هل يجوز ضرب المرأة في الإسلام؟ نظرة فقهية شاملة ومفصلة
ضرب المرأة في الإسلام بين الجائز والغير جائز
هل يجوز ضرب المرأة في الإسلام؟، سؤال من الأسئلة التي تتجدد حول قضايا المرأة في الإسلام، وتحتدم فيه النقاشات حول حقوقها وكرامتها، كما أن سؤال مهم ومتكرر يحتاج إلى إجابة علمية فقهية متزنة، تراعي النصوص الشرعية، وتفهم مقاصد الشريعة، وتستوعب السياقات المختلفة دون إسقاطات أو تبريرات جاهزة.
سنقدم في هذا المقال بيانًا علميًا دقيقًا مدعمًا بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وأقوال الفقهاء، مع تحليلٍ موضوعيٍّ يُظهر حقيقة الحكم، ويصحح المفاهيم المغلوطة المنتشرة حول هذه المسألة الحساسة.
نظرة الإسلام إلى العلاقة بين الزوجين
جعل الإسلام العلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة، كما قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (سورة الروم، الآية 21)، فمن منطلق هذه الرحمة بنى الإسلام تشريعاته المتعلقة بالأسرة، ومنها موضوع ضرب المرأة في الإسلام، الذي لا ينبغي فهمه بمعزل عن هذا الأساس.
الآية التي ذُكر فيها ضرب المرأة في القرآن
الآية الوحيدة التي ورد فيها ذكر الضرب في سياق العلاقة بين الزوجين هي قوله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ” (سورة النساء، الآية 34)، وهنا لابد من الوقوف على عدة أمور:
-
فهم النشوز في الناحية الشرعية، فالنشوز هو خروج المرأة عن طاعة زوجها بالمعروف، أو امتناعها عن أداء الحقوق الزوجية الأساسية، وليس مجرد الخلاف أو الاختلاف في الرأي.
-
تدرج وسائل الإصلاح في الآية، فجاءت الآية بمنهج إصلاحي تدريجي، وبدأت بالوعظ بالكلمة الطيبة والتذكير بالله، ويليها الهجر في المضجع أي ترك المعاشرة الزوجية، وهو موقف نفسي وليس إذلاليًا، ثم يأتي الضرب في المرتبة الأخيرة، وليس أمرًا عامًا ولا أوليًا.
شروط ضرب المرأة في الإسلام إن وُجد
جمهور العلماء من الفقهاء والمفسرين بيّنوا أن الضرب في الإسلام -إن وقع- له شروط صارمة تجعل منه وسيلة نادرة جدًا، وليس أصلاً في التعامل، وهي:
- أن يكون غير مبرِّح، فعن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: “اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحًدا تكرهونَه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ” (رواه مسلم)، وعن عبدالله بن زمعة، قال رسول الله ﷺ: “يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه” (متفق عليه)، وهو توبيخ لتصرفات كانت في الجاهلية، وقد فسَّر العلماء الضرب غير المبرِّح بأنه لا يكسر عظماً، ولا يُحدث جرحاً، كما يجب ألا يُترك فيه أثر على الجسد، ولا يكون على الوجه، وقال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”: “الضرب غير المبرح هو بالسواك ونحوه، ولا يتعدى الحد الأدنى”.
-
أن يكون بقصد الإصلاح لا الإيذاء، وقال الإمام الطبري: “إنما رخِّص في الضرب حين لا يُرجى نفع الوعظ والهجر، وكان الغرض الإصلاح لا الإضرار”.
-
أن لا يكون وسيلة دائمة أو مشروعة عند كل خلاف، بل إن كثيرًا من العلماء قالوا إن الضرب في زمننا لا يصلح أبدًا، لما فيه من آثار نفسية واجتماعية خطيرة، ولتغير الأعراف، وأنه يُخالف مقصود الشريعة في حسن المعاشرة.
موقف النبي ﷺ من ضرب النساء
النبي ﷺ وهو أول مفسر للقرآن لم يضرب زوجاته أبدًا، رغم أنه وقع منهن ما يستوجب التأديب أحيانًا، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضربَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خادمًا لَه ولا امرأةً ولا ضربَ بيدِهِ شيئًا” (رواه مسلم)، وقالها صراحة ﷺ: “لَا تضرِبوا إماءَ اللَّهِ” ( رواه أبو داود وصححه الألباني)، وذكر عنه ﷺ أنه قال: ” أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا، وخيارُكُم خيارُكُم لنسائِهِم” (رواه الترمذي)، وكل هذا يدل على أن الضرب في الإسلام ليس قاعدة وإنما استثناء، قد لا ينسجم مع أخلاق النبي ﷺ وسيرته العملية.
أقوال العلماء والفقهاء حول ضرب المرأة في الإسلام
-
قال الإمام الشافعي: “الضرب إنما أبيح عند تعذر سبل الإصلاح، وليس للإهانة أو التشفي”.
-
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: “الضرب هنا مقيد بالضرب الخفيف، الذي يُقصد به الزجر لا العقوبة”.
-
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: “الضرب أُبيح على سبيل التهديد، وليس المقصود منه فعلاً دائمًا”.
رأي الفقهاء المعاصرين في ضرب المرأة
مع تطور المجتمعات وتعقد العلاقات الأسرية، وإدراك الأثر النفسي للعنف ظهر توجه عند العلماء المعاصرين إلى أن الضرب – وإن ورد ذكره في النص – فإنه اليوم غير مشروع لاختلال شروطه تمامًا، وقد قال بذلك عدد من العلماء والمجامع الفقهية:
-
الشيخ محمد متولي الشعراوي قال: “إن الضرب الوارد في الآية هو رمز رمزي لتأديب لا يحدث فعليًا، وهو مجرد تهديد نفسي”.
-
الدكتور يوسف القرضاوي أفتى صراحةً أن الضرب في عصرنا لا يجوز مطلقًا، لأنه لا يؤدي إلى الإصلاح، بل إلى النفور.
-
المجمع الفقهي الإسلامي أوصى في أحد بياناته بضرورة اعتماد الحوار والمعالجة النفسية والتربوية بدلًا من أي شكل من أشكال العنف.
وتُضح هذه الأقوال فقه الواقع، ومراعاة تغير الزمان والأعراف، وهي قاعدة معتبرة في علم أصول الفقه: “يتغير الحكم بتغير الزمان والمكان والحال”.
ضرب المرأة في الإسلام بين التشريع والتطبيق الخاطئ
وجب التنبيه على أن الإسلام شيء، وما يفعله بعض الناس باسمه شيء آخر تمامًا، فكثير من حالات العنف الأسري التي نراها ليست من الإسلام، بل هي تعدٍّ محرم شرعًا، سواء أكان بالكلام أو بالفعل، والإسلام منه براء، فالله تعالى يقول في كتابه: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (سورة النساء، الآية 19)، والمعروف لا يجتمع مع الإهانة ولا مع الضرب العشوائي.
متى يُمنع الضرب كليًا؟
قال علماء العصر أن الضرب ممنوع إذا كانت المرأة ستتأذى نفسيًا أو بدنيًا، أو إذا لم يكن الضرب وسيلة إصلاح، أو إذا وُجدت وسائل أخرى أكثر نفعًا وتأثيرًا.
وبناء على ما سبق لا يكاد يتحقق شرط من شروط الجواز الشرعي للضرب في زمننا المعاصر، بل يُخالف ذلك مقاصد الشريعة تمامًا.
الآثار النفسية والاجتماعية لضرب المرأة
ضرب المرأة لا يُسبب الأذى الجسدي فحسب، بل يترك آثارًا نفسية عميقة قد تمتد لسنوات، فالمرأة التي تتعرض للضرب – حتى لو كان غير مبرِّح – قد تعيش في حالة من الخوف، وفقدان الثقة، والشعور بالدونية، وقد تؤدي هذه الحالة إلى:
-
انهيار العلاقة الزوجية وفقدان السكن والمودة.
-
التأثير السلبي على الأبناء الذين يشاهدون العنف، مما يزرع فيهم سلوكيات غير سوية.
-
تفكك الأسرة، وارتفاع نسب الطلاق، وانعدام الأمن النفسي داخل البيت.
وقد أكد خبراء علم النفس أن العنف الأسري من أبرز أسباب الأمراض النفسية المزمنة، وهو ما يجعلنا نفهم لماذا كان الإسلام حريصًا على تقييد الضرب بقيود تجعل وقوعه شبه مستحيل في التطبيق السليم للشريعة.
الرد على الشبهات المثارة حول قوله تعالى “وَاضْرِبُوهُنَّ“
يُثار كثير من الجدل من قبل غير المسلمين أو المتأثرين بالفكر الغربي حول قوله تعالى: “وَاضْرِبُوهُنَّ”، ويتم تصوير الإسلام كدين يبيح العنف ضد المرأة، وهنا لا بد من الرد بعلم وعدل:
- السياق لا يُفهم بكلمة واحدة، فالآية لم تبدأ بالضرب، بل ختمت به بعد وعظٍ وهجر، ما يبيِّن أنه إجراء علاجي نادر.
-
أن ضرب النساء لم يفعله النبي ﷺ أبدًا، وهو، فهل نُعرض عن سنته ونتمسك بفهم سطحي للنص؟
- الضرب مشروط وغير مُطلق، بل هو محاط بقيود كثيرة تجعله أقرب للمنع، وليس ترخيصًا للعنف.
- الشرع لا يُفهم بالترجمة المجردة، فكلمة “ضرب” لا تعني في اللغة العربية ما تعنيه في الثقافات الأخرى من عنف وإهانة، وقد قال العلماء إن الضرب في هذه الآية قد يُفهم مجازيًا أو رمزيًا.
- مقارنة غير منصفة، فالإسلام نظَّم العلاقة الزوجية بدقة، وأعطى المرأة حقوقًا لم تكن تملكها في أي شريعة أو قانون وضعي، وحتى في بعض القوانين الغربية الحديثة لم يُجرم العنف الأسري إلا مؤخرًا.
تأصيل قاعدة “درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة”
من القواعد الكبرى في الشريعة الإسلامية: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”. فإذا كان الضرب – وإن شُرع بشروط – يؤدي إلى مفسدة نفسية أو اجتماعية أو يؤدي إلى تمرد المرأة بدل طاعتها، فإنه يُمنع شرعًا، لأن المفسدة فيه أعظم من المصلحة المرجوة.
وقد طبَّق العلماء هذه القاعدة في عدة أبواب من الفقه، فكيف لا نطبِّقها في باب الأسرة، وهو من أهم أبواب الحفاظ على بناء المجتمع؟
هل ضرب المرأة يُعد حقًا للزوج؟
هذا سؤال دقيق جدًا، والجواب: لا، ضرب المرأة ليس حقًا للزوج، وإنما هو رخصة مشروطة في حالات خاصة جدًا، وعند تعذر كل وسائل الإصلاح، وبضوابط صارمة.
قال الإمام الشنقيطي في “أضواء البيان”: “ليس الضرب في الإسلام حقًا للزوج يفعله متى شاء، بل هو تصرف مقيَّد، منوط بالنية والمصلحة، ويزول بزوال شروطه”.
فمن الخطأ أن يُنظر للآية على أنها ترخيص عام، بل هي أداة تقويم تربوي نادرة، تُلغى إن خالفت مقاصد الشريعة.
الأسئلة الشائعة حول ضرب المرأة في الإسلام
هل يجوز ضرب الزوجة إذا نشزت؟
ج: لا يجوز ضرب الزوجة في حالة نشوزها إلا بشروط صارمة جدًا وبعد استنفاد كل وسائل الإصلاح، ويكون ضربًا غير مبرِّح، ولا يُترك فيه أثر.
هل النبي ﷺ ضرب نساءه؟
ج: لم يُثبت في سيرته ﷺ أنه ضرب أيًا من نسائه قط، بل كان ينهى عن ذلك.
هل يجوز للزوج ضرب زوجته لأسباب تافهة؟
ج: لا يجوز مطلقًا، بل يُعد تعديًا وظلمًا محرمًا شرعًا، فليس من الرجولة ضرب المرأة، بل من الرجولة الصبر، والحكمة، والحوار، والتعامل الكريم، وهذا ما أراده الإسلام، وما دعا إليه القرآن، وما طبَّقه النبي ﷺ.
في الختام، بعد أن تعرفنا على حكم ضرب المرأة في الإسلام، نجد أن الإسلام قد تعامل مع العلاقة بين الرجل والمرأة بحكمة ورحمة، وجعل لكل طرف حقوقًا وواجبات، ولو فهمنا آية “وَاضْرِبُوهُنَّ” في ضوء التفسير الصحيح، وسيرة النبي ﷺ، ومقاصد الشريعة، لعلمنا أنها لا تبيح العنف، بل تمنعه في حقيقته، وأن ما يُمارس اليوم من ضرب وإهانة للمرأة لا علاقة له بالإسلام، بل هو جهل بالشريعة، وتشويه لصورة الدين.
وأخيرًا: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”، كما قال النبي ﷺ وفعل، فهل نرضى لأنفسنا أن نكون دون خُلق النبي؟!.
المصدر
تعليق واحد