أسرار اسم الله العزيز (أسماء الله الحسنى)
تعرف على معنى اسم الله العزيز وأثره في حياة المسلم
في عالم يكتنفه الكثير من التحديات والصعوبات يبقى اسم الله العزيز واحدًا من أسمائه الحسنى التي تبعث في النفس الاطمئنان والثقة، فـالعزيز لا يعني فقط القوة والعظمة، بل يشمل معاني الاستعلاء والقدرة التي لا يرقى إليها شك، والقهر الذي لا يُتحدَّى.
من خلال استعراض هذا الاسم المبارك نغوص في عمق معانيه، وكيف أن الله -عزَّ وجلَّ يُظهر عظمته في كل جوانب خلقه، بدءًا من كونه القادر على كل شيء، وصولًا إلى كونه المتفرد في عزته وجبروته.
سنتناول في هذا المقال بعضًا من دلالات هذا الاسم في القرآن الكريم والسنة النبوية، ونستعرض أثره في حياة المسلم وكيفية التوجه إلى الله بهذا الاسم في أوقات الحاجة والقوة.
معنى اسم الله العزيز
المعنى اللغوي
جاء اسم العزيز من مادة “ع-ز-ز” التي تدل على القوة والشدة والغلبة، ويقال: “عَزَّ الشيءُ” أي اشتد وقوي، و”أعَزَّ فلانٌ فلانًا” أي رفعه وكرَّمه، والعزة تعني الامتناع عن الذل والانكسار.
المعنى في حق الله سبحانه وتعالى
اسم العزيز حين يُطلق على الله تعالى فهو يشير إلى:
- القوة المطلقة، فهو القوي الذي لا يُغلب.
- المنعة والامتناع، فلا يصل إليه أحد بسوء.
- الغلبة التي لا تُقاوَم، فهو الغالب على أمره.
- الشرف الذي لا يدانيه شرف، فهو أعز من كل شيء وأرفع قدرًا.
اسم الله العزيز في القرآن الكريم
تكرر اسم العزيز في القرآن الكريم في 92 موضعًا تقريبًا، وذلك يدل على أهميته وعظمته، ومن هذه المواضع:
-
اقترانه بالحكمة: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (سورة الحشر، الآية 24)، وذلك يدل على أن عزته مقرونة بالحكمة، فلا يظلم ولا يطغى.
-
اقترانه بالرحمة: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (سورة يس، الآية 5)، وذلك يشير إلى أن عزته ليست جبروتًا قاسيًا، بل فيها رحمة بعباده.
-
اقترانه بالقدرة على الانتقام: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ذُو ٱنتِقَامٍ﴾ (سورة الزخرف، الآية 24)، وذلك يُطمئن المؤمن بأن الله سينتقم للمظلومين.
اسم الله العزيز في السنة النبوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله تسعة وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنة، وهو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، العزيز، الجبار.” (رواه البخاري).
يظهر هنا أن اسم الله العزيز من بين الأسماء التي إذا تم الإلمام بمعانيها والتضرع بها، كان ذلك سببًا في دخول الجنة، وفي هذا الحديث نجد أن اسم الله العزيز يجيء مع أسماء أخرى عظيمة تُمثل صفات الله الكاملة، ويدل على أن عزَّته عزَّ وجلَّ صفة من صفات جلاله وقدرته.
أقوال العلماء عن اسم الله العزيز
الإمام الطبري في تفسيره:
قال الإمام الطبري في تفسيره “جامع البيان” عند تفسيره لآية: “وَقَالَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (سورة الفتح، الآية 7): “العزيز هو الذي لا يغلبه شيء، ولا يُغلب في أمره، هو الذي لا يُمانع في عزته، ولا يُنقض حكمه. هو الذي له العزة والجبروت، ويملك قوة تامة في ذاته لا تدركها العقول”، ويُشير الطبري إلى أن الله تعالى من خلال اسمه العزيز يُعبِّر عن عزته الكاملة التي لا تُقهر، وأنه لا يعلو عليه أحد في قدرته أو سلطانه.
القرطبي في تفسيره:
قال الإمام القرطبي في تفسيره “الجامع لأحكام القرآن”: “العزيز هو الذي قهر جميع الأشياء، وأذلها، وكل ما في السموات والأرض خاضع لقدرته وعزته، فكل شيء في الكون لا يتم إلا بعزته، وعزة الله تقتضي أن لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء”، ويُوضح القرطبي أن اسم العزيز يشير إلى القوة التي لا يُقهر الله بها، وأنه لا يَحْتَاجُ إلى أحدٍ من خلقه لتحقيق مراده.
ابن كثير في تفسيره:
في تفسيره “تفسير القرآن العظيم”، قال الإمام ابن كثير: “العزيز هو الذي لا يُقهر، ولا يُعجزه شيء، والذي قهر العباد بقدرته، وتدبيره العجيب، وجعل الطائعين له مكرمين، وخلقه من القدرة ما لا يستطيع أحد أن يقف في وجهه”، ويُبرز ابن كثير هنا معنى أن الله العزيز هو القادر الذي لا يُعجزه شيء، وأنه دائمًا ما يتحقق ما أراده وفقًا لمشيئته.
الرازي في تفسيره:
في “مفاتيح الغيب” (تفسير الرازي)، قال: “العزيز هو الذي لا يُغلب، بل هو القادر على كل شيء، والذي لا يرفع سلطانه، ولا يزول حكمه، وكل شيء في الوجود تحت تصرفه”، ويربط الرازي بين عزة الله وقوته التي لا يمكن لأي قوة في الكون أن تعيق إرادته أو تحد من سلطانه.
ابن عباس:
قال ابن عباس رضي الله عنهما، في تفسيره لاسم العزيز: “العزيز هو الذي لا يُغلب ولا يُهزم في أمره، وقهر عباده بقدرته، ولا أحد يعارضه في عزته”، ويُوضح هنا ابن عباس أن العزة تعني القدرة المطلقة التي لا يمكن أن تقاومها قوة أخرى في الوجود.
الذهبي في “سير أعلام النبلاء”:
في تفسيره للأسماء الحسنى، قال الإمام الذهبي: “العزيز هو الذي له العزة في خلقه، كما أن له القوة التي لا تُغلب، والجبروت الذي لا يُحد” ويُسلط الذهبي الضوء على أن العزة هي صفة من صفات الله التي تكمل قوته وجبروته، وهي دليل على هيمنته المطلقة على الكون.
ابن الجوزي في “زاد المسير”:
قال ابن الجوزي في تفسيره “زاد المسير”: “العزيز هو الذي لا تُحْدَ قوة على مُغالبته، ولا على معارضته، وعزَّته تقتضي استحقاقه لكل ما في السماوات والأرض، وهو الذي لا يقدر أحد على معارضته”، ويُؤكد ابن الجوزي على أن العزة هنا تعني الغلبة المطلقة التي لا يمكن لأحد أن يرفع يده أمامها.
أثر اسم الله العزيز على حياة المسلم
اسم الله العزيز واحد من أسمائه الحسنى التي تفيض على القلب سكينةً وقوة، ويجد المؤمن في هذا الاسم ملاذًا لحمايته، ودافعًا لثقته في قدرة الله، وسبيلًا لاستمداد القوة والعزة في الأوقات العصيبة، ليس لأنه يعكس عظمة الله وقدرته فقط، بل هو مصدر الهداية والعون للمؤمنين في شتى المواقف، فلنتأمل معًا كيف يؤثر هذا الاسم في حياة المسلم، وكيف يمكن أن يتحقق المعنى العميق له في كل جوانب الحياة.
- اسم الله العزيز يربط المؤمن بعزة الله التي لا مثيل لها. عندما يذكر المؤمن اسم الله العزيز، فإنه يتذكر أن عزة الله سبحانه وتعالى لا تحدها حدود، وأن كل عزة في هذا الكون هي مستمدة من عزته، والعزة الإلهية تعني أن الله عزَّ وجلَّ هو القادر على أن يرفع من يشاء ويذل من يشاء،وفي حياتنا اليومية ينبغي على المسلم أن يضع ثقته في الله وحده، فلا يتوانى في التوكل عليه عندما تواجهه تحديات، فالعزة الحقيقية في التوكل على الله.
- يشير اسم الله العزيز إلى القوة المطلقة التي لا تضاهيها أي قوة، فكل قوتنا في هذه الحياة هي مجرد مظهر ضئيل مقارنة بعزة الله وقدرته على كل شيء، وذلك يجعل المؤمن يعبر عن نفسه بتواضع أمام هذا الاسم، معترفًا بعجزه أمام قوة الله، والتمسك بهذا الاسم يمنح المسلم الشعور بالقوة الداخلية التي تجعله يواجه صعوبات الحياة بشجاعة وإيمان، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى في كتابه: “وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا”(سورة الفتح، الآية 7)، وتُبين الآية كيف أن الله عزَّ وجلَّ يملك قوة الكون، وأنه قادر على إحداث التغيير في جميع جوانب الحياة.
- في لحظات الظلم والتحديات يتذكر المسلم أن الله العزيز هو الذي لا يُغلب، وإنه القاهر فوق عباده، المهيمن على كل شيء، فالمسلم يجب أن يلتجئ إلى الله العزيز في أوقات الشدة، خاصة عندما يكون الظلم في أعظم أشكاله، واسم الله العزيز يعد المؤمنين بالقوة والنجاة من أيدي الظالمين والمعتدين، حيث تظهر عزة الله في رفع البلاء عنهم.
- إن العزة الحقيقية للمؤمن لا تأتي من المال أو الجاه أو السلطة، بل من إيمانه بالله وتوكله عليه، فالله تعالى يقول: “وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ” (سورة الحج، الآية 18)، فالمؤمن الذي يؤمن بأن الله هو العزيز يرفع معنوياته، ويشعر بالعزة الإيمانية التي لا يتأثر بها المال أو السلطة، كما أن العزة الحقيقية تكمن في طاعة الله، وفي اتباع سنة نبيه، وفي التمسك بالدين في كل الأوقات، ومن ثم يتحقق معنى العزة في حياة المسلم عندما يرى أن التوفيق والعزة في الحياة يتوقفان على قربه من الله، لا على فكرته عن نفسه أو على مقاييس الدنيا.
- اسم الله العزيز له تأثير عميق في مساعدة المؤمن على التحلي بالصبر والاحتساب في مواجهة البلاء، ويدرك المسلم في الأوقات الصعبة أن الله هو القادر على رفع البلاء بعزته، كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الله عبدًا ابتلاه.” (رواه الترمذي)، فالصبر في مواجهة المصاعب هو نوع من التمرد على الضغوط النفسية والمادية، وهو تجسيد مباشر للإيمان بعزة الله، وذلك الصبر يجعل المؤمن يثق في أن الله عزَّ وجلَّ سيعطيه الفرج في وقته، ويعطيه القوة والقدرة على مواجهة الصعاب.
- يُعد الدعاء باسم الله العزيز من أقوى الوسائل التي تلجأ إليها النفس المؤمنة في أوقات الحاجة والضيق، ويطلب المسلم من الله أن يرفع عنه الهم ويمنحه القوة والقدرة على مواجهة الصعاب، وهو يُدرك أن دعاءه لن يُرد إذا توكل على الله العليم القادر،فالدعاء بهذا الاسم يعكس إيمان المسلم بأن الله هو الذي يملك العزة في كل شيء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
- من خلال الإيمان باسم الله العزيز يميز المسلم بين العزة الإلهية والعزة البشرية، فالعزة التي يتمتع بها البشر غالبًا ما تكون مؤقتة ومحدودة، بينما عزة الله سبحانه وتعالى هي عزة مطلقة ودائمة، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من تواضع لله رفعه، ومن تكبر عن الحق أذله الله” (رواه مسلم)، ويُظهر هذا الحديث أن العزة الحقيقية في تواضع الإنسان لله، بينما التكبر والغرور ينتهي به إلى الذل في الدنيا وفي الآخرة.
- العبادة في جوهرها ترفع مكانة المؤمن، وتعزز من عزته الروحية، فالمسلم الذي يداوم على العبادة، ويستشعر عظمة الله يجد في قلبه قوة وثقة تتجسد في كل أفعاله، وعبادة لله تجعل المسلم يشعر بعزة لا يعادلها شيء في الدنيا، حيث قال الله تعالى: “فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (سورة النساء، الآية 11)، فالعبادة والتقوى تمنح المسلم القوة على مقاومة الفتن والصعاب، وذلك يُعزز من عزة إيمانه وكرامته.
كيف يحقق المسلم العزة الحقيقية؟
لكي ينال المسلم العزة الحقيقية عليه اتباع عدة خطوات:
-
التمسك بالدين وعدم طلب العزة من غير الله، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.”
-
الاعتماد على الله وحده وعدم الاستسلام للضعف، حيث قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (سورة الطلاق، الآية 3).
-
الاستقامة على طاعة الله، فمن أطاع الله أعزه، ومن عصاه أذله.
-
الدعاء باسم الله العزيز، فقد كان النبي ﷺ يدعو بأسماء الله الحسنى.
-
عدم الخضوع للباطل أو الظلم، فالمسلم الحقيقي لا يذل نفسه، ولا يخضع إلا لله.
في الحتام، يظل اسم الله العزيز مصدرًا للطمأنينة في قلب المؤمن يعكس في معانيه قدرة الله التي لا مثيل لها، ففي وقت الشدائد هو العون والملاذ، وفي لحظات القوة هو الذي يُعلي مقام المؤمن ويدفعه للثقة في قدرته تعالى، وعندما نتذكر عزَّة الله نُدرك أن كل ما نمر به في هذه الحياة من تحديات سواء كانت جسدية أو معنوية إنما هي جزء من مشيئته وحكمته، فلنستشعر عظمة هذا الاسم في قلوبنا، ولنسعى للتقرب إلى الله به، فإن الدعاء به يُعتبر من أبلغ الأشكال التي نتوجه بها إلى الله في السراء والضراء، مُتأكدين أن عزته وكرمه لن يخيب رجاءنا.
المصدر