الحديث أن منزلة المسلم في الجنة ترتبط بمقدار ما يقرأ من القرآن. لكن المقصود ليس الحفظ فقط، بل القراءة والعمل بالقرآن.
قال الإمام الشافعي: «الذي يقرأ القرآن ويسعى في عمله به، إنما يرتقي في الجنة بما قرأه وفهمه وطبقه في حياته».
فضل القرآن وأهله في الإسلام
أهل القرآن هم أهل الله وخاصته
قال رسول الله ﷺ: «إن لله أهلين من الناس»، قالوا: «يا رسول الله، من هم؟»، قال: «أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته» (رواه ابن ماجه).
أهل القرآن هم الذين يتعلمون القرآن ويحفظونه ويعملون به، وهم أقرب الناس إلى الله وأكثرهم حظًا في رحمته، كما أنهم خاصون بالله لأنهم يحملون كلامه في قلوبهم ويطبقونه في حياتهم، وذلك يعني أن من يتبع القرآن ويعيش به، يعتبره الله في منزلة مميزة وفريدة، فهو في مكانة عالية عند الله أكثر من غيره من الناس.
القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان» (رواه أحمد).
القرآن الكريم سيكون شفيعًا لصاحبه يوم القيامة، حيث يُدافع عنه أمام الله عز وجل ويطلب له المغفرة، فعندما يقف الناس للحساب يوم القيامة، سيحمل القرآن سمة الشفاعة لصاحبه الذي كان يتلوه في الدنيا ويحفظه ويعمل بما فيه، فيطلب من الله أن يغفر له ذنوبه ويُدخلُه الجنة، والشفاعة هنا تعني أن القرآن سيتحدث لصاحبه، قائلاً: “يا رب، هذا الشخص كان يقرأ ويعمل بكلامك، فاغفر له”، فيُكرم بذلك، كما أن الشفاعة للقرآن لا تُعطى إلا لمن كان قد اهتم بالقرآن في حياته من خلال التلاوة والحفظ والعمل بما جاء فيه.
حفظ القرآن سبب للفوز بالجنة
الشخص الذي يحفظ القرآن الكريم ويتبع تعاليمه في حياته هو في طريقه إلى الفوز بالجنة في الآخرة، فالقرآن هداية ورحمة من الله لعباده، فمن يحفظ القرآن ويعمل بما فيه من أوامر ونواهي، فإنه يُكرم في الدنيا والآخرة.
كما أن من يعمل بالقرآن لا يحقق الأجر لنفسه فقط، بل ينال ثوابًا عظيمًا يمتد إلى والديه، فيُكرمان بتاج من نور في الجنة بسبب تأثيره الطيب في الدنيا، وذلك لقول رسول الله ﷺ: “مَن قَرَأَ القُرآنَ وَتَعَلَّم وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ يَومَ القِيَامَةِ تَاجًا مِن نُورٍ ضَوءُهُ مِثلُ الشَّمسِ وَيُكسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْن لا يقومُ لهما الدُّنيا فيقولان بِمَ كُسِينَا هَذَا فيُقالُ بِأَخذِ ولدِكُمَا القُرآنَ” (رواه أبو داود).
كيفية تحصيل هذه المنزلة العظيمة
- المواظبة على تلاوة القرآن، فيجب على المسلم أن يجعل من القرآن رفيقًا دائمًا في حياته اليومية، والمواظبة على تلاوة القرآن تعني أن المسلم لا يغفل عن تلاوة آيات الله في كل وقت وحين، بل يخصص وقتًا يوميًا للقراءة والتأمل في معاني القرآن سواء كانت القراءة في الصلاة أو في أوقات الفراغ.
- تدبر القرآن والعمل به، فيجب على المسلم أن لا يقتصر على قراءة القرآن فقط، بل عليه أن يتأمل ويتفكر في معاني آياته ويتدبرها بعمق لفهم مراد الله سبحانه وتعالى منها، والتدبر هو التفكير في المعاني العميقة للآيات، والتعرف على ما تحويه من هداية وأحكام، وبمجرد أن يحقق المسلم هذا الفهم يصبح من الواجب عليه أن يطبق ما ورد في القرآن في حياته اليومية سواء كان ذلك في عباداته أو تعاملاته مع الآخرين، فمثلاً إذا تدبر المسلم آية تدعو إلى الصدق أو العدالة يجب عليه أن يعمل بهذه الفضائل في قوله وفعلِه، والعمل بالقرآن يعني أن الإنسان لا يقرأه فقط بل يسعى لتحقيق ما جاء فيه من أوامر ونواهي في حياته اليومية، وهذا الربط بين التدبر والعمل يجعل القرآن دستور حياة للمسلم، ويزيد من قربه من الله عز وجل، ويجلب له السكينة والطمأنينة، ويؤدي به إلى الجنة في الآخرة.
- تعليم القرآن ونشره، حيث يعتبر من أعظم الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في حياته، وتعليم القرآن لا يكون بنقل كلماته وحروفه فقط، بل هو تعلم معانيه وتفسير آياته والعمل بها في الحياة اليومية، فقد قال النبي ﷺ: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، وذلك يشير إلى أهمية تعليم القرآن وتعلمه، والمسلمون مطالب بتعليم القرآن لأبناءه وللآخرين سواء كان ذلك في المساجد أو المدارس أو عبر وسائل التواصل الحديثة، كما أن نشر القرآن يشمل توصيل قيمه وأحكامه إلى الناس، ليس فقط بنقل نصوصه، وذلك يُساهم في تحسين سلوك المجتمع وتعزيز الأخلاق الإسلامية، ونشر القرآن وتعليمه لا يقتصر على المسلمين فقط بل يشمل جميع الناس، حيث يمكن ترجمته إلى لغات متعددة وتوزيعه في مختلف الأماكن، ومن خلال هذا الجهد ينشر المسلم نور القرآن في العالم ويجلب الفائدة لكل من يتعلمه ويعمل به.