متى يجب الغُسل على المرأة، قد تغفل الكثير من النساء عن بعض الأحكام الشرعية التي تمس حياتهن اليومية والعبادية، ومن بين هذه الأحكام المهمة والتي لها ارتباط وثيق بالطهارة والصلاة والصيام: متى يجب الغُسل على المرأة؟
سؤال لا ينبغي أن يُؤخذ باستخفاف، بل يجب على كل مسلمة أن تُحيط علمًا بحالات وجوب الغُسل عليها، لأن الطهارة مفتاح كل عبادة، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (سورة البقرة، الآية 222).
سنتعرف أيتها الأخت المسلمة في هذا المقال متى يجب الغُسل على المرأة، حتى تستشعرين بأهمية الطهارة في حياتك الروحية والدنيوية.
ما هو الغُسل؟
الغُسل في اللغة هو سيلان الماء على الشيء، أما في الاصطلاح هو تعميم البدن بالماء بنية رفع الحدث الأكبر، كمن أصابها جنابة أو حيض أو نفاس.
قال الإمام النووي رحمه الله: “الغُسل هو إفاضة الماء على جميع البدن بنية الطهارة”.
متى يجب الغُسل على المرأة؟
نُفصِّل الآن الحالات التي يجب فيها على المرأة أن تغتسل، وهي:
الحيض
ما هو الحيض؟
الحيض هو دم طبيعي يخرج من رحم المرأة عند بلوغها في أيام معلومة من الشهر، ويُسمى بالعذر الشرعي.
متى يجب الغسل بعد الحيض؟
يجب الغُسل على المرأة بعد انقطاع دم الحيض، فإذا رأت القَصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض يخرج من الرحم علامة الطهر – أو الجفاف التام، وجب عليها أن تغتسل.
عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: “كُنَّ نساءُ المؤمنينَ يَبعثْنَ إلى عائشةَ بالدُّرْجةِ فيها الكُرْسُفُ فيه الصُّفرةُ من أثرِ الحيضِ، يسألنَها عن الصلاةِ، فتقولُ: لا تَعجَلْنَ حتى تَرَينَ القَصَّةَ البيضاءَ” (رواه البخاري تعليقًا).
ولا يجوز للمرأة أن تصلي أو تصوم قبل الغُسل، وإذا طهرت قبل الفجر، وجب عليها الصيام، وإن أخَّرت الغُسل إلى بعد الفجر.
النفاس
ما هو النفاس؟
النفاس هو الدم الخارج من المرأة عقب الولادة سواء وُلد الجنين حيًا أو ميتًا.
متى يجب الغُسل؟
يجب الغُسل على المرأة بعد انقطاع دم النفاس، ولا يجوز لها الصلاة أو الصيام أو مس المصحف حتى تغتسل.
قال الإمام ابن قدامة: “إذا انقطع دم النفاس، اغتسلت وصامت وصلت، وحُكمها حكم الطاهرات”.
ومدة النفاس غالبًا لا تزيد عن أربعين يومًا، كما ورد عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: “كانَتِ النُّفَساءُ تجلِسُ على عَهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أربعينَ يومًا“ (رواه أبو داود والترمذي).
الجنابة
ما هي الجنابة؟
الجنابة تحصل بسبب أحد أمرين:
-
الجماع، أي اللقاء الجنسي بين الزوجين وإن لم يحدث إنزال.
-
الاحتلام مع خروج المني.
ما الدليل على وجوب الغُسل؟
قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ (سورة المائدة، الآية 6)، كما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: “إذا جلس بين شعبِها الأربعِ، ومس الختانُ الختانَ، فقد وجب الغُسلُ” (رواه مسلم).
لا يُشترط الإنزال لوجوب الغُسل إن حصل إيلاج (دخول)، وإذا احتلمت المرأة ورأت المني، وجب الغسل، فعن أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك أنها قالت: كنت مجاورةَ أمِّ سلمةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت أمُّ سليمٍ يا رسولَ اللهِ أرأيت إذا رأتِ المرأةُ أن زوجَها جامعَها في المنامِ أتغتسلُ فقالت أمُّ سلمةَ ترِبت يداكِ أمَّ سليمٍ فضحتِ النساءَ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت أمُّ سليمٍ إن اللهَ لا يستحِي من الحقِّ ولنا أن نسألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عما أُشكِلَ علينا خيرٌ من أن نكونَ منه على عمياءَ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “ترِبت يداكِ يا أمَّ سليمٍ عليها الغسلُ إذا وجدت الماءَ”، فقالت أمُّ سلمةَ يا رسولَ اللهِ وهل للمرأةِ ماءٌ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “فأنَّى يُشبهُها ولدُها هن شقائقُ الرجالِ” (رواه البخاري ومسلم).
الإسلام بعد الكفر
إذا أسلمت المرأة وجب عليها الغُسل سواء كانت مشركة أو كتابية، فعن قيسِ بن عاصمٍ أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أريدُ الإسلامَ فأمرني أن أغتسلَ بماءٍ وسِدرٍ (رواه الترمذي).
والغُسل عند الدخول في الإسلام مستحب عند بعض العلماء، لكنه واجب عند الجمهور، خصوصًا إذا كانت المرأة قد مارست الجماع في جاهليتها.
غُسل المتوفية
إذا توفيت المرأة يجب على المسلمين أن يغسلوها، وهو فرض كفاية، فعن أم عطية نسيبة بنت كعب أنها قالت: دَخَلَ عَلَّيناَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَّيهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابنَتُه، فَقَالَ: “اغسِلْنَها ثَلاثًا، أو خَمسًا، أَو أَكثَرَ مِن ذَلِك، إنْ رَأيتُنَّ ذَلك، بِمَاءِ سِدْرٍ، واجعَلْنَ فِي الآخِرةِ كَافُورًا، أو شَيئًا مِن كَافُورٍ، فِإِذَا فَرَغتُنَّ فآذِنَّني”، قالت: فلمَّا فَرَغْنا آذَنَّاه، فأعطانا حِقْوَه، فقال: “أشْعِرْنَها إيَّاه. تَعني بحِقْوِه: إزارَه (رواه البخاري ومسلم).
هل يجب الغُسل على المرأة عند نزول المذي أو الإفرازات؟
المذي (سائل رقيق يخرج عند الشهوة) والإفرازات المهبلية لا توجب الغُسل، وإنما يجب منها الوضوء فقط، مع تغيير الملابس إن لامستها.
كيفية الغُسل الصحيح للمرأة
الغُسل الكامل الواجب يشمل أمرين النية وتعميم الماء.
خطوات الغُسل
-
النية وتُعقد في القلب لرفع الحدث.
-
التسمية بقول “بسم الله”.
-
غسل اليدين ثلاثًا.
-
غسل الفرج وتنظيفه جيدًا.
-
الوضوء كاملًا كوضوء الصلاة.
-
غسل الشعر مع تخليل جذوره.
لا يجب فك الضفائر إذا وصل الماء إلى كل الشعر، والنبي ﷺ لأم سلمة: “إِنَّمَا يَكفِيكِ أنْ تَحثِي عَلَّى رَأسِكِ ثَلَاثَ حثَياتٍ مِن مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَّيكِ المَاءَ فَإِذَا أَنتِ قَد طَهُرْتِ“ (رواه مسلم)، ويجب تعميم البدن كله بالماء بدءًا من الجانب الأيمن ثم الأيسر.
لا يُشترط أن تُكرري غسل كل عضو ثلاثًا، ولا يُشترط استخدام الصابون، كما لا يُشترط الوضوء بعد الغُسل إذا تم على الهيئة المسنونة.
أسئلة شائعة حول غُسل المرأة
هل يجب الغُسل بعد المداعبة فقط؟
لا يجب الغُسل بعد المداعبة إلا إذا حصل إنزال للمني أو إيلاج، أما إن لم يحصل شيء من ذلك، فيكفي الوضوء.
هل يجب الغُسل إن نزل مني المرأة بدون جماع؟
نعم، يجب الغُسل إن نزل مني المرأة بدون جماع إذا كان بلذة وشهوة وخرج من الموضع المعتاد.
هل يجوز تأخير الغُسل بعد الحيض حتى الصباح؟
نعم، يجوز تأخير الغُسل بعد الحيض حتى الصباح بشرط عدم أداء الصلاة حتى يتم الغُسل.
هل يجوز الصيام بدون غُسل؟
لا يجوز الصيام بدون غُسل إذا كانت المرأة جنبًا أو حائضًا ولم تغتسل قبل الفجر، أما إن طهرت قبل الفجر ونوت الصيام، فيصح.
هل يجب الغسل على المرأة بدون إيلاج؟
هناك ثلاث حالات في هذه المسألة، وهي كالآتي:
- الحالة الأولى: إذا شعرت المرأة بالشهوة واللذة وخرج منها مني (السائل الذي يخرج عند ذروة اللذة)، وجب الغسل، سواء حصل جماع أم لا، فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: “يا رسولَ اللهِ، هل على المرأةِ غسلٌ إذا احتلمتْ؟” قال: “نعم، إذا رأتِ الماءَ” (رواه البخاري ومسلم)، والشرط هنا هو رؤية المني، فلو احتلمت أو شعرت بلذة وخرج منها ماء المني، وجب الغسل.
- الحالة الثانية: مداعبة أو تقبيل أو تلامس بدون إيلاج ولا إنزال، في هذه الحالة إذا لم يحصل إنزال للمني، فـلا يجب الغُسل، لكن يجب الوضوء فقط إن خرج مذي (وهو ماء شفاف رقيق يخرج عند التهيج الجنسي)، كما أن المذي لا يوجب الغسل، والإمام النووي رحمه الله قال: “المذي لا يوجب الغُسل، وإنما يوجب الوضوء فقط”.
- الحالة الثالثة: حصول إيلاج حتى بدون إنزال، في هذه الحالة إذا حصل دخول حشفة الذكر في فرج المرأة، ولو لحظة ودون إنزال، فإن الغُسل واجب على الطرفين، حيث ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: “إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغسل، وإن لم يُنزل” (رواه مسلم).
هل يجب الغسل على المرأة إذا استمنت؟
الاستمناء هو إثارة الشهوة الجنسية بالنفس حتى يخرج المني، سواء باستخدام اليد أو غيرها، ويُعرف أيضًا بالعَادة السرِّية.
أجمع العلماء على أنه يجب الغُسل على المرأة إذا استمنت (أي مارست الاستمناء الذاتي) وخرج منها المني بشهوة، وهذا يشمل الاستمناء باليد، أو بالخيال، أو بأي وسيلة أخرى تؤدي إلى الإنزال.
على الرغم من أن السؤال عن الغُسل، لا بد من بيان الحكم الفقهي للاستمناء، فهو حرام على الراجح من أقوال العلماء، لما فيه من مخالفة لفطرة الله، والله تعالى قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾، ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ (سورة المؤمنون، الآيات 5–7)، فالاستمناء خارج العلاقة الزوجية من الأمور التي تُخالف الحياء والفطرة، وتضعف النفس.
هل يجب الغسل على المرأة إذا استمنت لزوجها؟
إذا لم يحدث إيلاج، لكنها شاركت زوجها في المداعبة أو استمنت له، وأثناء ذلك حصل إنزال منها للمني بشهوة ولذة، وجب عليها الغسل، أما إذا لم يحدث إيلاج، ولم يحصل منها إنزال (مني)، فلا يجب عليها الغُسل، ولكن إن خرج منها مذي (وهو سائل رقيق يخرج عند التهيج)، وجب عليها الوضوء فقط وغسل الموضع.
في الختام، الغُسل في الإسلام يتخطى كونه تنظيف للجسد، بل هو تطهير للقلب، وانبعاث لحياة روحية جديدة، وكل مرة تغتسلين فيها بنية الطهارة، تعود روحك أقرب إلى الله، وأصفى للعبادة، ومعرفة متى يجب الغُسل على المرأة واجب ديني، وهو باب من أبواب العلم الذي ينبغي لكل مسلمة أن تطرقه بفهم، لا بحرج أو خجل، فالدين لا يستحيي من الحق، والنبي ﷺ قال: “إنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ”، فلتكن الطهارة عنوانًا لحياتكِ، ولتكن العبادة طريقكِ إلى الجنة.
المصدر
تعليق واحد