قصص دينيةقصص الصحابة

في رحاب سيرة أم حبيبة رضي الله عنها رملة بنت أبي سفيان

سيرة أم حبيبة رضي الله عنها والدروس المستفادة منها

في رحاب سيرة أم حبيبة رضي الله عنها رملة بنت أبي سفيان

في سجل أمهات المؤمنين تتلألأ أسماء نساء عظيمات نلنَّ الشرف الأعلى بالزواج من سيد الخلق ﷺ، ومن بينهن أم حبيبة رضي الله عنها رملة بنت أبي سفيان، المرأة التي جمعت بين عظمة النسب، وعراقة الإيمان، وصدق الصبر، ورجاحة العقل.

سيرتها نموذج حي للمرأة المسلمة الصادقة، ولمن تريد أن تتعلم من معاني الثبات، والتضحية، والولاء لله ورسوله، في أحلك الظروف، سنتعرف في هذا المقال على أعماق هذه الشخصية النادرة، ونتأمل صفحات من حياتها، ودروسًا خالدة من سيرتها.

في رحاب سيرة أم حبيبة رضي الله عنها رملة بنت أبي سفيان
سيرة أم حبيبة رضي الله عنها

نسب أم حبيبة رضي الله عنها وأصلها الشريف

هي رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية الأموية، ولدت في بيت من أشراف قريش، وكان أبوها أبو سفيان بن حرب من قادة قريش وساداتهم، وهو من أشد من عادى الإسلام في بداياته، قبل أن يهديه الله لاحقًا، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، فهي بذلك من بني أمية من جهة الأب والأم، وتجمعها بالنبي ﷺ صلة نسب، حيث يلتقي نسبها بنسبه في عبد مناف بن قصي.

قرابة أم حبيبة رضي الله عنها للنبي ﷺ

رغم أن كثيرًا من الناس لا يعلمون، فإن أم حبيبة كانت من أبناء عمومة النبي ﷺ، إذ يلتقي نسبها بنسبه في عبد مناف، فالنبي ﷺ هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

ومن ثم، فهي ليست ابنة عمه المباشرة، لكنها ابنة عمَّه من جهة الجد الأعلى، وهو ما يجعل بعض العلماء يصفونها بأنها ابنة عم النبي توسعًا في النسب كما هو مألوف عند العرب.

إسلامها وهجرتها إلى الحبشة

أسلمت أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها في مكة في وقت مبكر، وهي من السابقات إلى الإسلام، وأسلمت رملة بنت أبي سفيان في مكة في دار الأرقم، مع زوجها آنذاك عبيد الله بن جحش الأسدي، وكان ذلك قبل الهجرة الأولى إلى الحبشة، وقد قوبل إسلامها بغضب من أبيها، الذي كان من أشد المعارضين للدعوة.

مع تصاعد الأذى بمكة قرر النبي ﷺ أن يوجه بعض أصحابه للهجرة إلى الحبشة فرارًا بدينهم، وكانت رملة وزوجها عبيد الله ممن هاجروا في الدفعة الثانية.

وكانت هجرتهم تلك تضحية كبيرة، فقد تركت رملة بيتًا من أرقى بيوت قريش، وواجهت حياة الغربة والمشقة، لكنها فضَّلت رضا الله على متاع الدنيا.

وفي أرض الحبشة، ابتلاها الله ببلاء عظيم، حيث ارتدَّ زوجها عن الإسلام وتنصَّر، فثبتت رملة على الإسلام، وابتعدت عنه، وأصبحت غريبة في بلاد غريبة، بلا زوج، ولا سند، ولا أقارب.

ورغم هذا، لم تضعف ولم تتردد، بل ثبتت على الدين، ورفعت رأسها بالإيمان، وكان الله يدَّخر لها خيرًا عظيمًا، لم تكن لتتخيله، وقالت أم حبيبة رضي الله عنها: “رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها، ففزعت، فقلت في نفسي: تغيَّرت والله حاله ، فلما أصبح الصباح دعاني، وقال لي: يا أم حبيبة ، إني نظرت في الدين قبل إسلامي، فلم أرى ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها، ثم أسلمتُ ودخلتُ في دين محمد، ولكني الآن أرجع إلى النصرانية، ففزعت من قوله، وقلت: والله ما هو خيرٌ لك”. 

زواجها من النبي ﷺ

لما بلغ رسول الله ﷺ خبر صبر أم حبيبة وثباتها، أرسل إلى النجاشي يطلبها زوجة، فزفَّها إليه النجاشي بعقد شرعي، وجعل مهرها من بيت المال، في أروع مشهد يخلِّد تكريم الله لعباده الصادقين، فقد عقد النجاشي للنبي ﷺ عليها، ودفع لها مهرًا قدره أربعمائة دينار، وأقام لها وليمة، ثم بعث بها إلى المدينة مع هدية ومجموعة من الصحابة، كما جاء في روايات عدة منها ما في “سير أعلام النبلاء” (2/228) و”طبقات ابن سعد”، ولقد عوضها الله عن الغربة، وعن فقد الزوج، وعن محنتها في الحبشة، بزواجها من خير البشر ﷺ.

مكانتها بين زوجات النبي

رغم أنها كانت من أواخر من دخل بيت النبي ﷺ من أمهات المؤمنين، فإنها حازت احترامًا خاصًا لمواقفها النبيلة ولباقتها، وكانت تحرص على مرضاة النبي ﷺ وتبتعد عن الفتن، ولم يُذكر عنها ما ذُكر عن غيرها من أمهات المؤمنين من مواقف الغيرة الحادة أو الخلاف، بل كانت رزينة، قانعة، حافظة للسكن والمودة، وكانت تحسن علاقتها بأمهات المؤمنين، وقد وصفها العلماء بأنها امرأة عقل ودين.

حتى أنها كانت تحرص على صلة أرحام النبي ﷺ، فكانت تكرم فاطمة وعلي والحسن والحسين، وتحب أهل بيت رسول الله ﷺ محبة صادقة.

موقفها مع والدها أبي سفيان

من أشهر مواقفها التي تدل على صلابة العقيدة وقوة الإيمان، ما حصل يوم صلح الحديبية، حينما دخل أبوها (أبو سفيان) على النبي ﷺ ليجدد العهد بعد خرقه، فزار ابنته أم حبيبة، فلما أراد أن يجلس على فراش رسول الله ﷺ، طوته عنه ومنعته من الجلوس عليه.

فقال لها أبو سفيان: “يا بنية، والله ما أدري، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟!”، فقالت: “بل هو فراش رسول الله ﷺ، وأنت رجل مشرك نجس، فلا أحب أن تجلس عليه”، ويُظهر موقفها هذا ان قوة العقيدة فوق روابط النسب، وتقديم رضا الله على رضا الوالدين في ما يخالف الدين.

ولما أسلم أبوها لاحقًا لم تُسمع منها كلمة شماتة، بل فرحت لإسلامه، كما يليق بابنة مؤمنة تعرف قيمة الهداية.

رواية أم حبيبة رضي الله عنها للحديث النبوي

روت أم حبيبة عدة أحاديث عن رسول الله ﷺ، منها حديث في السنن الأربعة: “من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة، بني له بيت في الجنة”، وكانت تحرص على تعليم النساء ما تتعلمه من النبي ﷺ، وقد ساهمت في نقل السنة مثل باقي أمهات المؤمنين.

وفاة أم حبيبة رضي الله عنها ومكان دفنها

توفيت رضي الله عنها سنة 44 هـ في المدينة المنورة، في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، ودفنت بالبقيع إلى جوار أمهات المؤمنين، وقد جاوز عمرها الستينن، وكان موتها فقدًا كبيرًا في المجتمع الإسلامي، فقد عُرفت بالتقوى والحكمة والمروءة.

صفات أم حبيبة رضي الله عنها

  • الثبات والإيمان، فقد ثبتت في وقت تزل فيه الأقدام، وآثرت دينها على زوجها، ورضا الله على الجاه والراحة، فاستحقت وسام “الثابتات المؤمنات”.
  • الذكاء والفطنة، حيث عُرفت برأيها السديد، ومواقفها الحكيمة، ويكفي من ذكائها موقفها حين عرضت على النبي ﷺ أن يتزوج أختها، رغم أنه لا يجوز الجمع بين الأختين، لكنها أرادت إدخال السرور على قلبه، فبيَّن لها النبي ﷺ الحكم بلطف.

  • الأدب والحياء، فكانت من أرقى النساء أدبًا، ولم تُعرف عنها مشادة أو شكوى، بل كانت صامتة رزينة، يُشع الحياء من أقوالها وأفعالها.

الدروس المستفادة من سيرة أم حبيبة رضي الله عنها

  • قوة المرأة المؤمنة أمام الابتلاء، فأم حبيبة رضي الله عنها نموذج يُحتذى به لكل امرأة مسلمة تواجه المحن سواء كانت في الغربة، أو في الفقد، أو في مواجهة أهلها، فقد ضربت أروع مثل في الثبات.
  • عظمة اختيار الدين على العلاقات، فلم تتردد أم حبيبة رضي الله عنها في الانفصال عن زوجها حين ارتد، ولم تخضع لأبيها لما دخل بيتها، بل جعلت رضا الله فوق كل اعتبار.

  • تكريم الله للصابرات، فقد وقعت في محنة اتداد زوجها عن الإسلام ففارقته واحتسبت وصبرت، وعوَّضها الله بأشرف زوج على وجه الأرض، وهذا درس في أن الصبر لا يضيع أجره عند الله أبدًا.

  • حسن العقل وتقدير المواقف، فكانت أم حبيبة من النساء النادرات في رجاحة العقل، والتصرف في الأوقات الصعبة، ويدل ذلك على أن الإيمان لا يمنع الذكاء، بل يُنميه.

في الختام، سيرة أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها رملة بنت أبي سفيان تُعلمنا أن المرأة المسلمة تستطيع أن تجمع بين العقيدة، والعقل، والعفة، والكرامة، والصبر، والحكمة، حتى وإن وُضعت في ظروف قاسية، فلنقف مع قصتها وقفة تأمل، ونستخرج منها النور الذي يُضيء طريق الإيمان والثبات، في زمان كثرت فيه الفتن، وقلَّت فيه النماذج العملية… رحم الله أم حبيبة، ورضي عنها، وجمعنا بها في مستقر رحمته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

المصدر 

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock