يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا معرضًا لأنواع شتى من الابتلاءات، والآفات، والشرور الظاهرة والباطنة، فكم من أمراض تصيب الأبدان، وكم من وساوس تملأ القلوب، وكم من أعين حاسدة ونفوس حاقدة قد تترصد المؤمن في ليله ونهاره، وهنا تظهر الحاجة الملحة إلى دعاء تحصين النفس ذلك الدعاء الذي يمثل حصنًا ودرعًا واقيًا للمسلم في مواجهة هذه الأخطار.
التحصين الشرعي بالنصوص القرآنية والأدعية النبوية هو عبادة عظيمة وسنة مؤكدة، فقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان يُعلِّم أصحابه أذكارًا وأدعية تحفظهم من الشرور.
سنتعرف وفي هذا المقال على معنى دعاء تحصين النفس وأهميته، وسنتعرف على دعاء تحصين النفس من القرآن والسنة النبوية، وأدعية أخرى لتحصين النفس والأهل.
ما معنى تحصين النفس؟
التحصين في اللغة المنع والوقاية، وفي الاصطلاح هو الالتجاء إلى الله تعالى بالأذكار والأدعية المأثورة، طلبًا لحمايته من كل شر ظاهر أو خفي، فالله تعالى قال في كتابه: “فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” (سورة يوسف، الآية 64).
فالعبد إذا لجأ إلى ربه وتحصن بذكره، كان في حماية ربانية لا تخترقها سهام الحسد ولا مكايد الشياطين.
أهمية دعاء تحصين النفس
التحصين عبادة قلبية ولسانية، وهو مهم للأسباب الآتية:
حماية من وساوس الشيطان
الشيطان لا يفتأ يُلقي في قلب المسلم الوساوس والشكوك، فإذا أكثر العبد من الأذكار والدعاء، انصرف عنه الشيطان كما قال رسول الله ﷺ: “لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ” (رواه مسلم).
دفع الحسد والعين
قال النبي ﷺ: “العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين” (رواه مسلم)، ودعاء التحصين من أقوى ما يحمي العبد من آثار العين والحسد.
راحة القلب وسكينة النفس
الأذكار والأدعية تبعث الطمأنينة في القلوب، فالله تعالى قال: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (سورة الرعد، الآية 28).
استجابة لأمر الله ورسوله
فقد أمر الله عباده بذكره صباحًا ومساءً، وهذا من أعظم أبواب التحصين.
دعاء تحصين النفس
دعاء تحصين النفس من القرآن الكريم
القرآن الكريم هو أعظم وسيلة لتحصين النفس، ففيه الشفاء والوقاية، ومن أبرز الآيات التي يُشرع للمسلم تلاوتها للتحصين:
- آية الكرسي (البقرة: 255)، فالنبي ﷺ قال: “أن مَن قرأها [يعني : آيةَ الكرسيِّ] عندَ النومِ لا يزالُ عليه من اللهِ حافظٌ , ولا يقربُه شيطانٌ حتى يُصبِحَ” (رواه البخاري).
- المعوذات (سور الإخلاص، الفلق، الناس)، حيث كان رسول الله ﷺ يواظب على قراءتها ثلاث مرات في الصباح والمساء، وعند النوم، ويمسح بها جسده.
- خواتيم سورة البقرة، فالنبي ﷺ قال: “من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه” (رواه البخاري ومسلم) أي كفتاه من كل شر ومكروه.
- سورة الفاتحة، فقد صح أنها رقية، وكان الصحابة يقرؤونها على المرضى فتحصل لهم الشفاء بإذن الله.
دعاء تحصين النفس من السنة النبوية
جاءت السنة النبوية مليئة بالأدعية الجامعة للتحصين، ومنها:
-
“بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ”، فالنبي ﷺ قال: “من قالها ثلاثًا حين يصبح وحين يمسي لم يضره شيء” (رواه أبو داود).
-
“أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”
قال النبي ﷺ: “من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل” (رواه مسلم). -
“اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك” دعاء جامع للتحصين من كل مكروه.
الفرق بين الرقية الشرعية والتحصين
الرقية الشرعية في أغلب الأحوال تكون علاجًا بعد وقوع البلاء أو المرض، أما التحصين فهو وقاية قبل أن يصيبك شيء، لذل، يُشبَّه التحصين بالدرع الذي يمنع السهام قبل أن تصل إليك.
هل يكفي دعاء تحصين النفس وحده؟
الأسباب الشرعية والكونية لا بد أن تجتمع، فيقرأ المسلم الأذكار ويتحصن بها مع الأخذ بالأسباب الأخرى كالتوكل، والحذر، وعدم تعريض النفس لمواطن الخطر، فالنبي ﷺ قال: “اعقلها وتوكل” (رواه الترمذي).
أدعية تحصين النفس مميزة
- اللهم يا حافظ السماوات والأرض ومن فيهن احفظني بحفظك الذي لا يُرام، وكن لي حصنًا حصينًا وركنًا مكينًا، اللهم اصرف عني كل عينٍ حاسدة، ونفسٍ حاقدة، وشر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، ولا تجعل للشيطان عليَّ سبيلًا، اللهم ألبسني ثوب العافية في الدنيا والآخرة، وأعذني وأهلي ومالي من كل سوء ومكروه.
- اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل جبار عنيد، ومن شر كل شيطان مريد، ومن شر كل عين لامة، اللهم اجعل لي من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، واحطني بجندك الذي لا يُغلب، وكن لي وليًا وحافظًا ومعينًا.
- اللهم يا قوي يا متين يا قهار أبطل عنا وعن أهلنا كل سحرٍ وعينٍ وحسدٍ وشرٍّ، وأخرج من أجسادنا كل مرضٍ ألحقه بنا الشيطان أو حسد حاسد، اللهم طهر قلوبنا وديارنا من كل وسواسٍ خناس، واجعلنا في حرزك وأمانك ما حيينا.
- أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأتحصن بكلماتك التامات وآياتك البينات (يقرأ آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص والفلق والناس)، اجعلها يا ربنا نورًا لنا وحصنًا حصينًا يدرأ عنا كل سوء.
- أعوذ بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، من شر كل عينٍ وحاسد، ومن شر الشيطان وجنده، اللهم اجعلني وذريتي في حرزك وحماك، ونجنا من كل مكروه، واصرف عنا كل سوء يراه أو لا يراه البصر.
- اللهم يا من لا يُهزم جنده، ولا يُغلب أولياؤه، ولا يرد أمره، اجعلني في حرزك المنيع وحماك الحصين، اللهم احفظني من بين يديَّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعزتك أن أُغتال من تحتي، اللهم اجعلني في كنفك الذي لا يُخترق، وفي عينك التي لا تنام.
- توكلت على الحي الذي لا يموت، واستمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، اللهم حصِّنني بحصانتك، وأعنّي بقوتك، وادفع عني كل همٍّ وحسدٍ وشرٍّ أنت أعلم به مني، واجعلني في حرزك الذي لا يُنال.
- اللهم إني أعوذ بك من شر كل نفسٍ أنت آخذ بناصيتها، وأعوذ بك من شر الشيطان وشركه، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل مرضٍ وداء، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمِّي.
- اللهم يا من تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أعذني من شرور نفسي، وشر كل عينٍ لامة، وشر كل حاسدٍ وحاقد، وشر كل سحرٍ ومكرٍ وبلاء، واجعلني وأهلي وديارنا في كنفك ورعايتك، لا يرانا عدو إلا هلك.
- اللهم اجعلني في درعك الحصين الذي تجعل فيه من تشاء من عبادك، وكن لي سندًا ونصيرًا، اللهم لا تجعل للشيطان إليَّ سبيلًا، ولا للحسد طريقًا، ولا للعين أثرًا، وارزقني يقينًا يحصن قلبي من كل وسواس.
- اللهم اجعلني في حفظك الذي لا يضيع، وأمانك الذي لا ينتهك، وحرزك الذي لا يُخترق، اللهم اصرف عني كل بلاء، واكفني شر الحاسدين، وأذل عني كيد الشياطين، ونجِّني من شرور الدنيا والآخرة، وامنحني السكينة التي لا يُساويها شيء.
- اللهم من أرادني بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، واصرف عني مكائده كلها، وألهمني رشدك في كل خطوة، واحمني بحماك الذي لا يُغلب.
- اللهم اعصمني من الشيطان، ومن همزه ولمزه ونفخه، وأبعد عني شر نفسي وشر الناس، وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، وألبسني لباس العافية والرضا.
- اللهم إني أسألك باسمك الحافظ، الحفيظ، الحي القيوم، أن تحفظني بحفظك، وأن تعصمني بقدرتك، وأن تغمرني بعفوك، وأن تصرف عني شر الحسد والهوى، وشر ما ترى وما لا أرى.
كيفية تطبيق دعاء تحصين النفس في الحياة اليومية
لتحقيق أكبر أثر من دعاء تحصين النفس، ينبغي الالتزام بهذه الآداب:
-
النية الصادقة والتوكل على الله، فلا يتحصن العبد بالأدعية معتقدًا أنها بذاتها تدفع الشر، بل يجعل قلبه معلقًا بالله وحده.
-
المداومة على دعاء تحصين النفس، فالتحصين لا يكون مرة واحدة ثم يُهمل، بل هو ورد يومي صباحًا ومساءً.
-
قراءة الأدعية والآيات بتدبر وخشوع وحضور قلب تعظم أثرها.
-
دمج التحصين بالأذكار الأخرى كأذكار الصباح والمساء والنوم، وأذكار الخروج من المنزل والدخول إليه.
متى يحتاج المسلم إلى تحصين نفسه بدعاء تحصين النفس؟
رغم أن التحصين مستحب في كل وقت، إلا أن هناك أوقاتًا يتأكد فيها:
-
عند الصباح والمساء، لأنها أوقات تغيِّر الأحوال.
-
قبل النوم، لينام المسلم محصنًا.
-
عند الشعور بالخوف أو القلق، فهي تدفع الوساوس.
-
قبل السفر أو الخروج من المنزل حمايةً من الأخطار.
أثر دعاء تحصين النفس في حياة المسلم
من يواظب على الأذكار والأدعية المأثورة يجد أثرها واضحًا في حياته:
-
طمأنينة في القلب وراحة في النفس.
-
دفع البلاء قبل وقوعه.
-
حماية من الحسد والعين والسحر.
-
بركة في الرزق والأهل والمال.
في الختام، دعاء تحصين النفس عبادة عظيمة تفتح بابًا من أبواب القرب من الله، وتجعل المسلم يعيش في حصانة ربانية لا تضاهيها قوة، ومن أعظم ما يمكن أن يفعله العبد لنفسه ولأهله أن يُعلِّمهم هذه الأدعية ويحثهم على المداومة عليها صباحًا ومساءً، فالتحصين حصن المؤمن الذي يقيه الشرور، وهو وصية رسول الله ﷺ لأمته، والإمام ابن القيم رحمه الله قال: “الأذكار حصون المؤمنين، فإذا تركها باتت الذنوب على قلبه كالذئاب على الغنم”.
فلنحرص جميعًا على أن يكون لنا ورد ثابت من أذكار ودعاء تحصين النفس، فهو مفتاح للأمن والطمأنينة في الدنيا، وسبب لنيل رضا الله في الآخرة.
