إعرف دينكأسئلة

ما الحكمة من سجود الملائكة لآدم؟

تعرف على الحكمة من سجود الملائكة لآدم

Spread the love
ما الحكمة من سجود الملائكة لآدم؟

ما الحكمة من سجود الملائكة لآدم؟

في لحظة فارقة من تاريخ الوجود، مشهد مهيب يملأ أرجاء الملأ الأعلى، وتخشع له أجنحة الملائكة، وتضطرب له قلوب العابدين… أمرٌ رباني يصدح في السماوات: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾، فيسجد الطائعون جميعًا، إلا واحدًا أبى واستكبر فكان من الكافرين، أيُّ سرٍّ عظيم جعل الملائكة الأطهار، الذين لا يعصون الله ما أمرهم، يخرُّون سُجَّدًا لمخلوقٍ من طين؟ وما الحكمة البالغة من هذا الحدث الذي جمع بين تكريم الإنسان وكشف معدن القلوب؟.

إنه مشهدٌ ليس مجرد قصة تُروى، بل هو إعلانٌ إلهي عن حقيقة الإنسان، ومقام العلم، وكرامة الاستخلاف في الأرض، مشهد رسم خطوط الصراع الأزلي بين الطاعة والمعصية، وبين التواضع والاستكبار، وبين من يذعن لحكمة الله ومن يقدِّم هواه على أمره، وفي سطور هذا المقال، سنتعمق معًا في عمق النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، ونستضيء بأقوال المفسرين، لنكشف الحكمة من سجود الملائكة لآدم، ونفهم ما أراد الله أن يعلِّمنا إياه من هذا الحدث الخالد.

قصة سجود الملائكة لآدم في القرآن الكريم

تكرر ذكر سجود الملائكة لآدم في مواضع عدَّة من القرآن تأكيدًا لعظيم شأنه وعمق دلالته:

  • قوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (31) قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ (32) قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ (33) وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ (سورة البقرة، الآيات 30-34).
  • وقوله: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ(11)قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٌ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ﴾ (سورة الأعراف، الآيات 11–12).
  • وقوله: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ(28)فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ(29)فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ(30) إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ (31)قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ(32)قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ﴾ (سورة الحجر، الآيات 28–33).
  • وتوكيدُ أن إبليسَ ليس من الملائكة أصلًا: ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا ﴾ (سورة الكهف، الآية 50).

وتروي السنَّة أن الله خلق الملائكة من نور، والجن من مارج من نار، وآدم من طين كما وُصف في القرآن، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «خُلِقَتِ الملائكةُ من نورٍ، وخُلِقَ الجانُّ من مارجٍ من نارٍ، وخُلِق آدمُ ممّا وُصف لكم» (صحيح مسلم)، كما صحَّت أخبارٌ في تفضيل آدم بالعلم، وتعظيم شأن المعرفة.

والسجودُ وقعَ بأمرٍ رباني بعد التسوية والنفخ في آدم، وكان اختبارًا إلهيًّا ظهر فيه امتثالُ الملائكة، وتمرُّد إبليس المكابر.

ما الحكمة من سجود الملائكة لآدم؟

هل سجود الملائكة لآدم سجود تحية وتكريم أم سجود عبادة؟

اتفقت كلمةُ أهل السُّنَّة على أن سجود الملائكة ليس عبادةً لآدم –وحاشاهم–؛ فالعبادة لا تكون إلا لله، وإنما هو سجود تحية وتعظيم بأمر الله، أو سجود لله تعالى جعلَ آدمَ قِبلةً لهم في تلك اللحظة، تكريمًا لمنزلته.

  • نقل القرطبي وغيره أن السجودَ لغير الله تحيةً كان جائزًا في الشرائع السابقة؛ ودليل ذلك سجودُ إخوةِ يوسف له: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (سورة يوسف، الآية 100)، ثم نُسِخ ذلك في شريعة النبي ﷺ، فلا يجوز السجودُ إلا لله وحده.

  • وفي الحديث: لما أراد بعضُ الصحابة أن يسجدوا للنبي ﷺ منعهم، وقال: «لا يَنبغي لأحدٍ أن يسجد لأحد»، وجاء: «لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها» (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسَّنه بعض أهل العلم بمجموع طرقه)، والمقصود الزجر والتأكيد على حصر السجود في حق الله.

