من هي الصحابية التي مات ابنها ولم تخبر زوجها؟
تعرف على الصحابية التي مات ابنها ولم تخبر زوجها
الصحابية التي مات ابنها ولم تخبر زوجها قصة تتجلى في صفحات التاريخ الإسلامي كصورة من صور الإيمان والصبر في أبهى صورها، وتظهر لنا مواقف الصحابة والتابعين الكرام كأنها دروس خالدة في الصبر، والثبات، وحسن التعامل مع المصائب، وهي الصحابية الجليلة أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها، أو كما كانت تُلقب بـ”الرميصاء”، تلك المرأة الصابرة التي فقدت ابنها ولم تخبر زوجها، لتعلمنا درسًا خالدًا في الصبر والإيمان بالله والرضا بقضائه.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الأحبة الكرام، أوصيكم ونفسي المقصره بتقوى الله، فتقوى الله فوز لنا في الدنيا والآخرة.
مقالنا اليوم عن موقف عظيم، ودروس خالدة نستقيها من سيرة الصحابية الجليلة أم سليم رضي الله عنها، تلك المرأة التي ضربت أروع الأمثلة في الصبر، والحكمة، والاحتساب في مواجهة أعظم المصائب.
قصة الصحابية التي مات ابنها ولم تخبر زوجها
تروي المصادر التاريخية أن الصحابية الجليلة أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها فقدت ابنها الصغير من زوجها أبي طلحة رضي الله عنه، وكان الطفل مريضًا، وعندما توفي الطفل اختارت أم سليم أن تخفي الخبر عن زوجها حتى لا يُصاب بالحزن الشديد، فاحتسبت ابنها عند الله تعالى، واحتفظت بالخبر حتى جاء زوجها.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقرّبت إليه عشاء فأكل وشرب، فقال: ثم تصنَّعت له أحسن ما كانت تصنَّع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك”.
نرى في هذا الحديث العظيم أم سليم رضي الله عنها، وقد فقدت ابنها، لكنها لم تُظهر الحزن، ولم تُفصح عن المصيبة فورًا، بل كتمت الخبر، وأعدت الطعام، وتزينت لزوجها، حتى إذا شبع واطمأن، أخبرته بما حدث، وقالت له: “فاحتسب ابنك”، أي: اجعل مصيبتك في سبيل الله، واحتسب الأجر عند الله.
بعد أن أخبرت أم سليم رضي الله عنها زوجها بما حدث، ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما جرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بارك الله لكما في غابر ليلتكما”.
بعد احتساب أم سليم وزوجها أبي طلحة رضي الله عنهما موت ابنهما نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أكرم أم سليم وزوجها، فحملت في تلك الليلة، وولدت عبد الله بن أبي طلحة، الذي نشأ على طاعة الله، وكان من أهل القرآن.
الدروس المستفادة من قصة الصحابية التي مات ابنها ولم تخبر زوجها
-
الصبر والاحتساب عند الله، وهو أبرز درس في هذه القصة الصبر على المصائب، والاحتساب عند الله، فالصبر في الإسلام ليس مجرد تحمل الألم، بل هو وعي داخلي بأن البلاء امتحان من الله، وأن الصابرين لهم أجر عظيم غير محدود، فالله تعالى قال في كتابه الكريم: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (سورة البقرة، الآية 155)، وأم سليم رضي الله عنها طبقت هذا الدرس على أرض الواقع، فاحتسبت ابنها عند الله، وأخفت الحزن عن زوجها، لتكون مثالًا حيًا للصبر والرضا بقضاء الله.
-
الحكمة في التعامل مع الآخرين، فكتمان أم سليم للخبر الحزين عن زوجها لم يكن ضعفًا، بل حكمة وإدراكًا لحساسية الموقف، وتعلمنا القصة أن الإنسان يمكن أن يختار الوقت والطريقة المناسبة لنقل الأخبار الصعبة، بحيث لا يثقل قلب الآخرين ويتيح لهم التكيف مع الواقع، والحكمة هنا ليست مجرد مراعاة المشاعر، بل هي فن التعامل مع المصائب بطريقة تحقق أقل ضرر للأسرة، مع الاحتفاظ بالقيم الدينية.
- أن الاحتساب طريق للطمأنينة النفسية، فاحتساب المصيبة عند الله يجعل القلب مطمئنًا رغم الألم الكبير، فنجد أم سليم رضي الله عنها لم تغرق في الحزن، بل جعلت مصيبتها وسيلة للتقرب إلى الله، والاعتماد عليه، والرضا بقضائه، وورد عن النبي ﷺ أنه قال:«عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (رواه مسلم)، فالاحتساب يمنح المؤمن القدرة على تجاوز المحنة بنفس مطمئنة وقلب مستقر.
-
القصة تعلمنا أيضًا أن المرأة ركيزة أساسية في التوازن الأسري، ليس فقط في الرعاية اليومية، بل أيضًا في إدارة الأزمات والمحن بحكمة وروية، وأم سليم رضي الله عنها مثال على أن المرأة الصابرة الحكيمة تستطيع حماية زوجها وأهل بيتها من الحزن المفرط، دون التضحية بالمبادئ أو الإيمان.
-
تؤكد القصة أن المصائب والابتلاءات جزء طبيعي من حياة كل مؤمن، والفرق بين المؤمن وغيره هو كيف يواجه هذه الابتلاءات: هل يجزع ويستسلم أم يصبر ويحتسب ويستعين بالله؟، فالمؤمن يرى في البلاء فرصة لنيل الأجر والثواب والارتقاء الروحي، كما فعلت أم سليم رضي الله عنها.
- تذكرنا القصة بأهمية التوازن بين الحزن المشروع وبين أداء الواجبات الأسرية والاجتماعية، وهو درس بالغ الأهمية في التربية والصبر، فرغم ألم أم سليم رضي الله عنها الكبير لفقد ابنها تمكنت رضي الله عنها من التحكم في مشاعرها، والتصرف بطريقة تحقق المصلحة الأكبر للأسرة.
- كما تُعلِّمنا القصة أن الاحتساب والصبر على البلاء لا يرفع فقط الأجر، بل يجلب البركة والخير المستمر في حياة الإنسان، والدليل أنه بعدما أخبرت أم سليم رضي الله عنها زوجها بما حدث جاء الفرج والبركة في حياتهما، حيث رزقت بولد جديد هو عبد الله بن أبي طلحة رضي الله عنه، الذي أصبح من أهل القرآن.
تطبيقات عملية في حياة المسلم اليوم
هذه الواقعة التاريخية ليست مجرد حدث قديم، بل تحمل عبرًا عملية تصلح لكل زمان ومكان:
في التربية الأسرية
تعلم المرأة اليوم كيفية إدارة المشاعر الصعبة، وحماية الأسرة من صدمات إضافية، مع الحفاظ على الصدق والشفافية المناسبة عند الحاجة.
في الحياة اليومية
الصبر على المصائب، والاعتماد على الله في الأزمات، هما قيمتان يمكن تطبيقهما في فقدان الأحباب، أو مواجهة الأزمات الاقتصادية أو الصحية.
في تعزيز الإيمان الشخصي
فهم أن البلاء والاختبارات جزء من رحلة المؤمن، وأن الصبر والاحتساب طريق للوصول إلى رضا الله، كما قال النبي ﷺ: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» (رواه البخاري ومسلم).
في الختام، وبعد أن تعرفنا على من هي الصحابية التي مات ابنها ولم تخبر زوجها نجد أن قصة أم سليم رضي الله عنها التي مات ابنها ولم تخبر زوجها تظل درسًا خالدًا في الصبر، والإيمان، والحكمة، فهي تذكرنا أن البلاء اختبار، وأن الصبر على المصائب وإخفاء الحزن أحيانًا ليس ضعفًا، بل قوة وإيمانًا عميقًا، وهذه القصة ليست مجرد حكاية تاريخية، بل هي دعوة لكل مؤمن ومؤمنة ليتعلموا الصبر، والاحتساب، والاعتماد على الله في أوقات المحن، وتذكرنا بأن الحياة مليئة بالابتلاءات، وأن المؤمن الحق هو من يتحملها بقلب مطمئن ورضا بقضاء الله وقدره، محافظًا على موازين الرحمة والمودة في بيته، فلتكن أم سليم رضي الله عنها نموذجًا لكل امرأة صابرة، ولكل أم فقدت ابنها، ولكل زوجة تواجه أزمات صعبة، تعلم أن الصبر والاحتساب والاعتماد على الله هم السبيل إلى السكينة والرضا والبركة.
المصدر