قصص دينيةقصص الصحابة

من هي الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار؟

تعرف على الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار

من هي الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار؟

الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار، في ثنايا التاريخ الإسلامي نجد مواقف عظيمة جسَّدتها الصحابيات، لتكون دروسًا للأمة على مر العصور، ومن بين تلك المواقف قصة الصحابية التي نزلت فيها أحكام الظهار خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، التي خلد القرآن الكريم حديثها في آيات محكمات من سورة المجادلة، فكانت مثالًا للمرأة المؤمنة الصابرة، التي لم تقف عاجزة أمام الظلم، بل رفعت قضيتها إلى الله ورسوله ﷺ، فجاءها الفرج من فوق سبع سماوات.

من هي الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار؟
الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار

من هي الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار؟

من هي خولة بنت ثعلبة؟

خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها من نساء الصحابة اللاتي امتزن بالعقل والحكمة والإيمان العميق، وكانت زوجة أوس بن الصامت، وأخو عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، من بني خزرج، وقد اشتهرت بموقفها الذي غيَّر حكمًا جاهليًا جائرًا، حيث جاءت تشتكي إلى النبي ﷺ مما أصابها بسبب لفظ زوجها الذي ظاهرها وقال لها: “أنت علي كظهر أمي”، وهو تعبير كان يعد طلاقًا في الجاهلية، مما جعلها في موقف صعب لا هي مطلقة فتتزوج، ولا هي زوجة تعيش مع زوجها بحقوقها الكاملة.

موقف خولة بنت ثعلبة ونزول الوحي

عندما جاءت خولة إلى النبي ﷺ، كانت تحمل في قلبها ألمًا شديدًا، وأخذت تشتكي حالها وحال أبنائها، فكانت كلماتها تحمل معاني الظلم والضيق، فورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه: “يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرتُ سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني؟ اللهم إني أشكو إليك.”، فكان النبي ﷺ يستمع إليها، لكنه في البداية لم يكن لديه حكم واضح بشأن قضيتها، وقال لها: “ما أراكِ إلا قد حرمتِ عليه”، أي أن الأمر قد وقع وانتهى، لكنها لم تيأس، بل رفعت يدها بالدعاء إلى الله، تبث شكواها وتطلب الفرج، فاستجاب الله لشكواها ونزل الوحي بآيات بينات من سورة المجادلة، حيث قال تعالى: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” (سورة المجادلة، الآية 1).

حكم الظهار في الإسلام

جاء بعد نزول الآيات حكم الظهار في الإسلام ليغيِّر المفهوم الجاهلي السابق، فلم يعد الظهار طلاقًا بائنًا، بل صار له كفارة محددة، حيث قال الله تعالى: “وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (سورة المجادلة، الآية 3-4).

وبهذا أصبح على الرجل الذي يظاهر زوجته أحد الخيارات الثلاثة قبل أن يعود إليها عتق رقبة، فإن لم يجد، يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، يطعم ستين مسكينًا، وهذا التشريع جاء رحمةً بالمرأة، فلا تظل مُعلقة دون حل، وفرض على الرجل كفارة تكفيرًا عن خطئه وردعًا له عن التلاعب بالألفاظ.

عظمة موقف خولة بنت ثعلبة

بعد نزول الحكم أمر النبي ﷺ أوس بن الصامت أن يؤدي الكفارة، لكنه كان شيخًا كبيرًا لا يستطيع عتق رقبة، ولا يقدر على صيام شهرين متتابعين، فانتقل إلى الخيار الثالث، وهو إطعام ستين مسكينًا.

موقف خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها يُعد نموذجًا عظيمًا في الصبر والثبات وعدم الاستسلام للظلم، فقد علمتنا كيف يكون اللجوء إلى الله والتشبث بالحق دون خوف، وروى الإمام أحمد عن خولة أنها قالت: “والله لقد جلسَتْ إليّ رسولُ اللهِ ﷺ وما زالَ يُراجعُني حتى أنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ هذه الآياتِ”، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُقدِّر لها موقفها حتى بعد وفاة النبي ﷺ، فقد روى ابن كثير أن عمر رضي الله عنه كان يسير يومًا في الطريق، فاستوقفته امرأة عجوز، فأصغى إليها بكل احترام حتى انتهت من حديثها، فقال له رجل: “يا أمير المؤمنين، حبستَ كبار قريش من أجل هذه العجوز!”، فقال عمر: “ويلك! أتدري من هذه؟ هذه امرأةٌ سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، أفلا يسمع لها عمر؟”.

