أدعية

ما هو دعاء القنوت الصحيح؟

تعرف على دعاء القنوت الصحيح كما ورد عن النبي ﷺ

ما هو دعاء القنوت الصحيح؟

دعاء القنوت من الأدعية العظيمة التي ثبتت في السنة النبوية، وارتبطت في القلوب بالخشوع والابتهال والرجاء، حتى صار هذا الدعاء من العلامات المميزة لقيام الليل وصلاة الوتر، ومن أسباب نزول السكينة وطمأنينة القلب، والقنوت عبودية كاملة تجمع بين الدعاء والخضوع والتسليم لله؛ ولذلك اهتم به العلماء قديمًا وحديثًا، ودوَّنوا فيه كتبًا مستقلة، واعتبروه من الأدعية الجامعة التي تحتوي على أمهات المطالب الدنيوية والأخروية.

سنقدم هذا المقال:

معنى القنوت

المعنى اللغوي

جاء في لسان العرب أن القنوت يعني: الطاعة، والدوام على العبادة، وطول القيام، والسكوت، والخضوع.
وقال ابن فارس: “القنوت يدل على معنى الطاعة والخضوع وقتًا بعد وقت”.

أما في الاصطلاح

عرَّف الفقهاء دعاء القنوت بأنه دعاء مخصوص يؤدِّيه المصلي في الصلاة في وقت مخصوص، لطلب الرحمة أو رفع البلاء أو الثبات على الدين.

إذن فالقنوت يجمع بين الدعاء والخشوع والطاعة والابتهال، ولهذا وصفه العلماء بأنه “دعاء العبد إذا اشتدَّت حاجته، وتعلَّق قلبه بالله وحده”.

حكم دعاء القنوت في المذاهب الأربعة

مذهب الحنفية

يرى الحنفية أن القنوت سنة مؤكدة في صلاة الوتر فقط، ويكون قبل الركوع، ولا يُقنت عندهم في الفجر إلا إذا نزلت نازلة تحتاج الدعاء.

واستدلوا بحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: “علَّمَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كلِماتٍ أقولُهُنَّ في قنوتِ الوِتْرِ : اللهم اهدني فيمَنْ هَدَيْتَ ، وعافِني فيمَنْ عافَيْتَ ، وتولَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وبارِكْ لي فيما أَعْطَيْتَ ، وقِنِي شرَّ ما قضَيْتَ فإِنَّكَ تَقْضِي ولَا يُقْضَى علَيْكَ ، وإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ واليْتَ ، تباركْتَ ربنا وتعالَيْتَ ” (رواه أبو داود والترمذي).

مذهب المالكية

يرى المالكية أن دعاء القنوت يكون في صلاة الصبح طوال العام، وذلك بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية، ولا يرون القنوت في الوتر إلا نادرًا وفي النوازل.

ويستدلون بما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنَتَ شهرا يدعو عليهم ثم تركَ فأما في الصبحِ فلم يزلْ يقنتُ حتى فارقَ الدنيا (رواه الدارقطني والبيهقي).

وقد توارث أهل المدينة القنوت في الفجر جيلاً بعد جيل، فكان عند مالك سنة مؤكدة.

مذهب الشافعية

القنوت عند الشافعية سنة مؤكدة في صلاة الفجر دائمًا، ويستحب في الوتر في النصف الأخير من رمضان، وكذلك في النوازل.

واستدلوا بما جاء في حديث أنس بن مالك: قَنَتَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ في صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو علَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ (رواه البخاري ومسلم).

واستدل الشافعية بأن هذا أصل في مشروعية القنوت، لكنهم قالوا إن تركه بعد ذلك لا يعني عدم السنية، كما استدلوا بما روي عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس أنهم كانوا يقنتون في الفجر.

مذهب الحنابلة

يرى الحنابلة أن دعاء القنوت في الوتر سنة في النصف الأخير من رمضان، ويجوز في جميع السنة أحيانًا، أما في الفجر لا يُسن إلا عند النوازل، فيقنت الإمام في الفجر وغيرها من الصلوات.

واستدلوا أيضًا بحديث أنس بن مالك: “قَنَتَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ في صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو علَى رِعْلٍ”، وقالوا أن هذا يدل على أن القنوت لم يكن راتبًا، وإنما كان لنوازل معينة.

وثبت عن الخلفاء الراشدين أنهم قنتوا في النوازل فقط، ولم يواظبوا عليه.

وقت دعاء القنوت

القنوت في الوتر

الوقت الصحيح هو بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة من الوتر عند الشافعية والحنابلة، وقبل الركوع عند الحنفية.

القنوت في الصبح

بعد الرفع من الركوع، وهذا قول المالكية والشافعية.

القنوت في النوازل

يكون في أي صلاة مفروضة، أثناء القيام بعد الركوع.

ما هو دعاء القنوت الصحيح؟
دعاء القنوت

صيغة دعاء القنوت الصحيحة

  • الصيغة الأشهر (وهي الأصح إسنادًا) حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: “اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت” (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).

  • صيغ أخرى وردت في قنوت النوازل، فورد عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقنت في النوازل ويدعو بدعاء طويل يبدأ بذكر الله والثناء عليه، ويرفع صوته بالدعاء للمؤمنين والضعفاء.

  • يجوز الدعاء على الظالمين عند النوازل مع العدل وعدم الاعتداء في الدعاء.

صيغ أخرى لدعاء القنوت

  • اللهم اهدني، وارزقني، وعافني، واجعلني من عبادك الصالحين، ووفقني لما تحب وترضى، ونجني من كل بلاء وشر.
  • اللهم إنا نسألك الثبات، والعصمة من الخطايا، والفرج من الضيق، والهداية في الدين والدنيا، وأنت ولي ذلك والقادر عليه.
  • اللهم أعنا على طاعتك، ونجنا من معاصيك، واهدنا سواء السبيل، واغفر لنا ذنوبنا، وارزقنا التوفيق لما تحب وترضى.
  • اللهم قني شر ما قضيت، ونجنا من كل بلاء، واحفظنا بعينك التي لا تنام.
  • اللهم إني أسألك العفو والعافية، والهداية والرضا، ونصرتك والتوفيق لكل خير، واحفظني بعينك التي لا تنام.
  • اللهم إني أسألك العفو والعافية، والهداية والرضا، ونصرك والتوفيق لكل خير، واحفظني بعينك التي لا تنام، ونجني من كل بلاء وفتنة.

فضل دعاء القنوت

  • من أعظم أسباب استجابة الدعاء، لأنه دعاء داخل الصلاة، والدعاء في الصلاة أقرب للإجابة من الدعاء خارجها.
  • فيه ثناء على الله وتمجيد له، وهذا سبب عظيم لقبول الدعاء.
  • يقوِّي اليقين بالله، لأن القنوت كله مبني على التسليم لله، والثقة بأنه يقضي ولا يُقضى عليه.
  • يزيد الخشوع والطمأنينة، فالقنوت لحظة صفاء بين العبد وربه، ولذلك يشعر المسلم بعده بسكينة لا توصف.
  • حماية من البلاء والكوارث، فقد كان النبي ﷺ يقنت عند البلاء، مما يدل على أن القنوت سبب لدفع المكاره.

شروط وآداب دعاء القنوت

  • الخشوع التام، فالخشوع هو روح القنوت، وبدونه يصبح الدعاء مجرد ألفاظ.
  • البدء بحمد الله، فقد كان النبي ﷺ يبدأ دعاءه بالحمد والثناء.
  • الصلاة على النبي ﷺ، وقد بين العلماء أنها سنة مؤكدة قبل وبعد الدعاء.
  • رفع اليدين، فقد فعله الصحابة رضي الله عنهم في القنوت.
  • عدم التكلف، فالله يحب الدعاء الواضح القريب، لا المتكلف الطويل الذي لا يفهمه الناس.

الأخطاء الشائعة في دعاء القنوت

  • تحويل دعاء القنوت إلى تلاوة سريعة بلا خشوع.

  • التوسُّع في كلمات غير مفهومة.

  • الدعاء على المسلمين وتكفيرهم.

  • التطويل المبالغ فيه الذي يشق على المصلين.

  • رفع الصوت بشكل يقطع الخشوع.

  • الاعتقاد بوجود صيغة واحدة فقط.

كيف تجعل دعاء القنوت مستجابًا؟

  • أكثر من الثناء على الله.

  • قُل الدعاء بقلبك قبل لسانك.

  • استشعر أنك تقف بين يدي الملك سبحانه.

  • لا تستعجل الإجابة.

  • أختم دعاءك بالصلاة على النبي ﷺ.

  • اجتهد في الوتر في آخر الليل، فهو وقت مبارك.

أثر دعاء القنوت على المؤمن

  • يقوِّي يقين المؤمن بربه، فالقنوت بطبيعته دعاء خضوع يبدأ بقول: “اللهم اهدنا…”،وعندما يرفع المؤمن يديه ويرهف قلبه بهذا الدعاء يزداد يقينه بأن الهداية بيد الله وحده، وأن النصر والعافية والوقاية لا تأتي إلا من عنده، وهذا اليقين الداخلي هو أعظم ما يقوِّي المؤمن في أوقات الفتن والاضطراب.

  • يربِّي في قلبه معنى التوكل الحق، فدعاء القنوت يُعلِّم المؤمن أن القوة الحقيقية ليست في الأسباب وإنما في مسبِّب الأسباب، فهو يقول في الدعاء: “ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت”، وهذه الكلمات تغرس في القلب توكلاً ثابتًا لا يتزلزل، وتجعله يرى الدنيا على حقيقتها بأن لا شيء فيها يقوى فوق قدرة الله.

  • يطهِّر القلب من الغل والكبر، فالقنوت يُنشئ في المؤمن روح الانكسار والتواضع، فمن يقف في آخر الليل أو في وتر رمضان يرفع يديه ويقول: “اللهم اغفر لنا…”، ولا يمكن أن يحمل في قلبه كِبرًا على أحد، فهي لحظة تطهير ينساب فيها نور الرضا إلى القلب، فيخرج المؤمن من صلاته وقد صفا صدره.

  • يعزِّز صلته بالقرآن والسنة، فدعاء القنوت كما علمه النبي ﷺ يعلِّم المؤمن ألفاظ النبوة، ويجعله يعيش معاني القرآن، فمعظم معانيه: الهداية، العافية، النجاة من الشر، وهي معانٍ قرآنية أصيلة، وبهذا يصبح القنوت وسيلة تربوية تربط المؤمن بالوحي ربطًا عمليًا لا نظريًا.

  • يثبِّت قلبه في أوقات الفتن، لذلك كان النبي ﷺ يقنت عند النوازل، لأن القنوت يزيد المؤمن ثباتًا وطمأنينة عندما يشتد البلاء، فهو يعلِّمه أن البلاء من الله، وأن الفرج والنصر من الله، وذلك يمنع قلب المؤمن من الهلع والجزع، ويجعله ثابتًا في أقسى المواقف.

  • يفتح أبواب الرحمة واللطف الإلهي، فالقنوت دعاء جامع يشمل الهداية والعافية والغنى والوقاية من الشر وحسن الخاتمة، وكلَّها أبواب رحمة، والمؤمن الذي يكثر من هذا الدعاء تغشاه رحمات الله في دنياه وأخراه، ويتجلَّى ذلك في راحة النفس وتيسير الأمور وتوفيق الطاعة.

  • يربي المؤمن على مراقبة الله، فحين يقف المؤمن في القنوت وهو بين يدي الله يشعر أن الله قريب يسمع ويرى ويعلم، فيزداد حياؤه من ربِّه، ويزداد حرصه على الطاعة، وتبتعد نفسه عن المعصية، فالقنوت ليس دعاءً فقط، بل مدرسة رقابة وإحسان.

  • يفتح للمؤمن باب الخشوع الحقيقي، فالقنوت يُوجِّه القلب مباشرة إلى الله، ولا خشوع بلا حضور قلب. وبذلك يعيد القنوت الحياة للصلاة، ويحوِّلها من عادة إلى عبادة، ومن حركات إلى لقاء روحي عظيم.

في الختام، دعاء القنوت مدرسة إيمانية عظيمة يجتمع فيها الخضوع لله، والتسليم لقضائه، والابتهال له بالهداية والعافية والرزق والثبات، وهو من الأدعية التي تشهد على صدق العبد، وتُظهر مدى ثقته بربه، ولهذا علَّمه النبي ﷺ للحسن رضي الله عنه، ليكون دعاءً خالدًا تتناقله الأمة جيلًا بعد جيل.

اجعل القنوت جزءًا ثابتًا من عبادتك، وخُذه بجد، وقف به بين يدي الله وقلبك حاضر، وسترى أثره في حياتك، وطمأنينته في قلبك، وبركته في رزقك، ونوره في طريقك.

اللهم اجعلنا من أهل القنوت والخشوع، وارزقنا الهداية فيمن هديت، والعافية فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن تولَّيت، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

المصدر

1، 2

زر الذهاب إلى الأعلى
Index