إعرف دينكأسئلة

كيف تكون صلاة الغائب؟

تعرف على كيفية صلاة الغائب

Spread the love
كيف تكون صلاة الغائب؟

تمر لحظات حزينة في حياة المسلم يسمع فيها عن وفاة قريب أو صديق أو عالم جليل، لكن المسافة أو الظروف تحول بينه وبين حضور جنازته، وفي هذه اللحظات يفتح الشرع بابًا رحيمًا يُسمى صلاة الغائب، ليؤكد أن أخوة الإيمان لا تقف عند حدود الجغرافيا، وأن الدعاء والمشاركة في أجر الجنازة ممكنة حتى من بعيد.

صلاة الغائب رسالة وفاء، وإعلان أن المسلم لا ينسى أخاه حيًّا أو ميتًا، وأن الدعاء له حق لا يسقط ببعد المسافة، وقد أرسى النبي ﷺ هذا المبدأ العظيم عندما صلى على النجاشي ملك الحبشة، الذي مات في أرض بعيدة، فقال لأصحابه: «إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ» (رواه البخاري ومسلم).

تعريف صلاة الغائب

صلاة الغائب هي صلاة الجنازة التي تؤدى على ميت مسلم غاب جسده عن بلد المصلي، لكونه في مكان بعيد يتعذر إحضاره، أو لأنه مات في بلاد الكفار ولم يُصلَّ عليه هناك.

الأدلة على مشروعية صلاة الغائب

من السنة النبوية

عن  عمران بن الحصين رضي الله عنه قال أن النبي ﷺ نعى النجاشي صاحب الحبشة يوم الذي مات فيه وقال: “إنَّ أخًا لَكُمْ قدْ ماتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عليه” (رواه البخاري ومسلم)، وذلك دليل صريح على مشروعية الصلاة على الغائب، كما أن الصحابة رضوان الله عليهم صلوا على أرواح من مات في أرض بعيدة دون أن يحضروا جنازته.

من القرآن الكريم

رغم أن القرآن لم يذكر صلاة الغائب نصًا، إلا أن عموم النصوص التي تحث على الدعاء للمؤمنين تشملها، مثل قوله تعالى: “وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ” (سورة الحشر، الآية 10).

رأي العلماء في مشروعية صلاة الغائب

قال الإمام النووي الشافعي في المجموع (ج5، ص212): “صلاة الغائب سنة، سواء صُلي عليه في بلد موته أم لا، لما ثبت أن النبي ﷺ صلى على النجاشي مع صلاتهم عليه في أرضه”.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني (ج2، ص526): “إذا مات رجل مسلم ببلد ولم يُصلَّ عليه، صلى عليه المسلمون صلاة الغائب، كما صلى النبي ﷺ على النجاشي”.
وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع (ج1، ص314): “إنما تُشرع صلاة الغائب إذا لم يُصلَّ عليه في مكانه، فإن صُلي عليه لم تُشرع”.
وقال الإمام مالك في المدونة الكبرى (ج1، ص262): “لا يصلي أحد على غائب، وإنما ذلك خاص بالنبي ﷺ في النجاشي”.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (ج5، ص349) أن صلاة الغائب مشروعة إذا لم يُصلَّ عليه، جمعًا بين الأدلة، وأن فعل النبي ﷺ مع النجاشي لم يكن خصوصية له، بل لعدم وجود من يصلي عليه هناك.

بذلك يتبين أن الشافعية والحنابلة يجيزون صلاة الغائب مطلقًا أو بشروط، والحنفية يجيزونها إذا لم يُصلَّ عليه، والمالكية يرونها خصوصية للنبي ﷺ.

حكم صلاة الغائب

صلاةُ الجنازة في أصلها فرض كفاية باتفاق المذاهب يقوم بها مَن يكفي فتسقط عن الباقين، وقد نصَّ على ذلك الأئمة ونقلوا عليه الإجماع، كالنَّووي في “المجموع” والفتاوى الرسمية لدار الإفتاء المصرية.

بالنسبة للحُكم بما أنَّ صلاة الغائب هي ذات صلاة الجنازة، فالأصل أنها من جنس فرض الكفاية يتعلَّق الطلب بإقامة الصلاة على الميت. فإن لم يُصلَّ عليه في موضعه تعيَّن على مَن عَلِم من المسلمين إقامةُ صلاة الغائب حتى يسقط الفرضُ بهم، وقد نصَّ فقهاء الشافعية على أنّ مَن أجازها قال: “تسقط بها فرضُ الكفاية”، واستثنَوا ابنَ القطان، كما قرَّر ابنُ حجر هذا المعنى.

تسقط صلاة الجنازة بفعل البعض، وذلك مذكور صراحة في كلام النَّووي (وفيه: يكفي واحدٌ على الأصح)، وفي فتاوى معاصرة موثوقة كدار الإفتاء المصرية، وكذلك في تقريرات فقهية وفتاوى كبار العلماء.

متى تُشرع صلاة الغائب؟

  • إذا مات مسلم في بلد بعيد ولم يُصلَّ عليه أحد (اتفاق العلماء).

  • إذا مات في بلاد غير المسلمين ولم يتيسر أداء الصلاة عليه.

  • إذا كان للميت فضل على الأمة كما فعل النبي ﷺ مع النجاشي.

  • في حالات الكوارث العامة التي يموت فيها مسلمون ولا يمكن الصلاة على كل جنازة.

كيف تكون صلاة الغائب؟
كيف تكون صلاة الغائب؟

كيفية أداء صلاة الغائب

النية

يُستحب أن ينوي: “أصلي على فلان صلاة الغائب”، ويكفي أن تكون النية في القلب.

القيام

صلاة الجنازة قائمة على القيام، فلا تصح من القادر على القيام إذا جلس.

الخطوات

  • التكبيرة الأولى: الفاتحة.

  • التكبيرة الثانية: الصلاة الإبراهيمية.

  • التكبيرة الثالثة: الدعاء للميت، ومنه:

    “اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه…” (رواه مسلم).

  • التكبيرة الرابعة: دعاء عام للمسلمين.

  • التسليم: تسليمة واحدة أو اثنتان.

شروط صلاة الغائب

  • تحقق موت الغائب مسلمًا، فلا تُصلَّى على الكافر، لقوله ﷺ: “صلُّوا على من قال لا إله إلا الله” (رواه البخاري ومسلم بمعناه).

  • أن يكون الغائب في بلد آخر، بحيث يتعذر حضور جنازته أو الصلاة عليه، كما في قصة صلاة النبي ﷺ على النجاشي ملك الحبشة (صحيح البخاري حديث 3877، وصحيح مسلم حديث 951).

  • ألا يكون قد صُلّي عليه في مكان وفاته عند جمهور العلماء، لأن صلاة الجنازة فرض كفاية، فإذا أُدِّيت في بلده سقط الفرض، إلا إذا كان المصلي من قرابته أو له حق خاص عليه على قول بعض الفقهاء (الشافعية والحنابلة).

  • أن تؤدَّى على صفة صلاة الجنازة: أربع تكبيرات، قراءة الفاتحة بعد الأولى، الصلاة على النبي ﷺ بعد الثانية، الدعاء للميت بعد الثالثة، ثم التسليم بعد الرابعة (كما في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه – سنن أبي داود 3199).

  • نية صلاة الجنازة على الغائب: إذ النية شرط لصحة الصلاة لقوله ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات” (صحيح البخاري 1، وصحيح مسلم 1907).

هل يجوز صلاة الغائب منفردا في البيت؟

نعم، يجوز صلاة الغائب منفردًا في البيت، ولا يشترط لها الاجتماع أو إقامة جماعة، حيث المقصود منها الدعاء للميت والصلاة عليه ولو لم يحضر المصلي جنازته، وقد ثبت أن النبي ﷺ صلى على النجاشي صلاة الغائب ومعه الصحابة، لكن أهل العلم بيَّنوا أن الفرد لو صلاها وحده نال الأجر إن شاء الله، لأنها من جنس صلاة الجنازة التي تصح فرادى كما تصح جماعة، وقال الإمام النووي رحمه الله في المجموع (5/212): “تصح صلاة الجنازة فرادى، وتجوز على الغائب كما جرت سنة النبي ﷺ”، فالمراد تحصيل الدعاء للميت وطلب الرحمة له سواء في المسجد أو في البيت، وسواء مع الجماعة أو منفردًا.

هل تجوز صلاة الغائب على الميت بعد دفنه؟

تجوز صلاة الغائب على الميت بعد دفنه إذا لم يكن قد صُلِّي عليه أصلًا، أو كان في بلد بعيد لم يُصَلَّ عليه فيه، لحديث النبي ﷺ حين صلَّى على النجاشي ملك الحبشة بعد وفاته ودفنه في أرضه، حيث قال: “إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه” (متفق عليه)، أما إذا كان قد صُلِّي عليه صلاة الجنازة في موضعه، فالجمهور على أن صلاة الغائب حينها لا تُشرع، خروجًا من الخلاف واتباعًا للسنة.

هل تجوز صلاوة الغائب للنساء؟

تجوز صلاة الغائب للنساء، ولا يوجد في الشريعة ما يمنعهن من أدائها، فهي كغيرها من الصلوات المشروعة التي يشارك فيها الرجال والنساء على حد سواء، فإذا بلغ المرأة خبر وفاة مسلم في بلد آخر ولم تُصلَّ عليه صلاة الجنازة هناك جاز لها أن تصلي عليه صلاة الغائب؛ سواء في بيتها منفردة أو في جماعة من النساء، وقد نص على ذلك عدد من الفقهاء، مستدلين بعموم الأدلة التي شرعت صلاة الجنازة للرجال والنساء، وبأن النساء كن يصلين على الجنائز في عهد النبي ﷺ.

فضل الصلاة على الميت

فضل الصلاة على الميت عظيم في الإسلام، فهي من حقوق المسلم على أخيه، وفيها شفاعة ودعاء له بالرحمة والمغفرة، وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: مَن تَبِعَ جِنازةً حتى يُصلَّى عليها، ويُفرَغَ منها، فله قيراطانِ، ومَن تَبِعَها حتى يُصلَّى عليها، فله قيراطٌ، والذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه لهو أثقَلُ في ميزانِه من أُحُدٍ [رواه البخاري ومسلم]، أي أن أجرها عظيم كجبل ضخم من الحسنات.

والصلاة على الميت رحمةً به وتخفيفًا عنه، وهي كذلك تذكير للأحياء بالآخرة وحثٌّ لهم على الاستعداد لها. 

فهنيئًا لمن وفقه الله لأداء هذه الصلاة بإخلاص، فهي عبادة تجمع بين نفع الميت ونفع الحي، وتفتح أبواب الرحمة والفضل من الله عز وجل.

في الختام، صلاة الغائب شعيرة عظيمة تجسد روح الأخوة الإيمانية، وتربط القلوب برباط الدعاء والرحمة، حتى وإن فرَّقت بين الأحياء والأموات المسافات والحدود، كما أنها رسالة بأن المسلم لا ينسى أخاه بعد موته، بل يمد له يد الدعاء والشفاعة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فلتكن هذه الصلاة تذكرة لنا بضعفنا وفنائنا، وحافزًا لاغتنام أعمارنا في طاعة الله، علَّنا نُصلَّى يومًا ونحن في قبورنا، فينالنا من دعاء إخواننا ما يثقل ميزان حسناتنا {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}.

زر الذهاب إلى الأعلى
Index