الدروس المستفادة من قصة الصحابية التي نزلت فيها احكام الظهار

قصة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها فيها العديد من العبر والدروس التي يجب أن نتأملها ونستفيد منها في حياتنا اليومية سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي أو الديني، ومن أبرز هذه الدروس:

 اللجوء إلى الله في الشدائد والمحن

عندما تعرضت خولة للظلم من زوجها، لم تستسلم لواقعها، بل لجأت إلى الله بالدعاء والشكوى، فاستجاب لها سبحانه وتعالى، ويُعلِّمنا هذا أن أبواب السماء مفتوحة، وأن الله يسمع دعاء المظلوم ويجيب المضطر.

قوة الإيمان والثبات على الحق

خولة لم تقبل بالظلم الواقع عليها، ولم تخضع للأمر الواقع، بل وقفت بثبات تدافع عن حقها، وذلك يدل على قوة إيمانها وثقتها بالله، وهذا درس لكل مسلم ومسلمة بعدم السكوت عن الظلم أو قبول الباطل.

دور المرأة في المجتمع الإسلامي

لم تكن المرأة في الإسلام مجرد تابع أو مهمشة، بل كان لها دور فاعل في القضايا الاجتماعية والتشريعية، وخولة بنت ثعلبة مثال على ذلك، فقد كان لها دور مباشر في نزول تشريع جديد ينظم أحكام الظهار في الإسلام.

عدل الإسلام وإنصافه للمرأة

جاء التشريع الإسلامي لينصف المرأة ويرفع عنها الظلم الذي كان يُمارَس ضدها في الجاهلية، حيث لم يجعل الظهار طلاقًا نهائيًا، بل وضع له كفارات تحفظ كيان الأسرة وتحمي حقوق المرأة.

أهمية الحوار والمجادلة بالحسنى

خولة لم تكن ثائرة أو غاضبة في شكواها، بل كانت تستخدم أسلوب الحوار والمجادلة الهادئة والمنطقية، وذلك يدل على أهمية الحوار الراقي في إيصال الفكرة وتحقيق العدل.

الاستجابة السريعة للظلم وإنصاف المظلومين

لم يمر وقت طويل حتى استجاب الله لشكواها وأنزل الوحي بحكم الظهار، وذلك يدل على أن الله لا يغفل عن حقوق عباده، وأن الشرائع الإسلامية جاءت لحماية الناس من الظلم والضرر.

احترام الصحابة لحقوق الناس

عندما استوقفت خولة بنت ثعلبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصغى إليها بكل احترام، رغم مكانته كحاكم للمسلمين، ويُعلِّمنا هذا أن القائد العادل يجب أن يستمع لرعيته ويحترم حقوقهم.

أثر الفرد في تغيير المجتمع

خولة لم تكن امرأة عادية، بل استطاعت بتصرفها الحكيم وإيمانها القوي أن تغير حكمًا جاهليًا كان سائدًا، ويُبين هذا أن للفرد دورًا كبيرًا في التغيير والإصلاح متى ما تمسك بالحق.

أهمية الكفارات في التشريع الإسلامي

وضع الإسلام أحكام الكفارات كوسيلة لتصحيح الأخطاء وتقويم السلوك، ففي قضية الظهار لم يكتفِ الإسلام بالتحريم، بل جعل هناك كفارة تعيد الأمور إلى نصابها وتحفظ العلاقات الأسرية.

مكانة القرآن الكريم كدستور حياة

نزلت آيات الظهار في سورة المجادلة، وذلك يدل على أن القرآن الكريم لم يكن مجرد كتاب للقراءة، بل هو دستور حياة ينظم العلاقات الاجتماعية ويضع حلولًا للمشكلات الأسرية وفقًا لمبادئ العدل والرحمة.

في الختام، تظل الصحابية التي نزلت فيها أحكام الظهار، خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، رمزًا للمرأة المؤمنة التي لم تستسلم للظلم، بل لجأت إلى الله ورفعت شكواها، فجاءها الإنصاف من فوق سبع سماوات، ولقد علَّمتنا هذه القصة دروسًا عظيمة في قوة الإيمان، والثبات على الحق، وأهمية الحوار بالحسنى، إلى جانب عدل الإسلام في تشريعاته وإنصافه للمظلومين، فكما كانت الصحابية التي نزلت فيها أحكام الظهار نموذجًا يُحتذى في الصبر والعزيمة، سيظل القرآن الكريم مرجعًا خالدًا ينظم حياة المسلمين وفق موازين العدل والرحمة.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock