حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال بالأدلة الشرعية
تعرفي على حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال
حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال، صلاة المرأة من أعظم القربات، وهي باب رحمة، ومظهر للخشوع والخضوع لرب العالمين، لكن قد تواجه المرأة في بعض الحالات ضرورة أداء صلاتها في أماكن يمكن أن يراها فيها الرجال، مثل الحدائق، والأسواق، والطرقات، أو حتى في المساجد المختلطة.
فما حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال؟
هل تصح صلاتها؟ هل تأثم؟
ما الضوابط الشرعية التي يجب أن تلتزم بها لتكون صلاتها صحيحة مقبولة؟
سنُجيب في هذا المقال على هذه الأسئلة وغيرها، في ضوء القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأقوال فقهاء المذاهب الأربعة، مع لمسة فقهية معاصرة، توازن بين المقاصد الشرعية ومتغيرات العصر.
أهمية الصلاة في حياة المرأة المسلمة
الصلاة فريضة على كل مسلم ومسلمة، فهي عمود الدين، ولا يُعذر أحد بتركها في وقتها إلا بعذر شرعي معتبر، والله تعالى يقول في كتابه: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ (سورة النساء، الآية 103).
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في فضل صلاة المرأة، وكونها سببًا في قربها من الله، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “إِذِا صَلَّت المَرأَةُ خَمسَهَا وَصَامَت شَهرَهضا وَحَفِظَت فَرجَهَا وَأَطَاعَت زَوجَهَا قِيل لَهَا ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ” (رواه ابن حبان وصححه الألباني).
الأصل في صلاة المرأة
الأصل في صلاة المرأة أن تصلي في بيتها، وذلك ما دلت عليه النصوص، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “لَا تَمنَعُوا إِمِاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَبُيُوتَهُنَّ خَيرٌ لَهُنَّ” (رواه أبو داود وصححه الألباني).
لكن ذلك لا يعني تحريم صلاتها في المسجد أو في غيره، بل يدل على أن الأفضل لها هو الصلاة في مكان يكون أستر وأبعد عن نظر الرجال الأجانب، لأن الإسلام يدعو المرأة إلى الحياء والستر في كل حالاتها.
ما ضوابط صلاة المرأة من حيث الستر؟
لكي تكون صلاة المرأة صحيحة، يجب أن تستوفي شرط ستر العورة، والعورة في الصلاة بالنسبة للمرأة تشمل جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وقد قال الإمام النووي في “المجموع”: “أجمع العلماء على أن الحرة يجب عليها ستر جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه والكفين”، فإذا سترت المرأة بدنها بلباس ساتر غير شفاف، لا يشف ولا يصف، فإن صلاتها صحيحة حتى ولو رآها الرجال، ما دام الستر موجودًا.
حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال
هل تبطل صلاة المرأة إذا رآها رجل أجنبي؟
اتفق العلماء على أن رؤية الرجل للمرأة أثناء صلاتها لا تبطل صلاتها، وإنما يُكره ذلك إذا كانت المرأة مكشوفة، أو في هيئة لافتة للنظر، لما فيه من مخالفة لأدب الحياء، وخشية الفتنة، لكن إذا صلت المرأة وهي كاشفة جزءًا من بدنها (غير الوجه والكفين) أمام الرجال، فإن صلاتها باطلة، أما إذا صلت وهي مستترة، فالصلاة صحيحة، ولكن قد تأثم المرأة إن كانت سببًا في فتنة أو تبرج.
قال ابن قدامة في المغني: “إن صلت المرأة في ثوب يشف عن جسدها لم تصح صلاتها، وكذلك إن لم تستر شعرها أو ساعدها أو قدمها”.
ما حكم صلاة المرأة في الأماكن العامة؟
عندما تضطر المرأة للصلاة في مكان عام (مثل الحدائق، الأسواق، الطرقات)،فهو جائز ولكن هناك عدة نقاط يجب مراعاتها لكي تصح صلاتها، وهي:
-
أن يكون الوقت ضيقًا ولا تجد مكانًا أستر.
-
أن تصلي في مكان بعيد عن أعين الناس قدر الإمكان.
-
أن ترتدي جلبابًا ساترًا يغطي جميع بدنها.
-
أن تستخدم ستارة أو حاجزًا إن أمكن.
-
أن تتجنب الحركات الملفتة، وتحافظ على هيبة الصلاة.
العلامة ابن باز رحمه الله عليه قال: “إذا حضرت الصلاة ولم تجد المرأة مكانًا مستورًا إلا في الطريق، وخافت خروج الوقت، فلها أن تصلي هناك بشرط ستر العورة وترك الزينة الظاهرة”.
ماذا لو صلى الرجال في نفس المكان التي تُصلي فيه المرأة؟
إذا صلت المرأة في مكان عام أو مفتوح ورآها رجال، فإننا أمام حالتين:
-
إن كانت مستورة بلباسها ولم تتعمَّد لفت النظر، فصلاتها صحيحة، لكنها تُلام إن كانت قادرة على تجنب هذا المكان.
-
إن كانت متزينة أو متعطرة أو لابسة لباسًا ملفتًا، فإنها آثمة، حتى وإن صحت صلاتها من حيث الأداء، فعن أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ قال: “أَيُّمَا امرَأَةٍ استَعطَرَت فَمَرَّت علَى قَومٍ لِيجِدُوا مِن رِيحِهَا ؛ فَهيَ زَانِيَةٌ” (رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني).
هل يجوز للمرأة الصلاة في المسجد إذا اختلط الرجال والنساء؟
المسجد مكان عبادة، وقد أذن الشرع للمرأة بالصلاة فيه، لكن بضوابط صارمة منها:
-
أن تكون الصلاة في مكان منفصل عن الرجال أو خلفهم.
-
ألا يُحدث اختلاط أو تزاحم عند الدخول أو الخروج.
-
أن تلتزم المرأة بالستر الكامل، وألا تخرج متعطرة.
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه خص النساء بمكان في المسجد، وكن يصلينَّ خلف الرجال في الصفوف الأخيرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “خَيرُ صُفُوف النِّسَاءِ آخِرهَا، وَشَرَّهَا أَولَهَا، وَخَيرُ صُفُوف الرِّجَالِ أَولَهَا، وَشَرهَا آخِرهَا” (رواه مسلم).
رأي المذاهب الأربعة في حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال
اتفقت جميع المذاهب على وجوب ستر بدن المرأة في الصلاة، واختلفت في حدود الكفين والقدمين، لكنها لم تعتبر مجرد رؤية الرجال لها سببًا لبطلان الصلاة.
-
أجاز الحنفية رؤية المرأة وهي تصلي إذا كان لباسها شرعيًا.
-
شدد المالكية على الستر، لكن لم يبطلوا الصلاة بمجرد النظر.
-
اشترط الشافعية الستر فقط، والنظر إليها لا يضر الصلاة.
-
نص الحنابلة على أنه لا يجوز للمرأة أن تصلي في مكان يلفت النظر، لكنه لا يبطل صلاتها.
فتاوى معاصرة لهيئات رسمية في حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية:
ورد في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية ما نصه: “إذا اضطرت المرأة للصلاة في مكان يراها فيه الرجال، فصلاتها صحيحة ما دامت قد سترت بدنها، لكن عليها أن تحرص على اتخاذ الأسباب التي تمنع الاختلاط والنظر إليها” (فتوى رقم 21032).
دار الإفتاء المصرية:
أجابت دار الإفتاء في سؤال مشابه: “صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال لا تؤثر على صحة الصلاة ما دامت قد التزمت باللباس الشرعي، لكن يُفضل أن تتحرى الستر والبعد عن مواضع الفتنة ما استطاعت” (فتوى منشورة بتاريخ 16/4/2021).
تطبيقات واقعية من حياة النساء المعاصرات
قد تضطر المرأة إلى الصلاة في وقتنا المعاصر في أماكن عامة بسبب ظروف السفر، أو العمل، أو انشغال الأسواق، وفي مثل هذه الحالات يمكنها اتباع بعض التوصيات الواقعية:
-
استخدام شال كبير أو عباءة خفيفة تكون مخصصة للصلاة، تضعها فوق ملابسها أينما كانت.
-
الاستعانة بأغطية السيارات أو زوايا المحلات أو الحدائق لتفادي الأنظار.
-
الاحتفاظ بسجادة صلاة مزودة بستارة (متوفرة في الأسواق) تحجب الرؤية جزئيًا أثناء الصلاة.
-
الحرص على عدم التحرك أثناء الصلاة بشكل ملفت أو التوقف للرد على من حولها، حفاظًا على هيبة العبادة.
أسئلة شائعة حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال
❓ هل يجوز للمرأة الصلاة في الجامعة أو العمل أمام الرجال؟
نعم، إن ضاق الوقت ولم يكن هناك مكان خاص جاز لها الصلاة في المكتب أو الحرم الجامعي شريطة أن تستر بدنها كاملًا، وتختار زاوية لا تكون ملفتة، وتؤدي الصلاة بخشوع دون حركات زائدة.
❓ ماذا إن صلت المرأة في مكان فيه كاميرات مراقبة؟
إن لم تكن الكاميرات مباشرة أو لم يكن يظهر منها شيء من عورتها، فصلاتها صحيحة، لكن يُفضل أن تتحرى الستر قدر الإمكان وتغطي حتى وجهها إن أمكن ذلك زيادة في الاحتياط.
❓ هل تأثم المرأة إن صلت في مكان يراها فيه الرجال وهي مضطرة لذلك؟
لا تأثم إذا كانت مضطرة ولم يكن بديل متاح، وكانت قد سترت بدنها، لكن يجب أن تحرص على تقليل هذا النوع من الحالات وتقدم الصلاة في مكان آمن ما أمكن.
من درر العلماء في هذا الباب
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في “نيل الأوطار”: “ليس في الشرع دليل على أن رؤية الأجنبي للمرأة وهي تصلي تبطل صلاتها، وإنما ورد الحث على الستر، وهو مقصد تعبدي لا يختص بالصلاة وحدها”.
وقال الشيخ عبد العزيز الطريفي: “المرأة لا تُحاسب على من نظر إليها وهي في عبادتها إذا التزمت الحياء والستر، وإنما الإثم على المتعمد للنظر”.
قواعد فقهية مهمة للمرأة في هذا الباب
-
القاعدة الأولى: “الضرورات تبيح المحظورات، ولكن بقدرها”، فإذا اضطرت المرأة للصلاة في مكان مكشوف، جاز لها لكن بقدر الحاجة.
-
القاعدة الثانية: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، فإذا كان لا يمكنها أداء الصلاة إلا في هذا المكان، وجب عليها ذلك، مع الستر.
-
القاعدة الثالثة: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، فإن ترتب على الصلاة أمام الناس فتنة، فترك ذلك أولى، وإن صحت الصلاة.
تأثير هذه المسألة على واقع المسلمات في الغرب
المرأة المسلمة في الغرب تواجه تحديات كبرى فيما يتعلق بالصلاة في الأماكن العامة، كالمطار، أو العمل، أو الحدائق، ومن هذا المنطلق أصدرت مجالس الإفتاء في أوروبا وأمريكا فتاوى تؤكد:
-
جواز الصلاة في الأماكن العامة إذا ضاق الوقت.
-
أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية بستر العورة أثناء الصلاة.
-
ضرورة التوازن بين التزام العبادة واحترام قوانين المكان الذي تعيش فيه المسلمة.
التربية على الستر والحياء من الطفولة
من المهم أن نغرس في بناتنا حب الصلاة مع الحياء في آنٍ واحد، ومن الوسائل التربوية المفيدة:
-
تعليم الفتيات لبس ملابس الصلاة من الصغر.
-
اصطحاب الفتاة مع أمها للمساجد مع التوجيه التربوي.
-
تدريبها على البحث عن أماكن مناسبة للصلاة، حتى في الرحلات أو السفر.
-
غرس أن الستر لا يُنافي العزة، بل هو رفعة في عين الله ووقار في الدنيا.
توجيه تربوي للمرأة المسلمة
أيتها الأخت المؤمنة… الصلاة هي لقاؤك بربك، وسكينة روحك، فلا تجعلي هذا اللقاء عرضة لنظرات الغرباء أو مواضع الفتنة، فإن ضاق بك الزمان والمكان، فصلاتك لا تسقط، لكن اجتهدي قدر المستطاع أن تحفظي حياءك وتكملي عبادتك بخشوعٍ ووقار.
في الختام، بعد أن تعرفنا على حكم صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال، ووجدنا أن صلاة المرأة في مكان يراها فيه الرجال لا تبطل في حد ذاتها، لكنها تُقيَّد بضوابط الشريعة وآداب الحياء، والقاعدة في ذلك أن الدين يسر، وأن ستر المرأة أولى من إظهارها، وكلما عظُمت المرأة صلاتها، ازداد حرصها على أدائها بما يرضي الله ويصون حياءها، فاحرصي أيتها الأخت على أن تكون صلاتك عنوانًا لورعك، وزينتك بطاعتك، وسِترك برضا الله عنك.
المصدر