إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

آية الكرسي سيدة آي القرآن… تفسيرها وفضلها

تعرف على تفسير آية الكرسي

آية الكرسي سيدة آي القرآن… تفسيرها وفضلها

آية الكرسي، يبحث معظم الناس، بل كل الناس عن طمأنينة تُسكِّن أفئدتهم، ونور يبدِّد عنهم ظلمات الحياة، وإذا فتشت في كنوز القرآن عن آيةٍ جمعت صفات الله العليا، وأظهرت كمال ملكه وسلطانه، وقدرته على تدبير الكون والحفاظ على عباده، فلن تجد أعظم من آية الكرسي، فهي الآية التي وصفها النبي ﷺ بأنها “سيدة آي القرآن”، وآية الحفظ، وآية التوحيد.

هي آية تقف عندها القلوب بخشوع، وتذهل العقول من جلال معانيها، ويشهد أهل الإيمان بفضلها في الدنيا والآخرة.

قال الإمام القرطبي في تفسيره: “هذه آية اجتمع فيها من الأسماء الحسنى ما لم يجتمع في غيرها، ونُقل فيها من صفات الله ما تقصر عنه العقول، وهي جامعة لعقيدة التوحيد، فيها الهيمنة الإلهية المطلقة، والعلم المحيط، والحفظ الدائم، والعلو الذي لا يُدانى”.

نص آية الكرسي

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ (سورة البقرة، الآية 255).

آية الكرسي سيدة آي القرآن... تفسيرها وفضلها
آية الكرسي

لماذا سميت آية الكرسي بهذا الاسم؟

سميت هذه الآية العظيمة بـ “آية الكرسي” نسبةً إلى قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}. والكُرسي كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هو موضع قدمي الله عز وجل، والعرش لا يُقدر قدره”، كما في تفسير الطبري (5/396)، والكُرسي رمز لعظمة الملك والهيمنة الإلهية، فالله جل جلاله لا يُقهر، ولا يُغلب، وهو المتفرد بالملك والتدبير.

تفسير مبسط لآية الكرسي

{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ}

ابتدأت الآية بأعظم أصل ألا وهو التوحيد، وتعني أنه لا معبود بحق إلا الله، ونفى الألوهية عما سواه، وأثبتها له وحده، وذلك هو توحيد الربوبية والألوهية معًا.

قال ابن كثير: “هذا خبر، ومعناه: لا معبود بحق إلا الله، وهو إخبار يتضمن الإنشاء، أي: اعبدوه وحده، ولا تشركوا به شيئًا”.

{الْحَيُّ الْقَيُّومُ}

صفة الحياة الكاملة الأزلية الأبدية، فهو الحي الذي لا يموت، ولا يعتريه نقص، والقيوم أي القائم بنفسه المقيم لغيره، المدبر لأمور خلقه.

قال الطبري: “القيوم القائم بتدبير الخلق وحفظه ورزقه ومحاسبته، لا يغفل عن شيء، ولا يعجزه شيء”.

{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}

نفي النقص عنه سبحانه، فهو لا تأخذه غفلة ولا نعاس. وهذه من أعظم آيات الكمال الإلهي، فالملك البشري يعتريه الضعف، أما ملك الله فلا يعتريه نقص.

قال البيضاوي: “السِنة: النعاس، وهو أوَّل النوم، فإذا لم تأخذه سنة، فلأن لا يأخذه النوم من باب أولى”.

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}

الملكية المطلقة لله شاملة للخلق كلهم، لا يخرج أحد عن سلطان الله، فهو الملك الحقيقي.

{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}

لا أحد يشفع عند الله إلا إذا أذن له، فلا شفاعة دون إذنه، وذلك فيه إثبات للشفاعة، ونفي لاستقلال أحد بها.

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}

أي يعلم أمورهم الماضية والمستقبلة، وأسرارهم وظواهرهم، لا يخفى عليه شيء.

قال السعدي: “علمه محيط بجميع خلقه، لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء”.

{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}

نحن البشر، لا نعلم إلا ما شاء الله أن نعلمه، فعلمنا ناقص، أما علم الله فمطلق.

{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}

الكرسي كما فسره ابن عباس: موضع قدمي الله، وهو أعظم من السماوات والأرض، وذلك يُظهر عظمة الله وجلاله.

{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}

أي لا يُتعبه حفظ السماوات والأرض، مع سعتها وعظمها، وذلك دليل القدرة التامة.

{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}

ختمت الآية بصفتي العلو والعظمة، فهو العلي بذاته، وبصفاته، وبقهره، وهو العظيم الذي لا يُدرك كنه عظمته مخلوق.

أسرار آية الكرسي (فضل آية الكرسي)

طمأنينة تتسلل إلى القلب

حين يقرأ المؤمن {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} بقلب خاشع، يشعر وكأنه دخل في حضرة الله، وكأن كل ما حوله من قلق وفوضى قد توقف، وتُحيي هذه الكلمات في داخلك أن الله معك، قائمٌ على شؤونك، حي لا يغيب، ولا يتركك طرفة عين.

إزالة الغشاوة عن البصيرة

حين تتيه النفس وتضطرب بسبب الماضي أو الخوف من المستقبل، يأتي قوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} ليضع الحقيقة بين يديك: الله يعلم، والله يُدبر، والله يرحم، فأي راحةٍ أصفى من أن تكون تحت علم الله وإحاطته؟.

سرُّ القوة واليقين

كثير من الناس يسقطون في فخ الحيرة والضعف، لكن من يتأمل قوله: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} يجد فيها وعدًا ضمنيًا بالقدرة المطلقة: الله يحفظ السماوات والأرض، أفلا يحفظك؟، وهنا يقوى يقينك، ويُدحر الشيطان الذي يُسَوِّل لك أن تُقلقك الأسباب.

حجاب ضد الوساوس والهواجس

قال أهل السُّنة: آية الكرسي أعظم ما يُقرأ لطرد الشياطين، وذلك ليس حماية من وساوس الشيطان فقط، بل من وساوس النفس، ومن القلق الذي لا يُرى، فإن كنت تُعاني من الخوف أو الاكتئاب أو الهلع أو ضيق الصدر، فداوم على آية الكرسي، وسترى أثرها بنفسك.

صفاء في الصلاة وذكرٍ يخترق الغفلة

إذا قرأت آية الكرسي في صلاتك بتدبر وجدت نفسك تنتقل من أداء الجسد إلى خشوع الروح، ولا عجب أن النبي ﷺ قال: “من قرأها دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت” (رواه النسائي وصححه الألباني).

حماية وقت النوم

قال النبي ﷺ لأبي هريرة عن قراءة آية الكرسي قبل النوم: “لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح”.
هل جرَّبت أن تقرأها ليلةً بقلب خاشع ثم تنام؟ ستشعر وكأن يدًا من نور تحتضنك، وتدفع عنك كل خوفٍ داخلي، لتنام على طمأنينة لا يملكها أصحاب المال والجاه.

كل آية فيها مرآة لروحك

آية الكرسي إذا قرأتها وأنت خائف أمنت، وإذا قرأتها وأنت حزين انفرجت غمتك، وإذا قرأتها وأنت ضائع اهتديت؛ لأنها تتحدث عن الله، ومن عرف الله حقًا اطمأن قلبه، كما قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (سورة الرعد، الآية 28).

آية الكرسي في الأحاديث النبوية

  • عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي ﷺ سأله: “أَتَدرِي أَيَّ آيةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ معكَ أعظَمَ ؟ قال : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فضرب بيدِهِ في صدرِهِ وقال : لِيَهنِكَ العِلمُ أبا المِنذِرِ” (رواه مسلم).
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:  “دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بهَا، قُلتُ: ما هُوَ؟ قَالَ: إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ؛ فإنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبَنَّكَ شَيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ” (رواه البخاري).
  • عن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ ، إلَّا الموتُ” (رواه النسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع).

متى تُقرأ آية الكرسي؟ 

  • بعد كل صلاة فرض.

  • عند النوم.

  • في أذكار الصباح والمساء.

  • عند الخروج من المنزل.

  • عند الخوف أو القلق.

لماذا كانت آية الكرسي أعظم آية في القرآن؟

  • اجتمعت فيها خمسة من أسماء الله الحسنى العظمى: (الله – الحي – القيوم – العلي – العظيم)، وهذه الأسماء تتضمن كمال الذات والصفات.
  • كل جملة فيها خبر عن الله، فالآية كلها صفات الله، ولم تشتمل على أوامر أو نواهي، بل تعريف بالله وبقدرته، وذلك يجعلها خالصة لتوحيد المعرفة والإثبات.
  • فيها ترتيب بلاغي محكم، فمن الألوهية إلى الحياة، إلى القيومية، إلى نفي النقص، إلى سعة المُلك، إلى العِلم، إلى الحفظ، إلى العلو والعظمة، وذلك التدرج يصعد بك روحيًا إلى ذروة الإيمان.
  • كل جزء منها يحل أزمة روحية في النفس البشرية سواء من القلق، أو الخوف من المستقبل، الحماية من الأذى، أو الفزع من الشيطان.
  • اتفق العلماء على تميزها، فالإمام النووي قال: “آية الكرسي مشتملة على جميع معاني الصفات العلا، وهي قاعدة التوحيد والإيمان بالله”، وقال الشنقيطي في “أضواء البيان”: “فيها الكفاية لمن تمسك بها، فهي بحر التوحيد، وسيف المؤمن، وحصن النفس من كل فتنة”.

تأمل في آية الكرسي

حين تبدأ الآية بــ {اللَّهُ}، فأنت لا تسمع مجرد اسم، بل تستحضر أعظم حقيقة أن هناك ربًّا واحدًا، حاضرًا، وقويًا، وعظيمًا يسمعك الآن، ويعلم ما في صدرك، هو الاسم الأعظم، مَن له الكمال المطلق، منبع كل رحمة، وغاية كل حب وخشية.

{لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ} نفي ثم إثبات، وذلك هو جوهر التوحيد، ولب العقيدة، فكل ما تعبد من دونه باطل، ولا ملجأ، ولا مفر، ولا أمان، ولا رزق، ولا شفاء، إلا منه وحده، وقلها بقلبك: “لا إله إلا هو” تجد السكينة تنزل على روحك كالغيث.

{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} هو الحي الذي لا يموت، وأنت الفاني، الذي يحتاج إلى حياته لتبقى، وهو القيوم قائم على شؤونك، يعلم نبضات قلبك، وهمَّك الصامت، ودمعتك المكبوتة، ستتشعر وكأنك بين يديه، وهو يقول لك: لا تقلق، فأنا أقوم بأمرك.

{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} في عالم ينام فيه الملوك، ويغيب الحُماة، يُخبرك الله أنه لا يغفل عنك، ولا يتعب من حفظك، حتى وأنت نائم، هو يقظ عليك، فهل شعرتَ يومًا أن أحدًا يعتني بك ليلًا ونهارًا دون أن يغفل؟ هذا هو الله…

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} هو المالك المطلق، فالسماوات بكل مجراتها، والأرض بكل تفاصيلها، خاضعة له، منقادة لأمره، فهل تشك بعد هذا أنه قادر على فك كربك، أو رزقك، أو حفظك؟ كيف وأنت ملكه وهو وليك.

{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} كل وسائط الدنيا لا تعمل إلا بإذنه، وإن أردت أن يُفتح لك باب، فلا تطرق قلوب العباد أولًا، بل اطرق باب من بيده الإذن والقبول.

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} يعلم ماضيك وحاضرك ومستقبلك، ويعرف ما قلتَه وما نويتَه، ما أبكيتَ عليه وما أخفيته، فاطمئن لا حاجة أن تشرح له، هو يعلم، ويُقدِّر، ويرحم.

{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} علم البشر كله، بما فيه من طب وهندسة وفلك وذكاء، لا يساوي شيئًا إلا إذا شاء الله أن يُعلمهم، فتأمل في عجزك أمام علمه، وستشعر بالتواضع الحقيقي.

{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إن كنت ترى الأرض شاسعة، والسماء بعيدة، فإن كرسيه وسِع كل ذلك، فأين مشكلتك من هذه العظمة؟ بل أين أنت؟، وكأن الآية تقول لك: لا تُعظِّم همك، فعند الله كل شيء صغير.

{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} الله لا يتعب من حفظك، ولا من رعايتك، ولا من دفع البلاء عنك، فتأمل كل العالم بين يديه، ومع ذلك لا يُرهقه شيء، فكيف لا تطمئن إليه؟

{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} علوٌّ في الذات والقدر والمقام، وعظمة لا تدانيها عظمة، فإن أردت أن ترفع حاجتك، فارفعها إلى “العلي”، وإن أردت أن تتكل، فاتكل على “العظيم”.

في الختام، آية الكرسي دستور إيماني، وعقيدة متكاملة فيها توحيد الله بأسمائه وصفاته، وفيها الأمن، والعلم، والقدرة، والرحمة، والحفظ. من قرأها تدبرًا وفهمًا، أثَّرت في قلبه ووجدانه، وكان في حماية الله ليلًا ونهارًا.

قال الإمام ابن القيم في “الجواب الكافي”: “آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وهي من أقوى الأسباب في طرد الشياطين، وفيها أعظم أصول الإيمان، من توحيد وأسماء وصفات”.

المصدر 

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock