من هو الصحابي الذي ختم القرآن في ركعة؟، القرآن الكريم هو كتاب الله، ودستور الأمة، وهو الروح التي تحيا بها القلوب، ومن يتأمل حياة الصحابة الكرام يجد أنهم جعلوا القرآن محور حياتهم يتلون آياته آناء الليل وأطراف النهار وينهلون من معينه العذب ويتربون على هديه، ومن أعجب ما رُوي في هذا الباب خبر صحابي جليل ختم القرآن في ركعة واحدة، خبرٌ يهز القلوب ويثير التساؤل: من هو هذا الصحابي؟ وكيف استطاع أن يجمع كتاب الله كله في ركعة واحدة؟ وهل صحَّت هذه الرواية؟ وما الذي نتعلمه منها نحن المسلمين اليوم؟.
سنتعرف في هذا المقال على من هو الصحابي الذي ختم القرآن في ركعة؟، وصحة هذه الرواية.
من هو الصحابي الذي ختم القرآن في ركعة؟
الروايات التاريخية تشير إلى أن الصحابي الذي ختم القرآن في ركعة هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، وثالث الخلفاء الراشدين، وذو النورين، وزوج ابنتي رسول الله ﷺ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة.
وقد روت زوجته نائلة بنت الفرافصة أن عثمان رضي الله عنه كان يحيي الليل كله في ركعة واحدة يقرأ فيها القرآن كاملاً.
قالت نائلة رضي الله عنها حين دخلوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه ليقتلوه: “إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يُحيي اللَّيلَ كلَّه بركعةٍ يجمَعُ فيها القرآنَ”، وقد أخرج هذه الرواية الطبراني في المعجم الكبير، ونقلها عنه ابن كثير في فضائل القرآن لابن كثير والمحدثين في فضائل عثمان رضي الله عنه.
أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن محمد بن سيرين أن نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان ذكرت أنه كان يختم القرآن في ركعة، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد أن إسناد الطبراني حسن، وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية عند الحديث عن عبادة عثمان رضي الله عنه، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء، وأكد أنها منقولة في باب المناقب.
مكانة عثمان بن عفان في الإسلام
لفهم قيمة هذه الرواية، ينبغي أن نتأمل سيرة عثمان رضي الله عنه، فهو عثمان بن عفان بن أبي العاص القرشي الأموي من السابقين إلى الإسلام، وأسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولُقِّب بـذي النورين لأنه تزوج ابنتي رسول الله ﷺ رقية وأم كلثوم، وشهد بدرًا وما بعدها من المشاهد العظيمة، وكان شديد الحياء حتى قال فيه النبي ﷺ: «ألا أستحيي من رجلٍ تستحيي منه الملائكة؟» (رواه مسلم)، وتولى الخلافة بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكانت خلافته من أعظم عصور الإسلام، وفيها جمع القرآن في مصحف واحد وأمر بنسخه وإرساله للأمصار.
كل هذه الفضائل تدل على عظمة شخصية عثمان رضي الله عنه، وأن إخلاصه وارتباطه بالقرآن أمر طبيعي ينسجم مع سيرته المباركة.
كيف نفهم “ختم القرآن في ركعة”؟
قد يظن بعض الناس أن المراد هو الإسراع الشديد الذي لا يبقي مجالًا للتدبر، لكن العلماء شرحوا الأمر بعدة وجوه:
-
المعنى الحرفي بأن عثمان رضي الله عنه أطال القيام حتى قرأ القرآن كله في ركعة واحدة، وهذا ممكن خاصة أن الليل طويل، وأن الصحابة كانوا يملكون قوةً في الحفظ والصدر.
-
المعنى التعبيري، فقد يكون اللفظ مجازيًا يراد به أنه كان يطيل الركعة حتى يُقرأ فيها معظم القرآن، فغلب الوصف عليه.
-
المعنى العملي بأن عثمان رضي الله عنه ربما كان يختم القرآن في ليلة واحدة، ثم يختمها بركعة طويلة من الوتر.
قال الإمام النووي: “المراد أن السلف كانوا يطيلون القيام بالقرآن، ومنهم من كان يختمه في ركعة، ومنهم من كان يختمه في ثلاث”.
هل هناك غير عثمان ختم القرآن في ركعة؟
مع أن عثمان رضي الله عنه هو الأشهر، إلا أن كتب التراجم والسير تذكر آخرين ومنهم:
-
تميم الداري رضي الله عنه، فعُرف بطول قيام الليل، وقراءة القرآن كاملاً في صلاة.
-
سعيد بن جبير من التابعين، وكان يختم القرآن في ركعة واحدة أحيانًا.
-
الإمام الشافعي قد نقل عنه أنه كان يختم القرآن ستين مرة في رمضان.
لكن الرواية الصحيحة الموثقة عن صحابي بعينه هي رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه.
علاقة عثمان بالقرآن
عثمان رضي الله عنه لم يكن مجرد قارئ للقرآن في صلاته، بل كانت له صلة وثيقة بالقرآن من عدة وجوه، فقد جمع القرآن في مصحف واحد في خلافته وأرسل إلى الأمصار، ليحفظ الأمة من الاختلاف، وكان يلازم المصحف ويقرأه باستمرار حتى عُرف عنه أنه كان يختم القرآن كثيرًا، واستشهد والمصحف بين يديه حيث تم قُتله رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن حتى أن دمه الطاهر سال على آية: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة البقرة، الآية 137].
فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
قال النبي ﷺ: «أصدق الأمة حياءً عثمان» (رواه أحمد)، وقال أيضًا: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» (رواه الترمذي) حين جهز جيش العسرة، وهذه الأحاديث تؤكد مكانته العظيمة، وتبين أن ختمه للقرآن في ركعة ليس غريبًا على عبادته.
آداب التلاوة في الإسلام
الإسلام لم يجعل المقصد هو كثرة الختم فقط، بل الاهتمام بالتلاوة الصحيحة من حيث الترتيل {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، والتدبر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، والبكاء عند التلاوة فقد بكى النبي ﷺ عند قراءة ابن مسعود {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ…}، والعمل بالقرآن وهو أعظم مقصود.
هل يصلح للمسلم أن يقلد عثمان بن عفان في ختمه القرآن كله في ركعة؟
الإسلام لم يفرض على المسلم ختم القرآن في ركعة، بل أمر بالتدبر والترتيل، وقال الله تعالى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [سورة المزمل، الآية 4]، وقد سُئل النبي ﷺ: “أي العمل أحب إلى الله؟” فقال: أدومه وإن قل، فالمطلوب هو المواظبة لا التكليف بما لا يُطاق، وما فعله عثمان رضي الله عنه حالة استثنائية تدل على علو همته وقوة عبادته، وليس قاعدة ملزمة لكل مسلم.
دروس وعبر من فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه
-
حب القرآن أعظم ما يميز المؤمن، فإخلاص عثمان رضي الله عنه للقرآن حتى جعل ليله قائمًا به دليل على أن القرآن كان محور حياته، وهذا درس لكل مسلم بأن يجعل القرآن رفيق قلبه.
-
قوة العبادة ليست في الكثرة فقط بل في الصدق، فقد يقرأ أحدنا جزءًا واحدًا بتدبر وخشوع فينال به من الأجر ما قد لا يناله قارئ يختم في ركعة دون حضور قلب.
-
الهمة العالية طريق للسبق، فمن تأمل سير الصحابة وجد أن سر تميزهم هو علو الهمة، فلا يرضون بالقليل في طاعة الله، بل يسابقون إلى الخيرات.
-
التوازن في العبادة، فلا إفراط يثقل الجسد حتى يترك الإنسان واجباته، ولا تفريط يحرم النفس من بركة القرآن.
ماذا على المسلم اليوم؟
-
اجعل لك وردًا ثابتًا من القرآن يوميًا، ولو صفحة.
-
خصص وقتًا لـقيام الليل ولو بعشر آيات.
-
اقرأ القرآن بالتجويد والتدبر.
-
اربط أولادك بالقرآن عبر التحفيظ والمدارسة.
-
استعن بتطبيقات ومصاحف ميسرة لتثبيت وردك.
في الختام، عرفنا من هو الصحابي الذي ختم القرآن في ركعة؟، والرواية التي تقول أنه عثمان بن عفان رضي الله عنه صحيحة في الجملة، وهي شاهد على عظمة همته وعلو مكانته في العبادة، لكنها لا تعني أن المطلوب من كل مسلم أن يقلده، بل المقصود أن نستلهم من همته الصدق مع القرآن، وأن نجعل كتاب الله رفيق حياتنا، نقرأه ونتدبره ونعمل به.
فالقرآن نور، ومن جعله أنيسه في الدنيا كان شفيعه يوم القيامة، فلنحرص أن نكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
المصدر