ومما سبق نجد أن سجودُ الملائكة لآدم تكريمٌ بأمر الله، لا تشريعًا مطلقًا لسجود البشر بعضِهم لبعض، وقد أُغلق هذا البابُ في شريعة خاتم النبيين ﷺ.

لماذا كان التكريم لآدم عليه السلام؟ مفاتيح الحكمة ودلالات السجود

إعلان قيمة العلم

جاء ترتيبُ الآيات بليغًا: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ ثمَّ عرض الأسماء على الملائكة، فلما عجزوا علَّمهم آدمُ ما عُلِّم، وهنا تتجلَّى فضيلة العلم؛ فتكريمُ آدم لم يكن لمادته «الطين»، بل لما أودع الله فيه من عقلٍ ومعرفةٍ وقدرةٍ على التعلُّم والبيان.

قال ابن كثير في تفسيره: “إن الله خصَّ آدم بمعرفة أسماء الأشياء وخواصِّها، فظهر فضله”؛ فالسجودُ إكرامٌ لمنصب المعرفة الموهوبة التي بها تُدار الخلافة وتُعمَّر الأرض.

تثبيتُ مبدأ الخلافة في الأرض

ابتدأت القصة بإعلان: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾؛ أي قائمًا على عمارتها بشرع الله، والسجودُ إذن تنصيبٌ رمزي لآدم في مقام الاستخلاف، وإشهادٌ للملأ الأعلى على مسؤولية الإنسان في إقامة الحق والعدل، فليس شريفًا من ينتسب لآدم بجسده، وإنما الشريف من يحمل أمانته.

تكريم بني آدم

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (سورة الإسراء، الآية 70)، والسجودُ إعلان مبكِّر لهذا التكريم؛ ولذلك لما سجدت الملائكة لأصل الإنسان، كان في ذلك إيماء إلى كرامة الذريَّة إذا التزموا العهد الإلهي.

إظهار طاعة الملائكة وتمرُّد إبليس

﴿مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (سورة التحريم، الآية 6)، فكان السجود مَشهَدَ امتثال مطلق، يقابله تمرُّد إبليس الذي استكبر وكان من الكافرين﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (سورة البقرة، الآية 34)، وهنا حكمة في صناعةِ الوعي أن أعظم الآفات الكِبر؛ لأن إبليس لم يجحد الخالق، لكنه قدَّم معيار العنصر على معيار الأمر: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (سورة الأعراف، الآية 12)، فالسجودُ فضحٌ لمنطق «العنصرية المادِّية»، وإعلاءٌ لمعيار الطاعة والعلم.

بيان شرف «نفخة الروح»

قال سبحانه: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ (سورة الحجر، الآية 29)، وهي إضافة تشريف لا إضافة تجزئة أو حلول؛ فالروح مخلوقة، لكن إضافتها إلى الله إضافة تشريف وتعظيم، فلما اكتمل التكوينُ الإنساني بهذه النفخة، جاء الأمر بالسجود، إيذانًا بأن قيمة الإنسان بروحه وعقله، لا بطينه ولحمه.

سننيةُ الابتلاء

تسلسلُ القصة يكشف قاعدة أن قبل التمكين ابتلاء، فكان الامتحانُ للملائكة ولإبليس، وسيكون لاحقًا لآدم وذريته، ون أول امتحانٍ في تاريخ الإنسان كان سجودًا؛ أي خضوعًا لمنهج الله، فمن رفضَ «سجودَ الأمر»، سقط في «عبادةِ الهوى».

هل كان السجودُ لله مع اتخاذ آدم قبلةً؟

ذهب طائفةٌ من المفسِّرين –وهو قولٌ قوي– إلى أن سجود الملائكة كان لله، وجُعلَ آدمُ قبلةً لهم إظهارًا لفضله (ينظر: الرازي والقرطبي)، وذهب آخرون إلى أنه سجودُ تكريمٍ مباشر لآدم بأمر الله، لا على جهة العبادة، والمآل واحد فلا عبادةَ لغير الله، والتكريمُ واقعٌ بامتثال الأمر الإلهي لا بذات آدم.

ماذا علَّم الله آدم؟

﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (سورة البقرة، الآية 31].

تنوَّعت عبارات السلف حول ما علَّمه الله لآدم:

  • قيل: أسماءُ كلِّ شيءٍ من المخلوقات ومعانيها وخواصَّها.

  • وقيل: أسماءُ الملائكة وذريَّة آدم.

  • وقيل: أصولُ اللغات أو مسمَّياتها.

ومهما يكن، فالمحصلة أن الله خصَّ الإنسانَ بملكة التسمية والتصنيف والبيان؛ وهي أساس العلوم والحضارات، ومن هنا يصير السجود تكريمًا لـ«الإنسان العارف»، لا «الإنسان الغافل».

تكبر إبليس سبب انحرافه

إبليسُ كان من الجن، لكنه كان عابدًا في الملأ الأعلى، فشرفُ المكان لم يمنع انحرافَ القلب، فلما جاء الامتحان، قدَّم العِلَّة على الأمر، واستند إلى قياسٍ فاسد: «النار أشرف من الطين»، وديننا الحنيف يُربينا على أن امتثال الأمر إذا صدر من العليم الحكيم هو عين العقل؛ لأن معرفتنا قاصرة، ولذلك جاء الرد الرباني: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ (سورة الأعراف، الآية 12)؛ فالعِلَّة الحاسمة هي الأمر.

وذلك درس بليغ لنا أن كل انحرافٍ يبدأ من تعظيم الذات على حساب تعظيم الأمر؛ ومن هنا كان أخطرُ خصال النفوس الكبر والحسد، وهما رأسُ معصية إبليس.

هل الملائكةُ تعصي؟

الأصل في الملائكة أنهم عبادٌ مكرمون، ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ (سورة التحريم، الآية 6)، وسجودُهم لآدم شاهدٌ على صفاءِ طاعتهم، والاستثناء الوحيد في المشهد –إبليس– ليس من جنسهم؛ لذا لا تعارض بين عصيانه وبين عصمة الملائكة.

لماذا أمر الله إبليس بالسجود وهو ليس من الملائكة؟

أمر اللهُ إبليس بالسجود مع الملائكة لأنه كان يعيش بينهم، ويعبد الله في صفوفهم، فشمله الخطاب كما يشمل الأمرُ الجماعةَ التي هو منضم لها، وإن لم يكن من جنسها، فالخطاب في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ (سورة البقرة، الآية 34) موجَّه للملائكة أساسًا، لكن إبليس كان معهم في مقام العبادة، فدخل في عموم الأمر تبعًا.

وقد بيَّن الله في موضع آخر أنه من الجن (سورة الكهف، الآية 50) ليقطع الوهم بأنه ملك، والحكمة في ذلك أن يظهر ما في قلبه من كِبرٍ وحسد، فيكون السجودُ امتحانًا له كما هو امتحانٌ للملائكة، فامتثل الطائعون، وتمرَّد إبليس، فاستحق اللعنة والطرد.

أين سجد الملائكة لآدم؟

سجد الملائكة لآدم في السماء، في الملأ الأعلى، قبل أن يهبط آدم إلى الأرض، وقد جاء في تفاسير الطبري وابن كثير والقرطبي أن الله خلق آدم في السماء، وسوَّاه ونفخ فيه من روحه هناك، ثم أمر الملائكة بالسجود له في موضعه، وهذا يتفق مع ظاهر الآيات مثل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (سورة ص، الآية 72).

إذ كان الأمر بالسجود مباشرة بعد اكتمال خلقه، والملائكة مجتمعون في حضرة ربهم، وفي ذلك إشارة إلى أن تكريم آدم كان تكريمًا إلهيًا معلنًا أمام الملأ الأعلى، ليعلموا مكانته عند الله، ويشهدوا على عهد الخلافة الذي حُمِّل به قبل أن ينزل إلى الأرض.

الفرق بين سجود التكريم وسجود العبادة

سجودُ العبادة هو الخضوع المطلق المقرون بالتألّه والمحبة والخوف والرجاء، ولا يكون إلا لله وحده، ومن صرفه لغيره فقد أشرك بالله، كما قال تعالى: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾ (سورة النجم، الآية 62).
أما سجود التكريم فهو انحناءٌ أو وضعُ الجبهة على الأرض تعظيمًا وتحيةً لشخصٍ بأمر الله أو بإذنٍ في شرعٍ سابق، دون اعتقاد ألوهيته أو عبادته، كما وقع في سجود الملائكة لآدم أو سجود إخوة يوسف له، وكان جائزًا في بعض الشرائع ثم نُسخ في شريعة الإسلام، فلا يجوز الآن إلا لله.

الحكمة التربوية والواقعية من سجود الملائكة لآدم

  • ترسيخ مركزية العلم، فالتقدُّم البشري لا ينهض بالانتماء الجسدي لآدم، بل بالوفاء لـ«ميثاق العلم»؛ فحيثُ غاب العلم، تعطَّل معنى السجود.

  • الكرامة مقرونةٌ بالمسؤولية، وتكريمُ بني آدم ليس صكًّا للاستهلاك، بل تكليف بالأمانة.

  • مكافحةُ الكِبر والتمييز، فلا فضلَ لنارٍ على طين، ولا لجنسٍ على جنس؛ ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (سورة الحجرات، الآية 13).

  • فقهُ الامتثال، فإذا صح الأمرُ عن الله ورسوله، كان التسليمُ هو قوام العبودية، مع فتحِ بابِ السؤال للتثبُّت والفهم، لا للمِراء والتعالي.

  • عمارةُ الأرض، والسجودُ كان عتبةَ الاستخلاف؛ فلا معنى لتتبُّع «حكمة السجود» ونحنُ نضيِّع حكمةَ الخلافة: العلم، والعدل، والرحمة، والإحسان.

أسئلة شائعة

هل سجدت الملائكةُ لعبادة آدم؟

لا. العبادة لا تكون إلا لله، فالسجودُ كان تحيةً وتكريمًا بأمر الله، أو سجودًا لله جُعلَ آدم قبلةً لهم، والدليل تحريم النبي ﷺ السجودَ لغير الله في شريعته.

لماذا كان الأمرُ بالسجود بعد «نفخة الروح»؟

للدلالة على أن شرف الإنسان بروحه وعقله وما وهبه الله من قابلية العلم والبيان؛ فلما اكتملت إنسانيته ظهرت أهليته للتكريم.

ما دور «تعليم الأسماء كلها» في التفضيل؟

هو الوجه الأبرز للتفضيل؛ إذ أعلم اللهُ آدمَ مسمَّيات الأشياء وخصائصها أو أصولَ اللغات ودلالاتها، فظهر تفوقه العلمي، فاستحق التكريم والاستخلاف.

أليس إبليس من الملائكة وقد عصى؟

نفى القرآنُ ذلك صراحة: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ (سورة الكهف، الآية 50)، فلا تعارض مع عصمة الملائكة.

هل يشرع اليوم سجودُ التحية؟

لا. نُسِخ، وحُصر السجودُ في حق الله، وأبوابُ التعظيم المشروع كثيرة كالسلام، أو المصافحة، أو القيام استقبالًا، أو التوقير، أوالدعاء…

ما العلاقة بين السجود والاستخلاف؟

السجود تتويج للاستخلاف، وإشهاد على أن معيار الاستحقاق هو العلمُ والامتثال، لا «مادة الخلق» ولا «الانتماء».

في الختام، قد عرفنا الجكمة من سجود الملائكة لآدم، وهي أن الله شاء أن يرفع الإنسانَ بالعلم والروح والتكليف، لا بالطين والهوى، وجحد إبليس لأن الكبر أعمى بصيرته، وبين سجودِ الملأ الأعلى وكِبرِ إبليس يتحدد مصيرُ الإنسان في كل عصر إما طاعةٌ تُنتج علمًا وعمارةً، أو استكبارٌ يُنتج خرابًا وضياعًا،فكن على طريقِ الساجدين طاعةً لله، وطلبًا للعلم، وقيامًا بالأمانة؛ فذلكم هو جوهرُ الحكمة من سجود الملائكة لآدم.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index