إعرف دينكأسئلة

من هي الممتحنة؟

تعرف على الممتحنة وسبب تسمية سورة الممتحنة بها

Spread the love
من هي الممتحنة؟

من هي الممتحنة؟، في صفحات التاريخ الإسلامي أسماءٌ لامعة وأحداث خالدة، لكن بعض الأسماء قد يمر عليها المسلم فلا يتوقف عندها، رغم أن القرآن الكريم قد خلدها وارتبط بها تشريع كامل، ومن أبرز هذه الشخصيات أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، المرأة المؤمنة التي امتحن الله إيمانها بالهجرة، فجعل قصتها سببًا في نزول آيات محكمات من سورة الممتحنة، وسُمِّيت السورة باسمها وارتبطت بها الأحكام الشرعية.

دعونا في هذا المقال نتعرف على من هي الممتحنة وسبب تسميتها بهذا الأسم، وكم كانت قصتها درس في الثبات، وفقهٌ للأحوال الشخصية، ودليل على عظمة دور المرأة في الإسلام.

من هي الممتحنة؟

الممتحنة هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، وقبل أن نتعرف على سبب تسميتها بهذا الإسم لابد أن نتعرف على نسبها ومكانتها بين نساء قريش.

ولدت أم كلثوم بنت عقبة في بيتٍ عريق من بيوت قريش، فهي من بني أمية، وأبوها هو عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس أحد زعماء قريش المعروفين بشدة عدائهم لرسول الله ﷺ، وأمها أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهي أخت أم عثمان بن عفان لأمه، مما يجعلها أخت الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه لأمه، وهذا النسب المزدوج وضعها بين طرفين متباينين:

  • بيتٍ مشبعٍ بالعداوة للرسالة (أبوها).

  • وبيتٍ مضيءٍ بالإيمان (أخوها عثمان لأمه).

وهذا ما يجعل قصتها أكثر عظمة؛ إذ آثرت النور على الظلام، واختارت طريق الإيمان رغم سلطان الجاهلية.

لفهم عظمة موقف أم كلثوم، علينا أن نعرف من هو والدها كان عقبة بن أبي معيط من أشد أعداء الإسلام، ومن الذين آذوا النبي ﷺ أذىً بالغًا، حتى ذكره ابن إسحاق في سيرته عند الحديث عن الذين وضعوا سل الجزور على ظهر النبي وهو ساجد، وكان من بين الذين حاولوا خنقه، وقد قتل يوم بدر كافرًا، فبقي ذكره مقرونًا بالعداوة للنبي، لكن في قلب ابنته أم كلثوم وُضِع نورٌ، فشرح الله صدرها للإسلام، لتكون هي الامتحان الحقيقي لعدالة هذا الدين.

أسلمت أم كلثوم في مكة مبكرًا، ويبدو أنها تأثرت بأخيها عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي كان من السابقين الأولين، كما تزوج بنت النبي ﷺ رقية، ورغم أن بيتها مليء بالعداء والكراهية، إلا أنها اختارت الإسلام سرًّا، وهذا الاختيار في بيئة معادية يعكس قوة شخصيتها وصبرها، حيث لم يمنعها جاه أبيها ولا سطوة قومها من أن تؤمن بالله ورسوله.

في السنة السادسة للهجرة، عقد النبي ﷺ صلح الحديبية مع قريش، وكان من بنوده المثيرة للجدل: “من جاء إلى محمد من قريش بغير إذن وليُّه رده عليهم، ومن جاء قريشًا من عند محمد لم يردوه”، وبدا هذا الشرط ظالمًا في ظاهره، لكنه كان جزءًا من سياسة الحكمة التي انتهجها النبي ﷺ، ووافق عليها لما فيها من مصالح عليا للمسلمين، لكن ماذا لو جاءت امرأة مسلمة مهاجرة؟ هل يشملها الشرط؟ هنا تبدأ قصة أم كلثوم.

بعد توقيع الصلح مباشرة اتخذت أم كلثوم قرارًا جريئًا أن تهاجر إلى المدينة وحدها، وتقول الروايات أنها خرجت سرًا من مكة، وقطعت الطريق الطويل حتى وصلت إلى المدينة، فدخلت على رسول الله ﷺ وأعلنت إيمانها، فكان موقفًا بطوليًا شابة من قريش، ومن بيت عريق تترك خلفها الجاه والمال والأهل، لتثبت أن الإيمان فوق كل اعتبار.

ما إن علم أهلها بخبر هجرتها حتى أسرعوا يطالبون النبي ﷺ بردِّها تنفيذًا لشروط الصلح، فجاء أخوها الوليد بن عقبة ومن معه، ووقفوا أمام النبي ﷺ، وقالوا: “يا محمد، قد شرطت في الصلح أن ترد من جاءك من قريش، وهذه أختنا، فردها إلينا”.

الموقف كان عصيبًا، فالنبي ﷺ لا يريد أن يخالف عهده، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن يسلِّم مؤمنة لقوم كافرين يفتنونها في دينها.

هنا جاء الوحي الحاسم، فنزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة الممتحنة، الآية 10]، وهكذا أسقط الله الشرط في حق النساء، وخصَّ الحكم بالرجال فقط.

لم تلبث أم كلثوم طويلًا حتى تزوجها الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى رسول الله ﷺ، ثم بعده تزوجها الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف، فولدت له، ثم بعد وفاته تزوجها عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكل هذا يبين مكانتها العالية بين الصحابة، حيث كانت محل تكريم عند خيرة الرجال.

أصبحت أم كلثوم رمزًا للمرأة المهاجرة، وظل ذكرها حيًا في السيرة، فهي الوحيدة التي هاجرت بعد صلح الحديبية متحديةً شروط الكفار، وقد حفظها التاريخ كعنوانٍ للثبات والجرأة، فخُلدت في القرآن، وصارت سيرتها جزءًا من التشريع.

وبالتالي سبب تسمية أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها بـالممتحنة لأنها كانت أول امرأة مؤمنة هاجرت من مكة إلى المدينة بعد صلح الحديبية، فجاءت في شأنها آيات الامتحان في سورة الممتحنة، حيث أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يمتحن إيمان النساء المهاجرات بالأسئلة والبيعة قبل قبول هجرتهم، فارتبط اسمها بالامتحان الشرعي الذي أجراه النبي ﷺ لها، ليظهر صدق إيمانها وثباتها، فأصبحت تُعرف في كتب السيرة والحديث بـ “الممتحنة”، تمييزًا لها ومكانةً لقصتها العظيمة التي سجلها القرآن الكريم.

معنى الامتحان في سورة الممتحنة

الامتحان لم يكن تعذيبًا ولا إكراهًا، بل كان اختبارًا للنوايا:

  • يُسألن: هل خرجتن هربًا من زواج، أم حبًا لله ورسوله؟

  • فإذا أكَّدن أن الهجرة لله، قُبلن في جماعة المؤمنين.

وهذا يبين رفق الشريعة ورعايتها لحقوق المرأة، حيث لم يتركها الإسلام لعبة بيد قومها.

الأحكام الشرعية المستنبطة من سورة الممتحنة

من قصة أم كلثوم نزلت أحكام شرعية عظيمة:

  1. لا يجوز رد المسلمة إلى الكافر؛ لأن العصمة تنقطع بإسلامها.

  2. رد المهر إلى الزوج الكافر حفاظًا على العدل وعدم ظلم الآخرين.

  3. يجوز زواجها من مسلم بعد انقضاء عدتها.

  4. حرمة إمساك المسلمة في عصمة كافر.

أثر قصة الممتحنة على الفقه الإسلامي

قصة أم كلثوم لم تكن مجرد خبر تاريخي، بل أصبحت:

  • أصلًا فقهيًا في باب النكاح.

  • قاعدة تشريعية في العلاقات الدولية بين المسلمين والكفار.

  • دليلًا عمليًا على أن التشريع يتنزل لحماية المرأة.

الدروس المستفادة من قصة الممتحنة

يمكن للمسلم أن يستلهم دروسًا بالغة الأهمية في العقيدة والثبات واليقين من قصة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط – الممتحنة – رضي الله عنها، فهي لم تكن مجرد حادثة تاريخية عابرة، بل صفحة مشرقة من صفحات الإيمان والجهاد في سبيل الله. ومن أبرز هذه الدروس:

  • الثبات على العقيدة مهما كانت التضحية، فأم كلثوم رضي الله عنها تركت مكة، بلدها وأهلها، وتحدَّت أباها وقبيلتها ذات الجاه والسطوة، ولم يمنعها سلطان قريش ولا بطش والدها من اختيار الحق، وذلك يعلم المسلم أن الإيمان الحق لا يعرف مساومة، وأن العقيدة أغلى من الوطن والأهل والجاه.
  • دور المرأة المسلمة في نصرة الإسلام، فقصة الممتحنة تبرز أن المرأة ليست مجرد تابعة في المجتمع الإسلامي، بل قد تكون هي الرائدة في الثبات والدفاع عن الدين، فقد كانت هجرتها سببًا في نزول آيات تُتلى إلى يوم القيامة، وبهذا نالت شرفًا لم ينله كثير من الرجال.
  • عظمة التشريع الإسلامي وعدله، فحين هاجرت أم كلثوم رضي الله عنها، لم يقبل النبي ﷺ أن يسلمها إلى قريش بموجب صلح الحديبية، وقد جاءه الوحي بأيات تحمل تشريع لا يجيز ردَّ المرأة المؤمنة إلى الكفار، فكان في ذلك بيان أن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وأنه دين يحفظ حقوق المرأة المؤمنة ويصون كرامتها.
  • الامتحان سنة إلهية لتمييز الصادقين، فالله جل وعلا أمر نبيه ﷺ أن يمتحن النساء المهاجرات ليُظهر صدق إيمانهن من عدمه، وفي هذا تربية للمسلمين أن الابتلاء والامتحان هما السبيل لتمييز الحقائق، فلا يكفي الادعاء، بل لا بد من برهان عملي يثبت صدق الإيمان.
  • أن الهجرة إلى الله لا تُخيِّب صاحبها، فخرجت أم كلثوم رضي الله عنها وحدها ضعيفة لا سند لها إلا الله، ومع ذلك كتب الله لها عزًا وكرامة، وأنزل بسببها قرآنًا يُتلى، وجعلها قدوة للأمة، وذلك درس للمؤمن أن من خرج لله فلن يضيعه الله أبدًا.
  • التوازن بين الرحمة والعدل في التشريع، فالله تعالى لم يمنع الممتحنات من الزواج بعد هجرتهم، بل جعل لهن حق اختيار أزواج مؤمنين، كما جعل للكفار حق أخذ ما أنفقوا من مهورهن، فكان التشريع الإلهي منصفًا للجانبين، عادلًا مع الجميع.

في الختام، بعد أن عرفنا من هي الممتحنة نجد أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها الممتحنة التي امتحن الله قلبها بالإيمان، وضربت المثل الأعلى في الثبات، هي شاهد خالد على أن المرأة في الإسلام ليست كائنًا ضعيفًا أو تابعًا، بل هي صانعة أحداث ومشرِّعة أحكام، ولقد تركت وراءها كل شيء، لكنها ربحت كل شيء: رضا الله، والخلود في القرآن، والذكر الحسن في أمة محمد ﷺ.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index