من هو الصحابي الذي حمى الله جسده بجيش من النحل؟

من هو الصحابي الذي حمى الله جسده بجيش من النحل؟، سؤال يطرق القلوب قبل الأسماع، لا لأن فيه تعظيمًا لبشر، ولا نسبة فعلٍ لغير الله، بل لأنه يفتح بابًا عظيمًا للتأمل في قدرة الله المطلقة، وكيف يُدافع سبحانه عن عباده المؤمنين إذا صدقوا ما عاهدوه عليه، وكيف يمكن لجسد إنسان بعد موته أن يُصان من أعدائه، لا بقوة البشر، ولا بسلاحٍ من حديد، بل بجنودٍ صغيرة من خلق الله تُطيع أمره ولا تعصيه؟ وما العمل الصادق الذي سبق هذا الحفظ الإلهي، حتى صار ذكر صاحبه باقيًا في كتب السنة والسيرة إلى يوم الناس هذا؟
هذه القصة ليست موضع تعظيم لبشر، ولا نسبة حماية لغير الله، بل هي شاهد صريح على قول الحق سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وبيان عملي لمعنى الصدق مع الله، حين يفي العبد بعهده، فيفي الله له بما شاء وكيف شاء، وسنتناول في هذا المقال قصة الصحابي الجليل عاصم بن ثابت رضي الله عنه، كما وردت في السنة الصحيحة والسيرة الموثوقة.
الصحابي الذي حمى الله جسده بجيش من النحل (عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه)
هو الصحابي الجليل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري الأوسي، من بني عمرو بن عوف، ومن أهل المدينة المنورة، وكان من خيرة رجال الأنصار الذين شرَّفهم الله بنصرة نبيه ﷺ.
نشأ عاصم رضي الله عنه في بيئة الإيمان، وتربَّى على معاني النصرة والطاعة، وكان معروفًا بين الصحابة بقوة اليقين، وشدة الثبات، وحسن البلاء في سبيل الله، ولم يكن من أصحاب الأسماء اللامعة في كثرة الرواية، لكن الله رفع ذكره بموقف صدق، لأن الميزان عند الله ليس كثرة الذكر، بل صدق العمل.
ذكر أهل المغازي والسير أن عاصم بن ثابت رضي الله عنه شهد غزوة أُحد، وكان من أمهر الرماة، وعُرف بالشجاعة وعدم المساومة على الدين، وكان من الرجال الذين جمعوا بين سلامة العقيدة وقوة الموقف، فلم يعرف التردد طريقًا إلى قلبه إذا تعلَّق الأمر بدين الله.
وفي يوم أُحد حين اضطربت الصفوف وثبت من ثبت ظهر معدن الرجال، وكان لعاصم بن ثابت رضي الله عنه موقف عظيم، حيث قاتل قتال الصادقين، وأصاب بسهمه مسافع بن طلحة أحد كبار مشركي قريش، وقيل: قتل ابنه كذلك، وهنا اشتعل الحقد في قلوب المشركين، خاصة في قلب سُلافة بنت سعد، أم القتيل، فنذرت نذرًا آثمًا، وقالت: “لئن قدرت على رأس عاصم لأشربنّ الخمر في قِحف رأسه”، وبلغ هذا الكلام عاصمًا رضي الله عنه، فكان ردّه إيمانيًا خالصًا، لا غضب فيه للنفس، ولا طلب فيه لانتقام دنيوي، بل توجَّه إلى الله وقال: “اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره”، ولم يكن هذا الدعاء تعلُّقًا بسبب، ولا طلبًا لغير الله، بل تفويضًا صادقًا للحافظ سبحانه.
بعد غزوة أُحد، أرسل النبي ﷺ سرية من الصحابة لتعليم بعض القبائل أمور الدين، وكان عاصم بن ثابت أميرًا عليهم، لكن القوم غدروا وتآمروا مع قبائل من هذيل، وأحاطوا بالصحابة عند موضع يُسمَّى الرجيع، وعرض المشركون على الصحابة النزول على الأمان، لكن عاصم بن ثابت قال قولته المشهورة: “أما أنا، فلا أنزل في ذمة كافر”، وهذا الموقف ليس تهورًا منه، بل فقه في الدين حين يكون الأمان وسيلة للغدر وإذلال المؤمن، فقاتل رضي الله عنه قتال من أيقن أن ما عند الله خير وأبقى، حتى أُصيب، واستُشهد ثابتًا على التوحيد.
بعد استشهاده تذكَّر المشركون نذر سُلافة بنت سعد، فأرادوا أن يقطعوا رأسه ليأخذوه إلى مكة، فيجمعوا بين الشماتة وتحقيق النذر، وهنا استجاب الله لدعائه الذي دعاه، فثبت في صحيح البخاري، في حديث سرية الرجيع، أن المشركين لما أرادوا أخذ جسد عاصم: «بعث الله عليه مثل الظلة من الدَّبْر (أي النحل)، فحال بينهم وبينه، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا»، وفي رواية: «فكان النحل يظلله ويمنعهم منه حتى رجعوا»، والنحل هنا ليس فاعلًا بذاته، ولا صاحب قدرة مستقلة، بل هو جند من جنود الله سخَّره سبحانه كما سخَّر البحر لموسى، والريح لسليمان، والحجارة على أصحاب الفيل، ثم أرسل الله مطرًا شديدًا، فاحتمل جسده إلى أحد الوديان، فلم يصل إليه أحد.
لماذا دافع الله عن عاصم بن ثابت؟
-
لصدق نية عاصم رضي الله عنه حين دعا الله وقال: “اللهم إني حميت دينك…”، فكان عمله خالصًا لله.
-
وكذلك ثباته على التوحيد، حين رفض النزول في ذمة مشرك، حفاظًا على دينه.
- كما أنه وفى بالعهد، فوفَّى الله له بما وعد.
الدروس المستفادة من قصة الصحابي الجليل عاصم بن ثابت رضي الله عنه
- على المسلم اليوم أن يتعلم أن كل عبادة وكل عمل يجب أن يكون خالصًا لوجه الله، سواء كان صلاة، صدقة، أو نصرة للحق. الصدق في النية يجعل العمل مقبولًا ويجلب حفظ الله ونصره.
- الثبات على التوحيد والمبادئ أهم من أي مكاسب دنيوية، والله يعين من يثبت على دينه على الصعاب.
- اعمل واجتهد، وثق أن الله هو المدافع والميسر، وأن التوكل لا يعني الانكسار، بل الثقة بالله أثناء السعي والعمل.
- الالتزام بالحق والثبات على الدين يجعل المسلم قدوة في الدنيا وفي الذكر بعد الموت.
- دفاع الله عن المؤمنين ليس مقصورًا على الحاضر، بل يمتد بأمر الله كما شاء، والله وحده القادر.
-
كل نصرة، وكل حماية، وكل خير يصلك، فهو من عند الله لا من البشر ولا المخلوقات، فاشكره وقل: الحمد لله على كل حال.
- على المسلم أن يتعلم أن الوفاء بالعهد مع الله ومع الناس من صفات المؤمنين الذين يرفع الله ذكراهم.
- الإيمان الحقيقي لا يُقاس بالكلمات، بل بالثبات في المواقف.
- قد يموت الإنسان، لكن أعماله الصالحة تجعل ذكره باقياً، كما بقي ذكر عاصم رضي الله عنه في كتب السنة والسيرة، فاعمل الصالحات، واكتب لنفسك أثرًا يبقى بعدك، سواء بالعلم، أو التعليم، أو الدعوة، أو الخير.
- يمكن للمسلم اليوم أن يحمي دينه بالعلم والعبادة والقول والعمل الصالح، وأن يكون حاميًا لحق الله في نفسه ومجتمعه.
- استشهاد عاصم رضي الله عنه يعلِّمنا أن التضحية من أجل الحق جزء من العبادة، ويمكن أن يُطبق المسلم هذا بالدفاع عن الحق، ومساندة المظلوم، وعدم الانحياز للباطل حتى في الحياة اليومية.
- الالتزام بالوعود، واحترام العهود يُظهر صدق الإيمان ويجلب البركة في الأعمال والعلاقات.
- الإيمان يظهر في أصعب اللحظات، كما فعل عاصم، فالمسلم اليوم يمكن أن يستفيد من كل موقف صعب ليُظهر صبره، وضبطه لنفسه، وثباته على القيم.
-
كل ما حدث لعاصم كان بإرادة الله وحكمته، فعلى المسلم اليوم أن يعلم أن الله أعلم بما يصلح له، وأن ما يراه ضررًا قد يكون مصلحة مخفية، وما يراه خيرًا قد يكون اختبارًا للصبر والإيمان.
في الختام، وبعد أن عرفنا اجابة سؤال من هو الصحابي الذي حمى الله جسده بجيشٍ من النحل؟، نجد أن قصته ليست مجرد اسم يُذكر، بل درس حي في التوحيد، والصدق مع الله، والثبات على المبادئ، والتفويض التام لله في كل أمورنا.
عاصم بن ثابت رضي الله عنه ليس مجرد شخصية في التاريخ، بل قدوة للمسلم في حياته اليومية من ثباته على الحق، ووفائه بعهد الله، وإيمانه العميق بقدرة الله المطلقة، إلى إدراكه أن كل نصرة وكل حفظ يأتي من الله وحده، لا من البشر ولا من المخلوقات.
إنه يذكِّرنا بأن العبد الصادق مع ربه، والمتمسك بدينه، يكون في حفظ الله أينما كان، في حياته وبعد مماته، وبهذا يُجيب السؤال بلا لبس أن الصحابي الذي حمى الله جسده بجيش من النحل هو عاصم بن ثابت رضي الله عنه، وقصته نور يُضيء دروب المؤمنين ويحفز القلوب على الإخلاص والعمل الصالح.
المصدر













