هل تعلم من هي خطيبة النساء؟
كل ما تريد معرفته عن خطيبة النساء
خطيبة النساء، الحمد لله الذي أكرم الأمة بنماذج مضيئة من الرجال والنساء، فجعلهم قدوة في العلم والجهاد والبلاغة، وكان منهم الصحابيات الجليلات اللاتي خلد التاريخ ذكرهن، ومن بين هؤلاء برز اسم أسماء بنت يزيد بن السكن، التي اشتهرت بلقب خطيبة النساء، لما تميزت به من فصاحة اللسان، وقوة البيان، وجرأة السؤال، وشجاعة الموقف في المطالبة بحقوق النساء في الإسلام.
سنتعرف في مقالنا اليوم عن سبب تسمية أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها بخطيبة النساء، وأشهر مواقفها مع النبي ﷺ، ومواقف من حياتها، فتابعوا معنا القراءة.
من هي خطيبة النساء؟
هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية من قبيلة الأوس، وعُرفت ببلاغتها وقوة حجتها، حتى نالت هذا اللقب الكريم، وكانت من السابقات إلى الإسلام، بايعت النبي ﷺ، وكانت من الصحابيات اللاتي حضرن بيعة الرضوان.
لماذا لُقبت بخطيبة النساء؟
لُقِّبت بخطيبة النساء لأنها كانت متحدثة بليغة تمثل النساء أمام رسول الله ﷺ، فكانت تتقدم إليـه، وتسألـه عما يشغلهن من أمور الدين والدنيا، وتجاهر بما قد تتحرج بعض النساء من ذكره، فكان لها بذلك شأن عظيم.
جهاد أسماء بنت يزيد رضي الله عنها في سبيل الله
من أشهر مواقفها التي تدل على بلاغتها وعلمها، أنها جاءت إلى رسول الله ﷺ وقالت: “يا رسول الله، إني رسولُ من ورائي من جماعة النساء، كلّهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي. إنّ الله بعثك إلى الرجال والنساء كافَّة، فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات، مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإن الرجال فُضِّلوا بالجُمعات، وشهود الجنائز، والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا لهم أولادهم، أفنشاركهم في الأجر؟”
فتأمل كيف قدَّمت قضيتها أمام النبي ﷺ ببلاغة ووضوح، فأعجب النبي ﷺ بكلامها، ثم التفت إلى أصحابه وقال: “هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالًا عن دينها من هذه؟”، ثم قال لها: “انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل كل ذلك” (رواه ابن عبد البر في “الاستيعاب”).
جهاد أسماء بنت يزيد رضي الله عنها في سبيل الله
لم تكن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها مجرد خطيبة بليغة، بل كانت أيضًا مجاهدة باسلة، شاركت في غزوة أحد، وكانت تسقي العطشى، وتداوي الجرحى، وتحمل القتلى، وفي غزوة الخندق وقفت تدافع عن الإسلام، وقيل إنها قتلت تسعة من جنود الروم يوم معركة اليرموك حين حملت عمود الخيمة وقاتلت به ببسالة نادرة.
علمها وروايتها للحديث
كانت من المحدِّثات الثقات، وروت عن النبي ﷺ أحاديث عديدة منها (حديث غسل الميت)، حيث كانت من الصحابيات اللاتي غسلن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها عند وفاتها، و(حديث عن فضل التسبيح والتهليل)، إذ روت أن النبي ﷺ قال: “من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” (رواه مسلم).
مكانة أسماء بنت يزيد بين الصحابة
أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها كانت من الصحابيات الجليلات اللواتي تميَّزن بمكانة عظيمة بين الصحابة، وذلك لما قدمته من علم وجهاد ودعوة، حتى أصبحت نموذجًا يُحتذى به في الفصاحة، والشجاعة، والتقوى، فكانت أسماء بنت يزيد من أكثر النساء فقهًا وعلمًا بالأحكام الشرعية، حيث روَت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ في العبادات والمعاملات، مما جعلها مرجعًا للنساء في زمنها.
قال عنها الصحابة إنها كانت “فقهية النساء”، وكانت تتقدَّم بالسؤال للنبي ﷺ عن أدق المسائل الشرعية التي قد تستحيي النساء من طرحها، وكانت تقوم بتعليم النساء أمور الدين، وتنقل لهنَّ سنن النبي ﷺ، وكان الصحابة يقدرون علمها ودورها في الدعوة.
وشهدت معركة اليرموك، وأثبتت أنها لم تكن فقط خطيبة النساء، بل كانت مجاهدة في سبيل الله، حيث قتلت تسعة من الروم بعمود خيمتها، وكانت مثالًا للمرأة القوية التي تجمع بين العلم والجهاد، فكان الصحابة يعجبون بشجاعتها في الميدان، حتى أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أثنى على دورها في القتال.
نظرًا لعلمها وورعها كان الصحابة يرجعون إليها في بعض الأمور الفقهية المتعلقة بالنساء، وأُوكِلت إليها مهمة تغسيل السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وذلك يدل على مدى الثقة بها والتقدير لمكانتها بين الصحابة، ولم تكن فقط خطيبة النساء، بل كانت من أبرز نساء الأنصار اللواتي حملن راية الإسلام بفخر.
وفاة أسماء بنت يزيد رضي الله عنها
توفيت رضي الله عنها في عام 69 هـ بعد أن تركت إرثًا من العلم والبلاغة والجهاد، وسجلت اسمها في صفحات التاريخ خطيبة للنساء، ومجاهدة في سبيل الله، وعالمة بالحديث.
الدروس المستفادة من حياة خطيبة النساء
- الجرأة في طلب العلم والسؤال عن الدين، فقد كانت أسماء رضي الله عنها شجاعة في طرح الأسئلة التي تهم النساء، ولم يمنعها الحياء من أن تسأل النبي ﷺ عن الأحكام التي تحتاجها النساء، وهذا يدل على أهمية طلب العلم وعدم التردد في السؤال عن الأمور الشرعية، وكانت النساء في عهدها يستفدن من علمها، مما يعكس أهمية أن تكون هناك قدوات نسائية في نشر الفقه والدعوة.
-
دور المرأة المهم في الدعوة إلى الله، فلم تكن أسماء رضي الله عنها مجرد متلقية للعلم، بل كانت خطيبة النساء، تدعوهن إلى الإسلام، وتعلمهن الأحكام، وهذا يؤكد أن الدعوة ليست مقتصرة على الرجال فقط، بل للنساء دور كبير فيها، فكانت مثالًا للمرأة المسلمة التي تستخدم فصاحتها في الخير، وتنشر تعاليم الإسلام ببلاغة وإقناع.
-
على المرأة المسلمة يجب أن تكون شجاعة في نصرة الحق، فنجد ذلك في خطيبة النساء رضي الله عنها عندما وقفت أمام النبي ﷺ تطالب بحقوق النساء، لم تكن تخشى أحدًا، وهذا يعلمنا أهمية الدفاع عن الحق بجرأة وأدب، وفي معركة اليرموك لم تقف متفرجة، بل شاركت في القتال وقتلت تسعة من الأعداء، وذلك يعكس أن المرأة المسلمة ليست ضعيفة، بل يمكنها أن تكون شجاعة وقوية في سبيل الله.
- على المرأة المسلمة أن تجتهد في العبادات والطاعة، فكانت أسماء بنت يزيد رضي الله عنها من النساء العابدات الزاهدات، وقد اشتهرت بتقواها، وورعها، وحسن تبعلها لزوجها، وذلك يدل على أن العبادة لا تقتصر على الصلاة والصيام فقط، بل تشمل كل جوانب الحياة، وكانت تدرك أن المرأة التي تحسن رعاية بيتها وزوجها وأولادها لها أجر عظيم يعادل الجهاد في سبيل الله، وهو درس مهم لكل امرأة مسلمة.
-
أهمية دور المرأة في المجتمع الإسلامي، فلم تكن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها مجرد ربة منزل، بل كانت عالمة، ومجاهدة، وداعية، مما يثبت أن الإسلام لم يعزل المرأة عن دورها المجتمعي، بل أعطاها مجالًا واسعًا للتأثير في الأمة، وأثبتت أن المرأة المسلمة يمكنها أن توازن بين دورها في بيتها وبين دورها في خدمة الإسلام.
-
يجب على المسلم الثبات على الحق حتى النهاية، فظلت أسماء رضي الله عنها على العهد مع الله ورسوله ﷺ حتى آخر لحظات حياتها، فلم تتراجع عن دينها، ولم تتكاسل عن العلم، أو الدعوة، أو الجهاد، وذلك يعلمنا أهمية الاستمرار في طريق الحق وعدم التراجع مهما كانت الظروف.
في الختام، بعد أن تعرفنا من هي خطيبة النساء وأشهر مواقفها مع النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها نموذج مضيء للمرأة المسلمة التي جمعت بين العلم والجهاد والخطابة والدعوة، فكانت خطيبة النساء بلسانها، ومجاهدة بسيفها، وعالمة برواياتها. فحريٌّ بنا أن نتخذها قدوة، ونسير على خطاها في طلب العلم، والدعوة إلى الخير، والتعبير عن الحقوق بأسلوب حكيم ورزين، فنسأل الله أن يرزقنا علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، وأن يحشرنا في زمرة الصحابة والصحابيات، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر