إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

أسرار وخواص اسم الله القهار (أسماء الله الحسنى)

استكشف أسرار اسم الله القهار وأثره في حياة المسلم

Spread the love
أسرار وخواص اسم الله القهار (أسماء الله الحسنى)

حينما يقف العبد متأملًا أسماء الله الحسنى، يجد في كل اسم منها نهرًا من المعاني، وبحرًا من الأسرار، يروي ظمأ قلبه ويهديه إلى ربه. ومن بين هذه الأسماء الجليلة يسطع اسم الله القهار الذي يبعث في النفس رهبة عظيمة، ويملأ القلب يقينًا أن الله هو الغالب فوق عباده، الذي لا يخرج شيء عن سلطانه، ولا يعجزه شيء في ملكوته.
الإنسان قد يظن أن القوة والسلطان ملك ليديه، وأنه يستطيع أن يتحكم في مجرى حياته كما يشاء، لكن اسم الله القهار يفضح وهمه، ويكشف له حقيقة ضعفه، ويبين له أن القهر لله وحده، وأنه سبحانه يقهر النفوس والأرواح، ويقهر الأمم والجبابرة، ويقهر الشهوات والأقدار، حتى لا يبقى في الكون إلا مشيئته.

معنى اسم الله القهار

القهر في اللغة هو الغلبة مع الإذلال، وقيل: “قهر الرجل عدوه إذا غلبه قهرًا لا يستطيع معه فكاكًا” والقهار على وزن فعَّال، وهي صيغة مبالغة تفيد كثرة القهر وتكراره ودوامه.

أما في الاصطلاح، فالقهار هو الذي قهر جميع العباد بقدرته، فلا يستطيعون أن يخرجوا عن حكمه، ولا أن يفلتوا من قضائه يقهر القلوب بالخشية، والأجساد بالموت، والأمم بالزوال، والجبابرة بالذل.

قهرهم بالضعف، وقهرهم بالفقر، وقهرهم بالمرض، ليُريهم أن سلطانهم مهما علا يظل تحت سلطان الله.

وقد جمع الله بين اسمه “الواحد” و”القهار” في مواضع كثيرة من القرآن، لأن وحدانيته تقتضي أن يكون هو القاهر لكل من عداه، فلا شريك له في ملكه، ولا معارض لحكمه.

كم مرة ذكر اسم الله القهار في القرآن
كم مرة ذكر اسم الله القهار في القرآن

كم مرة ذكر اسم الله القهار في القرآن

اسم الله القهار ذُكر في القرآن الكريم ست مرات، وكلها جاءت مقرونة باسم الله الواحد، تأكيدًا على انفراده بالملك والقهر دون شريك.

  • قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [سورة الرعد، الآية 16]، يأتي اسم القهار في هذه الآية بعد ذكر الخلق، فالله الذي خلق كل شيء بقدرته، هو الذي يقهر خلقه بسلطانه، أي أن قهر الله ليس مجرد غلبة، بل هو غلبة خالق على مخلوقاته، فلا يخرج شيء من نظامه، ولا يعصي أمره إلا بإذنه، وذلك يورث القلب طمأنينة بأن كل ما يحدث في الكون تحت نظر الله وقهره.

  • قوله تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [سورة يوسف، الآية 39] يخاطب هنا يوسف عليه السلام أهل السجن ليغرس في قلوبهم التوحيد، فهو يبين لهم أن الأرباب المتفرقين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، بينما الله الواحد القهار يقهر كل شيء بعزته وسلطانه، والمعنى هو أن التوحيد ليس خيارًا فكريًا بل هو ضرورة عقلية وروحية؛ لأن تعدد الآلهة وهم، ولا يبقى في الوجود إلا الواحد الذي يقهر غيره فلا يُغلب.

  • قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [سورة إبراهيم، الآية 48] المشهد يوم القيامة: الأرض تبدل والسماوات تزول، ولا يبقى إلا الله الواحد القهار، فالآية ترسم لوحة مهيبة يوم يفقد الكون صلابته ويذوب أمام سلطان الله، وتبرز البشرية كلها ذليلة بين يديه، وهذا المشهد يعلِّمنا أن قهر الله لا يقتصر على الأفراد أو الأمم، بل يشمل الكون بأسره، فالقيامة نفسها تجلٍّ من تجليات قهره.

  • قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [سورة ص، الآية 65] النبي ﷺ مأمور أن يعلن للناس أنه منذر لا يملك من أمر نفسه شيئًا، وإنما الإله الحق هو الله الواحد القهار، يُربَّى المسلم في هذه الآية على أن التعلق بالرسول نفسه لا يغني، لأن القهر والقدرة المطلقة لله وحده، فالنذير مهمته البلاغ، أما النصر والهداية والقهر فهي بيد الله.

  • قوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [سورة الزمر، الآية 4] جاءت هذه الآية ردًّا على المشركين الذين زعموا أن لله ولدًا. فالله يعلن أن دعوى الولد لا تليق به، فهو الواحد القهار الذي يقهر كل شيء ويستغني عن كل أحد، فالذي يقهر كل الخلق كيف يحتاج إلى ولد أو شريك؟ بل الكل عبيد مقهورون، لا يصلح أن يكون أحدهم ندًا للخالق.

  • قوله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [سورة غافر، الآية 16] هذه الصرخة المهيبة يوم القيامة، حين يفنى كل سلطان، ويُسأل: “لمن الملك اليوم؟” فلا يجرؤ أحد أن يجيب، فيجيب الله بنفسه: “لله الواحد القهار”، وهنا يظهر القهر بأجلى صوره سقوط كل الملوك، وانطفاء كل التيجان، وبقاء الملك لله وحده، فهي لحظة تذكِّر الإنسان أن ما كان يظنه سلطانًا في الدنيا مجرد وهم، بينما القهر الحقيقي لله وحده.

أسرار اسم الله القهار

من تأمل في ملكوت الله، أدرك أن قلبه ليس بيده، بل هو مقهور بقدرة الله، فالله يشرح الصدور للإيمان، أو يطبع عليها بالكفر، كما قال: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ﴾ [سورة الأنعام، الآية 125].

وأن أقوى الملوك وأعتى الجبابرة يُقهرون بلحظة موت، فلا يستطيعون أن يؤخروا ساعة ولا أن يقدموا، فالله تعالى يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [سورة آل عمران، الآية 185].

كما أن هناك أمم بلغت أعلى الدرجات في الحضارة، وقصور علت إلى السماء، ومع ذلك أتاها قهر الله، فانهارت حضاراتها، كما قال: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ﴾ [سورة العنكبوت، الآية 40].

ونجد العبد يظن أنه يملك شهوته، فإذا به أسيرها، حتى يقهره الله بمرض أو ضيق أو توبة، فيعود صاغرًا إلى مولاه.

خواص اسم الله القهار في حياة المسلم (أثر اسم الله القهار في حياة المسلم)

  • من أيقن أن الله هو القهار استسلم لقضائه، وعلم أن ما أصابه من فقر أو مرض أو ضيق إنما هو بقهر الله لحكمة، فاطمأن قلبه، ورضا بقضاء الله وقدره.
  • حين يعلم الإنسان أن الله قهار لا يعجزه شيء، يخضع له، ويستحيي من معصيته، فيبعث ذلك الخشية والخضوع في قلبه، وقد قيل: من عرف الله قهارًا لم يرفع رأسه تكبرًا على الخلق.
  • اسم الله القهار يجعل العبد لا يخاف بشرًا ولا سلطانًا فيتحرر من خوف المخلوقين؛ لأنه يعلم أن الكل مقهور بيد الله، فلا يضر ولا ينفع إلا هو.
  • حين يقهر الله العبد بذنب أو مصيبة، يدرك أن لا ملجأ له إلا ربه، فيسارع إلى التوبة الصادقة.

أمثلة على اسم الله القهار في قصص القرآن

القرآن الكريم مليء بأمثلة كثيرة على قهر الله لمن عصاه وتجبر فنجد فرعون قهره الله في البحر وأغرقه بعدما قال: أنا ربكم الأعلى، والنمرود ادعى أنه يحيي ويميت، فقهره الله ببعوضة أذلته حتى مات، وقصة قوم عاد وثمود قهرهم الله بالريح والصيحة، فلم تبق منهم باقية.

كل هذه الأمثلة تجعلنا ندرك أن قهر الله ليس مجرد عقوبة، بل رسالة للعالمين أن الملك لله وحده.

كيف نتعبد باسم الله القهار؟

  • بالخضوع والذل لله، فلا يليق بالمؤمن أن يتكبر، وهو يعلم أن الله يقهره بلحظة.

  • بالتسليم للأقدار في المرض والفقر والموت، وأن نعلم أن وراء القهر رحمة وحكمة.

  • بمحاربة النفس بأن نقهر شهواتنا وهوانا في طاعة الله.

  • بالدعاء بأن نتوسل إلى الله بهذا الاسم فنقول: يا قهار، اقهر عدوي، واقهر نفسي عن معصيتك، واقهر همومي بفرجك.

🔹 القهر يبعث في النفس خوفًا من عذاب الله وسطوته، لكنه يفتح أيضًا باب الرجاء، لأن من قهره الله بذنب ثم وفقه للتوبة، فقد رحمه، ومن قهره بابتلاء ثم أعطاه الصبر، فقد أحبه.

دعاء مأثور باسم الله القهار 

ورد عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله إذا تضور من الليل قال: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ» (أخرجه النسائي).

دعاء باسم الله القهار

اللهم يا قهار، يا غالبًا لا يُغلب، ويا قويًّا لا يُقهر نسألك بقهر عزتك وجلال سلطانك أن تقهر نفوسنا عن شهواتها، وأن تقهر قلوبنا على طاعتك، وأن تقهر جوارحنا عن معصيتك، وأن تقهر همومنا بفرجك، وذنوبنا بمغفرتك.

اللهم يا قهار اقهر أعداءك وأعداءنا، وأذل كل جبار عنيد، وكل باغٍ وظالم متجبر، واجعل قهرهم سببًا لعلو دينك ورفعة كلمتك.

اللهم يا قهار اقهر وساوس الشيطان في صدورنا، واقهر ضعفنا بقوتك، وعجزنا بقدرتك، وفقرنا بغناك.

اللهم يا قهار اجعلنا منكسري القلوب بين يديك، خاضعين لعظمتك، مستسلمين لأقدارك، راضين بحكمك موقنين أن الأمر كله لك وحدك.

اللهم يا قهار اقهر نفوسنا بحبك، وقلوبنا بشوقك، وألسنتنا بذكرك، وأعمالنا بطاعتك، واجعلنا من أهل القرب والرضا والولاية.

في الختام، نجد أن اسم الله القهار مدرسة إيمانية متكاملة؛ يعلِّمك التواضع حين ترى قهر الله للجبابرة، ويعلِّمك الصبر حين تشعر بضعفك أمام البلاء، ويعلِّمك الرضا حين تدرك أن كل ما في الكون يسير بقهر الله وقدره، فإذا استقرت هذه المعاني في قلبك تحررت من الخوف من الناس، وخشيت رب الناس، وسرت في حياتك مطمئنًا إلى أن لك ربًا قهارًا لا يغلبه شيء، رحيمًا لا يظلم أحدًا، حكيمًا لا يقهر عباده إلا ليهديهم ويطهرهم.

فلنكثر من الدعاء قائلين: يا قهار اقهر نفوسنا عن معاصيك، وقهر قلوبنا على طاعتك، وقهر أعداءك وأعداءنا، واجعلنا لك خاضعين، ولأمرك مستسلمين، ولقدرك راضين.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index