أركان الإيمان، حين نتأمل في جوهر الدين الإسلامي نجد أن الإيمان هو النبع الصافي الذي تستمد منه القلوب قوتها، والعقول هدايتها، والأنفس طمأنينتها، فالإيمان يقين عميق يملأ القلب، ويترجم في السلوك، وينعكس على الأخلاق والمعاملات، وقد جعل الله تعالى للإيمان أركانًا ثابتة لا يكتمل إلا بها، كما جاء في حديث جبريل المشهور الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن جبريل سأل النبي ﷺ عن الإيمان فقال: “أن تؤمِنَ باللَّهِ وملائكتِهِ ورسلِهِ وكتبِهِ واليومِ الآخرِ والقدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ”.
ستة أركان هي بمثابة الجذور التي يتغذى منها شجر الإيمان في قلب العبد، فإذا ثبتت هذه الجذور، أزهرت في حياته طاعةً ورضًا وسعادة، وإذا ضعفت أو اقتلعت، يبست الأغصان وذبلت الأوراق، فهيا بنا نفتح هذه الأبواب الستة، بابًا بابًا، وكأننا نطرق على أبواب الجنة من خلال فهمنا لها والعمل بها.
أركان الإيمان الستة
الركن الأول: الإيمان بالله تعالى
معنى الإيمان بالله
الإيمان بالله ليس مجرد الاعتراف بوجوده سبحانه، بل هو يقين يملأ القلب، ويجعل صاحبه يعيش لله، ويحب لله، ويعمل لله، وأن توحده في ربوبيته، وتفرده في ألوهيته، وتثبت له ما أثبته لنفسه من أسماء وصفات.
وأقسام التوحيد ثلاثة وهي:
-
توحيد الربوبية: أن تؤمن أن الله وحده هو الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [سورة الزمر، الآية 62].
-
توحيد الألوهية: أن تصرف العبادة كلها لله وحده، قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [سورة الإسراء، الآية 23].
-
توحيد الأسماء والصفات: أن تصف الله بما وصف به نفسه، بلا تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} [سورة الأعراف، الآية 180].
فمن امتلأ قلبه بهذا الإيمان عاش مطمئنًا لا يخاف إلا الله، ولا يرجو إلا فضله، ولا يطلب العون إلا منه، وعندما تضيق عليه الدنيا يرفع يديه قائلًا: “حسبي الله ونعم الوكيل”، فيجد الفرج أقرب مما يظن.
الركن الثاني: الإيمان بالملائكة
حقيقة الملائكة
الملائكة عباد مكرمون خلقهم الله من نور، وجعلهم خُدامًا لأوامره، لا يملُّون الطاعة، ولا يعرفون المعصية، قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [سورة الأنبياء، الآيتين 26-27]، والإيمان بالملائكة يشمل الإيمان بوجودهم، والإيمان بأسمائهم (كجبريل وميكائيل وإسرافيل)، والإيمان بمهامهم.
مهام الملائكة
-
جبريل عليه السلام أمين الوحي ينزل بالرسالات على الأنبياء.
-
ميكائيل عليه السلام موكل بالأرزاق وإنزال المطر.
-
إسرافيل عليه السلام موكل بالنفخ في الصور يوم القيامة.
-
ملك الموت يقبض الأرواح.
-
الكرام الكاتبو: يسجلون أعمال العباد، قال تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق، الآية 18].
فإذا أيقنت أن هناك ملائكة تكتب كل كلمة تقولها، وكل فعل تفعله، ستستحي أن تُسجل عليك سيئة، وستحرص على أن يكتبوا لك حسنات كثيرة.
الركن الثالث: الإيمان بالكتب السماوية
الإيمان بالكتب السماوية هي أن تؤمن بأن الله أنزل كتبًا على أنبيائه، فيها الهدى والنور، لهداية البشر إلى الحق.
الكتب السماوية المذكورة في القرآن
-
القرآن الكريم نزل على نبينا محمد ﷺ.
-
الإنجيل نزل على عيسى عليه السلام.
-
التوراة نزل على موسى عليه السلام.
-
الزبور نزل على داود عليه السلام.
-
صحف إبراهيم وموسى.
القرآن الكريم آخر الكتب السماوية، وأكملها، ومهيمن على ما قبله، ومحفوظ من التحريف، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر، الآية 9].
الإيمان بالكتب السماوية يجعلك تعيش على نور الوحي، تسترشد به في حياتك، وتزن به أفكارك وأعمالك.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل
الإيمان بأن الله أرسل رسلًا من البشر اصطفاهم وشرَّفهم بالوحي، ليكونوا قدوة للبشرية، وينقلوا إليها رسالة ربها، ومن صفاتهم الصدق، والأمانة، والفطانة، والبلاغ المبين.
والإيمان بالرسل يشمل الإيمان بأن رسالتهم من عند الله، والإيمان بمن سمَّاهم الله في كتابه، ومن لم يُسمِّهم نؤمن بهم إجمالًا، والإيمان بأن محمدًا ﷺ خاتم الأنبياء.
الغاية من إرسال الرسل تبليغ أوامر الله ونواهيه، وإقامة الحجة على الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، والله تعالى قال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلطَّاغُوتَ} [سورة النحل، الآية 36].
الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بكل ما سيحدث بعد الموت من فتنة القبر، والبعث، والحساب، والجنة والنار، ومراحله هي:
-
عالم البرزخ وهو الحياة بين الموت والبعث.
-
البعث والنشور وهو خروج الناس من قبورهم.
-
الحساب والميزان وهو عرض الأعمال وموازنتها.
-
الصراط جسر فوق جهنم.
-
الجزاء إما جنة وإما نار.
قال تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا} [سورة الحج، الآية 7]، فالإيمان باليوم الآخر يجعل القلب يقظًا، ويخطط لكل يوم كأنه آخر أيامه.
الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره
الإيمان بالقدر خيره وشره هو أن تؤمن أن كل ما يقع في الكون، خيره وشره، فهو بتقدير الله وعلمه ومشيئته، ومراتبه الأربع هي:
-
الله يعلم ما كان وما سيكون.
-
كتب الله مقادير الخلق.
-
ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
-
الله خالق كل شيء.
قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [سورة القمر، الآية 49]، فالإيمان بالقدر يجعل المسلم راضيًا، لا يتكبر إذا أنعم الله عليه، ولا ييأس إذا ابتلاه.
✨ كل ركن من هذه الأركان يدعم الآخر، فمن آمن بالله لزمه أن يؤمن برسله، ومن آمن بالرسل، آمن بما جاؤوا به من كتب، ومن آمن بالكتب، صدَّق باليوم الآخر، ومن صدََّق باليوم الآخر، سلم لله في قضائه وقدره.
كيف تعيش أركان الإيمان في حياتك اليومية
أركان الإيمان منهج حياة، وميزان قلب، وطريق سلوك، وأن تعيش أركان الإيمان يعني أن تتحول من مجرد “عارف” إلى “سالك” و”عامل” و”شاهد” على أثرها في نفسك وفي واقعك.
- عش مع الله في كل لحظة، ففي الصلاة لا تؤدها كحركات بل كوقوف بين يدي الملك جل جلاله تحدثه وتناجيه، وفي الرزق لا تعلِّق قلبك بوظيفتك أو تجارتك علِّقه بالرازق وقل “اللهم اكفني بحلالك عن حرامك”، وفي الخوف والرجاء فإذا أظلمت الدنيا تذكر أن الله هو النور وإذا ضعفت قوتك تذكر أن الله هو القوي، فجرب أن تبدأ يومك بذكر الله عشر دقائق ستجد أثرًا عجيبًا في طمأنينتك طوال اليوم.
-
استحضر مراقبة الملائكة لك فقبل أن تتكلم كلمة تخيل الملك عن يمينك يكتبها فتختار أجملها، وقبل أن تفعل فعلًا تذكر أن الملائكة تشهد فتجعل عملك صالحًا، وعندما تصلي أو تقرأ القرآن استشعر أن الملائكة تحفك وتدعو لك، وقبل النوم سلِّم على ملائكتك بحمد الله على ما كتبت أيديهم من خير، واعتذر من ربك عما سجل من تقصير.
-
اجعل القرآن رفيقك اليومي، وخصص وقتًا يوميًا لتلاوة القرآن بتدبر ولو عشر آيات، وطبق ما تقرأ فورًا فالقرآن جاء للعمل لا للزينة، واجعل آية أو حديثًا شعار يومك تطبقه وتذكره، فإذا قرأت {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} فابحث اليوم عن فرصة للإحسان لشخص ما.
- اقرأ سيرة النبي ﷺ كل أسبوع ولو صفحة واتخذه قدوة، وعندما تواجه موقفًا صعبًا اسأل نفسك: كيف كان سيتصرف رسول الله ﷺ؟، وادعُ الناس إلى الخير كما كان يفعل الأنبياء، بالحكمة والموعظة الحسنة، واختر خُلقًا من أخلاق النبي ﷺ وطبقه أسبوعًا كاملًا حتى يصير عادة.
-
تذكر النهاية دائمًا، وضع في غرفتك أو مكتبك عبارة تذكرك بالآخرة مثل: “الرحلة قصيرة”، وقبل أن تتخذ قرارًا فكر: هل يرضي الله؟ هل ينفعني يوم القيامة؟، وتذكر الموت كل يوم لا لتخاف بل لتعمل بجد، وزر المقابر للموعظة وادعُ للموتى وتذكر أنك ستكون واحدًا منهم يومًا ما.
-
سلِّم وارضَ بقضاء الله وقدره، فإذا حدث ما تحبه احمد الله وقل: “هذا من فضل ربي”، وإذا حدث ما تكرهه قل: “قدر الله وما شاء فعل” وفتش عن الخير المخفي فيه، ولا تحمل هم الغد فالغد مكتوب لكن اعمل له كأنك تكتبه الآن.
أثر أركان الإيمان في حياة المسلم
-
الاستقامة على الطاعة؛ لأن القلب الموقن لا يلتفت للمعصية.
-
الثبات عند الشدائد؛ لأنه يعلم أن الأمر بيد الله.
-
حسن المعاملة مع الناس اقتداءً بالرسل.
-
العمل للدنيا والآخرة؛ لأنه يستحضر يوم الحساب.
في الختام، أركان الإيمان منهج حياة تبني شخصية المسلم المتزنة، وتجعله ثابتًا في زمن الفتن، ومن أراد السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة، فليتمسك بها قلبًا وقالبًا، وعلمًا وعملًا، والله تعالى قال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [سورة النحل، الآية 97].
المصدر