ما هي علامات السحر في البيت؟
لا شيء يُثقِل روح الإنسان مثل شعوره بأنَّ بيته —أقرب الأماكن إلى قلبه— لم يعد كما كان، فالبيت هو موضع السكينة، ومركز الطمأنينة، وحصن النفس من كدر الدنيا، فإذا اضطرب البيت اضطرب الإنسان كلَّه، وكثيرًا ما يتساءل الناس عند حدوث تغيُّرات غريبة في منازلهم: هل هذا ابتلاء؟ هل هي مشكلات نفسية واجتماعية؟ أم أنَّ في الأمر سحرًا أو إيذاءً من الجن؟
والفقيه الحكيم لا يبدأ بإثارة الذعر أو تثبيت الوهم، بل يُعيد الميزان إلى مكانه: السحر حقيقة شرعية ثابتة، لكن التسرُّع في نسب كل مشكلة إليه خطأ فادح.
سنقدم في هذا المقال أهم علامات السحر في البيت وطرق العلاج، وكل ذلك وفق القرآن الكريم والسنة النبوية.
حقيقة السحر في القرآن والسنة
السحر ثابت بنصوص القرآن، وليس خرافة ولا أسطورة، فالله تعالى يقول في كتابه: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (سورة البقرة، الآية 102)
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “سُحِرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما يَفْعَلُهُ، حتَّى كانَ ذَاتَ يَومٍ دَعَا ودَعَا، ثُمَّ قالَ: أشَعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفْتَانِي فِيما فيه شِفَائِي، أتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأْسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، قالَ: فِيما ذَا، قالَ: في مُشُطٍ ومُشَاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قالَ فأيْنَ هُوَ؟ قالَ: في بئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلتُ اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقالَ: لَا، أمَّا أنَا فقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وخَشِيتُ أنْ يُثِيرَ ذلكَ علَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ”
إذن فالسحر واقع شرعي، لكن له ضوابط وله حدود وله علامات، ولا بد من معرفة أنه ليس كل اضطراب يدل على السحر، وهنا تأتي الحاجة إلى التفصيل.
أهم علامات السحر في البيت
السحر لا يُعرف بعلامة واحدة أبدًا، بل بمجموعة علامات متزامنة ومترابطة، مع غياب تفسير طبي أو نفسي أو اجتماعي، وهذه قاعدة تُنقذك من الوهم، وتمنعك من تفسير كل صداع وكل مشكلة بأنه سحر، وفيما يلي أهم علامات السحر في البيت:
تغيُّر حال أفراد البيت من السكينة إلى النفور المفاجئ
من أبرز العلامات وأكثرها ذكرًا عند العلماء هو حدوث تغيُّر في أحوال أفراد البيت، ويشمل ذلك حدوث شجار متكرر بلا سبب، ونفور شديد بين الزوجين بعد مودَّة، وكراهية مفاجئة لشخص بعينه، ورغبة في الانعزال والخروج من المنزل باستمرار، ونفور الأطفال من المنزل أو من غرفة معيَّنة.
والسحر نوعان إما تفريق أو محبَّة، وقد ذكر الله تأثير السحر في قوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾، وذلك دليل قطعي على تأثير السحر في العلاقات.
لكن قبل الجزم بالسحر يجب فحص الظروف النفسية، والمشكلات الاقتصادية، والضغط الاجتماعي، وتراكم الخلافات القديمة بين أفراد البيت، لأن الشرع لا يثبت حكمًا بخطورة السحر دون دليل قوي.
الكوابيس الشديدة المتكررة
إذا تكررت الأحلام المخيفة المرتبطة بأشكال ثابتة كالسقوط من مكان مرتفع، أو رؤية حيوانات سوداء كالقط أو الكلب، أو رؤية ثعابين تلاحق الشخص، أو الشعور بالاختناق أثناء النوم، أو رؤية أشخاص غرباء داخل الغرفة.
وهذه العلامات إذا تكررت بصورة شبه يومية مع ضيق عند الاستيقاظ فهي من أهم الدلالات المذكورة عند العلماء وأهل الرقية.
وقد ورد عن النبي ﷺ الأمر بالاستعاذة عند رؤية ما يكره فقال: “إذا رأى أحدُكم الرؤيا يكرهُها ، فلْيبصقْ عن يسارِه ثلاثًا ، و لْيستعذْ باللهِ من الشيطانِ ثلاثًا ، و لْيتحولْ عن جنبِه الذي كان عليه” (رواه مسلم)، وذلك يدل على أن المنام قد يكون مظهرًا لتأثير شيطاني.
اضطرابات مفاجئة في الصحة دون تفسير طبي
حدوث أي اضطرابات مفاجئة لها علاقة بصحة أحد أفراد البيت بدون أن يكون لها تفسير طبي، ومنها صداع مستمر لا يهدأ، أو آلام متنقلة، أو إرهاق دائم، أو غثيان بلا سبب، أو ضيق في التنفس، أو ألم في الظهر أو الكتفين، أو ثقل عند الصلاة أو سماع القرآن.
ولا يجوز الجزم بوجود سحر قبل استبعاد بعض الأمراض كالضغط، أو الأنيميا، أو أمراض الغدة، أو الاكتئاب، أو مشاكل النوم، فالشرع يوافق العلم ولا يعارضه.
ظهور روائح غريبة في البيت
روائح كريهة تظهر وتختفي بدون مصدر أو روائح دخان، أو عطْر أو بخور لا يعرف أهله مصدره، وقد ذكر بعض العلماء مثل ابن القيم رحمه الله أن الجن قد تُحدث آثارًا حسية لإزعاج الإنسان.
تعطل الأجهزة المنزلية بصورة مستمرة
هذه علامة لا يعتمد عليها وحدها، لكنها واردة في الحالات المؤكدة، وتشمل احتراق الأجهزة، أو تعطل الكهرباء، أو تلف متكرر في الأدوات، أو انكسار الأشياء بطريقة غير منطقية، ولكن لا بد من مراجعة فني مختص قبل الحكم.
سماع أصوات داخل البيت
وجود الجن ثابت، ووجود تأثيرهم في البيوت ثابت بالسنة، فقد ورد أن الشياطين تنتشر عند الغروب، ومن تأثير وجودهم في البيت سماع وقع أقدام، أو طرق على الجدران، أو أصوات تُشبه الهمس، أو سماع أصوات أبواب تتحرك.
و لكن يجب التأكد من إذا كان الصوت غير ناتجًا عن تمدد الأخشاب، أو ضغط المواسير، أو سير القطط فوق السقف، لأنها أسباب طبيعية.
رؤية ظلال أو تحرك أشياء
إذا تكرر رؤية ظلال أو تحرك أشياء أمام أكثر من فرد من الأسرة، وليس شخصًا واحدًا فقط، تزداد دلالته، ويُسمي العلماء هذا بالأثر الحسي للسحر أو المس، لكن لا يُقطع به حتى تتوافر علامات أخرى.
ضيق شديد في البيت دون سبب
من علامات البيت المسحور الشعور بالاختناق بمجرد الدخول، أو الشعور بهم مفاجئ، أو رغبة في الخروج، أو ضوضاء داخل النفس بدون مصدر، أو الشعور بضيق روحاني غير مفهوم، وهذه علامة قوية إذا اقترنت بالكوابيس والنفور والشجار المتكرر.
اختفاء الأشياء وعودتها
اختفاء الأشياء وعودتها يشهد به ناس كُثر كاختفاء مفاتيح، أو ضياع محفظة، أو اختفاء أشياء من مكانها، ثم تعود فجأة في نفس المكان، وهذه علامة تتكرر كثيرًا في البيوت المتأثرة بإيذاء الجن.
العثور على عُقَد أو أوراق أو طلاسم مدفونة أو داخل غرف البيت
هذه علامة قطعية جدًا إذا وُجدت كوجود عُقَد، أو خيوط مربوطة، أو ورق عليه حروف متقاطعة، أو طلاسم، أو شعر ملفوف، أو تراب مقصود
وهنا يجب تصويره، وعدم فتحه، وعرضه على شيخ موثوق أو على جهة مختصة.
كيف نُفرِّق بين السحر والحالة النفسية؟
لأن معظم الناس تختلط عليهم الأمور، فيجب التفريق بينهم.
أعراض الحالة النفسية
-
اكتئاب.
-
قلق.
-
نوبات هلع.
-
أرق.
-
عزلة.
لكن تظهر عادة على شخص واحد فقط، وليست على البيت كله، ولا تشمل ظلالًا، ولا أصواتًا، ولا روائحًا، ولا تعطلًا غريبًا للأجهزة.
أعراض السحر
-
تصيب البيت ككل.
-
تظهر على عدة أفراد.
-
تحدث رغم العلاج.
-
لها علامات حسية (أصوات، ظلال، روائح).
-
ترافقها الكوابيس الحادة.
علاج السحر الموجود في البيت
من أهم الوسائل الشرعية التي أجمع عليها العلماء في علاج السحر داخل البيوت: الرقية الشرعية، وهي أذكار وآيات ثابتة في القرآن والسنة تُقرأ بنية الشفاء ورفع البلاء، وقد كان النبي ﷺ يرقي نفسه ويرقي أهل بيته، فقد ورد عنه ﷺ: “اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ” (رواه مسلم).
