علامات رضا الله عن العبد وكيف يسعى لختام طيب؟ - إقرأ يا مسلم
إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

علامات رضا الله عن العبد وكيف يسعى لختام طيب؟

تعرف على علامات رضا الله عن العبد

علامات رضا الله عن العبد وكيف يسعى لختام طيب؟

علامات رضا الله، من أعظم ما يتمناه المؤمن في حياته هو أن يرضى الله عنه، فليس في الدنيا ولا الآخرة مطلب أعظم من هذا، لأن رضا الله إذا حلَّ على عبد، حلَّت معه البركات، وتوالت الرحمات، وزال عنه الهم، وتيسرت له الأمور، وغُفرت له الذنوب، فالسعيد حقًا هو من أقبل على ربه بصدق، فسعى لرضاه، وختم له بخير.

ولكن: كيف نعرف أن الله راضٍ عنا؟ وما هي علامات رضا الله؟ وكيف يسعى المسلم لختامٍ طيب؟ هذا ما نكشفه في هذا المقال المفصل، مدعومًا بالأدلة الشرعية، ونصائح عملية، وأقوال السلف الصالح، وتفصيل يلامس حياة المسلم اليومية.

ما هو رضا الله؟

رضا الله هو أعظم نعيم يناله العبد في الدنيا والآخرة، فالله تعالى يقول في كتابه: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (سورة التوبة، الآية 72)، أي أن أعظم من نعيم الجنة، وأحلى من كل لذاتها، هو أن يرضى الله عنك فلا يسخط بعد ذلك أبدًا.

والإمام ابن القيم قال في مدارج السالكين: “رضا الله عن العبد أعظم غاية، فإذا رضي الله عنك أحبك، وإذا أحبك وفقك، وإذا وفقك ثبتك، وإذا ثبتك متَّ على خير، ودخلت في رحمته”، فرضا الله لا يُنال بكثرة العمل فقط، بل بالإخلاص، والتواضع، ومراقبة النفس، وحب الخير، والرضا بأقدار الله.

علامات رضا الله عن العبد وكيف يسعى لختام طيب؟
علامات رضا الله عن العبد

علامات رضا الله عن العبد

الثبات على الطاعة رغم الصعوبات التي تواجهك

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (سورة فصلت، الآية 30)، فلا تعني الاستقامة الالتزام الظاهري فقط، بل تعني أن تُحافظ على الصلاة في وقتها، وأن تبتعد عن الحرام وإن كان محبوبًا، وأن تراقب الله في خلواتك، وأن تستحي من الله كما تستحي من الناس أو أشد. 

والإمام الحسن البصري قال: “الاستقامة أن لا تلتفت يمينًا ولا شمالًا، وأن تسير على صراط الله مستقيمًا، في السراء والضراء”، فمن استقام على الطاعة، رغم الفتن والمغريات، فهذا دليل محبة الله ورضاه عنه.

محبة الصالحين لك

الناس لا يجتمعون على محبة أحد دون سبب، فحين ترى أن أهل الخير يذكرونك بخير، ويدعون لك، ويحبون صحبتك، فاعلم أن هذا من أثر رضا الله، والعجيب أن هذه المحبة لا تكون فقط بين الناس، بل تشمل القبول في السماء بين الملائكة أيضًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي فِي السَّمَاءِ فيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَه القَبُولُ فِي الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فيَقولُ: إِنِّي فُلانًا فأبْغِضْهُ، قالَ فيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضُوهُ، قالَ: فيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَه البَغْضاءُ في الأرْضِ” (رواه البخاري ومسلم).

قال بعض العلماء: “من أسرَّ سريرة بينه وبين الله، أظهرها الله على وجهه وبين الناس”.

التوفيق لفعل الخيرات وترك المعاصي

أعظم نعمة من الله هي التوفيق لفعل الطاعات، فكم من الناس يريدون الطاعة ولا يُوفقون،
فإذا وجدت نفسك محافظًا على الصلاة، محبًا للقرآن، خاشعًا في الدعاء، مبتعدًا عن الغيبة والنميمة، فهذا كله من علامات رضا الله.

وقال أحد السلف: “اعلم أنك إذا وُفِّقت للخير، فإن الله هو الذي ساقك إليه، فلا تغتر بعملك، وقل: الحمد لله الذي هدانا لهذا”.

الرضا بأقدار الله وقلة التذمر

من علامات رضا الله عن العبد أن يكون العبد نفسه راضيًا عن ربه، فكيف يكون العبد راضٍ عن الله؟، فالله تعالى يقول: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (سورة المائدة،الآية 119)، فالعبد الراضي لا يتذمر إن تأخر رزقه، ولا يعترض على بلاء، بل يقول دائمًا: “الحمد لله، ربي يعلم وأنا لا أعلم”.

وسفيان الثوري يقول: “علامة رضا الله أن يُلقي في قلبك الرضا بكل قضاء”، ولذلك فإنك ترى بعض الناس يعيشون في بلاء، ولكن وجوههم مشرقة، وقلوبهم مطمئنة، لأنهم رضوا فكان لهم الرضا.

الخشوع في الصلاة والبكاء من خشية الله

قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } (سورة المؤمنون، الآيات1-2)

إذا كنت تبكي في سجودك، أو تشعر أن قلبك يرتجف عند سماع القرآن، أو تخاف إذا ذكرت النار، أو تطمئن إذا ذكرت الجنة، فهذه إشارات قوية على حياة قلبك، ورضا الله عنك، وقال ابن القيم:”البكاء من خشية الله من أعظم علامات الإيمان، وهو مفتاح رضا الرحمن”.

حسن الخاتمة

عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبدٍ خَيرًا استَعمَلَهُ”، فقيلَ: كيفَ يستعملُهُ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ: “يوفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ (رواه أحمد وصححه الألباني).

أن تموت على طاعة هو أكبر بشارة بالرضا، فكم من الناس ماتوا وهم ساجدون، أو يقرؤون القرآن، أو صائمون، أو حجاج… تلك ليست صدفة، بل ختام طيب هو علامة القبول من الله.

كيف يسعى العبد لنيل رضا الله وخاتمة حسنة؟

صدق التوبة والرجوع إلى الله باستمرار

كلما أذنبت عُد ولا تيأس، فالله يحب العبد الذي يتوب مهما تكررت زلاته، ويكره من يُصر على الذنب ويتكبر، ويقول الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (سورة البقرة، الآية 222).

يقول الإمام أحمد: “لو لم يكن التوبة أحب شيء إلى الله، لما ابتلاك بالذنب لتتوب”.

الاستمرار في الفرائض والإكثار من النوافل

أداء الفرائض هي الأساس، لكن النوافل تفتح لك باب الحب الإلهي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “يقولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ يتقرَّبُ عبدي إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ، وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها، ولئن سألني لأعطينَّهُ، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذَني لأعيذنَّهُ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُهُ تردُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يَكرَهُ الموتَ وأَكرَهُ مساءتَهُ” (رواه البخاري)، فحافظ على قيام الليل، وصلاة الضحى، وصيام الاثنين والخميس، وركعات الوتر، فإنها تزيد محبتك عند الله.

الارتباط القلبي بالقرآن والذكر

من رضي الله عنه حبب إليه القرآن، فصار يقرأه بشغف، ويتدبره بخشوع، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: “لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله”، كذلك كثرة الذكر: لا يزال لسانك رطبًا بـ “سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر”، و”أستغفر الله”، فهي مفتاح رضى الله وقبوله لك.

دعاء مستمر بالثبات والرضا والخاتمة الحسنة

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: “إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ”، ثم قال ﷺ: “اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ” (رواه مسلم).

وفي قول له ﷺ آخر: “يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك”، فاحرص أن يكون دعاؤك متكررًا بقول: “اللهم اجعل رضاك أكبر همي، وثبتني على دينك، وأكرمني بحسن الخاتمة”.

أدعية مستحبة لنيل رضا الله

  • اللهم اجعلني من أهل رضاك، واجعل رضاك أسمى غايتي، واجعلني في الدنيا والآخرة من الذين يرضون عنك وترضى عنهم.
  • اللهم إني أسالك رضاك، ولا تجعلني من الذين يسخطون في وقت المحن، وارزقني رضاك في السراء والضراء.
  • اللهم اجعلني من المستقيمين على صراطك، ووفقني لمرضاتك، واغفر لي ما مضى من ذنوبي، وارزقني رضاك في الدنيا والآخرة.
  • اللهم اجعلني من الراضين بما قسمته لي، واجعلني من الذين يستشعرون رضاك في كل حال، ولا تبتليني في نفسي أو أهلي أو رزقي.
  • اللهم ارزقني الرضا بقضائك، والموافقة لمرادك، والسكينة في قلبي، حتى لا أستطيع إلا أن أكون راضيًا عن كل ما تقدره لي.
  • اللهم اجعل آخر كلامي من الدنيا: لا إله إلا الله، واجعل آخر عملي من الدنيا رضى منك، وأكرمني بحسن الخاتمة.
  • اللهم اجعلنا من أهل الجنة، واجعلنا من الذين ترضى عنهم وترضيهم، وارزقنا الرفقة في الجنة مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
  • اللهم اجعلني من الذين إذا نظرت إليهم رأيت في وجوههم علامات الرضا، واجعلني دائم الشكر، بعيدًا عن الشكوى، متوكلًا عليك في كل أمري.

قصص من السلف في طلب رضا الله

الفضيل بن عياض

كان الفضيل بن عياض في بداية حياته من قطاع الطرق المشهورين، يُغير على القوافل، ويسرق الناس في الطرقات، وكان يعرف بالشدة والبأس، وذات ليلة أراد أن يصعد إلى بيت امرأة كان معجبًا بها، فسمع رجلًا يقرأ قول الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (سورة الحديد، الآية16]،فارتجف قلبه، ووقف وقال: “بلى والله قد آن، قد آن”،
فنزل من السطح، وترك المعصية، وجلس بين الأحجار يبكي.

ثم قرر أن يُغير حياته، فسافر إلى مكة، وتفرغ للعبادة والعلم والتهجد، ومع مرور الوقت أصبح إمامًا في الزهد والعبادة يُضرب به المثل في الخشوع والخوف من الله، وقد رُوي أنه بكى ليلة كاملة وهو يردد قول الله:
{وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (سورة الزمر، الآية 47)، ويقول: “يا ويل الفضيل، ما الذي بدا له مما لم يكن يحتسب؟!”

وفي لحظاته الأخيرة من الحياة، كان يقول: “وا سوأتاه إن لم تغفر لي، وا خجلتاه منك يا رب، إن طالبتني بحقك يوم القيامة”، فكان مشغولًا بالرضا، خائفًا من أن يُحرم القبول، رغم عبادته وزهده، وهو من هو في مكانته.

والفضيل بن عياض مثال حي على أن العبد قد يبدأ مذنبًا، ويختم بأن يكون عالم وإمامًا في الزهد، إذا صدق في توبته وسعى لرضا الله، وندم على معصيته، وتغيَّر قلبه، وثبَّته الله.

معاذ بن جبل

معاذ بن جبل كان من صحابة رسول الله ﷺ، وكان من أعلمهم بالحلال والحرام، وأحد أحب الناس إلى النبي ﷺ، فلما حضرته الوفاة بكى وقال: “اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لظمأ الهواجر (الصيام في شدة الحر)، ومكابدة الليل (القيام)، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر”.

ونرى هذه الكلمات تلخِّص حياته كلها: سعي للعلم، وتعب في الطاعة، ورغبة في رضا الله، لا في نعيم الدنيا.

وكان يقول وهو يبكي على فراش الموت: “مرحبًا بالموت، زائرٌ جاء على فاقة، مرحبًا بحبيبٍ جاء بعد غياب”، فمن يعيش لله، لا يخشى الموت، بل يستقبله بالبشر إذا شعر أنه قضى عمره في مرضاة الله، وكلام معاذ يُظهر أنه كان يخشى التقصير رغم مكانته، لكنه يرجو القبول وحسن الخاتمة.

هؤلاء السلف رضوان الله عليهم وغيرهم اجتمعوا في أمرٍ واحد ألا وهو طلب رضا الله بكل الطرق، والخوف من سخطه رغم أعمالهم العظيمة، والصدق في التوجه إليه، وهم بذلك يرسلون لنا رسالة أن الطريق إلى رضا الله مفتوح لكل من صدق، وتاب، وجاهد نفسه، وسأله حسن الختام.

في الختام، علامات رضا الله ليست سرًا غامضًا، بل هي واضحة لمن صدق مع نفسه، فراقب قلبك، ونيتك، وطريقك، وأفعالك، واسأل نفسك دائمًا: هل ما أفعله يُرضي الله؟.

والسعي لرضا الله لا يحتاج مالًا كثيرًا، ولا شهرة، ولا مكانة، بل يحتاج قلبًا صادقًا، وعملًا خالصًا، وإصرارًا على الطاعة مهما كثرت العثرات، فابدأ من الآن، وقل من أعماقك: اللهم ارزقني رضاك، ولا تسلِّطني على نفسي، وامنحني ختامًا طيبًا وأنت عني راضٍ.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock