هل رؤية المرأة لعورة المرأة حرام؟… الحكم الشرعي بالأدلة
حكم رؤية المرأة لعورة المرأة
الحياء شعبة من شعب الإيمان، والعفة تاج على رأس كل مسلمة، والستر عباءة تحفظ الجسد والروح من أعين الفضول والانحراف.
ومن المسائل التي يتهاون فيها البعض في زماننا رغم وضوح نصوص الشريعة فيها مسألة رؤية المرأة لعورة المرأة.
قد تظن بعض النساء أن الأمر بسيط، وأن الانكشاف أمام بنات جنسها ليس فيه بأس خاصة في البيوت، أو الحمامات العامة، أو الصالات الرياضية النسائية، أو المشاغل، لكن الإسلام لا يترك بابًا من أبواب الفتنة إلا أغلقه، ولا ميدانًا من ميادين الانحراف إلا سده.
سنتعرف في هذا المقال على حكم رؤية المرأة لعورة المرأة من الكتاب والسنة.
معنى العورة في الإسلام
العورة في اللغة هي كل ما يستقبح إظهاره، ويستحيا منه، وأصل الكلمة من “العور” أي النقص والخلل، وفي الشرع هي الأعضاء التي أمر الله بسترها، ومنع النظر إليها إلا لضرورة معتبرة.
قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا۟ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا۟ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ﴾ [سورة النور، الآية 30]، وقال أيضًا: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [سورة النور، الآية 31].
فالآيات تخاطب المؤمنين والمؤمنات جميعًا، لتدل على أن حفظ العورة والنهي عن النظر إليها ليس قاصرًا على الرجال تجاه النساء، بل يشمل النساء مع النساء.
حكم رؤية المرأة لعورة المرأة
تحديد عورة المرأة أمام المرأة
أجمع الفقهاء أن عورة المرأة أمام المرأة المسلمة هي ما بين السرة والركبة، ويجب ستر هذا الموضع، ولا يجوز النظر إليه أو كشفه إلا لحاجة كالعلاج قياسًا على الرجل مع الرجل، وقال الإمام الدردير في الشرح الكبير: “وعورة المرأة مع المرأة المسلمة ما بين السرة والركبة، كما هو الحال بين الرجل والرجل”.
الفرق بين المرأة المسلمة وغير المسلمة
هنا وقع الخلاف بين العلماء رأي الجمهور أن العورة أمام غير المسلمة كالعورة أمام المسلمة، ما بين السرة والركبة، والرأي الآخر أن المرأة لا تكشف من جسدها أمام غير المسلمة إلا ما يظهر غالبًا في بيتها كالرأس والذراعين والقدمين، خشية أن تصفها لغيرها من الرجال، واستدل أصحاب القول الثاني بحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ أي النساء المسلمات خاصة، لئلا تصف غير المسلمة المسلمةَ لزوجها أو أقاربها.
أدلة تحريم رؤية المرأة لعورة المرأة
من القرآن
قوله تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ ﴾ [سورة النور، الآية 31] والمراد بالزينة مواضعها من الجسد فلا يجوز إبداؤها إلا بقدر المباح، وقوله تعالى: ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ أي من النظر واللمس المحرم.
من السنة
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: “لاَ ينظرُ الرَّجلُ إلى عورةِ الرَّجلِ ولاَ تنظرُ المرأةُ إلى عورةِ المرأةِ ولاَ يفضى الرَّجلُ إلى الرَّجلِ في الثَّوبِ الواحدِ ولاَ تفضي المرأةُ إلى المرأةِ في الثَّوبِ الواحدِ“ [رواه مسلم].
الحكمة من تحريم رؤية المرأة لعورة المرأة
الحكمة من التحريم هي حماية الحياء الفطري الذي هو زينة المرأة وسبب رفعتها، وسد باب الفتنة حتى بين النساء خاصة في زمن كثرت فيه الانحرافات، وتعظيم حرمة الجسد وجعله شيئًا مصونًا لا يُكشف إلا لضرورة، ومنع التعود على الانكشاف الذي قد يؤدي إلى التهاون أمام الرجال.
فيجب أن تراعي المرأة اللباس الشرعي في الصالات الرياضية النسائية حتى لو كان المكان نسائيًا، والحذر من كشف ما لا يجوز عند تجربة الملابس أو التجميل، والتزام التستر في الحمامات العامة بقدر الإمكان.
والأخطاء الشائعة بين النساء الاعتقاد بأن الانكشاف أمام النساء مباح مطلقًا، وارتداء ملابس قصيرة جدًا في المناسبات النسائية، والدخول إلى غرف تغيير الملابس بلا ستر كافٍ.
ومع انتشار الانحراف الأخلاقي بين بعض النساء (الشذوذ الجنسي) يجعل الالتزام بالستر أمرًا مضاعف الأهمية، فالشريعة لا تفرق في سد الذرائع بين الرجل والمرأة إذا وُجدت الفتنة.
الحالات التي يجوز فيها رؤية المرأة لعورة المرأة
القاعدة “الضرورات تبيح المحظورات بقدرها”، ومن ذلك يجوز كشف العورة للعلاج عند طبيبة أو ممرضة، أو للولادة أمام القابلة أو الطبيبة.
حكم كشف عورة المرأة للمرأة لليزر
قسم الفقهاء عورة المرأة أمام المرأة المسلمة إلى قسمين:
-
العورة المغلظة: وهي ما بين السرة والركبة، وهذا محل اتفاق جمهور العلماء، وقد ورد النهي عن النظر إليها في الحديث الصحيح: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة» [رواه مسلم، رقم 338]، وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (4/30): “العورة في حق المرأة مع المرأة، والرجل مع الرجل: ما بين السرة والركبة”.
-
العورة المخففة: وهي باقي الجسد الذي يجوز للمرأة أن تُظهره أمام المرأة من جنسها، كالوجه والشعر والذراعين والقدمين بشرط أمن الفتنة، وقد استدل العلماء بقول الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا… أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ [سوروة النور، الآية 31] أي يجوز إظهار مواضع الزينة المعتادة أمام النساء، كما فسّرها ابن كثير والطبري.
تطبيق الحكم على إزالة الشعر بالليزر
إن كان الموضع المراد بالليزر من العورة المخففة (كالذراع، الساق، الوجه): فلا حرج في كشفه أمام المرأة المسلمة مع مراعاة الستر قدر الإمكان، أماإن كان الموضع من العورة المغلظة (ما بين السرة والركبة) فالأصل تحريم كشفه إلا لحاجة أو ضرورة معتبرة، كالمعاناة من شعر زائد يسبب ضررًا صحيًا أو أذى بدنيًا لا يمكن إزالته بطرق أخرى.
الضوابط الشرعية عند كشف العورة المغلظة للحاجة
-
أن تكون هناك حاجة معتبرة أو ضرورة، لا مجرد تجميل أو ترف.
-
الاقتصار على قدر الحاجة دون زيادة، فلا يُكشف إلا الموضع المطلوب.
-
أن تتولى الإجراء امرأة مسلمة أمينة، فإن تعذر فامرأة أمينة غير مسلمة، مع الاحتياط.
-
غض البصر من المعالِجة بقدر الاستطاعة.
فتاوي معاصرة
-
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتوى رقم 17674): “يجوز كشف العورة عند الحاجة، إذا لم يوجد طريق آخر، مع ستر ما لا حاجة إلى كشفه، وأن يكون الكشف عند امرأة أمينة”.
-
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “لا يجوز كشف العورة المغلظة إلا عند الضرورة، أما العورة المخففة فجائز كشفها عند الحاجة أمام المرأة” (فتاوى نور على الدرب).
هل كشف عورة المرأة من الكبائر؟
كشف عورة المرأة أمام المرأة أو الرجل من صغائر الذنوب، ومحرم شرعًا وتأثم المرأة على ذلك، لكن اصرارها وتعمدها على فعل مثل هذا الفعل يحولها من صغائر الذنوب إلى كبائر الذنوب، وعلى المرأة توخي الحذر والحفاظ على حياؤها وحشمتها أمام الجميع، فهذا الفعل فيه مباشرة للفاحشة وكسر للحياء.
هل يجوز للمرأة رؤية ثدي المرأة
صحيح أن الثدي ليس من العورة المغلظة عند جمهور الفقهاء، لكنه من العورة المخففة التي لا يجوز كشفها أمام النساء إلا لما جرت العادة به أو لحاجة معتبرة.
فالتقسيم الفقهي يقول أن العورة المغلظة ما بين السرة والركبة، وهذه يحرم كشفها إلا لضرورة أو حاجة قوية، والعورة المخففة بقية الجسد مما يُستر عادة، كالظهر، البطن، الصدر، والثديين، وهذه لا تُكشف إلا في حدود العادة بين النساء أو للحاجة (كالعلاج، الرضاعة، أو التزين في مواضع مألوفة).
وقد قال الإمام النووي في روضة الطالبين (7/28): “يجوز للمرأة النظر من المرأة إلى ما يظهر منها غالبًا في بيتها، ويجب ستر ما عدا ذلك ولو لم يكن بين السرة والركبة”.
إذًا الثدي ليس عورة مغلظة لكنه ليس مباح الكشف بلا سبب، لأن الشرع أمر بالحياء والستر، وجعل إبداء الزينة حتى بين النساء مقيدًا بالعرف والحاجة.
حكم نظر المرأة للمرأة بشهوة
نظر المرأة للمرأة بشهوة حرام بإجماع العلماء، لأنه يجمع بين محظورين: النظر إلى ما لا يحل، واستدعاء الشهوة في غير محلها، وقد قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [سورة النور، الآية 31]، وأمر النبي ﷺ بغض البصر فقال: «ولا المرأة تنظر إلى عورة المرأة» [رواه مسلم، رقم 338]، واتفق الفقهاء على أن النظر المقرون بالشهوة محرَّم حتى لو كان إلى موضع يجوز رؤيته في الأصل، لأن الشهوة تفسد المقصود وتفضي إلى الفتنة، وفيه تشبه بأفعال قوم لوط المحرمة، لذلك وجب على المرأة أن تغض بصرها وتحفظ قلبها عن مواطن الريبة.
حكم رؤية عورة المرأة في الصور
رؤية عورة المرأة في الصور حرام، لأن حرمة النظر إلى العورة لا تزول بكونها في صورة أو تسجيل، بل تبقى كما لو كانت معاينةً في الواقع، حيث العبرة بالمقصود لا بالوسيلة، وقد قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ﴾ [سورة النور، الآية 30]، وذلك يشمل الصور الثابتة والمتحركة، وقد نص العلماء المعاصرون ومنهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على أن النظر إلى الصور العارية أو شبه العارية محرم لما فيه من كشف العورة وإثارة الفتنة، ولأنه وسيلة إلى الفاحشة، إلا ما كان لضرورة معتبرة كالتداوي أو التحقيق الشرعي، وبقدر الحاجة فقط.
فوائد التزام المرأة بستر عورتها أمام النساء
-
تزكية النفس وتعويدها على الحياء.
-
حفظ قلوب الأخريات من الفتنة.
-
حماية المجتمع من الانحلال التدريجي.
-
الاقتداء بالصالحات من نساء السلف.
في الختام، بعد أن تعرفنا على حكم رؤية المرأة لعورة المرأة والحالات المباحة، أيها القارئة المسلمة اعلَّمي أن ستر العورة عبادة وقربة، وحماية وكرامة، والمرأة المسلمة حين تلتزم بضوابط الشرع أمام الرجال والنساء، فإنها تُعلِي قدرها عند الله، وتصون نفسها من كل سوء، فالنبي ﷺ قال: “الحياء لا يأتي إلا بخير” [رواه البخاري ومسلم].
اللهم استر بنات المسلمين في الدنيا والآخرة، واحفظ عوراتهن، وزيِّنهن بلباس الحياء والعفاف، واصرف عنهن الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعلهن قرة عين لوالديهن، واجمعهن في الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين.
المصدر