والرقية الشرعية عبودية قلبية كاملة، وتوكل صادق على الله مع يقين جازم بأن الشفاء بيده وحده، ويُستحب أن تُقرأ على ماء يُشرب ويُغتسل به، وأن تُردد في أرجاء المنزل ليطهره الله من كل سوء، ويستحب أن تحتوي الرقية الشرعية على الآتي:
1) سورة البقرة
هي أقوى سلاح لعلاج السحر والوقاية منه، فقد ورد عن أبو أمامة الباهليرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرَؤوا سورةَ البَقرةِ؛ فإنَّ أخذَها بَركةٌ، وتَركَها حَسرةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلةُ» أي: السحرة (رواه مسلم)، فقراءتها يوميًا أو تشغيلها صوتيًا يطهِّر البيت.
من أعظم ما يُحصَّن به البيت من السحر، ومن أقوى ما يدفع الله به البلاء الخفي، آخر آيتين من سورة البقرة، اللتان جمع الله فيهما من معاني الحفظ والرحمة والولاية ما لم يُجمع في غيرهما، وقد انعقد إجماع العلماء على أن هاتين الآيتين من أشد ما يتحصن به المسلم من السحر ومس الشياطين، وأن لهما أثرًا عجيبًا في جلب السكينة وطرد الشرور.
وقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن النبي ﷺ أنه قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»، ومعنى كفتاه – كما قال أهل العلم – أي:
-
كفتاه شر الشياطين.
-
وكفتاه كيد السحرة.
-
وكفتاه من كل سوء.
-
وقيل: كفتاه عن قيام الليل.
والراجح عند جمهور العلماء أن «كفتاه» تعني الحفظ من كل شر يُراد بالإنسان في تلك الليلة، وهذا يشمل السحر والعين والمس.
2) آية الكرسي والمعوذات
قال النبي ﷺ عن آية الكرسي: «إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبُكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ»، وتُقرأ صباحًا، ومساءً، وعند النوم، وعند دخول البيت.
3) الإكثار من الأذكار
الإكثار من الأذكار كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار الخروج ودخول البيت، لأن التحصين وقاية وعلاج.
أمور أخرى تساعد في علاج السحر الموجود في البيت
1) الماء المقروء عليه
استخدام ماء نظيف يُقرأ عليه الفاتحة، والبقرة (آيات السحر)، وآية الكرسي، والمعوذتين، ثم يُرش في زوايا البيت وباب المدخل وغرفة النوم وأماكن الضيق.
2) تنظيف البيت من الصور والتماثيل والأغاني
جاء في الصحيح: «إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة»، فالبيت الذي تخلو منه الملائكة يسهل دخول الشياطين إليه.
3) الابتعاد تمامًا عن الدجالين والسحرة
قال النبي ﷺ: «من أتى عرَّافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، فعلاج السحر لا يكون بالسحر، ولا بتمائم محرمة.
حالات يجب فيها مراجعة طبيب قبل الشك في السحر
-
الإغماء المفاجئ
-
الهلاوس السمعية المستمرة.
-
العصبية المفرطة.
-
الخوف المرضي.
-
فقدان الوزن الشديد.
لأن الشريعة لا تتعارض مع الطب، بل تؤكد تكامل الأسباب.
نصائح بعد التخلص من السحر
-
قراءة البقرة أسبوعيًا.
-
الالتزام بأذكار الصباح والمساء.
-
المحافظة على الصلاة جماعة.
-
تجنُّب الخلافات.
-
فتح النوافذ وتشغيل القرآن يوميًا.
-
عدم ترك غرف مظلمة لفترة طويلة.
-
الابتعاد عن المعاصي التي تجلب الشياطين.
ملخص سريع لأقوى 8 علامات السحر في البيت
-
كوابيس مرعبة متكررة.
-
نفور مفاجئ بين الزوجين.
-
أصوات أو ظلال داخل البيت.
-
تعطل غريب للأجهزة.
-
روائح غريبة.
-
ضيق شديد بمجرد دخول المنزل.
-
اختفاء الأشياء وعودتها.
-
العثور على عقد أو طلاسم.
في الختام، بعد معرفة أهم علامات السحر في البيت، نجد أن السحر وإن كان حقيقة، إلا أن المؤمن لا يخافه خوف العاجز، بل يتعامل معه كبلاء له علاج، وكاختبار له نهاية، فالبيت الذي يُقام فيه ذكر الله، ويُقرأ فيه القرآن، وتُرفع فيه الطاعة، أقوى من كل سحر، وأعظم من كل شر، فالله تعالى قال: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾، فكيف يخشى المؤمن من ضعيف؟، وكيف ينهزم بيت تُقام فيه الصلاة ويُذكر فيه الله؟.
المصدر