إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

كيفية تربية الأبناء في الإسلام (خطط عملية أسبوعية)

تعرف على كيفية تربية الأبناء في الإسلام مع خطط عملية أسبوعية

Spread the love
كيفية تربية الأبناء في الإسلام (خطط عملية أسبوعية)

تربية الأبناء في الإسلام ليست مهمة عابرة، ولا جهدًا مؤقتًا، بل هي رسالة مقدسة حملها الآباء والأمهات تكليفًا من الله تعالى، وجعلها من أعظم صور العبادة، فالولد أمانة، وقلوب الأبناء تُصاغ كما يُصاغ الطين في يد الحاذق، إن أُهملت تشكَّلت على هوى الشيطان، وإن رُويت بماء الإيمان أنبتت صلاحًا وهدًى، والله تعالى يقول في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
(سورة التحريم، الآية 6)، فهذه الآية الكريمة تختصر منهج الإسلام في التربية وهو وقاية النفس والأهل من النار أي بحسن التعليم والتربية والقدوة.
والنبي ﷺ أيضًا قال:«كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رواه البخاري ومسلم)، ولأن التربية عمل ممتد يتطلَّب الصبر والحنان والحكمة، كان من الضروري أن تكون منهجًا منظمًا لا عشوائية فيه، ومن هنا تأتي فكرة الخطة الأسبوعية التربوية المستمدة من الهدي النبوي وأصول التربية الإسلامية، لتجعل من كل يوم فرصة لتزكية روح الطفل وتنمية عقله وخلقه.

أسس تربية الأبناء في الإسلام

قبل أن نضع خطة عملية لا بد أن نُرسِّخ الأسس التربوية الإسلامية التي عليها يُبنى العمل، ومن أهم هذه الأسس:

القدوة الحسنة

من أهم ركائز التربية في الإسلام أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما، لأن القدوة تغرس ما لا تغرسه الكلمات، وتُقنع بما لا تُقنع به الأوامر، فالطفل لا يتعلَّم فقط مما يُقال له، بل مما يراه ويشهده في سلوك من حوله، ولذلك قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (سورة الأحزاب، الآية 21).

لقد جعل الله نبيه ﷺ نموذجًا تربويًا يُقتدى به قبل أن يكون مبلِّغًا للتشريع، ليُعلِّمنا أن السلوك أبلغ من الوعظ، فحين يرى الابن والده يحافظ على صلاته، سيحب الصلاة دون أن يُجبر؛ وحين ترى البنت أمها تُراعي عفَّتها وحياءها، ستتشبَّه بها من تلقاء نفسها.

فالقدوة تُنشئ جيلًا مستقيمًا دون إكراه، وتجعل الطاعة طبيعية لا مفروضة، وفي البيوت المؤمنة لا يعلو الصوت بالأمر قبل أن يسبق الفعل بالقدوة، لأن التربية الحقيقية أن تكون أنت ما تريد أن يكونه ابنك، فمن أراد أبناءً صادقين، فليكن هو الصدق في كلامه؛ ومن أراد أبناءً رحيمين، فليكن هو الرحمة في بيته؛ ومن أراد أبناءً صالحين، فليكن هو الصلاح أمام أعينهم.

وهكذا يتربَّى الأبناء دون أن يشعروا بأنهم يتعلَّمون، لأنهم ببساطة يعيشون المثال أمامهم كل يوم.

الرحمة والحوار

قال رسول الله ﷺ: «مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ» (رواه البخاري)،روكان ﷺ يقبِّل الحسن بن على رضوان الله عليهم ، حتى قال الأقرع بن حابس: إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلت أحدًا منهم، فقال له النبي ﷺ: «مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ».

ومن أروع ما ميِّز منهج النبي ﷺ في التربية أنه ربَّى بالرحمة والحوار لا بالقسوة والأوامر الجافة، فكان ﷺ يجلس مع الأطفال، ويُداعبهم، ويُجيب عن أسئلتهم، ويجعلهم يشعرون بأن لهم قدرًا واحترامًا.
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَلَا لِمَ صَنَعْتَ، وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ»،فانظر كيف كان الحوار واللين أساس التربية النبوية.
وإذا كان الطفل يشعر بالأمان في حضن أبيه وأمه، فإنه سيفتح قلبه لهما، وسيُخبرهما بما يدور في نفسه دون خوف أو كذب، أما القسوة فتزرع الجفاء، وتجعل الحوار مستحيلًا، فتضيع فرصة التربية من الأصل، ولهذا فإن أعظم تربية هي التي تُربَّي بالرحمة، وتُصحَّح بالحوار، وتُهذَّب بالحب.

العقيدة قبل السلوك

الإيمان هو أصل التربية، فالإسلام لا يريد طفلًا مطيعًا فحسب، بل مؤمنًا يعرف ربَّه ويخشاه، ولذلك كان أول ما علَّم النبي ﷺ لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ» (رواه الترمذي).

فالإسلام دين يبدأ من القلب قبل الجوارح، ومن الإيمان قبل الأوامر، ومن النية قبل العمل، فلا قيمة لسلوك حسن بلا إيمانٍ راسخ، ولا معنى لأدب ظاهري إن لم ينبع من عقيدة تُراقب الله وتخشاه.

والمقصود بالعقيدة قبل السلوك أن الإيمان بالله ومعرفته ومحبته والخشية منه هي الجذر الذي تنبت منه الأخلاق والسلوك، فإذا تعلَّم الطفل الصلاة قبل أن يعرف “لمن يصلي”، فستصبح الصلاة عادة لا عبادة، وإذا تعلَّم الأدب والصدق دون أن يعرف أن الله مطَّلع عليه، فسيتخلَّى عنه متى غاب الرقيب.

فنجد حين بعث اللهُ نبيَّه ﷺ في مكة لم يأمر الناس بالصلاة والزكاة والصوم أولًا، بل أمرهم أن يقولوا الشهادتين ويستشعروا معناها، وظل ثلاث عشرة سنة في مكة كانت كلها تربية إيمانية — يغرس في قلوبهم التوحيد، والصبر، والاعتماد على الله، والإيمان بالآخرة، ثم حين استقر الإيمان في نفوسهم جاءت الأوامر الشرعية فاستقبلوها بالحب لا بالإكراه، وهذا التدرُّج النبوي يُعلِّمنا أن نغرس في أطفالنا العقيدة قبل التكليف، والمعنى قبل الشكل.

علم ابنك من هو الله قبل أن تأمره بالصلاة، واجعل حديثك عن رحمة الله وعن قدرته وعن خلقه وعن حبَّه لعباده، فقل له: “الله هو الذي رزقك الطعام، والله يسمع دعاءك، والله يحب من يبتسم”، وبهذه البساطة يُصبح قلبه معلقًا بربه.

واجعل كل عبادة مرتبطة بمعناها العقائدي، فلا تقل له “صلِّ لأنك يجب أن تصلي”، بل قل: “نصلي لأننا نحب أن نكلم الله، ولأن الله يحب من يقف بين يديه”، واربط الأخلاق بالإيمان، فحين تأمره بالصدق، قل له: “الله يحب الصادقين”، ولا تقل فقط: “من يكذب يُعاقَب”، فالأول يُنشئ ضميرًا حيًّا، والثاني يُنشئ خوفًا مؤقتًا.

وبهذه الطريقة نُنشأ طفلاً يعبد الله عن حب لا عن عادة، وحين يترك الخطأ يتركه لأنه حرام وليس لأنه ممنوع أمام الناس، كما ينشأ الطفل ثابت أمام الفتن، فصاحب العقيدة لا يغيِّره المجتمع، لأنه يستمد قيمه من السماء لا من الناس.

التحفيز لا التوبيخ

التربية في الإسلام تقوم على البناء لا الهدم، وعلى التشجيع لا التحطيم، وعلى الكلمة الطيبة لا الصراخ.
فالتحفيز هو أن نوجِّه الطفل إلى الصواب بطريقة تُشعره بالقيمة والقدرة، بينما التوبيخ هو أن نجرِّده من ثقته بنفسه أمام خطئه.

والطفل يحتاج أن يشعر أن والده أو والدته يؤمنان بقدرته على الإصلاح حتى لو أخطأ، فإذا كسر شيئًا أو نسي أداء واجب، بدل أن نقول له: “أنت دائمًا مهمل” يمكن أن نقول: “أعرف أنك ناسي اليوم، لكنك عادةً تهتم بواجبك، وأنا واثق أنك ستتداركه”، وبهذه الطريقة نغرس في نفسه صورة إيجابية عن ذاته، فيحاول فعل الخير لا لأنه خائف، بل لأنه يريد أن يكون كما وصفه والده.

والجدير بالذكر أن الإسلام لا يمنع التوبيخ مطلقًا، لكنه يضع له شروطًا:

  • أن يكون هادئًا لا غاضبًا.

  • أن يكون بينك وبينه فقط، لا أمام الآخرين.

  • أن يُركِّز على الفعل لا على الذات (قل: “هذا الفعل خطأ”، ولا تقل: “أنت سيئ”).

  • أن يُتبع بالتوجيه والحل، لا بالصمت والهجر.

فالنبي ﷺ لما أخطأ بعض الصحابة، لم يجرحهم، بل قال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا…»، فلم يسمِّهم، بل علَّمهم برفق.

ونتيجة التحفيز ينشأ الطفل واثقًا بنفسه ومحبًّا للخير إيجابيًّا، ويتعلَّم أن الخطأ فرصة للتعلُّم لا للعار، ويحب والديه ويتقرَّب منهما، لأنهما مصدر أمان لا خوف، ويزداد ارتباطه بالله لأنه يرى ربه رحيمًا لا منتقمًا.

واعلم أن التحفيز يُخرِج أفضل ما في الطفل، والتوبيخ يُجمِّد أجمل ما فيه، والتربية النبوية لا تُصلح القلوب بالخوف، بل بالحب والقدوة والكلمة الطيبة.

خطط عملية أسبوعية لتربية الأبناء

السبت: غرس العقيدة والإيمان

ابدأ الأسبوع بزرع الإيمان في قلب الطفل، فالأساس هو علاقته بالله، ويمكنك أن تحكي له قصة من قصص الأنبياء تبين قدرة الله وعدله، مثل قصة نوح عليه السلام أو إبراهيم عليه السلام حين رُمي في النار، وعلِّمه دعاءً قصيرًا كل أسبوع، مثل:«اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ».

وخصص وقتًا للأسئلة الإيمانية: من خلقنا؟ لماذا نصلي؟ أين الله؟ وكن صبورًا في الإجابة بلغة تناسب سنه، واجعل في هذا اليوم وقتًا لتلاوة القرآن معًا ولو عشر آيات، حتى تعمق الإيمان والارتباط بالله فيه منذ الصغر.

الأحد: التربية بالقرآن

القرآن هو المنهج التربوي الخالد، فمنه تُستمد القيم والآداب، فاختر آية قصيرة يوميًا، واقرأها لطفلك مع تفسير مبسط مثل قوله تعالى:﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (سورة البقرة، الآية 83)، واطلب من طفلك أن يطبِّقها عمليًا في البيت، وفي كلامه مع إخوته وأصدقائه.

ويمكنك تخصيص وقت لتحفيظه جزء يسير من سورة قصيرة مع الثناء عليه عند الحفظ، حتى تربط القرآن بالحياة لديه، لا بالحفظ فقط.

الاثنين: غرس الأخلاق النبوية

قال ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ» (رواه مالك)

اختر خلقًا واحدًا كل أسبوع (الصدق – الأمانة – الحياء – الحلم…)، وتحدث مع طفلك عنه من خلال مواقف واقعية أو قصص الصحابة، واجعل يُشارك في كتابة لوحة بعنوان “خُلق الأسبوع” تُعلق في المنزل، واستخدم معه أسلوب المكافأة المعنوية لا المادية، حتى تبني شخصية إسلامية ذات خلق قويم.

الثلاثاء: المسؤولية الاجتماعية وخدمة الآخرين

علِّم ابنك أن المسلم ليس منعزلًا، بل نافعًا للناس، فيمكنك أن تجعله يُشاركك في عمل خيري بسيط كتوزيع طعام على محتاج، أو تنظيف فناء المنزل معًا بنية الخير، واقرأ له حديث النبي ﷺ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» (رواه الطبراني)، وعلِّمه أن الكلمة الطيبة والابتسامة من أعظم الصدقات، وكل ذلك حتى تربي فيه تربية روح الإحسان والمسؤولية.

الأربعاء: الانضباط والالتزام

ليتعلم الطفل النظام منذ الصغر، فالإسلام دين النظام والوقت، فقم بتنظيم جدولًا بسيطًا له يحتوي على وقت للنوم ووقت للدراسة ووقت للعب، وذكِّره بحديث النبي ﷺ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (رواه البخاري)، واجعل له مهمة منزلية محددة يؤديها أسبوعيًا مثل ترتيب مكتبه أو سقي النباتات، وبذلك تربي فيه روح الانضباط والمسؤولية الذاتية.

الخميس: الحوار والمصارحة

الحوار جسرُ المحبة بين الوالدين والولد، فخصص جلسة هادئة مساء الخميس للحديث الحر مع أبنائك دون نقد أو توجيه مباشر، واسألهم: ما الذي أسعدكم هذا الأسبوع؟ ما الذي أزعجكم؟، واستمع أكثر مما تتكلم، فالحوار الصادق يُنشئ الثقة ويُذيب الفجوة، وبذلك تُعزز التواصل النفسي والعاطفي بينك وبين أبنائك.

الجمعة: يوم الروح والتقوى

يوم الجمعة هو تاج الأسبوع وفرصة لغرس حب العبادة في النفوس الصغيرة، فاصحب أبناءك إلى صلاة الجمعة، وفسِّر لهم ما يسمعون من الخطبة، واقرأ معهم سورة الكهف أو بعض آياتها، واذكر فضلها كما قال النبي ﷺ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» (رواه الحاكم وصححه الألباني)، وتحدث عن معنى الشكر على نعم الله، وادعُهم لكتابة “دفتر النعم” يسجِّلون فيه ما أنعم الله به عليهم، وبذلك تجدد الإيمان وشكر النعمة لديهم كل أسبوع.

في الختام، نجد أن تربية الأبناء في الإسلام ليست مشروعًا قصير الأمد، بل هي رحلة عمر تُثمر في الدنيا أبناءً صالحين، وتُثمر في الآخرة أجورًا لا تنقطع، كما قال رسول الله ﷺ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (رواه مسلم)، فاجعل من كل أسبوع لبنة في بناء ولدٍ صالحٍ يعرف ربَّه ويحب دينه ويخدم مجتمعه، ولا تنسَ أن تبدأ بنفسك، فصلاح الأب صلاح للذرية، فابدأ من اليوم وضع خطتك الأولى، واصنع من بيتك منارة إيمان ورحمة وبركة.

اللَّهُمَّ اجعل أبناءَنا قُرَّةَ عينٍ لنا في الدنيا والآخرة، وازرع في قلوبِهم الإيمانَ والرحمةَ وحُبَّ الصلاةِ والقرآن، واهدِهم إلى صراطَك المستقيم، وبارِك لنا في تربيتِهم، واجعلهم من عبادِك الصالحين، يا أرحمَ الراحمين.

المصدر

1، 2، 3

زر الذهاب إلى الأعلى
Index